شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
فوبيا القضية الكردية... تواطؤ تركيا وإيران وروسيا وأطراف الصراع السوري

فوبيا القضية الكردية... تواطؤ تركيا وإيران وروسيا وأطراف الصراع السوري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الخميس 3 نوفمبر 202203:49 م

بعد سبع جولات، اختُتمت في جنيف السويسرية، مطلع حزيران/ يونيو الماضي، أعمال الدورة الثامنة للهيئة المصغرة للّجنة الدستورية السورية، التي تشكّلت أواخر كانون الثاني/ يناير 2018، بتيسير من الأمم المتحدة.

وذكر بيان صادر عن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أن الدورة الثامنة ناقشت أربع مسائل رئيسية في ما يتعلق بالمبادئ الدستورية المقترحة، وهي: التدابير القسرية الانفرادية من وجهة نظر دستورية، والحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها، وسيادة الدستور وموقف المعاهدات الدولية، والعدالة الانتقالية.

وأشار بيدرسون إلى أن الاختلافات ظلت شاسعةً، فضلاً عن بطء وتيرة العمل والعجز المستمر عن أي توافق مبدئي، إذ لم يتفق المجتمعون كما في كل مرة سوى على تحديد جولة جديدة، والقادمة هي التاسعة، في جنيف، في الفترة من 25 إلى 29 تموز/ يوليو 2022، والتي عادت وأُجّلت إلى أجل غير مسمّى.

تغيب القضية الكردية التي كانت تشكل إحدى أبرز القضايا العالقة في سوريا قبل اندلاع أزمتها المستمرة منذ آذار/ مارس 2011، عن الأزمة السورية، التي شهدت العديد من الاجتماعات والمؤتمر الدولية من دون أي تمثيل لوفد كردي خاص، حتى في لجان كتابة الدستور الجديد، لرسم ملامح سوريا المستقبل، وذلك بسبب الفيتو التركي الذي يرفض أي وجود للقضية الكردية على أراضي تركيا والدول المجاورة لها، خصوصاً في سوريا التي ترى أنقرة أن أي حل لهذه القضية في شمالها الشرقي، والتي تشترك في حدودها الجنوبية معها، سينعكس بشكل مباشر على وضعها الداخلي، وهو ما يحول دون مناقشة المسألة الكردية في أروقة الاجتماعات الدولية الخاصة بسوريا.

ويقطن أكراد سوريا، وهم مجموعة متمايزة عرقياً ولغوياً، مناطق قريبةً من الحدود التركية والعراقية، على الرغم من أن مدناً أخرى عدة في أجزاء أخرى من البلاد، خصوصاً دمشق وحلب، تقطنها مجموعات كردية كبيرة أيضاً. للمزيد من الدقة، فإن المنطقة التي يسكنونها لا تمثّل إقليماً، سواء سياسياً أو جغرافياً، وهم على العكس من نظرائهم في العراق، لم يتمكنوا من الحصول على حكم ذاتي لهم في ظل النظام البعثي؛ فحتى أغلب المناطق الكردية في الشمال الشرقي تتخللها مناطق مختلطة من السنّة العرب، والأشوريين، والأرمن، والتركمان والأيزيديين، وحُرم الكرد من حقوقهم طوال عقود وجُرّد أكثر من 300 ألف كردي خلال حكم حزب البعث من جنسيتهم، وتستمر المظلومية بغياب تمثيلهم وقضيتهم في اللجنة الدستورية الحالية في جنيف.

يغيب الكرد عن اللجنة الدستورية بسبب الفيتو التركي الذي يرفض أي وجود للقضية الكردية على أراضي تركيا والدول المجاورة لها

لا استقلالية للّجنة

يقول السياسي المستقل وعضو مركز عدل لحقول الإنسان في سوريا، مصطفى أوسو، لرصيف22، إن "اللجنة الدستورية السورية المعنية بوضع الدستور المستقبلي لسوريا، تعمل بإشراف الأمم المتحدة وتحت رعايتها المباشرة، والمتتبع لأوضاع هذه المؤسسة الدولية ومواقفها حيال مختلف الأحداث والتطورات العالمية، ومنها تطورات الأزمة السورية المستمرة منذ عام 2011، يدرك تماماً أنها غير مستقلة في قراراتها وتخضع في عملها لإرادة ومشيئة بعض الدول -الكبيرة منها بشكل خاص- أو أنها على الأقل غير قادرة على ترجمة وتطبيق ميثاقها، وخاصةً تلك البنود المتعلقة بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين وحق الشعوب في تقرير مصيرها، لأنها تفتقد الآليات اللازمة لذلك بمعزل عنها، وهذا ما ظهر واضحاً وجلياً في أكثر من مناسبة ومحطة".

برأيه، يغيب أي دور للسوريين في اللجنة الدستورية السورية، التي هي إحدى مخرجات ما سُمي بمؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عُقد في مدينة سوتشي الروسية في نهاية كانون الثاني/ يناير 2018، وتالياً هناك غياب لأي دور أو إرادة لطرفي الصراع في سوريا (النظام والمعارضة)، وارتهانهما بالكامل للقوى الخارجية الداعمة/ المؤيدة والمشغّلة لهما".

ويشير الحقوقي السوري، إلى أن "الدستور في أي مجتمع، هو القانون الأساسي الذي ينظم العلاقة بين جميع أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى، من حيث الحقوق والواجبات والسلطات وحدودها والانتخابات وشكل الدولة ونظامها السياسي، لذلك فإن كتابته يجب أن تكون بمشاركة جميع مكوناته القومية، والدينية، والمذهبية وغيرها، كما يجب أن يضمن حقوقهم جميعاً بشكل عادل ومتساوٍ من دون طغيان أحد منهم على الآخر".

وتكمن المشكلة الأساسية في الترتيبات الحالية لوضع الدستور السوري الجديد، وفق أوسو، في أن مواقف العديد من الأطراف الفاعلة فيها، كتركيا وإيران، سلبية، إن لم نقل إنها عدائية، تجاه مكون أساسي من مكونات الشعب السوري، وهو المكون الكردي وقضيته القومية في سوريا.

فوبيا القضية

بالإضافة إلى المواقف العدائية لبعض الأطراف الإقليمية المتنازعة على مصالحها في سوريا، تجاه الملف الكردي، فإن مواقف طرفي الصراع في سوريا النظام والمعارضة، المتقاطعة بدرجة كبيرة معها، بحسب أوسو، تتجلى من خلال إصرار "النظام السوري" على التمسك بتطبيق دستوره لعام 2012، الذي مرجعيته الفكرية والسياسية هي القومية العربية والأدلجة البعثية الشمولية، التي تنفي التعددية القومية والدينية وحتى السياسية في المجتمع السوري، مع ما يترتب عليها من إنكار للخصوصيات الثقافية والحرمان من الحقوق.

من جهتها، تتمسك أغلب أطر وتيارات المعارضة السياسية السورية، بتطبيق دستور عام 1950، الذي يشترك مع دستور "النظام السوري" لعام 2012 في صيغته القومية العربية وإنكاره للتعددية في المجتمع السوري، وتؤكد مادته الأولى على أن سوريا "جمهورية عربية ديمقراطية نيابية"، أي أنه لا وجود لأي مكوّن آخر في سوريا غير المكوّن العربي.

يُصرّ "النظام السوري" على التمسك بتطبيق دستوره لعام 2012، الذي مرجعيته الفكرية والسياسية هي القومية العربية والأدلجة البعثية الشمولية، التي تنفي التعددية القومية والدينية

يعرب أوسو عن مخاوفه من أن هذه الترتيبات الجارية لرسم ملامح سوريا المستقبل لن تكون ملبيةً لطموحات الشعب السوري عموماً والشعب الكردي في سوريا بشكل خاص، بسبب الذهنية القومية والعنصرية السائدة وما يمكن تسميتها بـ"فوبيا" القضية الكردية في المنطقة، ما قد يؤسس لمرحلة تكون أخطر مما نعيشه حالياً، سمتها الأساسية والبارزة عدم الاستقرار واستمرار الحروب والكوارث في سوريا والمنطقة عموماً، خاصةً في ظل غياب التمثيل الكردي المستقل فيها، بحيث أن من يحضر من الكرد في تلك الترتيبات، يحضر باسم "المعارضة"، أو على الأقل باسم قسم من الكرد في "المعارضة"، بسبب انقسام الأحزاب الكردية وتشتتها وتناحرها.

صراع داخل صراع

ومع اتساع رقعة الصراع في سوريا، بقيت المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال الشرقي لسوريا، معزولةً عنه نسبياً، ونظراً إلى عدم قيامهم بأنشطة تلفت الأنظار، فقد نجحوا في تجنّب هجمات النظام. ومع مرور الوقت، انسحبت قوات أمن النظام لتتمركز في أمكنة أخرى، في حين اغتنمت وحدات حماية الشعب الكردية الفرصة لتحل محلها، وتستولي على مناطق نفوذ، وتحمي مناطقها، وتقدّم الخدمات الأساسية لتضمن وضعاً أفضل للأكراد في سوريا ما بعد بشار الأسد، كما تقول قياداتها.

في المقابل، لا تزال التطلعات الكردية تحت رحمة النزاعات الداخلية، والتنافس الإقليمي حول المسألة الكردية. وبالنسبة لأكراد سوريا الذين عانوا ومنذ وقت طويل من القمع وحُرموا من حقوقهم الأساسية، فإن الحكمة تقضي بالتغلب على الانقسامات الداخلية، وتوضيح مطالبهم، والاتفاق مع أي هيكلية سورية للسلطة ستحلّ محل النظام الحالي، على تعريف وترسيخ حقوقهم، وفق ما أشار إليه ناشط في المجتمع المدني ومتابع لأعمال اللجنة الدستورية، لرصيف22.

تعيش الأحزاب الكردية أزمة وجود، كما تتنازع فيما بينها على احتكار الصوت الكردي من دون تفكير بمستقبل الكرد وحاجاتهم

يقول فاروق حاج مصطفى، المدير التنفيذي لمنظمة "برجاف" للإعلام والحريات، إن "الواقع الكردي المنقسم لا يمكنه أن يحقق أي تقدم للقضية الكردية، وإيصالها إلى المحافل الدولية، في ظل الاختلاف بين الأطراف الكردية في العلاقات الخارجية.

ويضيف: "هذا الانقسام يُضعف الموقف التفاوضي الكردي بشكل كبير في مواجهة تحديات المرحلة الجديدة، والتي منها رتيبات كتابة الدستور، التي تفرض ضرورة العمل على توحيد الصفوف وبناء مرجعية كردية شاملة، لها خطابها السياسي الواضح والشفاف الموجه إلى كافة القوى الداخلية والإقليمية والدولية المتدخلة في الأزمة السورية، وفتح باب الحوارات والمفاوضات معها جميعاً وفق المصلحة القومية العليا للشعب الكردي، بعيداً عن المصالح الحزبية والشخصية الضيقة وادعاءات الشرعية والتمثيل من هذا الطرف أو ذاك، وهو ما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بالشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا".

ويوجد طرفان كرديان يتنازعان على تمثيل القضية الكردية، ويختلفان في خطابهما وتمثيلهما في الإطارات السورية، ويتمثل المجلس الوطني الكردي المقرب من قيادة إقليم كردستان العراق في الائتلاف السوري المعارض المدعوم من تركيا، في حين يتمثل الطرف الآخر في أحزاب الوحدة الوطنية الكردية التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، المقرب من حزب العمال الكردستاني التركي.

ولم تنجح جهود الولايات المتحدة الأمريكية في إنجاز أي اتفاق بين الطرفين، ومنذ صدور بيان مشترك بين طرفي الحوار (أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكردي)، منتصف شهر حزيران/ يونيو 2020، عقد الطرفان 11 جلسةً حواريةً بحضور الجانب الأمريكي وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، فيما توقف الحوار الكردي-الكردي منذ 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، نتيجة عوامل إقليمية وكردستانية إلى جانب المرحلة الانتقالية في تشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة بعد انتخاب جو بايدن.

التوافق والحوار أولاً

يرى معارض سوري أن القضية الكردية قضية وطنية سورية بامتياز، ومطلوب التوافق أولاً بين السوريين من قوى المعارضة من كافة مكونات الشعب السوري، على طرق حلها من خلال طاولة حوار.

المعارض السوري سمير نشار، المقيم في مدينة إسطنبول التركية، سمير نشار، يشير لرصيف22، إلى أن "القضية الكردية وعملية التغيير الديموقراطي قبلها، من المواضيع التي يجب الحوار والتوافق عليها أولاً بين السوريين المعارضين، وبعد ذلك مخاطبة المجتمع الدولي برأي وموقف سوري واحد يعبّر عن آمال وطموحات السوريين في دولة وطنية ديموقراطية ليبرالية تسودها المساواة والعدالة، ويجد السوريون جميعهم فيها، أنها دولتهم ووطنهم النهائي، وأن تكون سوريا أولاً هي محور أجندتهم الوطنية".

اللجنة الدستورية هي توافق مصالح دول مسار آستانة، تركيا وروسيا وإيران، والتي تم القفز من خلالها على تشكيل هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة

ويقول: "سوريا دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب، وهناك مشروع سوريا كدولة اتحادية، الذي قُدّم قبل عامين من قبل معارضين سوريين من مختلف الاختصاصات والمكونات، وهو جدير بالنقاش"، معرباً عن أسفه من أن "قوى المعارضة الرسمية المتمثلة في الائتلاف الخاضع للوصاية التركية، لم تعد تمثل القرار الوطني السوري المستقل للسوريين، ولا اللجنة الدستورية المنبثقة عن دول مسار آستانة، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا ممثلين شرعيين لقوى الثورة والمعارضة".

ويتحفظ المعارض السوري على العملية السياسية في سوريا التي "جرى اختصارها باللجنة الدستورية، ومن خلال توافق مصالح دول مسار آستانة، تركيا وروسيا وإيران، التي توافقت على تشكيل اللجنة الدستورية والتي تم القفز من خلالها على تشكيل هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، والتي يُفترض أنها هي من تشكّل اللجنة الدستورية وليس الدول صاحبة المصالح في سوريا، بعيداً عن مصلحة جميع السوريين".

ويختم نشار: "بالرغم من كل ذلك، وبالرغم من تشكيل اللجنة الدستورية قبل عامين، لم يُسجَّل لها أي إنجاز ولو متواضع"، منوهاً إلى أن العملية السياسية منذ بدايتها من اجتماعات جنيف2، مطلع عام 2014، لم تحقق أي خطوة باتجاه الحل السياسي في سوريا، ولا حتى على الصعيد الإنساني، كما أقر القرار الدولي 2254، الصادر عن مجلس الأمن، عبر إطلاق سراح المعتقلين، وذلك لأن بشار الأسد ونظامه يرفضان تقديم أي تنازل للسوريين بمختلف أطيافهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image