شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الضعف الجنسي عند الذكر... جريمة يعاقب عليها المجتمع

الضعف الجنسي عند الذكر... جريمة يعاقب عليها المجتمع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 28 أبريل 202312:00 م


كتبت منذ حوالي أربع سنوات نصاً صغيراً كان سيكون بمثابة افتتاح إشكالية حول العلاقات الجنسية التقليديّة والعلاقات الأيروسيّة، والتماس بعض التصوّرات حول العلاقات الناجحة وغير الناجحة. حينها كانت مجمل التعليقات الرجولية ساخرة، تهكميّة ظاهرياً ودفاعيّة باطنياً. لكن التعليق الوحيد الذي بقي حاضراً في ذهني حتى اللحظة هو حول تعجّب البعض: "أتعلّمنا كيف نمارس الجنس؟ كل الناس تعرف كيف تمارس الجنس ولا تحتاج أن تفكر وتعرف ما تكتب عنه".

الجدير بالذكر وللمفارقة أنني لم أكن أعلّم أو أتفلسف، بل كانت مجمل المسألة عبارة عن بضع تأملات جنسانيّة هشّة، وقابلة ربما للدحض. لكنّ ظاهرها يشير إلى أنها لم تكن بتلك الهشاشة التي هي عليها البنية الجنسانيّة للذكر، أدركت على ضوئها حلقتي المفقودة في الإشكاليّة المطروحة.

فالذكر يخجل من تعلّم كيفيّة ممارسة العلاقة الجنسية الممتعة والمُرضية لطرفي العلاقة من ذكر آخر، باعتبار أن الإنسان يولد ودافعه الجنسي معه، وكتالوغ الممارسة محفوظ فطريّاً باعتقاده. لكن يبقى السؤال: ما دام الذكر يولد ممتلكاً كل الأدوات فمن أين تأتي العنّة الجنسيّة، ضعف الانتصاب، القذف السريع، إدمان البورنوغرافيا والاستمناء القهريّ؟

ما دام الذكر يولد ممتلكاً كل الأدوات فمن أين تأتي العنّة الجنسيّة، ضعف الانتصاب، القذف السريع، إدمان البورنوغرافيا والاستمناء القهري؟

تشريح الذكورة

تقول سيمون دي بوفوار إن "المرأة لا تولد امرأة بل تصبح كذلك"، الأمر نفسه وإن كان في سياق آخر مختلف، الرجل لا يولد رجلاً بل يصبح رجلاً، لأن الأنوثة والذكورة ما هما سوى صفات تشريحيّة بلعبة لغويّة. فالذكر لغويّاً هو ما يظهر سلوك إيجابي، فهو "الفاعل والظاهر"، أمّا الأنثى فلا يتبقى لها سوى السلوك السلبي وأن تحمل في نفسها صفتي "المخفي والمفعول بها"، كذلك فإن مصطلح ذكر يُطلق على القضيب في اللغة العربية.

وهذا القضيب بالنسبة للطفل هو قدره، وهنا أقتبس قول فرويد "التشريح هو القدر"، لأن الطفل وإن كان لا يزال غير مدرك، فإنه يملك الدالّ الأول الذي يخوّله الدخول في عالم اللغة بصفته حاملاً للفالوس، وهو البديل الرمزي للقضيب. فالقضيب كعضو تشريحي لا قيمة له، لكن قيمته استمدّها من الصفات التي أسندت له منذ زمن طويل. فيكفي الاطلاع على كتابات من قبيلthe phallus: sacred symbol of male creative power ل alain danielo لفهم القيمة الاجتماعية- الأنثروبولوجية والجنسانيّة والفلسفيّة التي يستمد منها القضيب قيمته.

لن نبتعد عن موضوعنا الأساسي اذا اعتبرنا أن الطفل الذكر من بداية تماهيه مع الأب الموجود ليتدرّب على الرجولة، فإنه يأخذ منه صفاته الرجولية التي تضمن له الحصول على الاعتراف الاجتماعي الذي بدوره يضمن له سلّة من الامتيازات. شرط ألا ينسى العقد الأوديبي المبرم مع الأب، بأنّه سيحتفظ بقضيبه، فالقضيب في مجتمع الأبويّة اليوم هو كل ما يهم و بناءً على مركزيته يتموضع ويتحدّد وجوده، وبفقدانه قيمته الرمزيّة يفقد ذكورته فتهتزّ صورته عن الرجولة ويصبح مخصياً بالفعل لا بالقوة.

الامتحان الصّعب للذكوريّة

يمضي الرجل جلّ حياته محاولاً إظهار وإثبات هيمنته، انطلاقاً من فعالية قضيبه الجنسّية، وكمثل بسيط وواضح على أهمية هذا الموضوع - أقصد هنا القضيب كموضوع - ما أكثر كلمة مستخدمة للشتم لدى الجنسين و لماذا؟ لا لشيء إلا لأن هذا العضو محمّل بالمهام الاجتماعية إلى جانب مهامه العضوية.

حتى إنّ الرجل عرفياً وحده يحمل الحق بتسخير وتطويع كل معاجم المصطلحات الجنسية لخدمته التعبيرية، فانطلاقاً من هيمنته العائدة لتموضعه المركزي، يتم قياس قيمة المواضيع الأخرى وفقاً للمسافة بينه وبينها. فهو من يشتم باستخدام الأعضاء التناسلية الأنثوية، يهدّد بالاغتصاب، ويطلق النكات بالأعضاء الجنسية أو السلوكيات الجنسية مع رفاقه الرجال، ويحوّر كل كلمة لمعانٍ أخرى تحمل طابعاً جنسياً، عادة ما يكون كل فعل ناقص لا يتم إنجازه، حتى على مستوى العمل اليومي، يقابل من الرجال الآخرين بصفات تبخيسيّة: "إذا لم تستطع فتح هذا الكيس فكيف ستتزوج؟".

وهو ما يسبب ضغطاً على صاحبه ليكون على جهوزيّة للنجاح بمهمته بأن يكون الرجل المنتصب دائماً، منتصب نفسيّاً وجسميّاً وعضويّاً.

لكن الأجسام والأعضاء تنهار تحت سطوة الضغوط النفسية، ما يؤدي إلى فشل الأعضاء في إتمام مهمتها. وأكثر ما يصيب الدافع الجنسي في مقتل هو الضغوط النفسيّة الناتجة عن الامتحان الدائم الذي يخضعك له المجتمع، منذ ما قبل علاقتك الأولى أو الليلة الأولى لزواجك، فالجميع ينتظر التأكيد على الفحولة وإلا ستكون مخيّباً للآمال.

لدينا طاقات جنسية و دافع جنسي كالحيوانات لكنّنا لا نعاشر كالحيوانات، فلدينا تعقيداتنا النفسية العاطفية التي لا يملكها أي كائن آخر. وربما عند حلّ بعض هذه التعقيدات لن نحتاج للاعتقاد بأن أحدنا يطعن رجولة الآخر

فبقدر متعتها تغذي نرجسيتك، وبقدر برودها تعود محبطاً، وفي العديد من الحالات مُغتصِباً، فغالبية حالات ضعف الانتصاب والقذف المبكر تعود لحالة من التوتر والرهبة تشبه رهبة الامتحان وأقرب لحالة العجلة للانتهاء أو الهرب - وهي حالة تنطفئ فيها الطاقة الجنسية - ما يحفّز إفراز الأنسولين والأدرينالين في الدم، ويعطي أمراً للدماغ بالانتهاء سريعاً ليرتاح الجهاز العصبي ويعود لحالته الطبيعية، لكن مع نتيجة غير مرضية ، فخارجاً ينتظره المجتمع عند الباب، وهو ينتظر من شريكته الاعتراف بنجاحه واستمتاعها أيضاً وإلا فسينتابه الشعور بالدونية، وتراوده الضلالات حول إمكانية خيانتها له مع شخص فاعل لديه الرجولة التي يظنّ أنه فقدها.

إنكار فإحباط فعجز

من هنا أعود لنقطة طرحي الأولى، بأنّ الرجال يحاولون بكل الطرق الهروب من إظهار حاجتهم للإرشاد الجنسيّ من مختص أو طبيب، مبتعدين كل البعد عن العلاج الصحيح في محاولة عدم تقبل أن خطباً ما قد أصابهم، يهدّد تمركزهم ويسلبهم صولجان الحكم والنفوذ.

ما يدخلهم في دائرة مغلقة من الإحباط، المحاولة والفشل، ويلجأ بعضهم للأفلام الإباحية لتحفيز أنفسهم، فتزداد الأمور سوءاً، لأن الإباحية تدمّر العلاقات الجنسية السليمة والمتعة وخلايا الدماغ، ليتبعها إدمان الاستمناء، أو إدمان الهرمونات المصنّعة والتعويض عن فعل الرجولة في مظهر الرجولة الجسديّة، أو ممارسة العنف تجاه الشريكة. لكنه نادراً ما يتقبّل المعرفة المقدّمة من شخص آخر، وأن الأمر ليس امتحاناً، ولن يهان أحد في نهاية المطاف.

نعم جميعنا لدينا طاقات جنسية ودافع جنسي كالحيوانات لكنّنا لا نعاشر كالحيوانات، فلدينا تعقيداتنا النفسية العاطفية التي لا يملكها أي كائن آخر. وربما عند حلّ بعض هذه التعقيدات لن نحتاج للاعتقاد بأن أحدنا يطعن رجولة الآخر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image