شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
سيأتي رجل من الشمس يُعيد شموخَها... قرية ميْمَند الإيرانية وغرائبها

سيأتي رجل من الشمس يُعيد شموخَها... قرية ميْمَند الإيرانية وغرائبها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب نحن والتنوّع

الثلاثاء 11 يوليو 202301:07 م

يعتقد سكان أقدم مستوطنة بشرية في الهضبة الإيرانية أن رجلاً سيأتي من قِبل الشمس ليُعيد عظمة قريتهم الصخرية العتيقة وشموخها، حسب الأساطير.

على بعد 900 كم من جنوب العاصمة طهران، ما زال يعيش بعض السكان في كهوف تحت الأرض في قرية تُسمّى "مِيْمَند" (Meymand)، في مدينة بابَك، وهي منازل حُفرت في الصخور دون استخدام "طابوق" أو معدات بناء أخرى.


يعود تاريخ النقوش الحجرية التي عُثر عليها على ما تبقى من جدران منازل هذه القرية إلى نحو 10 آلاف سنة مضت، وهناك فخاريات يبلغ عمرها 6 آلاف سنة، انضمت إلى مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو عام 2015.

زيادةً على تلك الكهوف أو البيوت الصخرية، فإن معبد النار والقلعة والأبراج من حولها، تدلنا على أننا أمام قرية تراثية بقدم التاريخ، تحولت اليوم إلى أهم المواقع السياحية الإيرانية وسط البلاد.

تاريخ وجود الإنسان في قرية ميمَند يعود إلى حقبة سبقت الديانة الزَرادشتُية، حيث كان الأهالي يمارسون شعائرهم الدينية المسماة بـ"الميثرائية" 

تاريخ وجود الإنسان في قرية ميمند يعود إلى حقبة سبقت الديانة الزَرادشتية، حيث كان الأهالي يمارسون شعائرهم الدينية المسماة بـ"الميثرائية" (Mithraism)، وفق نتائج دراسات علماء الآثار الفرنسيين.

يتخذ أتباع الميثرائية، من العتمة والظلمة داخل المغارات والكهوف دُوراً لهم للعبادة ومقابر لموتاهم في الجبال، كما أنهم يؤمنون بقوة الجبال وشموخها، ما دفعهم لبناء بيوتهم في جوف الجبال منذ القِدم، حسب إحدى النظريات.

وبرغم تاريخها الطويل، إلا أن ما تم التأكد منه حول أطول فترة سكن البشر بشكل مستمر للأهالي في القرية، هي حقبة استمرت ألفي سنة فحسب، أي أن الإنسان قبل هذا التاريخ كان يسكنها بشكل متقطع في قرون مختلفة. مع ذلك تُعدّ ميمند، واحدةً من أقدم القرى المسكونة حتى اليوم بمساحة جغرافية تبلغ 420 كم.

الطراز المعماري

تتكون البيوت الصخرية من شقوق أو أخاديد أفقية، يتراوح طول الواحدة منها بين ستة أمتار وتسعة، وتمتد إلى موقع مرتفع يتلاءم مع حفر المنزل. تفضي هذه الشقوق أو الأخاديد في النهاية إلى ما يشبه الإيوان، فهو أهم ما في البيت الصخري، الذي يشهد معظم الأعمال المنزلية اليومية، وهناك على جدار الإيوان فتحة يوضع فيها مفتاح للأبواب.

هناك أيضاً عدد آخر من البيوت الصخرية تعلوها بيوت أخرى على شكل سلالم، وقد تتدرج طوابق البيوت هذه الى خمسة طوابق. الشكل الجوفي للبيوت مربع أو دائري يُنار عبر فتحات يصل ارتفاعها إلى 75 سنتيمتراً.

لا أزقة في قرية ميمند التي تقع في وادٍ بعيد في قلب الجبال القاحلة، خلافاً لغيرها من القرى المأهولة. واللافت في واجهات بيوت القرية أنها تُبنى على هيئة الإنسان، كما أن أبواب البيوت من خشب.

تُسمّى الكهوف أو البيوت "كِيتشه"، ويمکن أن تشتمل علی غرفة واحدة أو غرف عدة وإسطبلات. یتم بناء کل "كيتشه" علی أساس بنية واحدة، بل إنها مختلفة في حجم الغرف وعددها، كما یتمّ فصل الغرفة من الجزء الخلفي من المنزل واسمه "بَستو". هناك 2،560 غرفةً في 406 "كيتشه"، لكن اليوم لا يزال هناك 90 "كيتشه" سليماً لم يتضرر.

لا يتخطى عدد سكان القرية اليوم مئةً وخمسين شخصاً، معظمهم مربّو ماشية ومزارعون، يرعون ماشيتهم في المراعي الجبلية، وينقلون معهم الماشية حينما ينتقلون للإقامة في الكهوف، التي يخصصون بعضها كحظائر تحت الأرض لتلك الحيوانات.

حياة صحية وعيش موسمي

كما يعمل السكان في جمع النباتات الطبية، التي يقولون إنها تساعدهم في تحقيق صحة أفضل وحياة أطول.

ويغيّر السكان منازلهم بشكل موسمي، فهم يقطنون دُورهم المحفورة في الكهوف في المواسم الباردة ويتركونها في عزّ الصيف لشدة حرارة المنازل، إذ تكون الأحوال الجوية صعبةً للغاية وتتطلب منهم جهداً مضاعفاً.

ويمكن لكل "كيتشه"، أن يضمّ ما يصل إلى سبع غرف، كل غرفة يبلغ ارتفاعها مترين، وتبلغ مساحتها 20 متراً مربعاً، وبالطبع تتنوع المساحات وتختلف من كهف إلى آخر.


وقد طوّر السكان عبر الزمن تلك الكهوف لتناسب نمط حياتهم العصري، إذ تتوفر الكهرباء مما يسمح باستخدام أجهزة مثل الثلاجة والتلفاز، لكن مع ذلك ليست هناك مصادر للمياه الجارية، كما أن وسائل التهوية محدودة.

أما حمامات ميمند، فهي الأخرى مبنية في جوف الجبال الصخرية، وهي من غرائب الفن المعماري، وهذه الحمامات كمثيلاتها التقليدية فيها خزان للماء ومنزع للملابس، وتتم الإضاءة فيها عبر فتحات ومنافذ تعلو السقف.

معتقدات سكان ميمند

كانت القرية تتبع الديانة الزرادشتية، بعد الميثرائية، ولا تزال بقايا الماضي الروحي موجودةً في قرية ميمند، ويمكن مشاهدتها في متحف القرية "كيتشه دو باندي"، وهو كهف قيل إنه معبد القرية العتيق، قبل أن يتحول إلى متحف أثري يعرض ماضي ميمند وحاضرها.

حلّ الإسلام في القرن السابع الميلادي محل الديانة الزرادشتية، وأصبح الدين الرئيسي في تلك القرية وفي عموم إيران. واليوم هناك عدد من الكهوف التي تحولت إلى مساجد، لتصبح من الكهوف القليلة على مستوى العالم التي تُستخدم حالياً كمساجد.

وما زال الأهالي يتحدثون بلهجة خاصة مستخدمين مفردات من اللغة الفارسية القديمة، التي تُسمّى "اللغة البَهْلوية الساسانية"، ولم يرَ الباحثون وعلماء اللغة تغيّراً يُذكر في هذه اللهجة خلال عمرها الطويل.

شكّل تراجع أعداد السكان على مدار العام تهديداً لبقاء نمط الحياة الفريد في قرية ميمند، حتى سارعت وزارة الثقافة والسياحة إلى تنظيم مشروع يدعم السكان من خلال تحويلها إلى قرية سياحية.

تمت رعاية القرية وتحديث نظامها السكني مع الحفاظ على طرازها القديم، وبالتزامن مع جهود لرفع وعي السكان بقيمة تراث أجدادهم، تحولت بعض الكهوف إلى نُزُل ريفية جميلة.

لا أزقة في قرية ميمند التي تقع في وادٍ بعيد في قلب الجبال القاحلة، خلافاً لغيرها من القرى المأهولة. واللافت في واجهات بيوت القرية أنها تُبنى على هيئة الإنسان، كما أن أبواب البيوت من خشب

سرعان ما أصبحت ميمند، القرية الوطنية النموذجية في السياحة، وتهافت عليها آلاف السياح سنوياً، خاصةً في موسمَي الخريف والشتاء، ليجرّبوا نمط الحياة الذي استمر في تلك القرية لآلاف السنين.

بات المبيت في ميمند التي توصف بـ"نظام الصحراء"، متعةً لا بد من تجربتها، فانتعشت الحياة فيها من جديد وتحولت إلى واحدة من المعالم السياحية المهمة في الهضبة الإيرانية وسط البلاد.

وتم اختيار هذه الظاهرة الطبيعیة الثقافية التاريخية في العالم، لنيل جائزة "ميلينا ميركوري" (Melina Mercouri)، لصون المشاهد الثقافية وحسن إدارتها عام 2005، وهي جائزة يونانية برعاية منظمة اليونسكو.

"عندما كنت أقرر الفائز بجائزة ميلينا، كنت أعرف القليل عن قرية ميمند، لكن هذه الأرض المذهلة بسكانها الطيبين فاجأتني. وأدركت أن ميمند حقاً تستحق الفوز بهذه الجائزة"؛ هذا ما کتبه المشرف على حكام الجائزة وأحد أبرز مسؤولي اليونسكو لوران لويس شتراوس، في دفتر خواطر القرية حين زيارتها. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard