مساء الأربعاء، في 31 تموز/ يوليو، وقف المغني المصري الصاعد محمد الشرنوبي على مسرح "العاصمة الإدارية الجديدة" في ضواحي القاهرة. بأغنية حملت شعار الحملة الانتخابية للرئيس الحالي، "تحيا مصر"، استهل فقرته، واستمع له الرئيس عبد الفتاح السيسي، مبتسماً كعادته، ومعبراً عن رضاه بإيماءة بين المقطع والآخر.
فجأة، أصبح الشرنوبي صوتاً مفضلاً لدى النظام، يحيي أهم الحفلات التي يحضرها الرئيس. غنى في مؤتمر الشباب في نستختي العامين 2017 و2018. وفي كانون الثاني/ يناير من العام الجاري كان نجم افتتاح مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح في العاصمة الإدارية.
هكذا من دون مقدمات، بات ابن الـ24 عاماً مغنّي النظام.
كانت مشاركة الشرنوبي في فيلم "الممر" محطه مهمة في مشواره القصير. لعب دور مجند في الجيش المصري، وقدم أغنية الفيلم الأساسية، والتي أذيعت في الدعاية له، وتناقلتها القنوات والمواقع المقرّبة من النظام.
وأنتجت شركة مقربة من النظام فيلم "الممر" هذا العام كواحد من الأساليب الدعائية المروجة للدولة والقوات المسلحة، وشارك فيه عدد كبير من الفنانين من بينهم أحمد عز، وإياد نصار، وأحمد فلوكس.
القوة الناعمة للدولة
مع تولي الرئيس السيسي زمام الأمور، بات نهج المؤسسة العسكرية في التقرب من المطربين والممثلين أكثر وضوحاً. تتحدت الدولة عن "قوتها الناعمة"، وتستغلها في معاركها السياسية.
للمثال، في عام 2015 غنى المطرب محمد منير الذي كان مرتبطاً بالأفكار المتمردة، مع زميلته أنغام وآخرين في أوبريت "مصر قريبة"، ترويجاً لاستقطاب السائحين الأجانب، لا سيما الخليجيين منهم.
في العام نفسه، غنت أنغام "بلدي حاميها ربنا ومن بعده جيشها"، وقبل ذلك غنت "مصر بتكبر" المستوحاة كلماتها من عبارة السيسي الشهيرة "مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا".
الموهبة لدى ورثة الفن
الغريب في هذه الحالة أن مَن اعتاد النظام اعتمادهم مقربين منه كانوا دائماً من أصحاب المشوار الطويل، لكن يبدو أن اعتبارات أخرى باتت تحركه في اختياراته. المطلوب الآن مطرب صغير في السن، ووسيم، ومؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي، والموهبة ليست ضرورية.
محمد هو ابن الملحن فاروق الشرنوبي، وعمه هو الموسيقار صلاح الشرنوبي. ليس له تاريخ فني يذكر. اضطلع بأدوار هامشية منذ ظهوره الأول عام 2008 في مسلسل "في إيد أمينة" مع الممثلة يسرا، ثم في فيلم "السفاح" عام 2009 مع الممثل هاني سلامة.
شارك في أدوار هامشية، موهبته محل جدل وورث الفن عن والده وعمه... كيف تمكن محمد الشرنوبي من تصدر مسارح النظام المصري؟
"شباب وسيمون ذوو تأثير في مواقع التواصل الاجتماعي"... هذا ما تريده السلطة في مصر من فنانيها
لكن حياة الشرنوبي الفنية تغيّرت رأساً على عقب بعد اختياره لأداء أغنية "بحلم بمكان" في مؤتمر الشباب في شرم الشيخ، عام 2017، ثم بدأت وسائل الإعلام المصرية في استضافته في برامجها، كما راحت تنهال عليه عروض سينمائية في أعمال تنتجها غالباً شركات مملوكة للمخابرات العامة أو لمقربين منها، كشركة الماسة، منتجة فيلم الممر.
وعام 2018 شارك الشرنوبي في مسلسل "لدينا أقوال أخرى" مع الممثلة يسرا، ثم في مسلسلي "كأنه امبارح" مع رانيا يوسف، و"أبو عمر المصري" مع أحمد عز. أما في العام الجاري فشارك في فيلمين هما "تراب الماس" و"الممر" اللذان اعتمدا على فريق عمل قوي، وموازنة كبيرة.
ويشبه ما حدث مع الشرنوبي ما فعله النظام مع الممثلة دنيا سمير غانم، ابنة الفنانين سمير غانم ودلال عبد العزيز، وزوجة المذيع المقرب من النظام رامي رضوان.
كيف صُنع الشرنوبي؟
"هناك ثلاث مراحل أوصلت الشرنوبي إلى مسارح الحفلات التي يرعاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي"، يقول الناقد الفني محمد عدلي لرصيف22 ويضيف أن الثلاث لا علاقة لها بموهبته.
المرحلة الأولى، وفق عدلي، هي البحث عن مطرب مؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت وسامته في سن المراهقة عنوان هذه المرحلة وليس الغناء.
أما المرحلة الثانية، فيمكن وصفها بأنها مرحلة الكاريزما في البرامج التلفزيونية، حين أدى بعض الأغاني التي حققت له نجاحاً على وسائل التواصل، وجميعها لمغنين آخرين.
ثم تأتي المرحلة الثالثة، وهي مرحلة "التلميع" وتبنّي النظام له، والبدء في جعله الصوت الغنائي الذي يعبر عنه، بعد التثبت من أن شعبيته ازدادت بين فئات من الشباب الذين يرغب النظام في الوصول إليها.
يقول عدلي إن "السلطة المصرية ترى أن هذا المطرب يمكن أن يمثل المناسبات الخاصة بها، وهذا ما يظهر أن معادلة النجاح معقدة كثيراً في مصر، خصوصاً في هذا العهد"، مضيفاً: "سيأتي وقت تظهر فيه حقيقة موهبة الشرنوبي ويكتشف جمهوره قدراته كممثل أو مغنٍ".
وحاول رصيف22 التواصل مع الشرنوبي، أو فريق عمله، لكن أياً من الطرفين لم يستجب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
أحمد لمحضر -
منذ ساعةلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ يومينالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 3 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري