في خطوة وُصفت بالأولى من نوعها بعد أكثر من عقد من الزمن، اجتمع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ونظيره السوري علي محمود عباس، في العاصمة الروسية موسكو، بعد استضافتهما من قبل وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، في 28 كانون الأول/ ديسمبر الفائت. حضر المحادثات -التي عُدَّت أول محادثات رفيعة المستوى بين أنقرة ودمشق- رؤساء الاستخبارات في كلا البلدين، بالإضافة إلى رئيس الاستخبارات الروسي، وجاء هذا اللقاء بعد جملة من المؤشرات خلال الأشهر الأخيرة، على التقارب بين دمشق وأنقرة التي تُعدّ أبرز داعم للمعارضة السورية منذ اندلاع الثورة في العام 2011.
وزارة الدفاع التركية، كانت قد أصدرت بياناً بعد اللقاء، قالت فيه إن الاجتماع تضمّن مناقشة سبل حل الأزمة السورية، وقضية اللاجئين، والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة، كما تم الاتفاق على استمرار اللقاءات الثلاثية لضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة عموماً.
في المقابل، تناولت وسائل إعلام موالية للنظام السوري مخرجات الاجتماع، بأن لقاء موسكو انتهى بموافقة تركية على الانسحاب الكامل من الأراضي السورية التي تحتلها في الشمال السوري، وتأكيد احترام أنقرة لسيادة الأراضي السورية وسلامتها، والبحث في تنفيذ اتفاق 2020 بخصوص افتتاح طريق M4.
ولا يبدو أن المحادثات التركية مع نظام الأسد ستتوقف عند هذا الحد، خصوصاً في ظل سلسلة الرسائل الإيجابية التي أطلقها الرئيس التركي أردوغان، إلى دمشق في وقت سابق من الشهر الفائت، إذ أعرب عن انفتاحه على الاجتماع مع الرئيس الأسد، بقوله: "يمكن أن تجتمع وكالات استخباراتنا أولاً، ثم وزراء دفاعنا، ثم وزراء الخارجية، وبعد ذلك يمكن أن نلتقي كقادة".
قال أردوغان: "يمكن أن تجتمع وكالات استخباراتنا أولاً، ثم وزراء دفاعنا، ثم وزراء الخارجية، وبعد ذلك يمكن أن نلتقي كقادة"
معارضة منصاعة
وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، كان قد وصف المعترضين على خطوات تركية نحو التقارب مع النظام، في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بأنها جماعة قليلة جداً وتحركت لمصالحها الخاصة، مضيفاً أنه "لم تكن هناك أي ردود فعل من ممثلي المعارضة السورية".
لم تمضِ على تصريحات أوغلو ساعات، حتى اشتعل الشمال السوري بمظاهرات شعبية حاشدة، ورافضة للتقارب التركي مع النظام، حملت عنوان: "نموت ولا نصالح الأسد"، محرجةً في الوقت نفسه الأجسام السياسية الرسمية في المعارضة السورية التي في حينها كانت ملتزمةً الصمت تماماً، ولم يصدر أي تعليق رسمي أو موقف من محادثات أنقرة عنها.
يوم الثلاثاء، في 3 كانون الثاني/ يناير الجاري، أي بعد نحو 5 أيام من تصريحات أوغلو، خرج رئيس الائتلاف السوري المعارض سالم المسلط، في بيان مصور، يؤكد فيه التزام الائتلاف بثوابت الشعب السوري وثورته، ويعبّر عن اعتزازه وفخره بهذا الشعب العظيم الذي ملأ ساحات الشمال السوري حتى الجنوب، مضيفاً أن نظام الأسد نظام إبادة ارتكب جرائم الحرب والمجازر بحق الشعب السوري الأعزل، وأن الائتلاف يؤكد أن سبل الخلاص وإنقاذ الشعب هي الخلاص منه.
وتقول مصادر مطلعة على موقف "الائتلاف" وكيفية تعاطيه مع تقارب تركيا مع نظام الأسد، إن "التصريحات الرسمية لا تصدر إلا بعد أن يتمّ إطلاع الجانب التركي عليها وأخذ موافقته، وهذا ما يبدو واضحاً من الكلام الذي صدر عن الجهات الرسمية في المعارضة السورية، وتحديداً الائتلاف، والتي لم تقترب من التحرك التركي أو السياسة التركية الحالية وبقيت في إطار عام وموجهة إلى نظام الأسد ورفض التعامل معه".
من جهته، أصدر المجلس الإسلامي السوري، بياناً علّق فيه على التقارب التركي مع النظام بالقول: "لقد أخذنا على أنفسنا العهد بألا نكون شهود زور على مشاريع تصفية الثورة السورية، وإننا نرى دعوات التطبيع والمصالحة مع النظام المجرم تجري على قدم وساق، وإننا نؤكد أن الموت ونحن نتجرع السمّ أهون ألف مرة من أن نصالح عصابة الإجرام التي دمّرت سورية وأبادت أهلها".
أين الجيش الوطني؟
ويبدو أن الغزل التركي في نظام الأسد، يحدث بمعزل تام عن المعارضة السورية بمؤسساتها الأربع: الائتلاف الوطني السوري، والجيش الوطني السوري، واللجنة الدستورية، وهيئة التفاوض، كما يُظهر توجهاً تركياً نحو استبعادها شيئاً فشيئاً عن تطورات القضية السورية، وفي الوقت ذاته الاستفادة من هذه المعارضة عسكرياً فقط في محاربة قسد التي ترى فيها تركيا تهديداً لأمنها القومي على حدودها جنوباً.
تصريحات المعارضة السورية الرسمية لا تصدر إلا بعد أن يتمّ إطلاع الجانب التركي عليها وأخذ موافقته، وهذا ما يبدو واضحاً من الكلام الصادر عنها، والذي لم يتوجه إلى السياسة التركية بكلمة
ويكشف أحد القياديين في صفوف الجيش الوطني لرصيف22، أن "تركيا لا تخبر قيادة الجيش الوطني بتحركاتها الدبلوماسية والسياسية، ولا تستشيرها أبداً في ما يتعلق بمحادثاتها مع نظام الأسد"، مضيفاً: "هذا التقارب يجب أن يدفع الجيش الوطني لإعادة حساباته والبحث عن مصلحته أيضاً كما تفعل تركيا، وطريقة تعامله مع الضامن التركي في المسائل السياسية المصيرية السورية، والتي يبدو أنها باتت تشكل مسائل ثانويةً بالنسبة للإدارة التركية".
ويرى القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن "الكلمة اليوم هي للشارع الثوري الداخلي فقط، وللمهجرين، ولأبناء المعتقلين والشهداء، فهؤلاء قوة بشرية هائلة وهم من يضفي الشرعية على كل الأجسام السياسية والعسكرية والدينية، وقد وصل الجواب الثوري للحكومة التركية في المظاهرات التي اشتعلت في شمال سوريا، وكانت مطالبها واضحةً بأنه لا يمكن مصالحة النظام وإعادة التطبيع معه، ولا يمكن أبداً العودة إلى حكمه بعد كل هذه السنوات".
عقدة الحل والمباحثات
يؤشر تصريح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي أكد على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف وفق القرار الأممي 2254، على أن توجه حزب العدالة والتنمية في الانتقال من رفع مستوى التواصل الأمني إلى المستوى السياسي مع النظام السوري، لا يقتصر فقط على سحب ورقة مهمة من يد المعارضة التركية التي لطالما لوّحت بفتح قنوات تواصل مع نظام الأسد حال وصولها إلى السلطة، وإنما برغبة تركيا غير الخافية في توقيع اتفاقية أضنة قانونياً لتشمل 30 كيلومتراً.
أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف وفق القرار الأممي 2254
لكن في الوقت نفسه، ترى تركياً أنه من الصعب تحقيق هذه الرغبة بسبب اشتراط النظام السيطرة الكاملة على الجغرافيا السورية، فضلاً عن وجود اللاعب الإيراني المتحكم بقرارات النظام المفصلية، بالإضافة إلى الموقف الأمريكي وموقف الاتحاد الأوروبي، لذلك فإن تركيا شددت على أن مسارها يلتزم بالقرار الأممي 2254، بالرغم من أن الطرق الدبلوماسية مع نظام الأسد أثبتت فشلها.
يقول مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، محمد سالم، إن "أنقرة حريصة على الإمساك والاحتفاظ بورقة المعارضة السورية ما أمكن، وتالياً هي تحاول أن تمسك العصا من الوسط، وتحاول أن توازن بين الاستحقاقات الخارجية المتمثلة في الضغوط الروسية، والاستحقاقات الداخلية المتمثلة في ملف اللاجئين والانتخابات الداخلية، فهي أيضاً تريد إرضاء الرأي العام التركي الراغب في حل أزمة اللاجئين من بوابة التقارب مع دمشق".
ويلفت سالم في حديثه مع رصيف22، إلى أن "أنقرة تحاول أن تعطي تطمينات للمعارضة السورية وهي مقبولة لكنها ليست كافيةً، لذلك المعارضة السورية بأطيافها كافة، مختلفة في ردود الأفعال حول تركيا التي يبدو أنها ماضية في تقاربها مع الأسد".
ويشير إلى أن "تطمينات أنقرة للمعارضة السورية قائمة على التركيز على القرار الأممي 2254، الذي لا يُمثّل عودةً إلى الوراء، لأن كل الأطراف متفقة على القرار شكلاً، أما مضموناً -وهنا الإشكال- فكل جهة تفسره حسب فهمهما، لأن القرار نص قابل للتفسير المتعدد، فتركيا تركز على الاصطفاف وراء 2254، لكن السؤال الذي بدأ يخيف المعارضة السورية: هل الاصطفاف التركي وراء القرار الأممي سيكون وفق تفسير روسيا وإرادتها وتوجهها نحو تبنّيه؟".
مفاجأة الجولاني
فاجأ القائد العام لهيئة تحرير الشام، صاحبة النفوذ العسكري في إدلب وريف حلب الغربي، أبو محمد الجولاني، الأوساط السورية، بالظهور الأسرع بين التنظيمات المعارضة، إذ ظهر في تسجيل مصوّر بعنوان: "لن نصالح"، نشرته مؤسسة أمجاد الإعلامية الذراع الإعلامية الرديفة للهيئة، الإثنين 2 كانون الثاني/ يناير، إذ عدّ أن المباحثات التركية مع نظام الأسد والحليف الروسي انحراف خطير يمس أهداف الثورة السورية، رافضاً المصالحة والتطبيع.
يقول قيادي في الجيش الوطني إن تركيا لا تخبر قيادته بتحركاتها الدبلوماسية والسياسية، ولا تستشيرها أبداً في ما يتعلق بمحادثاتها مع نظام الأسد... فهل يُنتظر منه اتخاذ موقف واضح؟
ودعا الشارع في الشمال السوري إلى عدم اليأس والحزن "بعد خذلان البعيد والقريب"، في إشارة واضحة إلى تركيا، وقال: "تحرير الشام لن تُريح أو تستريح حتى تحطّ رحالها في قلب دمشق وإعمارها والمباهاة بها أمام العالم بعد إسقاط النظام".
يقول الباحث المتخصص في الحركات الجهادية، عبد الرحمن الحاج، في حديثه إلى رصيف22، إن "تصعيد الجولاني الإعلامي حركة استباقية لمواجهة مخاطر أي اتفاق مصالحة مع النظام، فالجولاني أدرك أنه سيكون الضحية الأولى لأي اتفاق تركي مع النظام السوري، لذا اتخذ موقفاً مناهضاً لأي اتفاق ومن حظه أن الحراك الشعبي هو ضد أي اتفاق بالفعل، مما يمنح موقفه صلابةً أكثر، ويعقّد معادلة المصالحة في إدلب بالذات".
ويضيف الحاج: "هيئة تحرير الشام لا يمكن إدماجها في أي اتفاقات مستقبلية في المصالحات وتشكيل كيانات عسكرية بإشراف تركيا على غرار الفرقة الثامنة في اتفاق الجنوب في درعا، لأنها من جهة منظمة مصنّفة إرهابيةً، ومن جهة ثانية هي خارج السيطرة التركية المطلقة، خلافاً لما هو الحال مع فصائل الجيش الوطني، ولهذا السبب ستكون أول ضحايا الاتفاق، لأنها ستكون متمردةً على الجميع".
وحول العقبة التي تحول دون تفكيك تحرير الشام والتعامل معها كلاعب مهم على الساحة السورية، بالرغم من وضعها على قائمة التنظيمات الإرهابية العالمية، يرى الحاج، أن "الموقف الأمريكي هو العائق في تفككها، فهو الذي يتعامل مع النصرة بوصفها حاجةً موضوعيةً لمواجهة تمدد الجهادية العالمية في سوريا، وهذا ما يجعل التعامل مع الجولاني حذراً من قبل الأتراك، وربما يجعلهم يعقدون صفقةً معه للبقاء ضمن حدود معيّنة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم