تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
بالرغم من تعرض المناضلين/ ات ومنظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق أفراد مجتمع الميم-عين للتضييق والكثير من التحديات في مختلف دول شمال إفريقيا، يُلاحَظ أن نشاط الحركة الكويرية في هذا الجزء من العالم مستمر، وفي تطور.
يتمثل هذا التطور في تبنّي أشكال نضالية غير تقليدية، تجمع بين النشاط الاجتماعي وأشكال تعبيرية إبداعية، مثل الآرتفيزم.
"الآرتفيزم" والحركة الكويرية
الآرتفيزم، هو مصطلح باللغة الإنكليزية يعني النشاط الذي يجمع بين الفن والنضال، يُسمى كذلك بالنضال الفني أو الفن الحركي، ويعني استخدام أساليب التعبير الإبداعية والفنية للتنديد بالظلم، التثقيف والتوعية وتحفيز التغيير داخل المجتمع.
في حديثه إلى رصيف22، عرّف كرم، مدير المشاريع الفنية والتواصل في منظمة "موجودين" التونسية، التي تعمل على ضمان المساواة وحماية الحقوق الإنسانية والجسدية والجنسية لأفراد مجتمع الميم-عين وغيره من الفئات المهمشة، النضال الفني بأنه "عمل فني أُنتج من قبل فنانين/ ات لديهم/ نّ وعي تجاه القضية الكويرية أو عمل نضالي أُنتج من قبل ناشطين/ ات بطريقة فنية".
بالرغم من تعرض المناضلين/ ات ومنظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق أفراد مجتمع الميم-عين للتضييق والكثير من التحديات في مختلف دول شمال إفريقيا، يُلاحَظ أن نشاط الحركة الكويرية في هذا الجزء من العالم مستمر، وفي تطور
وأضاف كرم: "نحن هنا أمام هويتين مختلفتين وتصورات مختلفة بخطاب مختلف، فبالنسبة للفنان الجودة الفنية هي الأهم، وهذا رأي نتشاركه في 'موجودين'، وبالنسبة للناشطين/ ات الأولوية تعود للرسالة والموضوع".
الآرتفيزم في قلب "موجودين"
بالإضافة إلى نشاطها النضالي، من خلال المناصرة والتوثيق وبناء القدرات والعمل على زيادة الوعي وخلق مساحات آمنة، اشتهرت "موجودين" بمشاريعها الفنية التي تجاوز صداها الحدود التونسية إلى باقي دول شمال إفريقيا.
في هذا الصدد، قال كرم: "في رأينا، الآرتفيزم في النضال الكويري حالياً أمر مفيد وناجع جداً، لأنه يمكّننا من الوصول إلى جمهور عريض، ويمكّننا من تكوين حلفاء/ حليفات من المجال الفني، والعمل على توعيتهم/ نّ حول القضية الكويرية في أعمالهم/ نّ، وهو ما يدفع بالقضية الكويرية إلى الأمام من خلال التوعية الناعمة، التي تمكّن من إيصال الرسائل بطرق ذكية وغير مباشرة، على اعتبار أن الإطار الفني يعطي مشروعيةً وأماناً للمحتويات المقدمة".
تابع كرم بالقول: "الفن هو أداة يمكن أن تعرض وتروّج المواضيع والإشكالات المرتبطة بقضايا مجتمع الميم-عين بطريقة سلسة، تجذب الانتباه وتسترعي اهتمام جمهور أكبر لا يقتصر على أفراد مجتمع الميم-عين فقط".
مهرجان غير مسبوق وأول مسرحية كويرية تونسية
نظمت "موجودين" في العام 2018، النسخة الأولى من مهرجان موجودين للأفلام الكويرية، وهو أول مهرجان فني من نوعه في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، متخصص في عرض الإنتاجات السينمائية المتعلقة بقضايا مجتمع الميم-عين، التي تسلّط الضوء على الهويات الجندرية والتوجهات الجنسية المختلفة والتحديات التي تواجه الأفراد والمجموعات المهمشة.
شهدت نسخة العام الماضي من المهرجان مشاركة 32 فيلماً من بينها أفلام عدة من دول عربية مثل تونس ومصر والأردن وفلسطين.
"الفن هو أداة يمكن أن تعرض وتروّج المواضيع والإشكالات المرتبطة بقضايا مجتمع الميم-عين بطريقة سلسة، تجذب الانتباه وتسترعي اهتمام جمهور أكبر لا يقتصر على أفراد مجتمع الميم-عين فقط"
حول بداية المهرجان، أوضح كرم أن المهرجان "بدأ من قبل كنادٍ للسينما داخل 'موجودين'، كان يقوم نشاطه على عرض الأفلام ومناقشتها، ثم جاءت بعد ذلك فكرة تنظيم مهرجان فني حول قضايا مجتمع الميم-عين".
من أحدث المشاريع الفنية التي قامت "موجودين" بإنتاجها، مسرحية "فلافرانتي" من إخراج آسية الجعايبي، وقد اعتبرتها المنظمة "أول إنتاج مسرحي كويري تونسي، تقدّم نفسها كبديل جريء وفريد من نوعه في تونس ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بهدف إحداث تأثير اجتماعي من خلال الفن".
في حديثها إلى رصيف22، أكدت مخرجة المسرحية، آسية الجعايبي، أن مسرحية "فلافرانتي" ستُعرض في ألمانيا قريباً، بعد ثمانية عشر عرضاً قُدمت في تونس العاصمة"، كاشفةً أنه "في العروض الأولى كان أغلب الجمهور من مجتمع الميم-عين والأصدقاء، ومع توالي العروض أصبح الجمهور عريضاً وينحدر من فئات مختلفة من المجتمع التونسي".
تابعت المخرجة: "عملت من خلال 'فلافرانتي'، على طرح القضية الكويرية وتفسير بعض المعلومات غير المنتشرة، كالفصل 230 الذي يجرم المثلية الجنسية في تونس والفحص الشرجي الذي ما زال يُعتمد فيها، بالإضافة إلى عرض للهويات العابرة والكويرية".
حول مقاربتها الفنية المسرحية للقضية الكويرية، قالت جعايبي: "المسرح الذي أشتغل عليه يجمع بين العديد من المكونات، من بينها الفن في شقه الجمالي، ويفسر المصطلحات والمفاهيم، الخرافة وبناء القصة بتشعباتها كما يقوم بتمرير أحاسيس تخلق تفاعلاً ووعياً بما يجري في البلاد. تمكّن مكونات المسرح هذه من إيصال القضية الكويرية بطرق غير معتادة إلى المجتمع التونسي، على غرار باقي المجتمعات العربية".
الإبداع الكويري في "نسويات"
في دفاعها عن حقوق المجتمع الكويري في المغرب، تعمل "نسويات"، وهي مجموعة نسوية مغربية، على توفير "مساحات آمنة وشاملة ومتساوية وتشجيع ودعم أفراد المجتمع الكويري على الظهور والتعبير عن صوتهم/ ن بحرية"، وذلك من خلال القيام بحملات توعوية، إنتاج المعرفة وتنظيم أنشطة فنية تنضوي تحت مشاريعها لـ"الآرتفيزم".
في هذا السياق، قالت الناشطة النسوية أيوبة الحمري، وهي إحدى مؤسسات مجموعة "نسويات": "بالنظر إلى السياق المغربي، أحياناً لا يمكن العمل على التعبئة من أجل تغيير القوانين ومناصرة القضايا الكويرية بطرق مباشرة، لذلك يبقى النضال الفني أداةً فعالةً تمكّن من تمرير الكثير من الرسائل التي قد تكون مفهومةً أو يحوم حولها الغموض، من دون الحاجة إلى الإفصاح عن كون الأمر يتعلق بقضايا الكوير، أي أن الفن يبقى أداةً كونيةً ومبدعةً للنضال".
دشنت "نسويات" مشروع "همن"، وهو عبارة عن سلسلة أفلام قصيرة "كويرية تحكي عن قصص لنساء كويريات، ترانسات وأشخاص غير ثنائيي الجندر في المغرب والمهجر" و"عبور" من إخراج نجلاء آيت ابنا وإيناس بوعلو.
قالت أيوبة: "في كل حلقة من "همن"، تحدثت إلينا نساء كويريات حول تجاربهنّ في المجتمع مع القانون، العائلة والحب، والهدف منها تسليط الضوء على المعاناة التي تعيشها النساء الكويريات في المغرب، أما "عبور" فهو يسرد حياة مجتمع الميم-عين في المغرب، من خلال رؤية شخصية كويرية غير ثنائية، تحكي عن أحلامها، معركتها، معاناتها، اضطهادها، ضعفها، حساسيتها وقوتها".
ونظمت "نسويات" مؤخراً المعرض المشترك للفنون البصرية "ذاكرة جسد"، وهو نتاج مشروع "نسوي آرت"، المنصة الفنية المخصصة للفنانين/ ات العابرين/ ات جندرياً، الكوير واللا ثنائيين/ ات، التي تم إطلاقها سنة 2020، ويهدف المعرض إلى تشجيع الفنانين/ ات لكي يفكروا/ ن ويجسدوا/ ن ويعبّروا/ ن عن منظورهم/ نّ للجسد، وجاء لكي يحفز الرغبة، ويخلق ويشارك أعمالاً فنيةً لا نراها كثيراً في الساحة الفنية المغربية"، حسب منشور لنسويات.
"سقف" والفن النضالي
أُسست "سقف"، المجموعة الفنية الكويرية النسوية المغربية، في العام 2019، من قبل مجموعة من الأشخاص الترانس واللا ثنائيين/ ات، الذين/ اللواتي تبنّوا/ ين "الآرتفيزم" كإستراتيجية للعمل والمناصرة.
"جاء تأسيس سقف نتيجةً لبحث مطوّل عن فرص للتعبير والمشاركة والنمو بالنسبة لنا كفنانين/ ات عابرين/ ات ملتزمين/ ات بالدفاع عن قضيتنا عبر ممارساتنا الفنية، ونتيجةً لانعدام الفرص التي من شأنها بناء مهاراتنا وتطويرها، وقررنا خلق هذه الفرص بأنفسنا"، هذا ما قالته صوفي خالي، إحدى مؤسسات مجموعة "سقف".
وأضافت صوفي: "نؤمن بأن الآرتفيزم إستراتيجية فعالة في الدفع بالنضال العابر والكويري إلى الأمام، حيث يتميز بقدرته الكبيرة على خلق التغيير والضغط، نشر الأمل والإلهام، إيصال الرسالة، مشاركة الإحساس بالانتماء والحب"، مشيرةً إلى أن "الآرتفيزم يتميز بقدرته على خلق أثر فعال ومستمر على المدى البعيد".
تنظم "سقف" إقامةً فنيةً تحت اسم "إقامة سقف" في مدينة مراكش، لمدة أسبوعين وهي عبارة عن "منصة من أجل الإبداع، التبادل، التعلم، بناء المهارات، الرعاية، الشفاء، الابتكار والفرح"، حسب منشور لها على حسابها على فيسبوك.
كما تنظم "سقف" أنشطةً وورشات تنضوي تحت لواء إستراتيجيتها لخلق التضامن وبناء الحركة والتمكين، وفق ما أكدت صوفي: "نركز على بناء قدرات العابرين/ ات واللا ثنائيين/ ات وغير مطابقات الجندر والكوير في مجالات الفن والرقمنة ومهارات المناصرة".
الدعم بين الحاجة والخوف
حول مسألة التعاون وتلقّي الدعم، قال كرم، مدير المشاريع الفنية في "موجودين": "في البداية كنا نتعاون مع الفنانين/ ات بشكل شخصي، وفي الدورة الأولى لمهرجان 'موجودين' للأفلام الكويرية، شارك معنا بعضهم/ ن كأعضاء في لجنة التحكيم، كما نتعاون الآن مع منظمات غير حكومية تشتغل في المجال الفني".
تابع كرم: "يمكن أن نقول إن هناك دعماً ليس من قبل المؤسسات الرسمية وإنما من قبل الأفراد الذين لديهم/ نّ وعي تجاه القضية الكويرية".
من جهتها، قالت أيوبة: "الفنانون/ ات الوحيدون/ ات الذين يدعموننا هم فنانون/ ات كوير وأفراد من مجتمع الميم-عين".
"نؤمن بأن الآرتفيزم إستراتيجية فعالة في الدفع بالنضال العابر والكويري إلى الأمام، حيث يتميز بقدرته الكبيرة على خلق التغيير والضغط، نشر الأمل والإلهام، إيصال الرسالة، مشاركة الإحساس بالانتماء والحب"
وأضافت بنبرة من الحسرة: "لكن للأسف أغلبية الفنانين/ ات المشهورين/ ات هنا في المغرب، لم يدعموا/ ن حتى الآن المشاريع التي نعمل عليها. من الصعب تكوين حلفاء في هذا المجال، لأن الفنانين/ ات عموماً يتخوفون/ ن من الحديث عن هذه القضايا، لكيلا يخسروا/ ن جمهورهم/ نّ".
بدورها، أكدت صوفي: "نتلقى دعماً من الفاعلين الفنيين العابرين/ ات والكوير فقط، أما الفاعلون/ ات الفنيون/ ات والثقافيون/ ات في المغرب، فيخشون التعاون معنا تجنباً للمشادات مع المجتمع".
بالنظر إلى محدودية الموارد التي تشتغل بها المنظمات والمجموعات الكويرية في كل من المغرب وتونس، على غرار باقي بلدان شمال إفريقيا، وصعوبة حصولها على أي دعم مباشر من الفاعلين/ ات الفنيين/ ات، وخاصةً المؤسسات والهيئات الحكومية، تبقى الشراكات الجهوية بين المنظمات والمجموعات الكويرية، سبيلاً لتعزيز دور الآرتفيزم في الدفع بالقضايا الكويرية إلى الأمام من خلال القيام بمشاريع فنية مشتركة، موجهة إلى جمهور أوسع.
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون