شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رُهاب التّجربة وكوميديا الموقف... عن العجز الجنسي عند الرجال من منظور السينما المصريّة

رُهاب التّجربة وكوميديا الموقف... عن العجز الجنسي عند الرجال من منظور السينما المصريّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الخميس 13 يوليو 202312:59 م

"ده مَرْبُوط"، "ده مَعْمول له عَمَل عشان ميعرفش يِعْمل"، و"ده مَسْحور"؛ هذه وغيرها الكثير، عبارات فُلكلوريّة مُتوارثة في المجتمع المصريّ عند الحديث عن العجز الجنسيّ لدى الرجال.

في هذا الصدد، قد يلجأ بعض الرجال إلى مُشعوذ لفك الرّبط أو العمل، ومنهم من يجلب شيخاً إلى بيته لقراءة بعض آياتٍ من القرآن الكريم من أجل فك السّحر وعودته سالماً إلى حياته الزوجيّة الطبيعيّة.

ما هو العجز الجنسي؟

يُعرّف موقعNews Medical Life Sciences الضعف أو العجز الجنسي، بأنّه عدم القدرة على حدوث الانتصاب لدى الرجل وتدعيمه بدرجة كافيةٍ، من أجل الحصول على اتّصال جنسيّ مُشبع ومُرضٍ وفعّال في الوقت ذاته.

كما أشار الموقع إلى أنه بحلول العام 2025، سيُقدَّر عدد الرجال المصابين بالعجز الجنسيّ على مستوى العالم بأسره بنحو 332 مليون رجل.

"ده مَرْبُوط"، "ده مَعْمول له عَمَل عشان ميعرفش يِعْمل"، و"ده مَسْحور"؛ هذه وغيرها الكثير، عبارات فُلكلوريّة مُتوارثة في المجتمع المصريّ عند الحديث عن العجز الجنسيّ لدى الرجال

واللافت أن نحو ثلاثة رجالٍ من كل خمسة، يعانون من العجز الجنسيّ، ولا يدركون أنّ الإصابة بهذا العجز قد تكون مؤشراً وجرس إنذار بوجود مشكلات صحية خطيرة.

أشارت دراسة نُشرت في العام 2020، إلى تزايد معدلات الإصابة بالعجز الجنسيّ بين فئة صغار السن؛ فنحو 56% من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، يحدث لهم عجز جنسيّ في مرحلة ما من حياتهم، مقارنةً مع فئة الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً.

وتختلف حالة العجز الجنسي عند الرجال عن قلّة الرغبة الجنسية؛ فالأخيرة ترتبط بالعواملٍ المحيطة بالشخص كالتوتر والقلق النفسيّين، والمداومة على أدوية معينّةٍ كمضادات الاكتئاب، والإصابة بسرطان البروستاتا وغيرها.

العجز الجنسي في السينما المصرية

تناولت السينما المصريّة قضية العجز والضعف الجنسيّين لدى الرجال في أفلام كثيرة، فهل عالجتهما بطريقة إيجابيّة أم سلبيّة؟

نستعرض لكم/ نّ خلاصة مجموعة من الأفلام المصريّة التي تناولت هذه القضية.

أولاً: فيلم "السّراب" (1970)

يُعدّ هذا الفيلم من أول الأفلام السينمائيّة، التي تناولت قضية العجز الجنسيّ لدى الرجال، إذ يحكي قصة شابٍ ثريّ يُدعى" كامل" يتزوج من حبيبته "رباب"، فتكتشف في ليلة الدخلة عجزه الجنسيّ.

وتتناول أحداث الفيلم سبب العجز الجنسيّ لديه من زاويتين: الأولى هي نشأته الاجتماعية المُدللة مع أمه من دون وجود الأب؛ فقد جعلت الأم الطفل محور حياتها بإفراطٍ شديد، فنشأ على الدلال والرّفاهية منذ صغره.

أما الزّاوية الأخرى التي قد تكون المسؤولة عن العجز الجنسيّ لديه، فهي حادثة استدراج الخادمة له ليلاً لممارسة الجنس معه في الثانية عشرة من عمره، وهو سن المراهقة عند الذكور، فتشاهده الأم وتنهره وتتوّعده بدخول النار؛ ما يولّد لديه عقدةً نفسيّةً تجاه النّساء بصفة عامة، والجنس بصفة خاصة.

تحاول الزّوجة إيجاد حلول بشتى الطرق للتغلب على عجزه الجنسيّ، من أجل حياة زوجيّة سعيدة، ومنها أن ترتدي أزياء تلك الخادمة. تتصاعد الأحداث وتحاول رباب، اللّجوء إلى طبيب نفسيّ لحل تلك الأزمة بينها وبين زوجها؛ فيوقعها في شباكه وتمارس الجنس معه لأول مرة في حياتها، وتصبح حاملاً منه.

يحاول الزوج مصالحتها والعودة إليها مرةً أخرى بعد نجاح التّجربة الجنسيّة الأولى له مع "تحية كاريوكا"، ولكن دون جدوى. إذ كانت رباب قد قامت بإجهاض الطفل فعليّاً حتى تتخلص من وصمة عار الحمل من رجل آخر، فلفظت أنفاسها الأخيرة. غلب على هذا الفيلم طابع "التراجيديا"، و"رهاب التجربة أو الموقف".

فيلم "عفواً أيها القانون" (1985)

تدور أحداث الفيلم حول قصة حب تجمع بين معلمة فلسفة ومدرّس في كلية الهندسة، تُتوّج بالزواج.

يعترف الزوج أمام شريكته في ليلة الدّخلة بعجزه الجنسيّ، ويقول لها إنّ العلاقة الحميميَّة ليست هي أساس المشاعر والارتباط العاطفيّ بين الزوجين، وتُصارحه هي الأخرى بحاجتها إلى العلاقة الحميميّة لتشعر بكينونتها الأُنثويّة، وحاجتها أيضاً إليها كي تُنجب وتمارس عاطفة الأمومة، ثم تتصاعد أحداث الفيلم، بحيث يبدأ الزوج بالشّك في زوجته لمصارحتها الأهل والأقارب والأصدقاء بعجزه الجنسيّ، وتبدأ معاناتها اليوميّة معه من إهانةٍ وضرب حتى كاد أن يخنُقها ذات مرةٍ، وفي الأثناء يُردّد اسم "زينات" فتكتشف سرّ هذه السيدة من والده: كانت زينات زوجة أبيه وقد شاهدها في مشهد جنسيّ مع عشيقها في أثناء غياب أبيه عن المنزل. يأتي الأب فجأةً ويُطلق الزّناد على الزوجة والرجل، ويقتلهما معاً.

نتيجةً لذلك تتولّد لدى الابن عقدة نفسيّة تجاه العلاقة الحميميَّة بصفة خاصة، والجنس بصفة عامةٍ، جرّاء هذا المشهد المُؤلم. تحاول الزوجة مساعدة الزوج للتّغلب على عجزه الجنسيّ؛ من خلال اللّجوء إلى أطباء كُثر، ويتّضح أن العائق ليس عُضويّاً إنما هو نفسيّ، فينجح الزوجان في ممارسة العلاقة الحميميَّة لأول مرة في حياتهما الزوجيّة.

وعندما يتولّد لدى الزوج مزيد من الثّقة بالنّفس ويشعر بالفحولة الجنسيّة، يخونها مع امرأةٍ أخرى على فراش الزوجيّة؛ فتُصدَم من المشهد وتُطلق الرصاص عليهما. تُسجن إلى حين جلسة الحكم الأخيرة، وتنجب طفلاً خلال إقامتها في السجن ثم يُحكم عليها بالسجن النهائي لمدة خمسة عشر عاماً.

غلب على هذا الفيلم الطابع التراجيدي "المأساة" و"رهاب التّجربة".

فيلم: "النوم في العسل" (1996)

تدور أحداث الفيلم حول وباءٍ غامض يتفشى في المجتمع المصري، فيُصيب جميع الرجال بالعجز الجنسيّ.

يبدأ المشهد الأول بانتحار عريس ليلة زفافه بطريقةٍ مأساويّةٍ، فتبدأ المباحث بالتحقيق مع "عروسته" لمعرفة سرّ انتحاره، ثم تتوالى البلاغات في أقسام الشّرطة عن خلافات زوجيّة تنتهي بقتل الأزواج زوجاتهم.

وتتزايد أعداد الضحايا من الجنسَين، بسبب هذا الوباء، ليكتشف مجدي (عادل إمام) رئيس المباحث في النّهاية، أنّ سر هذا العجز الجنسيّ لدى الرجال يكمن في تداعيات هذا الوباء الغامض.

من ناحية أخرى، يتناول الفيلم القضية من زاويةٍ سياسيّة، ويُرجع السبب إلى هموم الرجال وكثرة تفكيرهم في الأعباء الماديّة والهموم الاجتماعيّة التي تحيط بهم دائماً وتؤثر سلباً على قدراتهم الجنسيّة.

ينتهي الفيلم بحشودٍ تظاهريّة من قِبَل الرّجال يطلقون فيها التأوّهات، للفت نظر الدولة والحكومة المصريّة إلى معاناتهم الجنسيّة بسبب كثرة الأعباء والالتزامات الماديّة. غلب على الفيلم الطابع التراجيدي.

فيلم: "الفرح" (2009)


في مشهدٍ يجمع بين الثنائيّ حسن حسني ومي كساب، تقول له بدعابة ساخرةً: "يا أبو حبّاية"؛ كنايةً عن المُنشّطات الجنسيّة التي يتناولها باستمرار وبصورة مُفرطة من أجل التّغلب على العجز الجنسيّ لديه. غلب على هذا المشهد طابع "كوميديا الموقف".

فيلم: "بوبوس" (2009)

في مشهد كوميديّ يجمع بين أمين شرطة وراكبي ميكروباص في أحد الكمائن، يقوم الأول بالتّفتيش على جري عادته، فيُفاجَأ بوجود "حبوب فياغرا" مع عادل إمام، فيأخذها لأغراض شخصية.

أوضح المشهد أنّ أمين الشرطة يعاني من عجز جنسيّ في قالب كوميديّ، ولكن عادل إمام نصحه بعدم الإفراط في تناولها. غلب على المشهد طابع "كوميديا الموقف".

تراجيديا وعلاقات خارج إطار الزواج

يرى الناقد السينمائي ومؤلف كتاب "الجنس في السينما المصريّة"، محمود قاسم، أنّ غالبية الأفلام السينمائيّة التي تناولت قضية العجز الجنسي، عالجتها بطريقة مأساويّة شديدة، وكانت نسبة طرح القضيّة من الزاويّة العلميّة، ضئيلةً.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "عندما نحصد تأوّهات الرجال في أثناء الحشد التظاهريّ، في نهاية فيلم 'النوم في العسل' كمثال بسيط؛ نجد أنّها وصلت إلى نحو اثنين وخمسين تأوّهاً، وذلك دليل على فرط القهر الذي يتعرّض له بعض الرّجال في أثناء العلاقة الحميميَّة، كما أنّ انتحار العريس في المشهد الأول من الفيلم جريمة بشعة، ومأساويّة بكل معنى الكلمة. فالغالبيّة العظمى من المشاهد غلب عليها الطابع التراجيدي".

وتابع: "هناك أفلام سينمائيّة أخرى تناولت قضية العجز الجنسي لدى الرجال من زاوية الشّك في الزوجة؛ كفيلم 'العذراء'. فبعد إصابة الزوج بشللٍ كامل، أُصيب بعجز جنسيّ وأصبح يشك في زوجته بصورةٍ مُبالغ فيها، وتحوّل تعامله معها ليصبح قاسياً إلى أبعد الحدود، بدلاً من الرّفق واللّين في بداية علاقتهما".

تناولت السينما المصريّة قضية العجز والضعف الجنسيّين لدى الرجال في أفلام كثيرة، فهل عالجتهما بطريقة إيجابيّة أم سلبيّة؟

واستدرك قائلاً: "لكن هناك أفلام أخرى عالجت مسألة العجز الجنسي من زاوية العلاقات خارج إطار الزواج، وتُبرز هذه الأفلام اتجاه بعض السّيدات إلى تلك العلاقات؛ كوسيلة للتّنفيس عن احتياجاتهنّ الجنسيّة التي حُرِمن من ممارستها مع الزّوج، من أجل سدّ تلك الفجوة الجنسيّة والتّمتع بحياة جنسيّة سعيدة".

وأشار إلى أن بعض الأفلام عالجت القضية من خلال المواقف المضحكة؛ كرفع الإصبع -في فيلم "النوم في العسل"- وهي لفتة ممتعة من المخرج وحيد حامد، أو بعباراتٍ مضحكة مثل كلمة "أبو حبّاية" في فيلم "الفرح". فهذه المواقف والإفيهات المُضحكة، تحوّلت إلى نكات شعبيّة عند حديث العامة عن العجز الجنسيّ. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نؤمن بأن للإنسان الحق في التفكير وفي الاختيار، وهو حق منعدم في أحيانٍ كثيرة في بلادنا، حيث يُمارَس القمع سياسياً واجتماعياً، بما في ذلك الإطار العائلي، حيث أكثر الدوائر أماناً، أو هكذا نفترض. هذا الحق هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعات ديمقراطية، فيها يُحترم الإنسان والآخر، وفيها يتطوّر وينمو بشكل مستمر. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image