شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
حملت كلّ الوجوه والمتناقضات... الشخصيات اليهودية في الرواية العربية

حملت كلّ الوجوه والمتناقضات... الشخصيات اليهودية في الرواية العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

السبت 24 يونيو 202303:16 م

عاش اليهود في البلاد العربية لفترات زمنية طويلة، كانوا خلالها يُعدّون جزءاً من النسيج الوطني الذي تشكلت ألوانه من المسلمين والمسيحيين إلى جانب اليهود، في مزيج قائم على المعاني الإنسانية السامية، وأبرزها التسامح وحرية العقيدة واحترام الآخر، فقد كانوا جميعهم يحملون جنسيةً واحدةً، هي جنسية الدولة التي يقيمون فيها، وتالياً كانت لليهود الحقوق نفسها، وعليهم الواجبات ذاتها التي تسري على الآخرين. وقد شكّل هذا الامتزاج في بعض البلدان العربية، مثل مصر واليمن والعراق وسوريا والمغرب، ما يشير إلى مساحة كبيرة من التعايش والألفة بين أصحاب الديانات الثلاث. وقد سادت روح التسامح والثقة والاحتواء تجاه اليهود حتى نكبة فلسطين عام 1948.

الآخر/اليهودي... والمجتمع العربي

انشغلت الرواية العربية مبكراً بصورة الآخر، سواءً أكان هذا الآخر الغربَ أم اليهود، فقد حازت صورة الآخر/الغربي اهتمام الكتاب العرب الذين سافروا إلى الدول الأوروبية، بينما كان اليهود يعيشون في المجتمعات العربية وهناك تفاعل قائم بين أبناء المجتمع العربي والشخصية اليهودية، لذلك كان الاهتمام أكثر بالآخر اليهودي، الذي تعددت صوره في الأعمال الروائية بين اليهودي الذي يرتبط بديانته كونها ديانةً سماويةً جاء بها نبي الله موسى، وبين اليهودي الذي يرتبط بمنهج صهيوني قائم على التوسع والاستيطان.

حازت صورة الآخر/الغربي اهتمام الكتاب العرب الذين سافروا إلى الدول الأوروبية، بينما كان اليهود يعيشون في المجتمعات العربية وهناك تفاعل قائم بين أبناء المجتمع العربي والشخصية اليهودية

هذا الارتباط بمثابة عقيدة يؤمن بها اليهود الذين يدعمون التوسع والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ويشكلون أداةً لتنفيذ المخططات الصهيونية التي يعاني منها العرب منذ النكبة. أي أن ثمة اختلافات بين اليهودي والصهيوني، نظراً إلى أن اليهودي يعبّر عن البعد الإنساني والاجتماعي، بينما يعبّر الصهيوني عن البعد السياسي والعنصري والأيديولوجي. ويلاحَظ أن الرواية العربية لم تتناول الشخصية اليهودية وفق ملمح واحد، إنما تأثرت بالظروف السياسية لكل مرحلة، كما تأثرت بالملامح والسمات والمكونات المحفورة للشخصية اليهودية في الذهن العربي، فضلاً عن الصورة المرسومة مسبقاً في الآداب العالمية.

مراحل الصراع وأثرها على الرواية

مرّ الصراع العربي-الإسرائيلي بالعديد من المنعطفات منذ وعد بلفور 1917، وحتى موجات التطبيع في الألفية الثالثة، مروراً بنكبة فلسطين، ونكسة 1967، واتفاقيات أوسلو، فضلاً عن أحداث ووقائع شهدها الوطن العربي في صراعه مع إسرائيل، مما انعكس على رؤية الروائيين العرب في تشكيل صورة اليهودي في كتاباتهم، فقد تعددت لديهم هذه الصورة من وقت إلى آخر تبعاً للمتغيرات السياسية.

