من الكويت، المحطة الأولى لزيارته الخليجية، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 2014 استعداد بلاده للتفاوض حول جزيرة "أبو موسى". هكذا نقلت الخبر وكالة رويترز. ظنّ البعض أن إيران قبلت أخيراً بحل الإشكال التاريخي حول الجزر الثلاث، من ضمن مسعاها إلى التقارب مع دول الخليج.
ظريف لم يتطرق في حديثه إلى أخوات "أبو موسى"، جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى. في كل الحالات، لم يمرّ وقت طويل، حتى خرجت المتحدثة بإسم الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم، لتوضح ما تداولته وسائل الإعلام العالمية. أوضحت أن وزير الخارجية قال حرفياً: "أي سوء تفاهم حول جزيرة "أبو موسى" يمكن حله عبر أسلوب الحوار"، وأضافت أن إيران "لا تفاوض حول سيادتها على أراضيها ومنها جزيرة أبو موسى". ثم انبرى ظريف ليؤكد أن بلاده ترفض التباحث حول الجزيرة "لأنها إيرانية وإيران لن تفاوض على أراضيها" وأن ما قصده ينحصر في الاستعداد "لإزالة الالتباس حول الإدارة المشتركة لجزيرة أبو موسى الإيرانية".
ما هي قصة الجزر؟
فجر نهار الثلاثاء، في 30 نوفمبر 1971، أرسل شاه إيران محمد رضا بهلوي قوات عسكرية للسيطرة على ثلاث جزر واقعة في الخليج العربي، هي أبي موسى (13 كيلومتراً مربعاً) التي تتبع لإمارة الشارقة، وطنب الكبرى (11 كيلومتراً مربعاً) وطنب الصغرى (كيلومترين مربعين) اللتان تتبعان لإمارة رأس الخيمة.
وصلت قوات إيرانية جوية وبحرية وقامت بإنزال الدبابات والجنود على الجزر الثلاث وسيطرت عليها. في أبي موسى كان يعيش حوالى 1000 عربي معظمهم من قبيلة السودان الإماراتية، وينظم أمورهم والٍ يتبع لإمارة الشارقة. في طنب الكبرى، كان يعيش حوالى 700 شخص ينتمون في معظمهم إلى قبيلة بني تميم الإماراتية. أما طنب الصغرى التي تفتقر إلى مصادر للمياه العذبة، فلم تكن مأهولة. كانت عناصر قليلة من الشرطة الإماراتية تحافظ على أمن السكان الذين يعيشون حياة بسيطة ويعتمدون في حياتهم، بشكل أساسي، على الصيد البحري وتربية المواشي ويسكنون بيوتاً متواضعة مصنوعة من سعف النخيل.
قبل السيطرة الإيرانية على الجزر بيوم، أي في 29 نوفمبر 1971، كان حاكم إمارة الشارقة، خالد بن محمد القاسمي، قد وقّع اتفاقاً مع إيران، تحت إشراف الحكومة البريطانية، عُرف بـ"مذكرة التفاهم". جاء هذا الاتفاق كخاتمة لمحادثات كانت قد جرت بين آخر مقيم سياسي بريطاني في الخليج، وليام لوس، بالنيابة عن حاكم الشارقة وبين شاه إيران.
أكدت مقدمة الاتفاق أنه "لا إيران ولا الشارقة ستتخلى عن المطالبة بأبي موسى، ولن تعترف أي منهما بمطالب الأخرى” و”أن نصف الجزيرة الشمالي سيخضع لسيطرة إيران العسكرية ونصفها الجنوبي سيبقى من صلاحيات الشارقة”. ضمنت بريطانيا مصالحها بالنصّ على حق شرك “Butes Oil and Gas co" في استغلال الموارد النفطية لجزيرة أبي موسى وقاع البحر، على أن تقوم الشركة بدفع نصف العوائد النفطية مباشرة إلى إيران والنصف الآخر إلى الشارقة. لا يساوي الاتفاق بين إيران والشارقة، فهو يصف السيطرة الإيرانية بالاحتلال، وقد ورد فيه مصطلح Areas Occupied by Iranian Troops لوصف سلطة إيران على نصف الجزيرة الشمالي.
