تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
في منتصف نيسان/ أبريل الماضي، اشتعل فتيل نزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ليعترض خطة البلاد للانتقال إلى الحكم المدني، ما أدى إلى انتشار العنف في أنحاء مختلفة من السودان وتعريض البلاد لخطر حرب أهلية.
في ظل هذا الاضطراب السياسي وتصاعد وتيرة الصراع، غالباً ما يتم تجاهل قصص أولئك الذين/ اللواتي يقاتلون/ ن من أجل الحب، القبول والكرامة. فبينما تتأرجح البلاد على حافة الفوضى، يشقّ مجتمع الميم-عين الصامد، طريقه الخاص خلال الشدائد.
هم/ نّ أبناء هذه الأرض، ويحملون/ ن في قلوبهم/ نّ حق التعبير عن هوياتهم/ نّ بحرية، بغض النظر عن الأصوات المعادية أو العقبات الثقافية التي قد تعترض الطريق.
ففي الوقت الذي تتقاطع فيه الحرب والتعدديات الجنسية والجندرية، تبرز مرونة هذه الفئة المهمشة وصمودها.
صمود الميم-عين: بين تكييف التحديات وتحقيق التغيير
يذهب هذا الصمود بعيداً عبر إصرار جماعي وشجاعة فردية ومبادئ مشتركة لتكوين حركة كويرية في السودان، تتكيف مع التحديات وتعلّم كيفية استغلالها كفرص للنمو والتغيير الإيجابي.
في هذا الصدد تقول ندى (اسم مستعار)، وهي إحدى الناشطات في الحركة الكويرية: "إن الحركة في السودان تُعدّ منذ نشأتها في مطلع الألفية، حركةً حكيمةً تسير بخطى ثابتة في اتجاه المناصرة إلى حدّ كبير، وتسعى إلى الدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين في السودان، وتعزيز الشراكات والتواصل الفعال الذي يبني حركةً مستدامةً للعقود والأجيال القادمة".
في ظل هذا الاضطراب السياسي وتصاعد وتيرة الصراع، غالباً ما يتم تجاهل قصص أولئك الذين/ اللواتي يقاتلون/ ن من أجل الحب، القبول والكرامة. فبينما تتأرجح البلاد على حافة الفوضى، يشقّ مجتمع الميم-عين الصامد، طريقه الخاص خلال الشدائد
إن الدور الذي تلعبه الحركة الكويرية السودانية، يتجاوز بكثير الدفاع عن حقوق الإنسان فحسب، فهي تعمل على بناء مجتمع أكثر إدماجاً وشمولاً، وتعزيز قيم التعايش والتصدي للتمييز والقمع المجتمعي والقانوني، فخلال فترة حكم البشير، فرض النظام تفسيراً صارماً للشريعة، ما أدى إلى "تجريم" المثلية الجنسية"، وقد اتخذت المادة 148 من القانون الجنائي السوداني إجراءات قانونيةً عدة بحق المثلية الجنسية، بما في ذلك السجن أو الإعدام.
أظهرت الثورة السودانية قوة العمل السلمي، وقدّمت بصيص أمل لمستقبل أكثر شمولاً وإنصافاً وكان أحد شعاراتها ومطالبها: "حرية سلام وعدالة".
وقد شهد قانون تجريم "المثلية" تعديلات بعد الثورة، سُمّيت بـ"حزمة الحريات"، ولكن لم يتم تطبيق هذه التعديلات على أرض الواقع، ونتج عن ذلك خلق بيئة عدائية تجاه مجتمع الميم-عين، ومع ذلك، فقد حدّ النزاع المتصاعد بشدة من قدرة الناشطين والناشطات على التواصل ودعم بعضهم/ نّ البعض.
في حديثه إلى رصيف22، شرح علي، وهو ناشط مثلي من الخرطوم، الصعوبات التي يواجهها أفراد مجتمع الميم-عين، خلال هذه الفترة المضطربة: "كنا نأمل أن تجلب الثورة، التغيير والمساواة للجميع، لكن الوضع الحالي جعل المهمة أكثر تعقيداً في التنظيم ورفع أصواتنا بالمطالب والنجاة".
وبدوره، يقول جمال وهو شخص كويري من الخرطوم، لرصيف22: "نحن نعيش داخل صندوق"، معبّراً عن الشعور بالتهميش الاجتماعي والعزلة والاستبعاد، المفروضة عليهم/ نّ.
للنزاع الحالي في السودان أثر على مجتمع الميم-عين شبيه بذلك الذي خلّفته جائحة كوفيد19، من عزلة واضطرار إلى البقاء مع الأسرة، وأصبح التحدي المتمثل في التنقل بين ديناميكيات الأسرة المعقدة وتحقيق توازن الاحتياجات الشخصية والتوقعات العائلية، مهمةً شاقةً، في مجتمع تلعب فيه الأسرة دوراً منفذاً للهيمنة الاجتماعية والثقافية حتى في أوقات الصراع.
وفي حديث لهناء (مثلية الجنس)، عن طموحها في الرحيل مع شريكتها، قالت: "أواجه القرار الصعب بالانتقال والفرار من الحرب مع شريكتي إلى مكان آخر آمن، وأجدني أتصارع مع أفراد عائلتي الذين عقدوا العزم على البقاء وحماية المنزل، وهو قرار أحترمه، إلا أنهم مانعوا مغادرتي بشدة تحت ذريعة 'ما عندنا بت بتسافر براها'".
في الحقيقة، غالباً ما يجد أفراد مجتمع الميم-عين أنفسهم ملزمين بالبقاء والتعايش مع أسرهم وتُسلب منهم حرية الاختيار، مما يفرض قوالب نمطيةً في التعبير عن هوياتهم/ نّ وجنسانيتهم/ نّ، وغالباً ما يعانون/ يعانين من العنف المتزايد، كما وصف طارق، وهو شخص غير ثنائي النوع الاجتماعي: "لا يمكنني التحدث عبر الهاتف لأنني أخشى أن تسمعني عائلتي".
وعليه، يجد الأشخاص من مجتمع الميم-عين أنفسهم/ نّ معزولين/ ات عن الدعم الأساسي وشبكات التضامن بسبب عدم القدرة على التواصل علناً مع الأقران.
زيادةً على ذلك، تؤدي الفوارق الاقتصادية والاختلافات الطبقية إلى تفاقم التحديات التي يواجهها مجتمع الميم-عين، حيث أن التكلفة العالية للنجاة من الصراع باهظة بالنسبة إلى الكثيرين/ ات، إذ تصل تكلفة الرحيل أحياناً إلى أكثر من 1،000 دولار للشخص الواحد.
الحب سلاح النضال
بات من الواضح أن المعركة من أجل الاعتراف والقبول تستمر، وبرغم مساهمة الثورة السودانية في تأجيج الأمل في إحداث تغيير جذري، إلا أنه يبقى الكثير من العمل المتبقي لتحقيق الشمولية والعدالة الجندرية. وفي ظل الظروف القائمة، يصبح من الأهمية بمكان الإقرار بالنضال الذي يواجهه مجتمع الميم-عين وضرورة الدعم الذي يتطلب منّا أن نتخطى الكلمات فقط.
"حبنا هو مقاومة، ومن خلاله، سنضع طريقاً للقبول في تحدّي المعايير المجتمعية المتأصلة، والعمل لخلق بيئة أكثر شمولاً وقبولاً للجميع برغم التحديات والحروب"
تشارك نادية، عابرة جندرياً، نضالاتها للعثور على الحب والقبول، وأعلنت حازمةً لرصيف22، أنه: "علينا أن نناضل من أجل حقوقنا وحبنا وكرامتنا. حتى في أحلك الأوقات".
وتضيف قائلةً: "حبنا هو مقاومة، ومن خلاله، سنضع طريقاً للقبول في تحدّي المعايير المجتمعية المتأصلة، والعمل لخلق بيئة أكثر شمولاً وقبولاً للجميع برغم التحديات والحروب"، وذلك على حدّ تعبير مايا أنجيلو، وهي شاعرة وكاتبة أمريكية لديها مقولة معروفة: "الحب لا يعترف بأي حواجز. يقفز فوق الحواجز، يقفز فوق الأسوار، يخترق الجدران للوصول إلى وجهة مليئة بالأمل"، فيما قال الشاعر والكاتب اللبناني جبران خليل جبران: "وإذا الحب أومأ إليكم فاتّبعوه حتى وإن كانت مسالكه وعرةً وكثيرة المزالق، وإذا الحب لفّكم بجناحيه فاطمئنوا إليه، حتى وإن جرحتكم النصال المخبوءة تحت قوادمه".
تلخّص نادية بهاتين المقولتين استعداد أولئك الأفراد الذين يؤمنون بمواجهة التحديات في السعي وراء السعادة والنجاة.
في نهاية المطاف، الحب هو أساس متين للنضال، المقاومة والمناصرة، وهو دافع قوي لخلق روابط لا تتكسر بين مجتمع الميم-عين، داخلياً وخارجياً.
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع