شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"كيف تخرجين بلا حجاب أمام زوجك؟"... أسئلة وصور نمطية تواجهها مسلمات في هولندا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 20 نوفمبر 202010:40 ص

من خلف النافذة، حيث يظهر أطفال يلعبون في الحديقة وكثير من المارة هنا وهناك، تسأل امرأة هولندية صديقتها: "هل كل هؤلاء النساء المحجبات مجبرات على الحجاب؟ هل يجبر الرجال المسلمون نساءهم على ارتداء الحجاب؟ لم أتجرأ سابقاً على طرح سؤال كهذا لشخص عربي"، لم يكن السؤال مفاجئاً بقدر ما  كانت صيغته المترددة والممتلئة فضولاً من امرأة هولندية الأصل تجاه صديقتها ذات الجذور الشرقية. 

الفجوة الفكرية

ككاتب هولندي نشأ في بلدان إسلامية، بالإضافة لسنوات حياته في مصر التي مكنته من تأليف كتاب "شغب" الذي تدور أحداثه حول الثورة المصرية، يقف ديرك فانروي على أسباب القضية من وجهة نظره، فيكتب: "بداخل العقل لا يستطيع الإنسان منع التساؤل من التسلل إلى ذهنه عند رؤيته لامرأة محجبة تتحدث الهولندية بطلاقة أبناء المدينة".

هكذا يصف فانروي تطبيق عملية التنميط داخل عقل المتلقي، رمز الحجاب يجعل المستمع لا يتوقع أن تكون المرأة هولندية الأصل، لكن في الحقيقة الأمر ليس كذلك، إذ يوضح الكاتب أن الصورة النمطية للمرأة المسلمة في هولندا تقوم بالأساس على الفهم الخاطئ للثقافة والأفكار الإسلامية وفقر المعرفة بالآخر.

تعزز سهيلة دراز (19 عاماً)، وهي هولندية من أصل عربي، وجهة نظر فانروي بتجربتها الشخصية، فدائماً ما تُسأل إن كانت هولندية أم لا بسبب غطاء رأسها، أو تسمع الثناء على لغتها الهولندية المتقنة في إشارة أنها ليست لغتها الأم، أو يسألونها عن بلدها الأصلي.

ليست سهيلة الوحيدة التي تتعرض للتصنيف بالرغم من كونها هولندية، فـ"وكالة حقوق الإنسان الأساسية" التابعة للاتحاد الأوروبي أصدرت دراسة تفيد بأن 42% من مسلمي هولندا تعرضوا للتمييز العرقي أو الديني.

ثمة تجربة تُظهر الجانب الآخر يعرضها طبيب هولندي الجذور والميلاد والنشأة. يقول إيريك (28 عاماً) إنه يتذكر جيداً جليسة الأطفال التي كانت تعتني به في طفولته: "كانت محجبة وكانت تصلي في بيتنا، لا أذكر أننا رأينا منها مكروهاً أو أن أحداً ما أساء إليها".

يوضح إيريك أن الفارق الثقافي بين المجتمعين الشرقي والغربي يؤثر بشكل كبير في عدم فهم الطرفين لبعضهما، ويضرب بذلك مثلاً حين اكتشف أن النساء المحجبات لا يرتدين ملابس السباحة على الشواطئ.

"لم يخطر ببالي قط أن إنساناً ما قد يرتدي ملابسه الكاملة على الشاطئ كما يرتديها في الشارع، لم أفكر من قبل في أن النساء المحجبات لا يستطعن النزول إلى المياه بملابس السباحة طالما يوجد رجال على الشاطئ".

يُرجع إيريك سبب هذا الإدراك المفاجئ إلى الاختلاف الجوهري في الثقافة، والذي يكمن في تقديس الطقوس الدينية والعادات والتقاليد والشكل الذي يليق للمرأة أن تظهر به للعامة، هذه الأمور غير موجودة من الأساس في الثقافة الغربية وبالتالي يصعب استيعابها.

يشعر إيريك أنه محظوظ بسفره إلى بلدان كمصر والهند، الأمر الذي مكّنه من فهم واستيعاب قدسية هذه الأمور عند الشرقيين.

المجتمعات المنغلقة

من أجل الحفاظ على التراث الديني والثقافي، تُفضّل عائلات كثيرة إلحاق أبنائها بمدارس إسلامية في هولندا.

ترى سارة (35 عاماً)، وهي أم لأربعة أطفال، أن الأسرة في المجتمع الغربي تتكبد وحدها مهمة صقل الأطفال دينياً، أما في المدارس الإسلامية فتتولى المدرسة بجانب العائلة مهمة تحفيظ القرآن وتعليم مبادئ الدين الإسلامي للأبناء، ما يضمن تنشئة إسلامية مُحكَمة.

تحيط النساء أنفسهن بالأسر المماثلة في الديانة أو الجنسية لضمان مجتمع مصغر من المجتمع الأم داخل بلد المهجر. يخلق هذا الواقع، في بعض الأحيان، مجتمعات مصغرة لا يعلم عنها المجتمع الهولندي إلا القشور، ما يُسهم في إحاطة المجتمعات الإسلامية أو الجاليات بالمزيد من التنميط والقولبة، فلا يُعاملون كأشخاص وإنما كمجتمعات كاملة تتشارك الصورة ذاتها.

"الفقر في التواصل دائماً موجود طالما تواجد مجتمعان مختلفان في مكان واحد"، هكذا يوضح فانروي، مشيراً إلى حاجز اللغة والثقافة، كما أن التواصل يتطلب مجهوداً ذهنياً كبيراً من الطرفين، وبالتالي تقل مساحات التواصل. "ما تعرفه عن جارك المسلم يصل إليك من الصور النمطية في وسائل الإعلام وليس منه هو، وهنا تكمن المشكلة، يخلق الأمر مجتمعات فرعية منغلقة على ذاتها داخل المجتمع الكبير"، يقول فانروي.

"تخرجين أمام زوجك بلا حجاب؟"، "أنت مسلمة؟ غريب، لست محجبة"، "هل تتركين ابنك بلا طعام 17 ساعة؟"، "لماذا لا تخلعين ثيابك على الشاطئ؟"... أسئلة تلاحق مسلمات في المجتمع الهولندي، يحكين عنها بموازاة نقاش حول مفاعيل هذه الصورة النمطية

ثمة فئة أخرى من النساء تفضل المدارس الإسلامية لاقتصارها على الأعياد الإسلامية فقط، فلا يحتفل الأطفال بأعياد الميلاد والقيامة وأعياد القديسين. يحمل هذا الرفض للطقوس الهولندية في داخله رفضاً ضمنياً للانخراط في ثقافة الدولة الحاضنة للجاليات، وإن كان الرفض لأسباب دينية.

وترى أخريات في إدخال الأطفال إلى المدارس الهولندية الحكومية والمشاركة في الأنشطة الرياضية والاحتفالات والأعياد نفسها مع الهولنديين خطوة هامة في طريق الاندماج في المجتمع، خصوصاً أن المدارس الحكومية تحتفل بشهر رمضان وعيد الفطر كما تحتفل بالأعياد الأخرى، لاعتبارها ذلك عاملاً أساسياً في تذويب الفروق والصور النمطية.

يعتقد فانروي أن للمستوى الاجتماعي والاقتصادي دور كذلك في حجم تعرض المرأة المسلمة للصورة النمطية، فأغلب المهاجرين المسلمين ينتمون إلى شريحة اجتماعية بسيطة في المجتمع الهولندي. ونظراً لقلة الوعي وبساطة التعليم تصبح المسلمات معرضات لمقدار أكبر من التمييز مقارنة بنظيراتهن المسلمات من شرائح مجتمعية مختلفة، كما أن الموقع الجغرافي من العاصمة مؤثر أيضاً، فكلما تم الابتعاد عن العاصمة والمدن المركزية زاد تأثير الصور النمطية على النساء المسلمات.

المختلفات عن السائد

الشكل الذي يتواجد فيه المجتمع الإسلامي في الخارج كجالية يميل إلى ترسيخ نمط معين للمرأة المسلمة، وهو نوع من التنميط نابع من داخل المجتمع الإسلامي نفسه وينعكس على الآخر غير المسلم، حيث تكون الغالبية العظمى من المسلمات محجبات، وغير المحجبات يتم تصنيفهن بأنهن غير منتميات.

تروي سلمى (29 عاماً) أنها حين اصطحبت ابنها إلى المدرسة أول مرة، لم يكن قد مضى على انتقالها من مصر إلى هولندا إلا بضعة أسابيع. كثرة تعرضها للصور النمطية عن اضطهاد الغرب للمسلمات المحجبات جعلت من رؤيتها للكثير من السيدات المحجبات في المدرسة أمراً يدعو للاستغراب. وفي جلسة التعارف بين الأسرة والمعلمة، جرى سؤالها عن الديانة المتبعة لمراعاة العادات الدينية للطفل، فكانت إجابتها "الإسلام"، لترد المعلمة: "تصورت أنكم أسرة مسيحية، لم أعلم أن هناك مسلمات لا يرتدين الحجاب".

وتروي هند (40 عاماً)، وهي مغربية وأم لفتاة في السابعة عشر من عمرها، أنها دائماً ما تتجنب الاحتكاك بالجالية المغربية كي لا تسمع انتقاداً حول عدم حجاب ابنتها، حيث تشرع النساء في نصحها كلما رأينها وكأنهن يجرّونها إلى مناقشة إن كانت تجرؤ على إنكار إلزامية الحجاب أم لا، وهن بذلك لا يراعين حريتها الشخصية في الأمر، كما تقول.

بالرغم من التكتم الذي يستشعره إيريك في المجتمعات الإسلامية، إلا أنه استطاع أن ينفذ بشكل كبير إلى المجتمع المسلم والعربي.

يوضح أن قاعدة أصدقائه ومعارفه الكبيرة من العرب والمسلمين على المستوى الشخصي، وطبيعة عمله كطبيب، جعلتاه يدرك أن الحجاب كتعريف شكلي للمرأة المسلمة هو اختيار حر لا تُجبَر عليه جميع النساء، فالبعض يرتدينه بإرادتهن الحرة، والبعض الآخر لا يشعرن أنه الخيار المناسب فلا يرتدينه.

الإرث اليميني وواقع المجتمع

يتذكر إيريك جيداً الصدمة التي اجتاحت أوساط المجتمع الهولندي عقب تصريحات السياسي اليميني بيم فورتاين المعادية للإسلام، والتي وصفها الناس بـ"العنصرية" و"المعادية"، كما كانت حادثة وفاته التي يصفها إيريك بـ"الحادي عشر من سبتمبر الهولندية" مفجعة وأدت إلى المزيد من الشحن والتعصب في المجتمع.

"لا يزال الناس يحكون ذكرياتهم حين تلقوا هذا النبأ حتى الآن، فلقد شكل جانباً كبيراً من الذاكرة الجمعية لهولندا"، هكذا يعلق إيريك.

استغرقت الصورة النمطية للمرأة المسلمة ما يقرب من العقدين لتكتمل ملامحها، لم يكن هذا ليتم في هولندا دون دور الأحزاب والشخصيات اليمينية ضد الإسلام بشكل عام، حيث قامت هذه التيارات بتنميط بعض الممارسات كالختان والزواج الإجباري والعنف الجسدي والجنسي كأدوات "إسلامية" ضد المرأة، واضعة على عاتقها في المقابل مهمة "تخليص" المرأة المسلمة من "سطوة الرجل" و"سطوة الدين".

يصف فانروي دور السياسة في تشكيل تلك الصورة النمطية بـ"الدور القذر"، إذ يشير إلى أنهم صوروا المسلمين في بداية القرن على أنهم غير مؤهلين للعب أدوار سياسية في هولندا بسبب مرجعيتهم الثقافية، فأساءوا استخدام المرجعيات الثقافية وساهموا في توليد الخوف والترقب.

كان هذا توجهاً عالمياً ظهرت آثاره بعد ذلك في أحداث مثل الحادي عشر من سبتمبر وحرب العراق، استندوا على الحجاب وجرائم الشرف لتأكيد الصورة، واستطاعوا أن يروجوا فكرة أن المسلمين يعاملون نساءهم كالعاهرات، وأظهروا الثقافة الإسلامية المختلفة في أصلها عن الغربية على أنها ثقافة قرون وسطى يجب أن يرفضها العالم الغربي، وكان الغرض وراء ذلك هو ربح لعبة سياسية.

يصف الكاتب الهولندي ديريك فانروي دور السياسة في تشكيل الصورة النمطية بـ"الدور القذر"، إذ صوّرت المسلمين في بداية القرن على أنهم غير مؤهلين للعب أدوار سياسية في هولندا بسبب مرجعيتهم الثقافية، فساهموا في توليد الخوف والترقب

اعتمدت دراسة هولندية صادرة عن الجامعة المفتوحة في أمستردام على تحليل المحتوى اللغوي لوسائل الإعلام الهولندية لمعرفة تأثيره على تشكيل الصورة النمطية الخاصة بالمسلمين في هولندا، وتوصلت هذه الدراسة إلى أن الرموز الإسلامية كالحجاب أو النقاب هي رموز ذات دلالة على القهر والإخضاع في أذهان المتلقين.

أتت رواية هند كإثبات للدراسة، فقد قالت لها إحدى جاراتها:" هذا غريب! كيف تخرجين بلا حجاب أمام زوجك؟ المعتاد أن النساء المسلمات يخلعن الحجاب حينما يكون أزواجهن في العمل". دخلت المرأة في نقاش مع جارتها حول الوازع والرادع وراء تغطية الرأس، هل هو الإله أم الزوج، وشعرت بأن الانطباع المأخوذ عن العلاقات الأسرية للمسلمين أسوأ بكثير مما كانت تتخيل، وذلك بسبب رسائل الإعلام وتكريس الصور النمطية.

تنقل سلمى تجربة أخرى تعيشها خلال شهر رمضان. تقول إنها لا تذكر عدد المرات التي أجابت فيها عن سؤال ما إذا كان ابنها ذو الخمسة أعوام يصوم نهار رمضان الذي يصل إلى 17 ساعة أم لا، وتقول إن السؤال يؤلمها لأن ثمة أناس ظنوا أنها قد تقتل طفلها جوعاً، لمجرد أن الإعلام صوّر تديّن المسلمين بهذه القسوة.

تتفق النساء اللواتي سردن قصصهن بأن المحتوى الإعلامي من جهة، والغموض الذي يلف الحياة الأسرية للمسلمين وفقر المعرفة عند غير المسلمين من جهة أخرى، هما السبب وراء مثل هذه الاستفسارات.

ترى مؤسسة "النساء" الهولندية المهتمة برصد الصورة الواقعية للمرأة المسلمة في هولندا أن هذه الرموز والصور على مدار أعوام كونت إرثاً في البيوت الهولندية عن اقتران الصورة النمطية للديانة بممارسات كالختان والزواج المبكر والحجاب الإجباري، واقتران صورة غطاء الجسد بالقمع والإهانة، واقتران الذقن الطويلة والجلباب بالوحشية والهياج الجنسي.

تعمل المؤسسة على تغيير الصورة النمطية بشهادات نساء مسلمات من داخل المجتمع الهولندي ذاته تعكس الجانب الآخر من الصورة، فأصدرت حملة بعنوان "هل تعرفني؟" للتعريف بالمرأة المسلمة في المجتمع، وأنها ليست بحاجة إلى وصي أو منقذ لينتزع لها حريتها.

وتجدد المؤسسة مطالبها من رجال السياسة والأحزاب بالتوقف عن إهدار الأموال في إصدار رموز سياسية مضللة تؤذي المجتمع وتهدد استقراره أكثر مما تفيده.

مستقبل المجتمع الهولندي

بالعودة إلى مطلع الألفية، كانت الأفكار المعادية للإسلام صادمة وذات وقع قوي على الجميع، وكانت منحصرة في الأحزاب السياسية اليمينية فقط، حسب فانروي الذي يرى أنها امتدت الآن لتصل إلى الأحزاب الليبرالية والمعتدلة، بالإضافة إلى استئناس المجتمع لهذه الصور النمطية واعتياده عليها.

ينطبق هذا الحال على الهولنديين من أصل عربي، بما فيهم الأجيال الثالثة والرابعة من المهاجرين، حسب إيريك الذي يشير إلى الصدمة التي رآها عقب الأحداث المتطرفة في مطلع القرن من أهله ومجتمعه.

ويعتقد فانروي، وهو أب لطفلين، أن الجيل القادم لن يتمسك بهذه القوالب، فالأطفال في المدارس الهولندية الآن هم من أعراق وأديان وجنسيات متنوعة، لا يشعرون بالفروق في ما بينهم، ولا يحاول الأهل تعزيزها بداخلهم، ما يجعلنا نعتقد بأن تأثير الصور النمطية سيكون أقل في المستقبل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image