شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا يهمّ أن نعرف أبو العلا السلاموني ومسرحه التنويري؟

لماذا يهمّ أن نعرف أبو العلا السلاموني ومسرحه التنويري؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

يعدّ الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني واحداً من كتاب الجيل الثالث في المسرح المصري، والذي جاء بعد جيلين؛ الأول منهما هو جيل الرواد، ممثلاً في توفيق الحكيم ومعه كتّاب المسرح الشعري مثل أحمد شوقي وعزيز أباظة، والثاني منهما (جيل الستينيات)، ممثلاً في عدد كبير من كتاب المسرح منهم يوسف إدريس، ونعمان عاشور، وسعد الدين وهبة، والفريد فرج، ومحمود دياب، وصلاح عبد الصبور، وميخائيل روما، وغيرهم.

الجيل الثالث الذي ينتمي إليه السلاموني  لا ينطلق كتابه من منطلق فكري أو إبداعي واحد، لأن لكل واحد منهم طريقته ومنهجه ونظرته إلى الحياة. والسبب في ذلك يعود إلى غياب الهمّ القومي الذي يلتف من حوله الكتاب كما حدث مع جيل الستينيات،  مما أثر على توجهاتهم وجعل مواقفهم متباينة، وأدى إلى عدم وجود عوامل مشتركة تجمع بينهم، فصار الاجتهاد الشخصي محدداً لمدي تميز أعمال الكاتب، وسط أقرانه من الكُتاب.


ذهب أبو العلا السلاموني، باحثاً في الجذور، إلى التراث التاريخي الأسطوري الشعبي، ليعبر بالمعالجة المعاصرة عن الواقع، بكل ما فيه من تناقضات وصراعات أحدثتها المتغيرات الجديدة

إلى جانب أن هذا الجيل واجه عدداً من التحديات التي كان من الممكن أن تقتل الكتاب كمداً، وهي عدم وجود مظلة نقدية تحمي ظهورهم أثناء مسيرتهم الصعبة بالإضافة إلى وجود وسائل فنية أخرى مثل التلفزيون والفيديو، بما أثر على تلقي الفن المسرحي لدى الناس، فضلاً عن المتغيرات السريعة التي نتج عنها خلل كبير في العلاقة بين المُبدع والبيئة التي يعيش فيها، تلك العلاقة الجدلية التي تمخض عنها لحظات الإبداع الحقيقية، لقد تعرضت لزلزال أفقد الكتاب القدرةَ على استيعاب هذه المتغيرات.

كل تلك الأسباب أدت إلى تفاوت التجربة الإبداعية لدى هؤلاء الكتاب، مما دفع ناقداً مسرحياً هو فاروق عبد القادر إلى اتهام بعضهم بأنهم كانوا سبباً، بل ساهموا بما قدموه في انهيار خشبة المسرح المصري، وأن عددا قليلاً من هؤلاء ومنهم السلاموني كانوا فرساناً صعدوا إلى الخشبة المُنهارة.

في أجواء المتغيرات التي أحدثتها هزيمة 1967، والآثار التي خلفتها، واجه أبناء ذلك الجيل مجموعة من التحديات كان عليهم مواجهتها ليستطيعوا التعبير عن أنفسهم، معلنين عن موقفهم تجاه الواقع المحيط بهم ، فأخذ كل واحد منهم يبحث لنفسه عن طريق جديد، ربما يختلف عن الطريق الذي سار فيه كتاب الستينيات، ولم يعد موجوداً الهمُّ القومي العام،  خاصة بعد حرب أكتوبر، وانتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادي، وإبرام اتفاقية السلام مع إسرائيل في عهد السادات، فلاذ كل واحد منهم إلى تجربته، باحثاً عن هم إبداعي  وشخصي وفني خاص به.

ذهب أبو العلا السلاموني، باحثاً في الجذور، إلى التراث التاريخي الأسطوري الشعبي ليعبر بالمعالجة المعاصرة عن الواقع، بكل ما فيه من تناقضات وصراعات أحدثتها المتغيرات الجديدة.

والسلاموني يختلف عن أبناء جيله،  ومعه الكاتب يسري الجندي،  في أنهما بدآ معاً الكتابة للمسرح في الستينيات، لكن الضوء كان مُسلطاً أيامها على كُتاب العاصمة دون غيرهم من الذين يعيشون بعيداً عنها، ولذلك تأخرت أعماله وغاب تقديمها على خشبة المسرح، ولم تجد النور على المسارح الرسمية إلا في أوائل الثمانينيات حين أخرج له المخرج عبد الرحيم الزرقاني مسرحية "الثأر ورحلة العذاب" إنتاج المسرح الحديث،  ولهذا السبب لا يُعد تعبير "الجيل" موضوعياً، وحين نستخدمه،  نستخدمه كإجراء نقدي نوضح به بعض الملاحظات، أو نحدده كسياق للتعرف على تجربة الكاتب.

ولو كانت مسألة المجايلة دقيقة لكان السلاموني منتمياً إلى جيل الستينيات. لماذا؟ لأنه كتب أعمالاً مسرحية في تلك الفترة منها: "درس في المأساة" (1961)، و"مباراة بلا نتيجة" (1962)، و"حكاية ليلة القدر" (1963)، و"تحت التهديد" (1964)، و"سيف الله" (1965)، و"الجانب الآخر" (1967)، و"الحريق" (1968)، و"أبو زيد في بلدنا" (1969).

ليس هذا فقط، بل إن بعض هذه الأعمال عُرضت فوق خشبة المسرح في الثقافة الجماهيرية وقتها، لكن مأزق العاصمة والمركزية كان مُعوقاً كبيراً أمام الكُتاب الذين يعيشون بعيداً عنها، خاصة وأن الظروف وقتها لم تساعد أي كاتب ليستطيع تقديم أعماله في القاهرة، فوسائل الاتصال لم تكن متاحة بالصورة التي عليها الآن، وحتى وسائل المواصلات لم تكن سهلة.

تلك الظروف الصعبة، أبعدت بعض الكتاب عن مركزية العاصمة، وكانت سبباً في تأخر ظهورهم وتعرف الناس على أعمالهم. والمفارقة الغريبة أن محمد أبو العلا السلاموني حين قدم أول عمل له على مسارح الدولة في عام 1982اعتبرته الحركة النقدية كاتباً جديداً وشاباً، وتم التعامل معه على ذلك النحو، وكأن تجربته الممتدة قبل هذا التاريخ بأكثر من عشرين عاماً سقطت من ذاكرة الحركة النقدية التي لم تواكب إلا القريبين من الضوء والمقربين من النقاد.

انحاز مشروع أبو العلا السلاموني المسرحي لفعل التنوير، في زمن معاداته "فرمال الإظلام تزحف من الصحراء على الوادي لتحجب ما تأسس من استنارة، وسيوف الجهالة تحاول استئصال ما ترسخ من مبادئ للعقلانية، ورماح التعصب لا تكف عن مناوشة كل ما ورثناه من وعي نقدي، وأقدام التقليد تدوس في غلظة جاسية على كل ما يولده السؤال ماذا حدث للتنوير من تطلع إلى أفق معرفي لا حد له. هذا الانحياز لفعل التنوير، أضاف بُعداً آخر إلى أبعاد تجربته الإبداعية المسرحية  حين تفاعل وعالج متغيراً كبيراً، فرض نفسه في مصر منذ السبعينيات وما زال فارضاً نفسه حتى الآن،  ليس في مصر فقط، ولكن في المنطقة العربية كلها،  وأعني به متغير الإرهاب باسم الدين، وقضية خلط الأوراق بين الدين والسياسة".

تلك المحاور المُتعددة شكلت ملامح إبداعه المسرحي، وأكدت عمق مشروعه،  وهو حين يعالج موضوعات تتضمنها تلك المحاور بعدد كبير من النصوص لا نجد فيها نصاً يشبه الآخر، برغم أن القضية تبدو أمامنا واحدة. ذلك التنوع وفّرته موهبته الكبيرة ووعيه الفكري وثقافته الشمولية وثراء تجربته الإنسانية بشكل عام.

في محور توظيف عناصر التراث الشعبي مسرحياً كتب "أبو زيد في بلدنا" (1969)، و"الحريق" (1968)، و"تغريبة مصرية" (1992)، و"مولد يابلد" (1991)، و"المليم بأربعة" (1988)، و"حكاية ليلة حرب" (1963)، و" أبو نضارة" (1986)، و"مآذن المحروسة" (1982) و"رواية النديم عن هوجة الزعيم " (1970)، و"ملاعيب عنتر" (1991).

في المحور الخاص بمعالجة قضية الإرهاب والتطرف الديني كتب مسرحيات "السحرة" (1975) "المليم بأربعة" (1988)، "أمير الحشاشين" (1993)، "ديوان البقر" (1994)، "القتل في جنين "(2002)، "الحادثة اللي جرت في شهر سبتمبر" (2002)، "رسائل الشيطان" (2017)، "جهاد الفواحش في زمن الدواعش" (2018)، و"ابن دانيال والأمير وصال" (2020).

كل هذه الأعمال تكشف أننا أمام كاتب غزير الإنتاج. وبرغم تلك الغزارة إلا أن ارتباط أعماله بقضايا مجتمعه تجعلها معبرة عنه تعبيراً شاملاً على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية أيضاً بدون تكرار أو ضعف نصٍّ أمام سبعة عشر نصاً مسرحياً هي النصوص التي تناولها هذا الكتاب وتندرج تحت محورين من محاور التجربة الإبداعية لدي كاتبها، وهما: محور توظيف عناصر التراث الشعبي في المسرح، ومحور معالجة قضية الإرهاب والتطرف باسم الدين.

في نصوص المحور الأول (توظيف عناصر التراث في المسرح) وصولاً إلى صيغة يمكن أن نُطلق عليها اسم "المسرح الشعبي" حاول المؤلف الإجابة على مجموعة من التساؤلات النقدية والفنية التي تعكس الإشكاليات التي تواجه الكاتب المسرحي حين يحاول الكتابة في هذا النوع من المسرح.

أولها: هل سيستطيع إضفاء صفة "الشعبي" على مسرحه أم لن يستطيع؟ وذلك برغم توافر معيارين حددهما د. حسن عطية، وهما استلهام الموروث الشعبي ووضعه في سياقه الثقافي، فضلاً عن القيام بإعادة صياغة هذا الموروث صياغة فنية جديدة. وثانيهما: هل سيستطيع الكاتب أن يجعل هذا المسرح قادراً على عرض قصة من قصص الحياة، وليس الحياة نفسها، كما أكد على ذلك حسن عطية. 

التساؤل الثالث هو: هل استطاع الكاتب استغلال منهج الأداء في السير الشعبية الذي لجأ إليه في بعض النصوص ليُضفي به الطابع الشعبي على قالب مسرحياته؟ وهل الاتجاه إلى توظيف العناصر الشعبية في المسرح مادة وأداة يعني غياب المصادر التراثية غير الشعبية عن دائرة التوظيف نهائياً؟ وهو الأمر الذي شغل من قبل باحثاً اهتم بهذا الموضوع وهو الدكتور عز الدين إسماعيل. كل هذا الأسئلة وغيرها كانت منطلقاً أثناء قراءة النصوص وتحليلها وتحديد العنصر الشعبي الذي استعان به الكاتب، ومعرفة كيف وظفه، وكيف طوعه درامياً ليؤدي وظيفته دون الإخلال بطبيعته التراثية.

وفي نصوص المحور الثاني الخاص بمعالجة قضية الإرهاب والتطرف باسم الدين مسرحياً: كيف تعامل الكاتب مع تلك القضية الشائكة؟ وهل سيعالج الفكر أم يقدم الوقائع؟ وكيف سيتعامل مع المادة التسجيلية حين استعانت بعض النصوص بها؟ وهل ستغفل المُعالجة الدرامية الجوانبَ الفنية المُتعلقة بالحدث وطبيعته وتطوره والفعل الدرامي والشخصية بمكوناتها الإنسانية والفكرية والنفسية؟ وكيف ستكون الرسالة؟ وما هي طبيعتها؟

نموذج للمسرح الشعبي، ثلاثية المولد الشعبي

للكاتب ثلاثية مسرحية تتناول ظاهرة الموالد الشعبية تضم ثلاث مسرحيات هى "مولد يا بلد"، و"المليم بأربعة، و"ملاعيب عنتر".

 يميز تجربة أبو العلا السلاموني أن لديه مشروعاً مسرحياً متكاملاً وكاملاً يكتب ويعرف لماذا يكتب؛ يكتب ويعلم أن الكتابة ضرورة؛ يكتب محدداً موقفَه تجاه الواقع، ورؤيته الفنية تعكس هذا الموقف بشكل متميز

والمولد بوصفه ظاهرةً احتفالية شعبية يعدّ وسيلة من وسائل البهجة التي تسعد زواره بعيداً عن اهتمامهم بصاحب المقام ذاته، وذلك لأن الناس يسعون إلى إسعاد أنفسهم بالذهاب إليه، وحين يصبح قبلتهم فإنه يتشابه هنا مع المسرح بما فيه من عناصر الفرجة والدهشة والبهجة.

وكان هذا المولد ملهماً للكاتب، خاصة وأن منزله كان مجاوراً لمولد أبو المعاطي، أشهر مولد في دمياط. يقول الكاتب إن هذه الظاهرة الاحتفالية قد استهوته من صغره، خصوصاً ألعاب التياترو، والتشخيص الشعبي، و"لعل هذا هو الدافع وراء اتجاهي للفن عموماً والمسرح بوجه خاص".

وحين قامت السلطات بإلغاء الاحتفالية بزعم أنه يفسح المجال لفساد الأخلاق، حيث أصبح مرتعاً للصوص ومروجي المخدرات، لم تكن كل هذه الأسباب مقنعةً للكاتب أو لغيره ممن يتحمسون لظاهرة المولد بوصفها ظاهرة احتفالية شعبية. هكذا نراه يكتب مسرحية "مولد يا بلد" مدافعاً عن تلك الظاهرة بوصفها استدعاء للتراث الفني للشعب المصري في مواجهة الهجمة الشرسة من قبل جماعات الظلام المتطرفة، تلك التي أرغمت السلطات على إلغائه يكتبها السلاموني دفاعاً وانحيازاً عن عناصر الفن الشعبي المتعددة التي يقدمها المولد كـ"نموذج لمحور مقاومة الإرهاب".

أمير الحشاشين

يقدم الكاتب أبو العلا السلاموني مسرحيته "أمير الحشاشين" بعبارة قالها ابن خلدون في مقدمته مفادها: "العرب أصعب الأمم انقياداً لبعضهم البعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة ’فقلما تجتمع أهواؤهم’، ومن أجل ذلك لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو رئاسة أو أثر من الدين على الجملة".

وابن خلدون بتلك المقولة يضع يده على أس الداء في نظام الحكم العربي الذي لا يتم إلا بصبغة دينية "ومن ثم اختلطت أوراق الدين بأوراق السلطة منذ أن رفع الأمويون المصاحف على أسنة الرماح ’ورفع الخوارج شعار لا حكم إلا لله". وحين يبدأ الكاتب مسرحيته بتلك المقدمة الصريحة الكاشفة "فهذا معناه أن فكرته قد تحددت سلفاً، وقضيته قد فرضت نفسها عليه قبل أن يكتب. ولذلك فإن الجانب التسجيلي الذي يفرض يجيء مستلهماً من التاريخ" ويصبح هو مادة المسرحية وإن تدخل الخيال أثناء المعالجة .

ما يميز تجربة أبو العلا السلاموني أن لديه مشروعاً مسرحياً متكاملاً وكاملاً؛ يكتب ويعرف لماذا يكتب؛ يكتب ويعلم أن الكتابة ضرورة؛ يكتب محدداً موقفه تجاه الواقع، ورؤيته الفنية تعكس هذا الموقف بشكل متميز ولافت. تعامل مع التراث التاريخي لضرورة حين استخدمه كوسيلة إسقاط على الواقع بقضاياه السياسية والاجتماعية، وتعامل مع التراث الشعبي مُستلهماً منه العناصر التي بها يستطيع تقديم مسرح له ملامح وهوية. ومعياره في كل الحالات هو صدق التناول وبراعة المعالجة ووضوح الرسالة. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard