بينما كنتُ في نزهة مع "غروب الماميز"، استوقفتني عبارة قالتها إحدى الأمهات لطفلتها ذات التسعة أعوام: "اعْملِي حِسابك. تكمّلي عشر سنين، واحنا بنحط الشمع على التورتة هتلبسي الحجاب علطول، مفيهاش كلام"، فنظرتُ إليها باستغراب ودهشة شديدتين، ثمّ دار حوار بيني وبينها لفترة من الوقت.
حاولتُ إقناعها أنّ الفتاة مازالت صغيرة على ارتداء الحجاب، وأنه من الضروري لها أن تعيش طفولتها بكل أريحية ورفاهية وحرية، لأنّ الطفولة هي مقياس تشكيل الشخصية ومعيارها الأساسي المستقبلي، ونصحتها أنها وحدها كأمّ هي من ستجني ثمن ذلك لاحقاً، وإذا أرادتْ تلك الطفلة خلعه في المستقبل؛ ستقف مكتوفة الأيدي ولن تستطيع أن تُحرّك ساكناً.
لكن كانت المفاجأة أنّ الحوار قد تصعّد لأكثر من ذلك. نهرتني الأمّ بكل ما أُوتيَتْ من قوة وأصبحتُ من وجهة نظرها امرأة مضلِّلة، ولا أعلم تعاليم الدين الإسلامي جيداً، نسبة إلى الحجاب على أنّه عفّة ووقار، وأنّه من المؤكد أنّني من تلك الفئة التي عاشت حياتها طولاً وعرضاً قبل ارتداء الحجاب، بل وارتديتُه أيضاً في سنّ متأخرة عن قريباتي وصديقاتي وأقراني.
كما أني "مُتبرّجة"، وهذا انتقاص في حد ذاته من حجابي من وجهة نظرها. حاولتُ مراراً وتكراراً نصحها بالعدول والتّراجع عن تلك الخطوة وتأجيلها لحين رغبة الطفلة في ذلك عند الكبر، لكنها لم تستجبْ، فما كان مني سوى أنني تركت المكان بأكمله، فلم يَرُق لي الانتظار بعدها.
الحجاب ليس عفة ووقاراً كما يعتقد كثيرون، ففي مصر مثلاً، تتعرّض الكثير من السيدات والفتيات، سواء كنّ محجبات وغير محجبات، للتحرّش، كما تتعرّض المرأة السعودية لذلك أيضاً بكثرة رُغم مواراتها لكل جسدها
الاعتقاد في العفّة والوقار
لم أقترفْ إثماً تجاه تلك السيدة، ولم أرِدْ بنصحي اقتحام الحياة الشخصية والعائلية لها، لكنّني أردْتُ أن أفهم و أستوعب وأحاول الوصول إلى استنتاج من هذا الحوار: هل يأمرنا الله حقاً بإلباس هذه الطفلة الصغيرة الحجاب عُنوةً دون إرادتها؟
إذا كان الله يسمح لها بحرية آرائها عند اختيار شريكها بكل أريحية، ولن يصحّ ثبوت الزواج دون ذلك الرأي الحرّ، فهل يُجبِرها إذن على ارتداء الحجاب في سنّها الصغيرة هذه؟ ألم يقل في القرآن الكريم: "إنك لا تهدي من أحببت، ولكن اللّه يهدي من يشاء"؟
إذا كان الحجاب عفةً ووقاراً كما وصفتْ تلك الأم، فلماذا تتعرّض المحجبات هنّ الأخريات لذلك؟
أرى من وجهة نظري أنّ ارتداء الفتيات الصغيرات الحجاب في سن الطفولة؛ هو بمثابة وأد لهنّ، أي دفنهنّ أحياء، مثلما كان يحدث للأنثى في عصر الجاهلية، فقط لكونها أنثى.
لا أفهم ما الذي تمتلكه مثلاً تلك الطفلة الصغيرة حتى تخجل منه الأمّ وترغب بمُواراتِه في سنّها الصغيرة هذه، أم تكون مُلفتَة إلى حدّ الغواية للرجل؟
وإذا ارتدتْ الحجاب في سنّها الصغيرة هذه، هل سيحميها ذلك من العيون المُتلصّصة وربما من تلك الأيادي الخفية التي تنتزع منها خصوصية جسدها تحت ما يُعرف بالتحرّش والاعتداء الجنسيين؟ هل تحميها العفة والوقار إذن، كما وصفتْ تلك الأم وتعتقد الكثير من الأمهات بمجتمعنا العربي؟
مشهد يومي
ذكّرني ذلك الموقف أيضاً، بالمشهد اليومي الذي أُشاهده وألمسه لطفلات لاجئات، باكستانيات وإندونيسيات، دون سن السادسة بمحيط مسكني، يرتدين الحجاب يومياً وهن في طريقهنّ مع آبائهنّ إلى الروضة، وكذلك مشهد الكثير من المدارس الحكومية والخاصّة أيضاً بمجتمعنا العربي التي تفرض الحجاب على الفتيات في هذه السن الصغيرة.
والحقيقة أنّ الحجاب ليس عفةً ووقاراً كما يعتقد كثيرون، ففي مصر مثلاً، تتعرّض الكثير من السيدات والفتيات، سواء كنّ محجبات وغير محجبات، للتحرّش، كما تتعرّض المرأة السعودية لذلك أيضاً بكثرة رُغم مواراتها لكل جسدها، وإذا كان الحجاب عفةً ووقاراً كما وصفتْ تلك الأم، فلماذا تتعرّض المحجبات هنّ الأخريات لذلك؟
إذا ارتدتْ طفلة الحجاب في سنّها الصغيرة هذه، هل سيحميها ذلك من العيون المُتلصّصة وربما من تلك الأيادي الخفية التي تنتزع منها خصوصية جسدها تحت ما يُعرف بالتحرّش والاعتداء الجنسيين؟
قرار الحجاب المبدئي
عندما عرضتُ وأختي على أبي رغبتنا بارتداء الحجاب، اعترض بشدة، وقال "إنّنا ما زلنا صغيرتيْن على ذلك. وأنّ أمّي لم ترتدِ الحجاب إلا بعد سنوات طويلة من الزواج والحمل وحتى بعد قدومنا بأعوام عديدة"، ثمّ أقنعنا بتأجيل ذلك القرار لعام أو عامين وربما ثلاثة.
برزتْ موضة الحجاب آنذاك، عندما كنتُ بالثانوية العامّة، وكانت الفتيات يتصارعن على ارتدائه بشتى الطرق، لاكتشاف شكلهنّ بتلك الموضة الحديثة، فمنهنّ من كانت تُعرض عنه بعد فترة وجيزة من الوقت وتقوم بخلعه، ومنهنّ من كانت تستمرّ بارتدائه.
لكنّ أبي كان يريد أن نحيا حياتنا كفتاتين طبيعيتين، وألّا يؤثّر علينا قرار العائلات أو الفتيات حولنا، حتى لو أصبحنا الوحيدتين السافرتين.
يجب علينا كأمّهات ومجتمع بأسره أن نحترم حق الفتيات الصغيرات في الاعتقاد والآراء، وترك مساحة من الحرية لديهنّ، فما الذي سنجنيه كأمهات ومجتمع من إخضاعهنّ لارتداء الحجاب وقتل طفولتهنّ؟
لا بد أن تعيش هؤلاء الفتيات طفولتهنّ بكل حرية وانطلاق وحيوية، ودون إجبار أو ذلّ أو خضوع لأي قرار عُنوة دون رغبتهنّ أو إرادتهنّ، لأنّ الإجبار في أبسط المواقف سيُورّثهن جروحاً ورضوضاً نفسية وندبات سترافقهنّ طوال حياتهنّ.
أيتها الأمهات، لا تقسرن فتياتكنّ الصغيرات على ارتداء الحجاب، لا تعتبرن أنفسكنّ مرةً واحدة مُعمّرات في الأرض، وقد أصلحتنّ كل ذرّة فاسدة، ولم يتبقْ أمامكنّ سوى التّحكم بطفولة الصغيرات البريئات.
توقفن عن إملاء شروطكنّ عليهنّ و إجبارهنّ على الحجاب، فأنتنّ من سيجنين ثمرة هذه الأعمال.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 5 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ 4 اسابيعحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.