شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الحبّ قبل

الحبّ قبل "خلاف أكتوبر"… الشاذلي والسادات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ

السبت 8 يوليو 202301:47 م

عقب الخلاف الشهير بين الرئيس المصري أنور السادات وسعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري خلال إدارة حرب تشرين الثاني/أكتوبر، عاش الشاذلي ما تبقّى من سنوات عُمره في سبيل الهجوم على السادات واتّهامه بالخيانة والعمالة وسوء إدارة القتال، وهي الاتهامات التي قادت الشاذلي للمحاكمة العسكرية ثم السجن الحربي.

مذكرات الشاذلي المنشورة تشي بالكثير من الغضب الذي ملأ نفسه تجاه السادات، وهو الشعور الذي حافظ عليه حتى واقعة الاغتيال الشهيرة على المنصة، وهي الخطوة التي باركها الشاذلي علناً، حتى أنه وصف خالد الإسلامبولي بأنه "واحد من أجرأ الضباط في الجيش المصري".


هذه العداوة الضارية توحي بأن الأجواء كانت مسمومة بين الرجلين طيلة الوقت، لكن الغريب أنها لم تكن كذلك أبداً، بل والأغرب أن الشاذلي كان حليفاً وثيقاً للسادات حتى نُظر إليه باعتباره رجله الأول في الجيش وإن لم يجرِ تعيينه وزيراً للحربية.

ووصل الأمر بالفريق صادق، وزير الدفاع لفترة وجيزة، باتّهام الشاذلي في مذكراته بأنه تحالف مع السادات للإطاحة به من منصبه!

يقول صادق في مذكراته: "بدا أن كلاً منهما، ومن خلال محور شكّلاه، يتطلع لتحقيق أهدافه الخاصة، فالسادات يسعى للارتكاز على سندٍ عسكري للتخلص مني، وسعد يتطلع لمنصب وزير الحربية".

دعم عسكري مبكر للسادات

بعد عملية الزعفرانة في 1969، التي أدت لعزل الفريق أحمد إسماعيل، رئيس أركان الجيش وقتها، من منصبه، تقرّر تعيين الشاذلي قائداً لمنطقة البحر الأحمر، وهي المهمة التي أثبت فيها كفاءة كبيرة، إذ عجزت إسرائيل عن تحقيق أي اختراق لهذه المنطقة طيلة فترة وجوده بالمنصب.

ظلَّ الشاذلي في هذا المنصب خلال الفترة المتبقية من حُكم عبد الناصر، ثم بداية فترة الرئيس السادات، وهو الوقت الذي شهد ظهور الصراع على عرش مصر مبكراً بسبب الاستهزاء الذي كنّه قادة الجيش والاتحاد الاشتراكي للسادات باعتباره أضعف من أن يُواجه واحداً منهم.

العداوة الضارية توحي بأن الأجواء كانت مسمومة بين الرجلين طيلة الوقت، لكن الغريب أنها لم تكن كذلك أبداً، بل والأغرب أن الشاذلي كان حليفاً وثيقاً للسادات حتى نُظر إليه باعتباره رجله الأول في الجيش

خلال احتدام أزمة السادات مع مراكز القوى لعب الشاذلي دوراً خفياً في دعم الرئيس، فبعدما بلغ سخط الوزير فوزي على السادات قمته دعى 17 من كبار قادة القوات المسلحة لاجتماع في 18 نيسان/أبريل 1971، هاجَم فيه فوزي السادات بعنف.

خلال الاجتماع، انتقد فوزي توقيع اتفاقية وحدة بين مصر وسوريا وليبيا عُرفت بِاسم "اتحاد الجمهوريات العربية"، وهو الموقف الذي شاركه فيه جميع القادة الحاضرين للاجتماع إلا شخص واحد، اللواء سعد الدين الشاذلي.

يحكي صادق: "لم يعكر صفو الفريق فوزي إلا موقف سعد الشاذلي قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية"، بعدما قال بصوتٍ قوي وواضح إنه يوافق على قيام هذا الاتحاد ويرى أنه لن يُلحق أي ضررٍ بمصر.

لذا لم يكن غريباً، عقب إطاحة السادات بكافة مراكز القوى في 15 أيار/مايو، وعلى رأسهم محمد فوزي وزير الحربية، أن يختار الشاذلي لمنصب رئيس الأركان متخطياً 30 رجلاً من القادة العسكريين الذين تفوقوا عليه من حيث الأقدمية، وهي خطوة نادرة في تاريخ العسكرية المصرية.

وهكذا، وبضربة واحدة، أصبح الشاذلي رئيساً على مَن تبقى من قادة الجيش الذين حضروا اجتماع 18 نيسان/أبريل، وعارضوا توقيع الاتفاقية الاتحادية.

إحباط انقلاب عليه

بعد أن احتدمت الخلافات بين السادات ووزير دفاعه قرّر إقالته من منصبه؛ قرار لم يُفصح عنه لأحد إلا صديقه الحميم الشاذلي. يحكي الشاذلي في مذكراته أن الرئيس استدعاه إلى مكتبه منتصف يوم 26 تشرين الثاني/أكتوبر 1972، وأخبره أنه قرّر إقالة وزير الحربية وأنه يعتبره "قائداً عاماً للقوات المسلحة بالنيابة"!

وبحسب رواية الشاذلي فإن السادات لم يعيّن أحمد إسماعيل وزيراً للحربية إلا بعدما أخبره (أي الشاذلي) بذلك أولاً، وأن الوزير الجديد ابتدأ عمله بمهاتفة الشاذلي وإخباره بنبأ تعيينه قائداً للجيش.

في مذكراته، كشف الشاذلي عن مساهمته الفعالة في إحباط محاولة انقلابية قادها اللواء علي عبد الخبير، قائد المنطقة المركزية، والذي تمتّع بعلاقة صداقة حميمة مع الفريق صادق وزير الحربية، حتى أنه خطّط للإطاحة بالسادات فور علمه بإقالة صادق من منصبه.

وكشف الشاذلي أنه بعد أسبوعين من إقالة صادق كشفت المخابرات العامة للسادات أن عدداً من كبار ضباط الجيش يتكتّلون، بقيادة عبد الخبير، ويخططون لتنفيذ انقلابٍ عسكري.

عقب نجاحه في الإجهاز على الانقلاب استدعى السادات الشاذلي إلى منزله وطلب منه اتخاذ ما يكفي من إجراءات لتأمين القوات المسلحة من وقوع خطوة مماثلة.

اختار السادات من بين قادة الجيش سعد الشاذلي وحده لحضور اجتماعه السري مع وزير الداخلية ونائب مدير المخابرات العامة لمناقشة أبعاد هذا التنظيم العسكري. حتى الفريق أحمد إسماعيل، وزير الحربية الجديد، الذي عُيّن بدلاً من صادق لم يحضر!

بناءً على تكليف السادات، قبض الشاذلي على جميع المتورطين في الانقلاب وحقّق معهم في مبنى المخابرات العامة.

كشفت التحقيقات أن المتآمرين خططوا لتنفيذ انقلابهم ليلةَ عقد قران ابنة الشاذلي، والتي كان السادات على رأس المدعوين إليه بصحبة عددٍ من كبار مسؤولي الدولة؛ مناسبة اعتبرتها "خلية عبدالخبير" أكثر من ملائمة لاعتقالهم جميعاً والانفراد بالحُكم!

بحسب مذكرات الشاذلي، فإنه لم يُحدّد ميعاد قران ابنته إلا بعدما استشار السادات واختار أكثر المواعيد مناسبة له.

الإعداد لحرب أكتوبر

خلال الإعداد لقتال إسرائيل، اختلف موقف صادق والشاذلي حول الهدف من الحرب. تبنّى صادق ضرورة أن تشمل الخطة الهجوم على إسرائيل حتى بلوغ خط المضايق على الأقل، في حين ارتأى الشاذلي أن إمكانيات الجيش لا تسمح له إلا بانتزاع 10-12 كيلومتراً من إسرائيل، ثم التوقف بعدها.

مُجدداً، أتى موقف الشاذلي أكثر انسجاماً مع السادات من أي حد، لأن هذه الرؤية العسكرية لبّت الرؤية السياسية التي أعلن عنها السادات خلال اجتماعٍ مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 19 تشرين الثاني/أكتوبر 1970 طالبهم فيه بتحرير "ولو متر واحد شرق القناة".


هذا التطابق العسكري/السياسي الممتد بين الرجلين أثار الريبة في نفس صادق، ودفعه للشكّ في عُمق العلاقة بينهما قائلاً: "بدا واضحاً أن ما بين الرجلين أكثر من تفضيل خطة على خطة أخرى".

إزاء استمرار الخلاف بين أكبر رأسين في العسكرية المصرية وقتها، جرى إعداد خطتين عسكريتين للحرب؛ الأولى حملت اسم "العملية 41" -تحوّل لاحقاً إلى "جرانيت 2"- تنتصر لوجهة نظر صادق، والثانية هي "المآذن العالية"، ترجمةً لرأي الشاذلي.

خلال اجتماعات الجيش انتصر السادات للشاذلي. يقول صادق: "ظلَّ سعد الشاذلي لصيقاً بالسادات، مشجعاً له ولوجهات نظره، وكلما بدت ملامح اختلاف بيني وبين السادات في وجهات النظر يُسارع بكتابة مذكرة تؤيد وجهة نظر الرئيس".

حُسم الخلاف بين الرجلين بقرار السادات الإطاحةَ بصادق من منصبه وتعيين الفريق أحمد إسماعيل وزيراً للحربية في تشرين الثاني/أكتوبر 1972. ووفقاً لمذكرات الشاذلي فإنه عرض كلا الخطتين على وزير الدفاع الجديد فأقرّ خطة "المآذن العالية" ووجهة نظر الشاذلي والسادات بأن إمكانيات الجيش لا تسمح بأكثر من هذا، وهي بالفعل التي جرى تنفيذها بنجاحٍ باهر في تشرين الثاني/أكتوبر 1973.

في كتابه "البحث عن الذات" اتّهم السادات صديقه السابق الشاذلي بأنه كان سبباً في استفحال أمر الثغرة بعد فشله في التصدي لها بسبب عدم اتباعه لتعليماته

لم يكتمل هذا التحالف للأبد، إذ سرعان ما تخاصم الرجلان على وقْع خلافهما الشهير في تصفية ثغرة الدفرسوار، قرّر بعدها السادات التخلُّص من الشاذلي، فأزاحه من القوات المسلحة نهائياً في 12 كانون الأول/ديسمبر 1973، وعيّنه سفيراً لمصر في إنكلترا ثم البرتغال. من البرتغال بدأ الشاذلي رحلته في معارضة السادات بعدما أعلن معارضته لسياساته وبذل جهوداً كبيرةً للترويج إلى إسقاط نظامه.

في كتابه "البحث عن الذات" اتّهم السادات صديقه السابق الشاذلي بأنه كان سبباً في استفحال أمر الثغرة بعد فشله في التصدي لها بسبب عدم اتباعه لتعليماته، وفي موضعٍ آخر من كتابه بأن الشاذلي "انهار" فقرّر إعفاءه وتعيين الجمسي بدلاً منه.

فيما أكد الشاذلي في مذكراته أن السادات هو المسؤول الأول عن حدوث الثغرة، ثم فرض حصارٍ على الجيش الثالث. لاحقاً طوّر الشاذلي من هجماته فاتّهم السادات بالخيانة العظمى وطالب بمحاكمته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard