شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"الأكراد يدفعون الثمن مجدداً"... لصالح من باع النظام السوري طموحات "قسد"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الأربعاء 21 يونيو 202303:16 م

توقفت حوارات نظام الأسد مع الإدارة الذاتية الكردية، الجناح المدني لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، بشكل نهائي، بسبب تدخلات إيران وتركيا اللتين ترفضان منح الأكراد أي حقوق في سوريا.

ونقل موقع "باس نيوز" المقرّب من حكومة إقليم كردستان العراق، عن مصادر كردية سورية، يوم الأحد 18 حزيران/ يونيو الجاري، أن "النظام السوري -خلال اللقاءات التي جرت في العاصمة دمشق- رفض بشكل قطعي قبول مقترحات وفد الإدارة الذاتية المتعلّقة بشرعنتها وشرعنة قواتها قسد، وقوات الآسايش (قوات الأمن الداخلي الكردية)، بأي شكل من الأشكال".

وأشارت المصادر، إلى أنّ "النظام السوري دعا أيضاً إلى تسليم كلّ المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من دون أي شروط، رافضاً التنازلات الكبيرة الذي قدّمتها الإدارة، واستعداداتها للعمل تحت إمرته وفق اتفاق يرضي الطرفين".

"ولم يولِ الجانب الروسي أي اهتمام بمقترحات الإدارة، ولم يقُم بدوره كوسيط بين الجانبين، في حين أن النظام يرى أنه هو المنتصر، وتجب استعادة كل المناطق التي انسحب منها لصالح قوات الإدارة في بداية العام 2011، وأنه يراهن على انسحاب القوات الأمريكية من سوريا واستلام المنطقة من جديد من دون تقديم أي تنازلات لأي طرف كان"، وفق الموقع.

النظام السوري دعا أيضاً إلى تسليم كلّ المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)

التطورات الحاصلة دفعت دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلى إصدار بيان، يوم الثلاثاء في الـ20 من الشهر الجاري، أشارت فيه إلى جاهزيتها للحوار مع جميع الأطراف ومنها دمشق بما يحقق الحل والاستقرار، رافضةً اتهامات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأنها مشروع انفصالي وبأن حوارها مع دمشق قد توقف بسبب الضغوط الأمريكية.

وتخوفت الإدارة في بيانها من "تصريحات الخارجية الروسية التي تأتي قبل ساعات من عقد اجتماع آستانة، ما يثير الريبة، ويؤكد بأنها لربما تأتي في سياق إرضاء الأطراف الأخرى من مجموعة آستانة، وخلق انطباع معادٍ للإدارة الذاتية، وبالتالي الخروج بمخرجات معادية وسلبية ضدها، بالإضافة إلى أن مثل هذه التصاريح تأتي في سياق شرعنة الهجمات التركية المتصاعدة على مناطقها في الأيام الأخيرة".

وجاء في البيان أيضاً، أن مواقف النظام السوري غير منفتحة على التغيير وتطوير حوار جاد، ولا يريد -أي النظام- قبول الواقع المتغير في سوريا.

تهافت للحوار مع دمشق

لا يمكن إنكار محافظة الإدارة على تواصلها مع دمشق منذ أواخر العام 2016، بشكل علني، وسعيها إلى أن تكون جزءاً من منظومة النظام، وقد برز ذلك في تصريحات رسمية عدة، آخرها ما قاله مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، ومفاده أنه "يأمل في انضمام قواته مستقبلاً إلى جيش النظام وأن تكون ضمن منظومة الدفاع عن سوريا"، رافضاً في الوقت ذاته أي حل أو تسوية لا يضمنان له ذلك.

تصريحات عبدي هذه ومطالبه تكررت خلال السنوات الماضية، لكنها لم تفضِ إلى أي تفاهمات سياسية بين الجانبين، برغم ترحيب المسؤولين المباشرين عن الملف في واشنطن، بالحوار مع النظام السوري، رغبةً من أمريكا في تثبيت الأوضاع في شرق الفرات حتى في حال غيابها، إلا أن تعنت النظام ورغبته في حل الإدارة كاملة حالا دون ذلك.

يرى الباحث الكردي، ومدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، إبراهيم كابان، أن "خطوات حوار الإدارة مع النظام تراجعت بسبب الضغوط التركية وحالة التطبيع معه، بالإضافة إلى أن النظام السوري نظام ديكتاتوري شمولي مركزي لا يقبل إلا بالحزب الواحد، وما يزال يفكر بعقلية ما قبل العام 2011، عكس الإدارة الذاتية التي تعتمد اللا مركزية في حوارها معه".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن اعتراف النظام بالإدارة يعني بداية مرحلة التحول الديمقراطي وتالياً إسقاط النظام ديمقراطياً، وهذا سبب رفضه الدخول في حوارات سياسية جدية.

استفاد النظام السوري من قوات قسد، فسيطرت على الجزء الأكبر من حقول نفط سوريا، وقطعت الطريق على المعارضة، فكيف يستعد اليوم للمساومة عليها؟

وتقتصر تفاهمات النظام مع الإدارة وتنسيقه معها على الجانبين الاقتصادي والعسكري، المؤقت والتكتيكي، وفق كابان، كونها تسيطر على منابع النفط والموارد الزراعية الإستراتيجية وتبيعهما للنظام من جهة، واشتراك الطرفين في غرفة عمليات تحت الإدارة الروسية في مناطق التماس مع الحدود التركية ومناطق سيطرة فصائل المعارضة، بعد عملية نبع السلام التي شنّتها الفصائل "المعارضة" التابعة لتركيا في شتاء 2019، وأدت وقتها إلى سيطرة الأخيرة على مناطق رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي بمساحة تقدَّر بـ1،500 كيلومتر مربع.

أوراق الإدارة الذاتية

من المعروف أن هناك ارتباطاً عضوياً وقديماً بين حزب العمال الكردستاني والنظام السوري. وبرغم كل المشاكسات والمنعطفات بين الطرفين، فقد حافظ حزب العمال ممثلاً في وحدات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة وحزب الاتحاد الديمقراطي كذراع سياسية، على علاقات جيدة وتنسيق أمني وعسكري تطوّر في المرحلة الأخيرة مع النظام، لذا فحزب العمال يرى أن فرصة الإدارة يجب أن تتحصل عليها من النظام عبر التفاوض معه والاستفادة من ضعفه، بالإضافة إلى عدم وجود وعود أمريكية لقوات قسد بإدارة ذاتية.

في المقابل، يرى النظام أن قوات قسد الجناح العسكري للإدارة أداة تابعة له، دعمها في بداية الثورة للسيطرة على معظم مناطق الحسكة التي تضم الجزء الأكبر من حقول نفط سوريا، بعد انسحابه منها إلى مراكز المدن، وقطع الطريق على المعارضة السورية وقتها، ولا يقبل النظام بتحول هذه الأداة من ورقة يملكها إلى ندٍّ سياسي يقاسمه السلطة.

وباتت الإدارة الذاتية بحلول العام 2019، تسيطر على مساحات واسعة من مناطق شرق سوريا الغنية بالنفط، وأساسيات الاقتصاد السوري كالقطن والحبوب، ما شكّل لديها حلماً برغبة في انتزاع اعتراف من دمشق بإدارة ذاتية مستقلة مشابهة للنموذج العراقي وإقليم كردستان، لا سيما في ظل وجود تنسيق عالٍ ودعم عسكري هائل من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. إلا أن التحالف الأمريكي مع قسد لم يتجاوز الدعم العسكري في محاربة تنظيم داعش، فحتى الآن ليس هناك اعتراف سياسي أمريكي بالإدارة الذاتية، فضلاً عن اضطرار الأخيرة إلى مراجعة حساباتها في الانفتاح على أطراف عدة بعد الخذلان الأمريكي لها في معركتها في عفرين 2018، ثم في ريف الحسكة بعدها بعام ضد تركيا وحلفائها، إذ إن الموقف الأمريكي كان واضحاً آنذاك في أن مهمته في سوريا محاربة داعش فقط.

يقول الباحث السياسي المتخصص في شؤون منطقة شرق الفرات في مركز جسور للدراسات أنس الشواخ، إن "النظام يستغل عدم وجود أي اعتراف سياسي دولي بالإدارة كقوة معارضة، وعدم مشاركتها في أي من مسارات الحل، وهذا يعطيه مجالاً لابتزازها والانسحاب من المفاوضات والعودة إليها متى شاء، بالإضافة إلى استغلال الضغط التركي عليها واستهدافه حزب العمال الكردستاني، وهذا أيضاً يمكّن النظام من توسيع مكاسبه العسكرية وانتشاره والأمني داخل مناطق الإدارة".

باتت الإدارة الذاتية بحلول العام 2019، تسيطر على مساحات واسعة من المناطق الغنية بالنفط، والقطن والحبوب

وحول الأوراق التي تملكها الإدارة الذاتية حالياً، يشير الشواخ لرصيف22، إلى أن "مشروع الإدارة الذاتية قائم بشكل رئيسي على الشراكة مع قوات التحالف ضمن إطار مكافحة الإرهاب، وهذه أبرز الأوراق، بالإضافة إلى أن إدارتها للمناطق التي كانت تحت حكم تنظيم داعش جعلتها تتحكم بمنابع النفط ومعظم حقول الغاز والقمح، وهذا غير الدعم الأمريكي وغطاء قوات التحالف الدولي للحالة العسكرية والإدارية للمناطق شمال شرق سوريا، لكون معظمها مناطق كانت تحت سيطرة داعش، وتالياً فإن قوات التحالف تسعى إلى ضمان استقرارها من خلال الإدارة".

روسيا تغيّر نبرتها

رعت روسيا مفاوضات النظام مع الإدارة الذاتية منذ اليوم الأول، لاستخدامها كورقة ضغط متعددة الأهداف تضمن دعم تركيا لمسار روسيا من جهة، وإجبار واشنطن على التفاهم مع موسكو في ما يتعلق بمستقبل "الإدارة الذاتية" من جهة أخرى، وتعزيز التقارب الأمني التركي الروسي وجعله أكثر إستراتيجيةً.

وازدادت رغبة النظام وحليفه الروسي في السيطرة على باقي مناطق نفوذ الإدارة، ولو عبر الحل العسكري، بعد الانفتاح التركي على الأسد، وهو الأمر الذي كان غائباً في خطاب النظام الذي سلك المسار التفاوضي، فضلاً عن رغبة النظام في تحقيق إنجاز ونصر على الدول الإقليمية كافة التي شاركت في الصراع السوري، ومن بينها أمريكا وتركيا، من جهة، والرغبة الروسية في الحصول على ملف إعادة الإعمار من الدول الأوروبية من جهة أخرى، وتعمّد منافسة واشنطن على تلك المنطقة تمهيداً لعودة سيطرة النظام على أكبر قدر ممكن من المنطقة الشرقية، بما في ذلك الضغط على قسد حليف واشنطن، وتحسين تموضع قوات النظام وحلفائه ضمن خريطة محاربة الإرهاب، وتالياً تعزيز مقارباتها السياسية.

يشير الباحث الكردي كابان، إلى أن "روسيا تريد أن يكون مسارها هو المسار القائم في سوريا، وقد كانت راعيةً للمفاوضات بين النظام والإدارة، ولكن نحوّل موقفها تجاه الإيرانيين وتركيا التي تربطها بالطرفين علاقة وثيقة، إذ لم تعد حياديةً"، مضيفاً أنه يمكن ملاحظة رفض روسيا أي حل أمريكي أو عربي في سوريا وفق القرار 2254، المتوافق مع مسار الإدارة.

من جهته، يرى الباحث في الشأن التركي طه عودة أوغلو، "أن ما يهم روسيا في الوقت الراهن هو تحقيق إنجاز سياسي في ظل العزلة الدولية التي تمر بها بسبب حربها على أوكرانيا".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن هناك أيضاً تحقيقاً لمكسب تركيا من خلال إعادة علاقتها مع دمشق، وأيضاً تسجيل نقطة على الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا بجمع النظام وتركيا وإيران تحت مظلة واحدة، وتأليبهم ضد أمريكا وإضعاف أدائها على الأرض مع حليفتها قسد.

ويدعم ذلك عدم امتلاك الولايات المتحدة خطةً مستقبليةً لسوريا، وتعاملها مع الملف الكردي على أنه ثانوي ومحسوم بعدم الاعتراف بشرعيته، والاقتصار على الاعتماد عليه وظيفياً في محاربة تنظيم داعش فقط، فضلاً عن التهديدات الإيرانية المتصاعدة في شمال شرق سوريا.

تقارب يحرج الأكراد

تزامنت خطوة النظام بإيقاف مفاوضة الجانب الكردي، مع انطلاق الجولة الـ20 من مباحثات آستانة، ومشاركته فيها إلى جانب روسيا وإيران وتركيا والمعارضة السورية ومراقبين من الأمم المتحدة والأردن ولبنان والعراق، وتحوي المباحثات مناقشة العديد من الملفات السورية، أبرزها ملف التقارب بين دمشق وأنقرة وهو ما أرعب الجانب الكردي، إذ ترى تركيا أن مواجهة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وتأمين الحدود الجنوبية أولوية لها، خاصةً في ظل تصعيد حصل خلال الأيام القليلة الماضية بين تركيا وقسد شمال شرق سوريا، من جهة، ودفع النظام بأرتال عسكرية تضم دبابات روسية الصنع وعربات مدرعةً وناقلات جند ووحدات هندسة ومدافع ميدانيةً نحو جبهات القتال في شمال محافظة حلب وشرقها، أي في بعض المناطق التي تتمركز فيها قوات قسد، من جهة أخرى.

يريد الجانب التركي إبعاد الأكراد عن حدوده، وهو ما يستعد النظام لتقديمه له، برعاية روسية، كي تعود العلاقات بين أنقرة ودمشق ويتوسع مسار التطبيع!

بحسب أوغلو، فإن هناك عوامل وتطورات عدة حصلت على الساحة السورية خلال الفترة الأخيرة الماضية، أهمها عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق، التي أخذت منعطفاً ومنحنى جديداً منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بعد الاجتماعات الرباعية في موسكو، حيث انتقلت إلى الشقّ السياسي في الفترة الأخيرة، وآخرها الآن في آستانة.

ويرجح أوغلو، أن تلعب تركيا دوراً كبيراً في إيقاف المفاوضات بين الجانب الكردي ودمشق بطريقة غير مباشرة، بمعنى أنها تحاول إنجاح مسار التطبيع مع دمشق وتحقيق الهدف الأساسي وهو إبعاد عناصر قسد عن حدودها والتضييق عليها داخل سوريا.

ويبدو أن النظام سيكون في موقع مختلف وأقوى مما كان عليه في السابق، بحسب أوغلو، خاصةً بعد الانفتاح العربي وعودته إلى الجامعة العربية والزيارات التي قام بها رئيسه إلى دول المنطقة، والأهم هو مسار التطبيع مع تركيا، والذي يمكن عنونته بـ"مكافحة الإرهاب"، وهي وفق المفهوم التركي ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني وقسد، فتركيا منذ أن بدأت مسار التطبيع مع النظام تركز على هذه الجزئية.

ويختم أوغلو حديثه: "ما يهم تركيا حالياً، هو إبعاد قسد عن حدودها"، لافتاً إلى احتمال أن يكون هناك تفاهم وقاسم مشترك بين أنقرة ودمشق خلال المرحلة القادمة، فالنظام يعوّل ويراهن على كسب هذه الفرصة والتطبيع مع أنقرة ومن ثم اللعب على ملف قسد، لا سيما أن هناك الراعي الأساسي لهذا المسار، وهو الحليف الروسي، الحاكم الفعلي لسوريا والمتميز بعلاقته الجيدة مع الأتراك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image