لم تكن الإمارات العربية المتحدة قد استقلت حينها عن السلطات البريطانية، فالإعلان عن هذه الدولة تم في 2 ديسمبر 1971. في كل الحالات، تحدثت "مذكرة التفاهم" عن جزيرة أبي موسى حصراً ولم تتطرق إلى أخواتها. في كبرى الجزر، سيطرت القوات الإيرانية على الجزء المتفق عليه في مذكرة التفاهم بحضور ممثل عن بريطانيا ونائب حاكم الشارقة الشيخ صقر بن محمد بن صقر القاسمي. أما في طنب الكبرى فقد جمعت إيران السكان وطردتهم إلى رأس الخيمة.
التاريخ الحديث للجزر
في القرن الثامن عشر، برز حلف القواسم كقوة بحرية انتشر نفوذها إلى مناطق واسعة من الخليج العربي بضفتيه الشرقية والغربية. دانت لسيطرة القواسم جزر قشم، وصرّي، وهنجام، وأبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، ووصل نفوذهم إلى البر الفارسي في محطات عدّة. هناك أسس فرع منهم، عام 1750، إمارة لنجة في الساحل الشرقي من الخليج العربي (الساحل الإيراني).
مع قدوم المستعمر البريطاني، نشب صراع بين البريطانيين وبين القواسم أفضى إلى سيطرة الأولى على المنطقة. في الساحل الشرقي، اجتاح الشاه ناصر الدين القاجاري إمارة لنجة، عام 1887، وأنهى حكم فرع الأسرة القاسمية هناك. منذها، سيطرت إيران على جزيرتي صرَّي وهنجام اللتين كانتا تابعتين لقواسم لنجة.
طالب الشاه ناصر الدين بجزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى التابعة لقواسم الساحل الغربي (أي ساحل عمان وحالياً ساحل دولة الإمارات العربية المتحدة) ولكن البريطانيين لم يلبوا أطماعه وأكدوا أن هذه الجزر تابعة لقواسم الساحل الغربي. ومنذها، تكررت مطالبات إيران بهذه الجزر دون أن تلقى نجاحاً حتى العام 1971.
مباني "الحق الإيراني"
تدّعي إيران أن الجزر كانت تاريخياً تحت سيطرة الإمبراطورية الفارسية. وفي العصر الحديث، كان الاستعمار البريطاني هو ما يحول دونها وجزرها. لتبرير حقها بالجزر، تُبرز إيران أربع خرائط بريطانية تظهر فيها الجزر ملوّنة بلون الأراضي الإيرانية (الأولى صادرة عن وزارة الحرب البريطانية في عام 1886 وقامت وزارة الخارجية البريطانية بإهدائها إلى شاه إيران ناصر الدين القاجاري عام 1888؛ الثانية، أصدرها اللورد كيرزون (آخر حاكم انجليزي للهند) عام 1892؛ الثالثة أعدتها مديرية مساحة الهند حول بلاد فارس في عام 1897؛ الرابعة، وردت في أطلس "ميرا" العالمي المنشور عام 1954). وتُبرز إيران صورة لوثيقة يرد فيها أن أجداد حاكمي الشارقة ورأس الخيمة أيّدوا حق إيران في ملكية الجزر وأنهم كانوا يستأجرونها من الحاكم الإيراني لميناء لنجة. كما تُقدّم ذريعة أخرى مفادها أن الجزر أقرب إلى برّها من البرّ الإماراتي. يزعم الإيرانيون كذلك أن جزيرة أبو موسى كانت تابعة لقواسم لنجة (يعتبر الإيرانيون أنهم كانوا رعايا فُرساً يدفعون ضرائب سنوية للحكومة الفارسية).
لا يأخذ القضاء الدولي بحجة الحق التاريخي، ويُعلي من أهمية الانتفاع والحيازة في "التاريخ الحديث نسبياً". كما أن قرب الجزر من الساحل الإيراني لا يعطي لإيران الحق بها لأن القضاء الدولي يحكم في هذه الحالات لصالح الدول التي تمارس سيادة فعلية ومنتظمة على الجزر. وتؤكد المراسلات المتبادلة بين قواسم ساحل عمان وقواسم لنجة أن الأخيرين يعترفون بسيادة أبناء عمهم على الجزر الثلاث.
بخصوص الخرائط، هي لم تكن دليلاً على اعتراف بريطانيا بسيادة إيران على الجزر، بدليل وثيقة صادرة عن وزارة الهند، بتاريخ 24 أغسطس 1928 جاء فيها: "إن الادعاءات الإيرانية بجزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، استناداً إلى خريطة اللورد كيرزون غير الرسمية لبلاد فارس عام 1892، والتي لُوّنت فيها الجزر بلون الساحل الفارسي، بالإضافة إلى الخريطة المسحية للهند عام 1897، لا يمكن الاعتداد بهما، نظراً لدأب الحكومة البريطانية على إبداء رفضها للادعاءات الفارسية في الجزر قبل وبعد التواريخ المذكورة". كما أن الخارطة الصادرة عن وزارة الحرب قُدّمت إلى إيران بشكل سرّي (تفتقر إلى صفتي الشُهرة والتواتر) ما يحوّلها إلى حجة ضعيفة. أما بالنسبة لصورة الوثيقة فهي أولاً صورة وثانياً هي صورة لوثيقة مجهولة المصدر.
وثائق إماراتية إضافية
حين توقيع "مذكرة التفاهم"، قال حاكم الشارقة: "إن الاحتفاظ بالسيادة على البعض أفضل من خسارة السيادة على الكل، نحن لانستطيع عسكرياً أن نمنع إيران من احتلال جزيرة "أبو موسى"، والدول العربية لم تساعدنا فكان علينا أن نقلع أشواكنا بأصابعنا". هذا يعني أنه وقّع تحت الضغط ما يؤدي إلى اعتبار المذكرة باطلة (توجد وثائق كثيرة تؤكد أن البريطانيين هوّلوا على الإماراتيين).
لطالما أكّد البريطانيون أن السيادة على الجزر الثلاث تعود إلى شيوخ الإمارات. على سبيل المثال لا الحصر، جاء في إحدى الوثائق الصادرة عن وزارة الهند البريطانية، بتاريخ 24 أغسطس 1928، أنه "من غير الواضح وجود أية ممارسة فعلية للسيادة من قبل فارس على جزر طنب وأبو موسى وصَّري قبل عام 1750، إلاّ أنه من الواضح تماماً انتفاء أية ممارسة فارسية لهذه السيادة على أي من الجزر المذكورة بين ذلك التاريخ ووقت الاستيلاء على جزيرة صّري عام 1887. وقد كانت الجزر على ما يبدو جزءاً من الأملاك الموروثة لمشايخ من العرب القواسم على الساحل العربي، بما لهم من مصالح متساوية مع أولئك القواسم المقيمين في الساحل الفارسي".
كذلك تدعم الملفّ الإماراتي وثائق تؤكد أن حكام الشارقة ورأس الخيمة كانوا يفرضون ضرائب على الأنشطة الاقتصادية (صيد الأسماك وجمع اللؤلؤ) التي كان يقوم بها سكان الجزر منذ مطلع القرن الثامن عشر، وكانوا يديرون المرافق الأمنية والصحية والتعليمية والبلدية المنتشرة عليها. أيضاً، رفض حاكم الشارقة عام 1898 منح امتياز لشركة أجنبية للتنقيب عن بعض أنواع المعادن في باطن أرض جزيرة أبو موسى؛ منح حاكم الشارقة امتيازات، عام 1937، للتنقيب عن النفط والغاز في الجزيرة إلى شركة "بتروليوم كومباني" Petroleum Company.
واقعة إضافية تدعم الملف الإماراتي تتمثل في طلب إيران، عام 1930، من بريطانيا إقناع حاكم رأس الخيمة بتأجيرها أو بيعها جزيرتي طنب وإقناع حاكم الشارقة بالتنازل عن جزيرة أبو موسى. حتى أن إيران عرضت التخلي عن المطالبة بجزيرة أبو موسى مقابل حصولها على طنب الكبرى. هذه الوقائع ترد في الوثائق البريطانية.
تدّعي إيران أن الإمارات تنازلت عن حقها في الجزر لأنها لم تطالب بها إلا في بداية التسعينات. ولكن هذا الادعاء زائف. ففي 9 ديسمبر 1971، رفضت الإمارات احتلال جزرها في رسالة وجهتها إلى مجلس الأمن الذي انعقد لبحث المستجدات بدعوة منها ومن دول عربية أخرى. ودورياً كانت الإمارات تؤكد عروبة الجزر (رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، بيان لها في الجمعية العامة للأمم المتحدة...).
إيران: الأرض لي
قامت إيران بالسيطرة على الجزر في عهد الشاه. بعد نجاح الثورة الإسلامية لم يتغيّر شيء، بل زادت الأمور تعقيداً. أعلنت الحكومة الإسلامية رفضها التنازل عن الجزر.
في آذار 1992، زار رئيس الجمهورية الإيرانية، هاشمي رفسنجاني، جزيرة أبو موسى. كانت هذه أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني إلى الجزر. منذها، تغيّرت الأمور إلى الأسوأ. تنصّلت إيران من القسمة التي أقرّت بها "مذكرة التفاهم" ومدّت سيطرتها على معظم الجزيرة. منعت المواطنين الإماراتيين من التجوّل في بعض نواحي القسم الإماراتي وفرضت قيوداً على تواصلهم مع وطنهم (منعت البعض من العودة وأجبرت الباقين على نيل تصاريح منها ورحّلت بعض العمال الأجانب) كما فرضت على سفن الصيد أخذ تصريحات منها قبل مزاولة أي نشاط. تفرض إيران حظراً على البضائع الآتية إلى القسم الإماراتي وتطوّر باستمرار القسم الإيراني في سياسة تهدف إلى ترحيل ما تبقى من إماراتيين (حوالي 80 شخص فقط).
عززت إيران تواجدها العسكري في الجزر ونصبت على أرضها بطاريات صواريخ وبنت موانئ للزوارق الحربية وشيّدت مطاراً عسكرياً وشجّعت الإيرانيين على الاستيطان فيها.
طلبت الإمارات، عام 1992، من إيران التفاوض حول الجزر. عُقدت ثلاث جولات في أبو ظبي في 27 و28 سبتمبر. طالبت الإمارات بإنهاء احتلال جزيرتي طنب وبالعودة إلى "مذكرة التفاهم" في ما خص جزيرة "أبو موسى". رفض الجانب الإيراني التباحث في مسألة جزيرتي طنب، ورفض إحالة القضية أمام محكمة العدل الدولية ففشلت المفاوضات. في ذاك المناخ، قال رئيس مجلس الشورى الإيراني: "إن قادة الدولة العربية الخليجية ربما نسوا التاريخ، فحتى إلى ما قبل أن يكسبوا كيانهم من الاستعمار البريطاني، كانت هذه الجزر إيرانية ولم تزل إيرانية وستظل إيرانية" وذلك رداً على بيان لمجلس التعاون الخليجي شبّه فيه الاحتلال الإيراني للجزر بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
يوماً بعد آخر كان التعنّت الإيراني يزيد! عام 2012، زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد جزيرة أبو موسى وقال: "إن الدول التي تحاول حالياً مصادرة إسم الخليج الفارسي لا تمتلك مطلقاً ثقافة وحضارة كي تريد أن تقف في مواجهة إيران". في الشهر نفسه، أعلن قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني، الأدميرال علي فدوي، أن قواته نشرت أنظمة هجومية ودفاعية على الجزر الثلاث "للرد بقوة على أي عمل عدائي" وشدّد على أن "هذه الجزر أراض إيرانية لا تنفك عن تراب إيران المقدس" واصفاً الحديث عن أنها إماراتية بأنه "أمر مرفوض تقف وراءه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا". حتى أن إيران غيّرت إسم "أبو موسى" إلى "الغدير"!
إضافة إلى موقعها الاستراتيجي، تخشى إيران من أن فقدانها الجزر سيولّد أثر دومينو ينتشر ليطال أراضيها التي تسكنها أقليات غير فارسية. عام 1994، قال رفسنجاني: "إنّ دولة الإمارات ستعبر بحراً من الدماء إذا ما أرادت السيطرة على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى". يبدو أن هذا التهديد لا يزال قائماً!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.