"كانت وقفتي في الهرم المتدرج أسفل يونس شلبي، وبالخطأ وضعت يدي وهو واقف فوقها، همست له: يونس شيل رجلك شوية، لكني فوجئت به يشتمني شتائم صادمة وهو ينظر أمامه دون أن ينظر إلي". هكذا يصف فاروق فلوكس موقفاً من كواليس مسرحية "قصة الحي الغربي"، التي قدمها الكاتب بهجت قمر والمخرج جلال الشرقاوي بعد نجاح مدرسة المشاغبين، من بطولة حسن يوسف ولبلبة وصلاح السعدني مع أبطال المشاغبين.
فاروق فلوكس... لم يكن "فلوكس"
هو فاروق توفيق صالح مبارك خريج كلية الهندسة، فمن أين جاء اسم فلوكس؟ في معسكر جامعي لكلية الهندسة في مرسى مطروح سخر فاروق من شاب على شاطئ البحر يتحدث الفصحى طوال الوقت، غريب الشكل والأطوار، خريج كلية دار العلوم، فتوعد الشاب فاروق قائلاً: "أنت فلوكس وسأضربك". أوحت له الكلمة بتقديم عرض فني في المعسكر اسمه "الشيخ فلوكس وبطانته"، ليلتصق به الاسم في الجامعة وطوال مشواره الفني، واستمر حتى مع أحمد فلوكس ابنه الذي عمل بالتمثيل.
تخرج فاروق من كلية الهندسة بعد دراسة امتدت لـ8 سنوات بسبب انشغاله بالأنشطة الفنية والاجتماعية، ثم حصل على بكالوريوس الحقوق بعد عمله كمهندس.
سخر فاروق من شاب على شاطئ البحر يتحدث الفصحى طوال الوقت، غريب الشكل والأطوار ،خريج كلية دار العلوم، فتوعد الشاب فاروق قائلاً: "أنت فلوكس وسأضربك". أوحت له الكلمة بتقديم عرض فني في المعسكر اسمه "الشيخ فلوكس وبطانته"، ليلتصق به الاسم في الجامعة وطوال مشواره الفني
نشأ فاروق في حي عابدين في فترة الملكية واختلط في ذلك الحي باليهود واليونانيين، وهو ما استفاد منه في أداء أدوار الأجانب المتمصرين، مثل دوره الشهير "ديموس" في مسلسل "دموع في عيون وقحة"، و هو ما جعله أكثر انحيازاً لعهد الملكية غير متحمس لأجواء القومية العربية الناصرية وأجواء الاتحاد الاشتراكي رغم نشاطه الفني والجامعي في ذلك العهد .
كان دور فلوكس في مسرحية "سيدتي الجميلة" مع فؤاد المهندس وشويكار من أبرز محطات شهرته، كوجه جديد مع زميله سيد زيان. وكان فلوكس صاحب كلمة مضحكة يقولها قبل أن يحمله زيان خارج خشبة المسرح: "يا هااي"، ولكنه فوجئ به في إحدى ليالي العرض يحمله خارجاً قبل إلقاء "الإيفيه" غيرةً من نجاحه. استاء فاروق من الموقف، ولكنه ظل صامتاً حتى تدخلت شويكار بطلة المسرحية، واستدعت زيان وعاتبته وطلبت منه عدم تكرار الواقعة.
شهادات كبيرة وأدوار صغيرة
التناقض بين شهادات فلوكس العليا في الهندسة والحقوق، وأدواره ذات المساحة الصغيرة، وحيرته بين مجال الهندسة والتفرغ للفن، أكسباه قدراً زائداً من الحساسية والتأكيد دائماً في الأوساط الفنية أنه "مهندس".
