عند ظهوره القوي في مشهد 3 يوليو 2013، وإعلانه عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي عن الحكم، انبرى الكثيرون إلى تشبيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي "وزير الدفاع وقتذاك" بالرئيسين المصريين جمال عبد الناصر وأنور السادات. ولكن بعد أن صار رئيساً واتضحت سياساته ونضج شكل إدارته، تبين أنه يشبه السادات لا عبد الناصر.
ولم يكن الحلم الذي حكى عنه للصحافي ياسر رزق قبل توليه رئاسة الجمهورية، إلا مجرد انعكاس لما سوف يكون:
الانقلاب على من اختارهما
السادات، اختاره جمال عبد الناصر نائباً لرئيس الجمهورية عام 1969، وبعد أن توفي عبد الناصر عام 1970 سار السادات في خط سياسي اقتصادي مغاير تماماً لما كان عليه سلفه، بل كانت هناك حملة إعلامية معادية لعبد الناصر في عهد السادات، بحسب الكاتب والمحلل السياسي عبدالله السناوي، الذي يشير إلى أن أفلام السينما التي انتقدت الحقبة الناصرية خلال سبعينيات القرن العشرين كـ"الكرنك، زائر الفجر، العصفور، حافية على جسر الذهب.. وغيرها" لم تكن مصادفة، بل رغبة من السلطة في تدمير شعبية السلطة التي سبقتها، وكذلك حال عشرات الكتب ومئات المقالات التي كتبت. ويضيف السناوي أن ما فعله نظام السادات مع عبد الناصر يحدث أيضاً في عصر السيسي. فقد أتى به الرئيس الأسبق محمد مرسي وزيراً للدفاع وجعله في صدارة المشهد، ولكن الفارق بين عبد الناصر ومرسي أن الأخير رحل برغبة شعبية حقيقية دعمها الجيش، ولذلك فإن الشعب شوهه قبل أن يشوهه من يوصفون بـ"رجال السيسي"، أما ناصر فقد رحل والملايين تبكي لوفاته.العسكري المتدين
السادات كان يظهر تدينه الإسلامي، ولقب نفسه بـ"الرئيس المؤمن" وفي مرة ألقى خطبة الجمعة بنفسه: وكذلك السيسي، يكرر دائماً القسم بالله، في مناسبات عدة، ويبين أنه يعمل لأجل ربه: كان السادات يظهر في مناسبات عدة بالزي العسكري، رغم أن منصب الرئيس مدني لا عسكري. وكذلك ظهر السيسي أكثر من مرة وهو بالزي العسكري، ضمنها حفل افتتاح قناة السويس: ويرى مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات، مجدي خليل، أن السيسي يلعب نفس اللعبة التي دمرت السادات، فهو وإن أظهر حباً لبابا الأقباط الأرثوذوكس والكنيسة، فإنه يتحدث بخطاب إسلاموي مدعوم بنرجسية عسكرية يستفز المسيحيين، كما كان يفعل السادات. وأضاف أنه لا يخفى على أحد أن لدى السيسي علاقات بإسلامويين وكذلك كان السادات، مشيراً إلى أن الجميع خاسر في مصر بسبب هذا الخطاب الديني العسكري، ولكن يأتي المسيحيون على رأس الخاسرين.كبير العائلة راعي الأخلاق
الرئيس أنور السادات كان دائماً يتحدث في خطبه عن ضرورة العودة إلى أخلاق القرية، وفي عام 1980 أصدر قانون "حماية القيم من العيب"، ونص القانون على أن كل من يتجاوز عمره 25 عاماً، ذكراً أو أنثى، وارتكب ما ينطوي على إنكار الشرائع السماوية أو ما يتنافى مع أحكامها، أو حرّض النشء والشباب على الانحراف عن طريق الدعوة إلى التحلل من القيم الدينية أو عدم الولاء للوطن، يتعرض للعقوبة وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة 171 من قانون العقوبات. وعلى خطى السادات، قرر السيسي إنشاء لجنة لتنمية الأخلاق والضمير، وقال: "إن منظومة القيم والأخلاق تعد الحاكم الأول لسلوك المواطنين في المجتمع، وتقوم بدورٍ جوهري في تقدم الشعوب والأوطان". كذلك يتحدث السيسي في كثير من الأمور السياسية بأسلوب العتاب وتوجيه مهاجميه وكأنه والدهم الذي يربيهم، وأصبحت كلمة "ما يصحش كده" من أشهر الجمل المأثورة عن السيسي، والتي يرد بها كثيراً على منتقديه. ويهاجم مجدي خليل الأمر، متسائلاً: “أي أخلاق يقصدها السيسي؟ من منظور أي دين وأي مجتمع؟ فالعادات والتقاليد قد تختلف من القرية إلى المدينة، ومن الصعيد إلى الوجه البحري، وكذلك ما يجوز في المسيحية قد لا يجوز في الإسلام، وبالتالي فإن الحديث في هذا الأمر سيجعل شخص السيسي هو ترمومتر الأخلاق والسلوك في مصر”.السلام مع إسرائيل
الرئيس أنور السادات كان أول حاكم عربي يعترف بشرعية وجود إسرائيل، ويعقد اتفاقية سلام وتطبيع للعلاقات معها، بين عامي 1977 و1979، وكذلك فإن العلاقات بين السيسي وإسرائيل تشهد دفئاً. واعترف وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، أن هناك تعاوناً أمنياً غير مسبوق بين البلدين في عهد السيسي، حتى أن مصر أغرقت أنفاقاً على حدودها مع غزة، تابعة لحركة حماس، بناءاً على طلب تل أبيب. ويرى الدكتور عبد المنعم سعيد، المحلل السياسي، ومدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية الأسبق، أن خطاب السيسي في الأمم المتحدة، الذي تحدث فيه عن السلام مع إسرائيل يشبه كثيراً خطابات السادات التي نادى فيها بالسلام، كذلك فإن هناك ما يقترب من التطابق بين وجهتي نظر الرئيسين حول القضية الفلسطينية، بقيام دولة عربية جنباً إلى جنب الإسرائيلية، لا تدمير الدولة العبرية كما يدعو الناصريّون والإسلاميون.تغيير الدستور
سنة 1971 تم وضع دستور جديد لمصر بطلب من الرئيس السادات، وكانت المادة الرقم 76 منه تنص على ألا يستمر رئيس الجمهورية في منصبه لأكثر من ولايتين، مدة كل منهما 5 سنوات. وفي عام 1980 وقبل انتهاء المدة الرئاسية بعام واحد تم تعديل المادة لتسمح بتولي السادات مدداً رئاسية أخرى. الدستور المصري الحالي الموضوع عام 2014، ينص على عدم جواز انتخاب الرئيس لأكثر من فترتين، مدة كل واحدة 4 سنوات، ولكن الكثير من المؤيدين يطالبون الآن بتعديل هذه المادة، لكي يستطيع السيسي الترشح لمدد رئاسية أخرى. وكذلك وافقت الأغلبية البرلمانية على تعديل مدة الولاية الرئاسية في الدستور من 4 إلى 6 سنوات ولكنها لم تقر إلى الآن. يدعم تلك الرغبة إعلان الرئيس انتقاده للدستور، حين قال: "الدستور كُتب بنوايا حسنة، والبلاد لا يمكن أن تدار بالنوايا الحسنة فقط"، بحسب ما يرى الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية، الذي يوضح أن رغبة تغيير الدستور سببها شيئان، أولاهما، أن السيسي تربى في القوات المسلحة ولا يرتاح للمؤسسة الديمقراطية، والثانية، هي عدم تقييد عدد الولايات الرئاسية وجعلها مفتوحة، وهو أمر لم يعلنه السيسي نفسه، لكنه رغبة الكثير من أنصاره، وربما يكون قد وافق عليها.السياسة الاقتصادية
الرئيس أنور السادات هو من بدأ بهدم النظام الاشتراكي في مصر بعد جمال عبد الناصر، واتبع سياسة الانفتاح الرأسمالي بدءاً من عام 1975. وفي عام 1976، طلب قرضاً من صندوق النقد الدولي مقداره 185.7 مليون دولار، وتبع طلب القرض تخفيض الدعم الحكومي عن بعض السلع الأساسية، الأمر الذي قوبل بانتفاضة شعبية قوية في 17 و18 يناير عام 1977، أدت إلى تراجع السادات عن قرارات ترشيد الدعم وكذلك العدول عن طلب القرض. كذلك طلب السيسي قرضاً من صندوق النقد الدولي مقداره 12 مليار دولار، ووافق الصندوق عليه أخيراً، وتبعه تحرير سعر صرف الجنيه المصري، وتخفيض الدعم عن المحروقات وبعض السلع، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار، وتبعته دعوة "11/11" للتظاهر، أو ما عرفت بـ"ثورة الغلابة"، لكنها فشلت شعبياً، وبالتالي لم يتراجع السيسي عن قراره. ويعلق الخبير الاقتصادي، عبدالخالق فاروق على الأمر قائلاً إن ارتماء السادات في أحضان الولايات المتحدة، عقب حرب 1973 كان مشروطاً بنسف أي إرث اشتراكي ينتمي لدولة عبد الناصر، وقالوا له إننا لن نستطيع أن نساعد الاقتصاد المصري وهو تحت سيطرة القطاع العام. ومنذ ذلك الوقت بدأت المسألة تسير تدريجياً نحو الاقتصاد الرأسمالي الموضوع تحت رحمة الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية التابعة لها، إلى أن جاء عبد الفتاح السيسي ليقضي على ما تبقى من دور حكومي في دعم الفقراء من المجتمع، بخطته لإلغاء الدعم نهائياً على 4 مراحل.العاصمة الإدارية
السيسي لديه حلم بنقل العاصمة المصرية خارج القاهرة، وبدأ بالفعل في إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، شرق القاهرة: وكذلك فكر السادات منذ ما يقرب 40 عاماً، حين أنشأ مدينة بمحافظة المنوفية سماها باسمه لتكون عاصمة إدارية جديدة لمصر، لكنه مات قبل أن يكتمل إنشاؤها بالشكل الذي هي عليه الآن، وكذلك تراجعت الحكومة عن الانتقال إلى هناك لبعد المسافة بينها وبين القاهرة. ويرى عبدالخالق فاروق أن مشروع العاصمة الإدارية كان يمكن تأجيله، فهو غير ربحي وتنفق عليه الدولة أكثر من 45 مليار دولار، وكان الأولى أن توجه هذه المبالغ نحو مشروعات منتجة، تدر ربحاً يسد عجز موازنة الدولة ولا يثقلها بالديون.استراحة المعمورة
شرق مدينة الإسكندرية، وبجوار قصر المنتزه الملكي، يقع شاطئ المعمورة، الذي يحتوي على استراحة رئاسية، كانت مصيفاً مفضلاً للرئيس أنور السادات، كما يؤكد موسى صبري، الصحافي الذي كان مقرباً منه في كتابه "السادات.. الحقيقة والأسطورة". ويبدو أن السيسي على خطى السادات حتى في أماكن الترفيه؛ فقد تردد إلى تلك الاستراحة أكثر من مرة، آخرها في عيد الفطر الماضي، وظهر راكباً الدراجة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...