في 9 حزيران/ يونيو 2023، قُتلت سريت أحمد شقور البالغة من العمر 18 عاماً إثر إصابتها بعدة أعيرة نارية في الجزء العلوي من جسدها، على يد أشقائها، بالقرب من بلدة يركا، شمال فلسطين.
سريت، من قرية كسرى سميع الشمالية ذات الغالبية الدرزية، كانت لا تزال قاصراً عندما تقدّمت بشكوى عنف منزلي ضد شقيقيها في عام 2020، بعد تهديدات تلقتها منهما بسبب ميولها الجنسية. حينها، أدين الشقيقان واحتجزا لمدة 3 و 4 أشهر. في غضون ذلك، وتحت التهديدات المستمرة، انتقلت سريت من منزلها في القرية إلى ملجأ لحماية الفتيات. لاحقاً، قرّرت الانتقال إلى منزل أختها في قرية ساجور في الجليل، واستُهدفت هذا الأسبوع بطلقات نارية، بينما لم يتم توقيف الشقيقين أو توجيه اتهامات إليهما.
في حين أن هذه ليست أول حالة قتل يواجهها الفلسطينيون الكوير بسبب هويتهم الجنسية والجندرية، إلا أن وفاة سريت هي أول حالة موثّقة علناً، فيها الهوية الكويرية معروفة صراحةً بأنها السبب بهجوم عائلي مليء برهاب المثلية، تتساوى المؤسسات التي ترعاها الدولة والعوامل الاجتماعية والثقافية في التسبب فيه.
يستحق الفلسطينيون الكوير الكرامة والحياة وحتى الفرح دون الاضطرار إلى الموت، ومع ذلك، فإن وفاة سريت تذكير بقسوة التجارب التي يعيشها العديد من الفلسطينيين الكوير، وحالة الضرورة الملحّة للعمل من أجل تحسين ظروفهم بما يتجاوز مجرّد البقاء على قيد الحياة. يجب ألا يموت الفلسطينيون الكوير أو أن يعيشوا تجارب قريبة من الموت للحصول على صوت، بينما يحاولون تحمّل الهوموفوبيا من الدولة والأنظمة الاجتماعية والثقافية التي تخنقهم حتى الموت حرفياً، نفسياً وعاطفياً.
يسلط مقتل أحمد الضوء على بعض القضايا التي يجب على الفلسطينيين الكوير وحلفائهم الانتباه إليها، حتى في لحظة الحداد المؤلمة هذه.
يستحق الفلسطينيون الكوير الكرامة والحياة وحتى الفرح دون الاضطرار إلى الموت، ومع ذلك، فإن وفاة سريت تذكير بقسوة التجارب التي يعيشها العديد من الفلسطينيين الكوير، وحالة الضرورة الملحّة للعمل من أجل تحسين ظروفهم بما يتجاوز مجرّد البقاء على قيد الحياة
يحدث مقتل سريت ضمن طاعون عنف السلاح واسع النطاق الذي يطغى على المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، في حين تفشل الشرطة في سنِّ عقوبات رادعة ضد المجرمين أو اعتقال الجناة، في ظل الغياب الكامل لآليات الحماية. وبحسب منظمة "مبادرات إبراهيم" التي ترصد أزمة عنف السلاح، توفي 102 فلسطيني منذ بداية عام 2023. جادل عضو الكنيست العربي سامي أبو شحادة منذ سنوات أن إسرائيل لا تهمل فقط الجريمة المنظمة في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، ولكنها تمكّنها أيضاً، لأن المجرمين الذين يقودون شبكات الجريمة هذه غالباً ما يكونون مخبرين سابقين ومتعاونين، تتجاهل إسرائيل أفعالهم مقابل تعاونهم مع مؤسسات الأمن والاستخبارات الإسرائيلية.
النساء والأطفال بشكل خاص أكثر عرضة للعنف المنزلي وأكثر عرضة للقتل في ظل هذه الظروف. عندما يُنظر في كونها كوير، فإن مقتل سريت، من ناحية، هو مجرد جريمة قتل أخرى في هذا الواقع العبثي، ولكن من ناحية أخرى، وبسبب هويتها الكويرية، فإن سريت ومعظم الفلسطينيين الكوير داخل الخط الأخضر يعانون من اضطهاد ذي حدين. أولاً كأفراد لا تحميهم دولة ولا توفّر لهم أي دعم، وثانياً كأفراد منبوذين في مجتمعهم، دوائرهم الاجتماعية وعائلاتهم التي تصرّ على أن الهويات الكويرية لا يمكن أن تكون جزءاً من النسيج الاجتماعي الفلسطيني أبداً.
يجب ألا يموت الفلسطينيون الكوير أو أن يعيشوا تجارب قريبة من الموت للحصول على صوت.
ندّد أعضاء كنيست عرب، مثل أيمن عودة، بجريمة القتل، لكنهم فشلوا في ذكر حقيقة أن سبب الجريمة المروعة ضد جسد وروح سريت هو كونها امرأة كوير. نادراً ما تعترف القيادة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل بحقوق المثليين/ ات أو بالعنف ضدهم، بسبب المعارضة الدينية ضد الهويات الكويرية في المجتمع الفلسطيني. بالنسبة لهؤلاء السياسيين، فإن الضرر السياسي عند التعامل مع القضية يفوق بكثير المنفعة. عضوة الكنيست عايدة توما سليمان، المعروفة بشكل عام بكونها سياسية داعمة للكوير، مثل عودة، تحدّثت في ردها على وفاة سريت، في إذاعة إسرائيلية عامة، عن أزمة العنف المسلح العامة، وقالت: "الخطر لا يواجه فقط الأفراد الكويريين". ومع ذلك، فإن تجربة العنف لدى الكوير الفلسطينيين تفرض بالإلحاح الخاص الذي يتطلب إجراءات محدّدة تهدف إلى حماية حياة الكوير بالذات.
كشف مقتل سريت، مرة أخرى، النقص الحاد في الموارد وغياب أنظمة الاستجابة لدعم الشباب العرب الكوير الذين يغادرون بيوتهم وعائلاتهم بسبب الهوموفوبيا (رهاب المثلية). الأخصائيون الاجتماعيون، علماء النفس، الملاجئ السكنية شبه معدومة اليوم تقريباً. المجتمع الفلسطيني أكثر تنوعاً مما يعتقده الكثيرون. لقد حان الوقت لكي يستخدم قادتنا هذه الحقيقة للانخراط في إمكانيات التغيير في مجتمعنا بشكل أوسع، مع تشكيل فهم أن مجموعة واحدة من المطالب على المستوى الجماعي لن تناسب الجميع. هناك مجموعات فرعية تستحق ممثلين للتحدّث نيابة عن احتياجاتهم الخاصة، ولا ينبغي أن يشكل ذلك تهديداً لأسس الثقافة الفلسطينية في الوقت الذي تزداد فيه تنوعاً وشمولاً.
على الرغم من هذه التعقيدات، من المهم بنفس القدر تسليط الضوء على حقيقة أنه حان الوقت لتسمية الهوموفوبيا في المجتمع الفلسطيني على حقيقتها، بأنها معتقد وممارسة وحشية وبلا قلب. في حياة الفلسطينيين الكوير، فإن الهوموفوبيا هي اجتماعية ثقافية بقدر ما هي استعمارية. فقط بعد تتبع مسار تحرير الكوير بهذه العقلية يمكن أن يكون الكفاح من أجل التغيير شاملاً. قد يجادل البعض، بمن فيهم الفلسطينيون الكوير، بأن اضطهاد الفلسطينيين الكوير متجذّر في استمرار الاحتلال، ومحاولة تحسين ظروف الكوير غير مجدية دون إنهاء الاحتلال. في حين أن هذا صحيح، فأنا أيضاً من المؤمنين الراسخين بأنه حتى أدنى تغيير له قيمة، أقل محادثة، أي قنوات رعاية، حملات محدودة أو واسعة النطاق، مناقشات إعلامية، تجمعات دافئة، مساحات آمنة، واحتجاجات ومظاهرات كلما وحيثما كان ذلك ممكناً.
إذا تمكنا من منع جريمة قتل واحدة وإنقاذ الحياة التالية، سيكون كل هذا الجهد المبذول مثمراً. تعد المكاسب الشعبية للمهمّشين مهمة، حتى على أصغر نطاق، وهذا ما يحتاجه الفلسطينيون الكوير حالياً وبشكل أكثر إلحاحاً.
بالنسبة لي شخصياً، فإن متابعة الأخبار المتعلقة بمقتل سريت قد زادت من إحساس المنفى الذي أعيش معه عادةً كرجل فلسطيني كويري في الولايات المتحدة منذ عام 2011
أصبح مقتل سريت هو الأحدث ضمن سلسلة اعتداءات على الكوير الفلسطينيين الذين يواجهون عنفاً متزايداً منذ صيف عام 2019، بدءاً من هجوم طعن في آب/ أغسطس 2019 لمراهق فلسطيني من قرية طمرة الشمالية، أدى ذلك إلى أول مظاهرة تاريخية للفلسطينيين الكوير في مدينة حيفا. هذا العنف، بتكلفة قاتلة، يعتبر مؤشراً على تغييرات هزّت معايير وقوانين الحيّزين العام والخاص والصمت المجتمعي السائد إلى حد كبير بشأن القضايا الكويرية في المجتمع الفلسطيني. يوضح موت سريت، والهجمات العنيفة الأخرى على الفلسطينيين الكوير، الظهور البطيء والثابت الذي اكتسبه الفلسطينيون الكوير على جبهات متعدّدة، وحيث سيستمرّون في الازدهار.
إنه لأمر محزن أن يموت البعض في غضون ذلك، لأن الحياة في ظل العنف لا تزال هي النهج الوحيد المتاح، ولكن بفضل هذه الشجاعة يمكن القول إن الفلسطينيين تجاوزوا الآن مرحلة إنكار أبناء وبنات شعبهم الكوير. مثل هذا التغيير ندين به لأبطال مثل سريت وضعوا أنفسهم بشجاعة في خط المواجهة، لتمهيد طريق يحتمل أن يكون أكثر أماناً لبقيتنا في المستقبل.
غادرت وطني بسبب هويتي الكويرية منذ أكثر من عقد. أنا لست شجاعاً مثل سريت أحمد.
أخيراً، بالنسبة لي شخصياً، فإن متابعة الأخبار المتعلقة بمقتل سريت قد زادت من إحساس المنفى الذي أعيش معه عادةً كرجل فلسطيني كويري في الولايات المتحدة منذ عام 2011. سماع الأخبار عن هجمات معادية للكوير في فلسطين لم يصبح أسهل حتى بعد كل هذه السنوات. أبقى حزيناً وبقلب مكسور منذ خسارة سريت. أبقى مغموراً بالفاجعة من أجل أصدقائها والمجتمع الكويري بشكل عام في فلسطين. منذ سماع خبر مقتلها، أشعر بالعجز وأنا أشاهد الأخبار من بعيد، وأنا أعلم أنني لا أستطيع أن أكون جزءاً من مجتمع أشعر بالانتماء إليه، ولا يمكنني أن أكون هناك لدعمه. أشعر كما لو أنني لا أستطيع أن أعيش بشكل كامل الحزن والتضامن اللذين يغلبان علي، وأريد التعبير بطريقة ما عنهما. لم أستطع التعبير عن شعوري بالغضب واليأس بما فيه الكفاية في ظل شعور بالعزلة، وكوني واعياً أنني غادرت وطني بسبب هويتي الكويرية منذ أكثر من عقد. أنا لست شجاعاً مثل سريت أحمد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 23 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...