شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أفراد الميم-عين يهاجرون من أجل الحب... لماذا تهاجر القلوب من منطقتنا؟

أفراد الميم-عين يهاجرون من أجل الحب... لماذا تهاجر القلوب من منطقتنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الاثنين 20 فبراير 202312:59 م

تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.

تُجرّم العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الحب بطريقة أو بأخرى، فبعض الدول تُجرّم المثلية، وأخرى تجرّم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج وغيرها من صور الحب، وغالبية الدول تجرّم الاثنتين معاً.

في سياق مماثل، يحلم شبان وشابات وآخرون/ يات بالهجرة، ومنهم/ نّ من يصارع القوانين المُجّرمة للحب في انتظار أجل غير مسمى للتغيير.

في المنطقة من هجر عائلةً وأصدقاء وجامعةً ومقهى اعتاد ارتياده، ومدينةً عشقها منذ المهد وبلداً حمل جنسيته، فقط من أجل حب حُرِم أو جُرِّم أو أشير إليه بإصبع الاتهام، فكثيراً ما نتحدث عن هجرة الأدمغة وكيف يختار شبان/ شابات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذهاب إلى الغرب لتحقيق طموحاتهم/ نّ المهنية، ولكن هناك أيضاً هجرة قلوب للفرار من حب مُجرّم أو اللحاق بحب آمن؟

كم من شخص هاجر من أجل الحب؟ وكم من فرد رحل لأنه يعيش في مجتمع يُجرّم الحب؟ كم من عاشق يصارع الحب في وطن يجرّم الحب بين شخصين من "الجنس" نفسه، أو فردين يرفضان الخضوع أمام مؤسسة الزواج؟

"لا انتماء إلى وطن من دون الحب"

تحكي كنزة، وهي طالبة جزائرية تعيش في مدينة رين الفرنسية، أنها هجرت بلدها وتركت فيه حب أجمل سنوات حياتها، لتحقيق مستقبل مهني استعصى الحصول عليه في بلدها. فلا هي استطاعت العودة من أجل ذلك الحب ولا عاشت علاقةً في فرنسا تغنيها عن حبها الأول: "علاقاتي في فرنسا عابرة، ولربما غياب الحب الحقيقي هنا هو ما يحرمني من الانتماء إلى هذا البلد"، وفق ما تقول.

تؤكد كنزة، لرصيف22، أنها تركت حبيبتها في الجزائر أيضاً لأنها لم تستطع تصور أي مستقبل لعلاقتهما هناك، فلا القوانين السالبة للحريات ولا عقلية الناس الكارهة للنساء المثليات في المجتمع تسمح لهنّ بذلك.

كم من شخص هاجر من أجل الحب؟ وكم من فرد رحل لأنه يعيش في مجتمع يُجرّم الحب؟ كم من عاشق يصارع الحب في وطن يجرّم الحب بين شخصين من "الجنس" نفسه، أو فردين يرفضان الخضوع أمام مؤسسة الزواج؟

هل يمكن أن نعدّ أرضاً تجرّم الحب وطناً؟ سؤال يجيب عنه أسامة، الشاب العشريني المقيم في العاصمة التونسية، والذي يحلم بالرحيل إلى أوروبا: "في بلدي كل علاقة جنسية مثلية هي جريمة، سواء كانت مبنيةً على الحب أم لا"، متابعاً: "لا ينظر رجال الشرطة إلى قلوب المواطنين، بل إلى نتائج تحليل الفحص الشرجي وهذا بالطبع ليس عدلاً".

لهذا يحلم أسامة بالرحيل إلى أوروبا، ليس لأجل الحب بقدر ما هي رغبة في الحصول على وطن: "ربما لن أجد حبيباً هناك، ولكن على الأقل سأجد وطناً يحترم الحب"، كما يقول لرصيف22.

"لن أرحل من أجل الحب"

يجزم سفيان، وهو مغربي ذو ثلاثين سنةً، لرصيف22، بأنه لن يرحل من أجل أي حبيب كان: "حبي لوطني ثابت وباقي الحب متغير. لن أهجر وطناً من أجل شخص معيّن إلى أن يهجرني وطني".

يظن سفيان بأن الحب ممكن في أكثر الأماكن خطورةً: "كلمات أغنية الفنانة ريهانا حقيقية جداً، قد نجد الحب في أكثر الأماكن انعداماً للأمان".

وبحسب سفيان، قد يستطيع شخصان في الوقت الحالي في أفغانستان أو إيران أو قطر، عيش قصة حب محرمّة ومجرّمة أعمق وأصدق وأنبل من شخصين يستقران في أكثر الدول احتراماً لحقوق الأقليات: "لربما هذا الشيء هو أجمل ما في الحب".

حب صعب المنال

"عندما قدِمت إلى ألمانيا قبل عشرين سنةً، كنت أؤمن بالحب بسذاجة. ظننت أنه يكفي الابتعاد عن دولة تجرّم المثلية لأجد الحب"، هذا ما يقوله محمد، الرجل الأربعيني في حديثه إلى رصيف22، ليضيف أنه عاش العنصرية والإقصاء وهو يسعى إلى علاقة حب في ألمانيا، حلم بها مراهقاً وهو يشاهد أفلام الحب المصرية والفرنسية.

علاقات لم تنجح مع رجال من "بني جلده"، لأن قلوبهم مجروحة كقلبه، على حدّ تعبيره، "لأسباب سياسية وتاريخية واجتماعية مرتبطة بأن تكون رجلاً مثلياً في عالم عربي".

في البلد نفسه، تؤكد لبنى أنه لا مكان للحب في برلين المدينة التي اختارت الاستقرار فيها، أو على الأقل لا مكان للحب كما عرفت عنه في أفلام فاتن حمامة وعمر الشريف وأغاني فيروز وأسمهان: "في برلين جشع جنسي يمنع قصص الحب من التحقق. الكل يجري وراء تجارب جنسية جديدة فينسى جمال علاقة بسيطة داخل بيت صغير يسوده التفاهم والحوار. في الوقت نفسه، أعرف أن هذا الحب الذي أحلم به صعب المنال هنا وهناك. ففي بلدي الأم القوانين المنحازة إلى الرجال وهيمنة العقلية الذكورية تحولان دون تحقق ذلك"، وتضيف: "الحب فقط كذبتنا الصادقة كما يقول محمود درويش".

"لا أريد الحب في مكان ليس آمناً"

"لا بلدي الأم آمناً، ولا أرض اللجوء أمنةً وغياب الأمان يحرمني من الحب. كيف لقلب أن يحب في بلد يجرّم الحب وكيف لقلب أن يحب في بلد لا يحس فيه بالأمان بعد؟".

هذا ما يقوله أحمد، الذي انتقل للعيش في كندا سعياً وراء استقرار نفسي لم يستطع الوصول بعد إليه، حسب تعبيره، استقرار يمكّنه من الدخول في علاقة صادقة تنسيه سنوات القمع الجنسي المتمثلة في قانون يجرّم المثلية.

ما زال أحمد منذ سبع سنوات، يتأرجح بين علاقات جنسية عابرة يصفها بالمسرفة وعلاقات غرامية مستحيلة بسبب قلب مجروح في وطنه الأم.

"الحب واليأس لا يجتمعان"

في حديثها إلى رصيف22، تؤكد نورة نور الله، وهي ناشطة نسوية كويرية مقيمة في ألمانيا، أن في المهجر فضاءات للتعارف والبحث عن شريك/ ة، والخيارات متعددة من حيث الجنسيات والجنسانيات والهويات الجندرية.

وتستدرك بالقول: "لكن كيف لقلب مكسور أن يستطيع الولوج إلى هذه الفضاءات؟ قلب حُرِم من الحب في موطنه وربط الحب بالجريمة؟

"لا بلدي الأم آمناً، ولا أرض اللجوء أمنةً وغياب الأمان يحرمني من الحب. كيف لقلب أن يحب في بلد يجرّم الحب وكيف لقلب أن يحب في بلد لا يحس فيه بالأمان بعد؟"

وتختم حديثها بالقول: "المهاجرات والمهاجرون يصلون إلى بلاد الغربة بحالات نفسية مختلفة، تحدد الطريقة التي سيتعاطون بها مع كل شريك/ ة أو حبيب/ ة. فهل هذه الفضاءات مؤهلة للتعامل مع قلوب كسرها التجريم والعنف المجتمعي؟ هذا هو النضال الذي يجب أن نخوضه كناشطين/ ات في المهجر"، كما تقول.

بين قلب شاب/ ة يُجرح هنا وآخر يحرم من الحب هناك، إيمان بالحب يحبط ويجهض يوماً بعد يوم في أوطاننا. إيمان بالحب نحن في أشدّ الحاجة إليه في عالم تسود فيه الحروب والكوارث الطبيعية والعنف والهيمنة الذكورية. فهل من قانون دولي يحمي القلوب ويخلق لها مساحات للحب آمنةً؟ وهل من قوة كونية مهما كانت ذكوريةً وسلطويةً وعنيفةً، تستطيع منع قلوب جمعها الحب من الالتقاء؟ 

هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

المجاهرة العنيدة بأفكارنا

ظننا يوماً أنّ تشبثنا بآرائنا في وجه كلّ من ينبذنا، هو الطريق الأقوم لطرد شبح الخوف من الاختلاف.

لكن سرعان ما اتّضح لنا أنّ الصراخ بأعلى صوتٍ قد يبني حواجز بيننا وبين الآخرين، وبتنا نعي أنّ الظفر بالنجاح في أيّ نقاشٍ والسموّ في الحوار، لا يتحقّقان إلا بفهمٍ عميق للناس الذين ينفرون منّا، وملاقاتهم حيث هم الآن.

Website by WhiteBeard