اختلف تصوير الرواية العربية لشخصية اليهودي في الأعمال المنشورة قبل نكبة 1948 عنها في الأعمال الروائية التي صدرت بعدها، وتأثرت الأعمال الروائية التي صدرت عقب اتفاقيات كامب ديفيد، ومؤتمر مدريد بالمناخ السياسي وحالة التفاؤل التي سادت الوطن العربي. وفي الألفية الحالية جاءت كثير من الأعمال الروائية للكتاب العرب متماشيةً مع العلاقات العربية الإسرائيلية التي شهدت تطوراً إيجابياً ملحوظاً، فضلاً عن تأثير الجوائز الأدبية الكبرى على بعض الروائيين العرب في النظر إلى الشخصية اليهودية وإعادة تشكيل ملامحها وفق رؤية فنية مختلفة.

اليهود في روايات نجيب محفوظ وغسان كنفاني

ظهرت الشخصية اليهودية مبكراً في العديد من الأعمال الروائية العربية، مثل "زقاق المدق" (1947)، و"المرايا" (1971) لنجيب محفوظ، والعديد من أعمال إحسان عبد القدوس مثل "الرصاصة لا تزال في جيبي" و"لا تتركوني هنا وحدي"، وقد تناولت هذه الروايات شخصية المرأة اليهودية في المجتمع العربي ورسمت ملامحها المُحبّة للمال والجنس والعلاقات الاجتماعية النافذة. وكانت رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" (1969)، من أهم الروايات التي تناولت الشخصية اليهودية في تلك الفترة.

عقب صدور رواية "أعدائي" عام 2000، للشاعر السوري ممدوح عدوان، حول الشخصية اليهودية، قذفت المطابع في أنحاء الوطن العربي كافة، سيلاً متدفقاً من الأعمال الروائية التي تتمحور حول اليهود، لتشهد بدايات الألفية الثالثة تغيّرات هائلةً واهتماماً جارفاً غير مسبوق من الروائيين العرب بتحويل الشخصية اليهودية من شخصية هامشية إلى شخصية محورية، وتتخذ الروايات اليهود موضوعاً رئيساً لها.

اختلف تصوير الرواية العربية لشخصية اليهودي في الأعمال المنشورة قبل نكبة 1948 عنها في الأعمال الروائية التي صدرت بعدها.  

من هذه الروايات، على سبيل المثال لا الحصر، رواية "مصابيح أورشاليم" (2004) لعلي بدر، و"اليهودي والفتاة العربية: قصة الحب الخالدة" (2006) لعبد الوهاب آل مرعي، ورواية "آخر يهود الإسكندرية" (2008) لمعتز فتيحة، و"السيدة من تل أبيب" (2010) لربعي المدهون، و"يهودية مخلصة" (2015) للكاتبة السعودية سالمة الموشي، ورواية "عين الشرق" (2016) لإبراهيم الجبين، و"لعنة الكادميوم" (2016) لابتسام التريسي، و"حمام اليهودي" (2017) لعلاء مشذوب، و"خمارة جبرا" (2017) لنبيل ملحم، و"أنا وحاييم" (2018) لحبيب السائح، و"ماذا عن السيدة اليهودية راحيل؟" (2019) لسليم بركات، و"حمام الذهب" لمحمد عيسى المؤدب، و"غربة يهودية" (2019) للكاتبة رجاء بندر.

قدّمت بعض الروايات العربية الشخصية اليهودية كشخصية إنسانية تبحث عن الطمأنينة والعيش في سلام، كرواية "أيام الشتات" لكمال رحيم، و"البيت الأندلسي" لواسيني الأعرج. وعلى الرغم من أن الكثير من الروائيين الفلسطينيين ظلت ملامح الشخصية اليهودية في أعمالهم كما هي بوصفها شخصيةً مخادعةً لا تريد السلام؛ هناك روايات بالغت في إضفاء الصفات الإيجابية على الشخصية اليهودية، كما في روايتَي "سيدة من تل أبيب" و"مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة" للروائي ربعي المدهون، وفي الروايتين يصوّر المدهون الشخصية اليهودية أليفةً ومتسامحةً ومتعاونةً مع الآخر العربي.

"سرد الآخر" والشخصية اليهودية

يشير الدكتور صلاح صالح في كتابه "سرد الآخر"، إلى أن تمحور الرواية العربية حول الشخصية اليهودية "يتمثل في المتغيرات السياسية، وما أعقبها من تحولات في قبول الآخر بعد تلك القطيعة التي أحدثتها حرب 1948، وما تشكل من صورة في مجملها عدّت اليهودي مغتصباً للأرض، وسافكاً للدماء، ومدنّساً للهوية، وما تلى هذه الفترة من علوّ صوت القومية العربية بعد ثورة 1952، وهو ما أحدث نقلةً نوعيةً في الصراع، حيث عمدت القوميات العربية على اختلاف أيديولوجياتها (ناصرية، بعثية...إلخ)، إلى إقصاء الآخر (اليهودي)، وقد اتخذت إجراءات فعليةً، عبر محاولات تهجير قصرية في بلدان عربية كثيرة، كما حدث في مصر والعراق، ثم في سوريا بعد نكسة 1967، حيث تم سلبهم الهوية وحقوق المواطنة".

وجوه متناقضة للشخصية اليهودية

تناولت الرواية العربية الشخصيىة اليهودية من جوانب عدة، وأظهرت وجهين متناقضين لليهود، فعلى الرغم من أن اليهود شكلوا جزءاً من النسيج الاجتماعي العربي على امتداد فترات طويلة، إلا أن الروائيين العرب ذكروا اليهود من وجهة نظر محددة، وبوصفهم صهاينةً ومحتلين، ووضعوهم في إطار محدد، من دون التطرق إلى وجودهم في المجتمع العربي بصفتهم الاجتماعية والإنسانية. بينما تناولت بعض الأعمال الروائية الأخرى شخصية اليهودي بوصفه عضواً في المجتمع، له مواصفات مختلفة أبرزها البُخل والمكر واللغة المختلفة، لكنه عضو اجتماعي فاعل في المجتمع، فيما جاءت صورته بعد ذلك مختلفةً، خاصةً منذ هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل.

تصاعدت وتيرة حضور شخصية اليهودي في الرواية العربية منذ ذلك الوقت، وأصبحت تشكل علامةً فارقةً في الروايات العربية، وفي مقدمتها الأعمال الروائية التي أصدرها كتاب فلسطينيون. يقول عادل الأسطة، في كتابه "اليهود في الرواية العربية"، إن بواكير الرواية الفلسطينية، باستثناء رواية خليل بيدس "الوارث" 1920، قد خلت من ذكر الشخصيات اليهودية، وقد استمر الأمر لفترة طويلة، فقبل عام 1948 صدرت روايات عديدة لم يكن للكتابة عن اليهود فيها حضور لافت، وبعد العام 1948 ظل الأمر كذلك باستثناء روايات قليلة مثل روايتَي ناصر الدين النشاشيبي "حفنة رمال" و"حبات البرتقال"، وهي روايات كُتبت تحت تأثير اللحظة التاريخية وما شهدته في خمسينيات القرن العشرين وستينياته. فقد كان حضور اليهود في الرواية العربية قبل النكبة نادراً.

الصورة النمطية في "دم لفطير صهيون"

سيطرت الصورة النمطية لشخصية اليهودي على الرواية العربية لفترة زمنية طويلة، وهي صورة اليهودي المغتصب، المتآمر، وقد ساهمت الأحداث المتعاقبة والوقائع المتلاحقة في تنميط صورة الشخصية اليهودية، وهي تلك الصورة التي قامت على الدموية وقتل الأطفال والاستيطان والقهر والاعتقال، وغيرها من صور البطش التي انتهجتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. كما استندت كتابات الروائيين العرب في تصويرها لشخصية اليهودي إلى ملامحها وسماتها التي جاءت عليها في الأدب العالمي، مثل مسرحية "تاجر البندقية" لشكسبير، التي صوّرت اليهودي مقامراً ومرابياً، ورواية "أوليفر تويست" لتشارلز ديكنز التي عبّرت عن شخصية اليهودي الشرير ومنعدم الضمير، فضلاً عن شخصية اليهودي المرابي التي جاءت في كثير من الأعمال الأدبية.

تلك الصور نفسها، شكّلت ملامح الشخصية اليهودية في رواية "الوارث"، وأيضاً رواية "دم لفطير صهيون" (1971) لنجيب الكيلاني، حيث تبرز في الأولى شخصية اليهودي الانتهازي الجشع، وتقوم الثانية على تصوير الشخصية اليهودية موغلةً في الدم. إلا أن بعض الروائيين قدّموا، لاحقاً، شخصية اليهودي متعدد الصفات، مثل إلياس خوري الذي كتب عن اليهودي القاتل وكتب عن اليهودي الضحية.

أثر التحولات السياسية وبروزها في الرواية العربية

في حقبة الثمانينيات، وفي أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، بدأت ملامح الشخصية اليهودية في الرواية العربية تخرج من حالة الثبات على السمات النمطية المعروفة، إلى التغيّر ومحاولة رسم ملامح إيجابية، فقد تعاطف بهاء طاهر مع الشخصية اليهودية من خلال أحداث روايته "شرق النخيل" (1985)، وطرح شخصيةً إنسانيةً تعاني من هموم الحياة والقلق، فظهرت في الرواية ملامح اليهودي الطيب الذي يرفض المشروع الصهيوني، ويرفض الهجرة إلى فلسطين، بينما جاءت رواية فتحي غانم "أحمد وداود" (1989)، إعادةً للأنماط العامة للشخصية اليهودية التي تتسم بالنفاق والجبن والخيانة.

استمر هذا التراوح نسبياً، وتناولت رضوى عاشور في رواية "قطعة من أوروبا" (2001)، الشخصية اليهودية في إطار الصراع العالمي، وعبّرت عن ارتباط الحركة الصهيونية برأس المال العالمي. في حين قدّم جاسم مطير قصةً رومانسيةً في روايته "عاشقان من أرض الرافدين" عام 2003.

في الألفية الثالثة، أصبحت الرواية العربية أكثر انفتاحاً في تعاملها مع الشخصية اليهودية، بعيداً عن الصورة النمطية التي تشكلت في الذهنية العربية، وتحولت الشخصية اليهودية من حضور ثانوي إلى وجود محوري

في الألفية الثالثة، أصبحت الرواية العربية أكثر انفتاحاً في تعاملها مع الشخصية اليهودية، بعيداً عن الصورة النمطية التي تشكلت في الذهنية العربية، وتحولت الشخصية اليهودية من حضور ثانوي إلى وجود محوري، حيث تناولت روايات من سوريا ومصر والعراق واليمن، مثل "يوميات يهودي من دمشق" (2007) لإبراهيم الجبين، و"آخر يهود الإسكندرية" (2008) لمعتز فتيحة، و"اليهودي الحالي" (2009) لعلي المقري، و"يهود الإسكندرية" (2016) لمصطفى نصر، وغيرهم، إنسانية الشخصية اليهودية وتعايشها مع مجتمعها العربي وحنينها إلى الوطن.

قصص الحب بعيداً عن الأعراف الاجتماعية

تعددت صورة الشخصية اليهودية عند الروائيين العرب، وظهر اليهودي صديقاً وحبيباً مخلصاً، كما في رواية "اليهودي الحالي"، وتتمحور حول قصة حب بين شاب يهودي وفتاة مسلمة، وهي قصة مأساوية تنتهي بالتمرد على الحواجز الدينية والاجتماعية، ويفقد الشاب حبيبته، ويفضّل أن يعيش مخلصاً على ذكرى هذا الحب. وتتعاطف الرواية مع يهود اليمن وتُبرز الظلم والقهر اللذين تعرضوا لهما.

وهي رؤية فنية مشابهة لما جاء في رواية "مقدسية أنا" (2011)، للروائي علاء مهنا، وتتناول قصة فتاة فلسطينية متحررة، تقيم علاقةً مع شاب يهودي باختيارها الحر وكنوع من الفعل الثوري ضد التقاليد والأعراف، والرواية تحمل العديد من الأسئلة بعيداً عن الأفكار والطروحات النمطية. كما حثّت رواية "صديقتي اليهودية" لصبحي فحماوي، على التعايش، وردّت على المزاعم الإسرائيلية بشأن أصحاب الأرض الأساسيين، وأكدت أن العرب الكنعانيين كانت لهم حضارتهم قبل مجيء اليهود إلى فلسطين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image