عند مشاركته في فيلم " فتاة الاستعراض" من بطولة سعاد حسني وحسن يوسف، ومن إخراج "محمود ذو الفقار، لاحظ أن ذو الفقار يدخل الاستوديو دون تحية أحد ما عدا الأبطال حسن يوسف وسعاد حسني، فاستأذن مساعد المخرج، ودخل لذو الفقار قائلاً: "مش بتسلم علينا ليه يا أستاذ؟ إحنا مش وحشين قوي. أنا فاروق توفيق صالح مبارك، مهندس وخريج حقوق وغاوي فن". فرد عليه معتذراً : "عدت عليا دي".
التناقض بين شهادات فلوكس العليا في الهندسة والحقوق، وأدواره ذات المساحة الصغيرة، وحيرته بين مجال الهندسة والتفرغ للفن، أكسباه قدراً زائداً من الحساسية والتأكيد في الأوساط الفنية أنه "مهندس".
بل ويروي عن تعرض الممثل والمهندس يوسف داود خريج جامعة الإسكندرية، للتنمر والاستخفاف خلال رحلة عرض مسرحية "الواد سيد الشغال" في أمريكا، من الممثلين مصطفى متولي وأحمد عبد الهادي، ليلومه فلوكس معتبراً قبوله للتنمر الذي لا يليق إهانة للهندسة، ويشكو لعادل امام بطل المسرحية الذي وعده بايقاف أي مضايقات ليوسف داود.
لم تقتصر المشكلات على ما يقوله أو يفعله فلوكس، ولكنها امتدت لأسباب لا علاقة له بها، عند اشتراكه في مسرحية "يا حلوة ما تلعبيش بالكبريت" من بطولة سهير البابلي وإخراج حسن الإمام في سبعينيات القرن الماضي.
وبعد حضور فلوكس في المسرح، ذهب للردّ على الهاتف في شباك المسرح، وبعد استئذان الإمام وعند عودته، فوجئ به ينفعل عليه بصوت جهوري عن ضرورة الالتزام بالمواعيد واحترام المسرح، ليفهم فلوكس لاحقاً أنه لم يكن المقصود بهذا التأنيب، وأنه كان وسيلة لإيصال رسالة للممثلة نبيلة السيد التي أتت متأخرة عن موعدها، ولم يوجه لها حسن الإمام الكلام مباشرة، لأنها كانت تتوسط له من أجل الزواج من المغنية سناء الباروني عضو فرقة "الثلاثي المرح" وشقيقة الممثلة الكوميدية سهير الباروني.
حشيش رشدي أباظة ودموع أمين الهنيدي
لم تكن تجارب ومواقف فلوكس كلها سلبية، فمنها اللطيف والظريف كما حدث مع رشدي أباظة، الذي بادره فلوكس في أول لقاء معه قائلاً: "صباح الخير يا أستاذ رشدي"، ففوجئ به يغضب ويسب قائلاً: "اسمي رودي... وأستاذ دي ما تقولهاش تاني"، ويحبه فلوكس ويصفه باللبق والمتواضع خفيف الدم. ومع استمرار عملهما سوياً في أفلام المخرج حسام الدين مصطفى العديدة، توطدت العلاقة لتصل لمرحلة المقالب،
في فيلم "حبي الأول والأخير" الذي تم تصويره في الإسكندرية، وقبل بداية تصوير المشهد، أعطاه رشدي سيجارة وبعد عدة أنفاس أدرك فلوكس الذي كان يشرب السجائر العادية فقط، أنها سيجارة حشيش، وهو ما سبب له حالة من الدوار، أدت لإعادته المشهد مرات عديدة معتقداً أن السجادة الموجودة بجانب باب الشقة هي عبارة عن رصيف يحاول عبوره، ليتم إلغاء التصوير في ذلك اليوم من شدة الضحك.
وفي الإسكندرية أيضاً كانت مشاركة فلوكس في مسرحية "المغفل" من بطولة أمين الهنيدي وعبد المنعم مدبولي وماجدة الخطيب، وكانت شخصية مدبولي لرجل يقول نكتاً سخيفة طوال الوقت، والغريب أنها كانت تلقى إعجاباً وتصفيقاً من الجمهور، وهو ما ضايق أمين الهنيدي بطل مسرحية الذي وقف في إحدى الليالي بعد إسدال الستار قائلاً: "أنا المايسترو، أنا صالح سليم، أنا الذي أسجل الأهداف لوحدي على المسرح... كله يباصي وأنا اللي أشوط في الجول"، ثم دخل غرفته وبكى وطلب تعديل النص. وهو ما حاول فعله بهجت قمر مؤلف المسرحية، ليستكمل الهنيدي المسرحية وهو لا يزال حزيناً، حتى انقطعت الكهرباء عن المسرح في ليلة عرض، فقال عبد المدبولي نكتة من نفس النوع الذي يلقيه في المسرحية، "مرة واحد الكهرباء اتقطعت في بيتهم ربطها بفتلة"، فيثور الهنيدي ويقرر عدم الاستمرار في المسرحية قائلاً: "ده بيضًحك في الضلمة"، وينتهي عرض المسرحية بعد 28 يوماً فقط من بدايتها.
خمسون عاماً من صراع الضحك قد تقتلك
عندما نشاهد مسرحية كوميدية ونستمتع بأبطالها وبتعليقاتهم الكوميدية، نتخيل الكواليس جنة ضاحكة يتعاون فيها الجميع من أجل إضحاك الجمهور، ولكن مذكرات فاروق فلوكس تكشف وجهاً مختلفاً من الغيرة والتنافس، من ستينيات القرن العشرين وحتى عام 2008، عندما شارك في بروفات مسرحية "يا دنيا يا حرامي" في مسرح الدولة، وارتجل جملة في مشهد مع الفنانة مها أحمد، لترد عليها بتعليق مضحك.
تأثراً بأدواره غالباً ما نعتقد أن شخصية الفنان يونس شلبي لا تختلف عمّا نراه على الشاشة أو خشبة المسرح، الريفي الساذج أو الشخص قليل الاستيعاب "ما بيجمعش"، ولكن في مذكرات فاروق فلوكس "الزمن وأنا"، نشاهد وجهاً آخر يبدو فيه يونس شريراً في رواية زميله
والمعتاد أن يقوم الملقن بتدوين تلك الإضافة، ولكنه نسي أن يفعل، وعندما نسي فلوكس تلك الجملة في البروفة التالية، فوجئ بمها أحمد تقول "ستووب" بصوت عال وانفعال دون مراعاة لسنّه، وتتهمه بأنه تعمد نسيان جملته قائلة: "لا فاكر ومش عايز تقول علشان أنا قلت وراك افيه"، ويشعر فلوكس باستياء شديد ويبلغ مدير الفرقة اعتذاره عن المسرحية، ويشعر بألم شديد، فلقد تسبب الموقف في إصابته بجلطة أدت لأزمة قلبية.
تأثراً بأدواره غالباً ما نعتقد أن شخصية الفنان يونس شلبي لا تختلف عمّا نراه على الشاشة أو خشبة المسرح، الريفي الساذج أو الشخص قليل الاستيعاب "ما بيجمعش"، ولكن في مذكرات فاروق فلوكس "الزمن وأنا"، نشاهد وجهاً آخر يبدو فيه يونس شريراً في رواية زميله، وذلك ما يمنح السيرة الذاتية الأهمية: إدراك أن الحياة كائن متعدد الوجوه والزوايا، والبطل الطيب هو نفسه الشرير المؤذي في رواية أخرى.
ربما لم نصل في سيرنا الذاتية لدرجة المكاشفة التي يعترف فيها البطل بخطاياه الحقيقية الكبرى ومتى كان شريراً في روايته، ولكن السيَر تكشف عن زوايا مختلفة لحياة حقيقية تختلف عن خيالات "الزمن الجميل" الخالي من كل شر، لتجعلنا أقرب لفهم الناس والحياة وتقبل الخطايا والمشكلات كجزء أساسي من كل زمن وكل إنسان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 7 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor