شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الصورة كمدخل إلى الكوير السوري في ألمانيا... حوار مع المصوّر الضوئي فادي الياس

الصورة كمدخل إلى الكوير السوري في ألمانيا... حوار مع المصوّر الضوئي فادي الياس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 12 ديسمبر 202112:10 م

ربما تكمن أهمية المصوّر الضوئي، كما أي فنان/ة، في التعبير عن رؤى وأحلام مطموسة غائمة، يأتي المصوّر/ة ليعيد ترتيبها وإعطاءها كياناً قابلاً للحياة وللفهم والاستمرار. تقول المصوّرة الأميركية المعروفة نان غولدن: "أعتقد أنه يمكنك منح الناس إمكانية الوصول إلى أرواحهم"، وبما أن "الصورة دائماً تحمل مرجعها معها"، كما يقول بارت، فإن الصورة إذن إحدى أهم وسائل التعبير، ليس فقط عن فكرة مجردة ما أو عن قضية ما، بل عن أشخاص وأفراد وأناس من لحم ودم و(عن المُصوِّر والمُصَوَّر).

وإذا كانت الكلمة بكل قوتها ودلالاتها المتعددة ضمن سياقات مختلفة وبحضورها الأخّاذ، قادرة على الإمساك بجوهر الأمور أحياناً وليس دائماً، فإن الصورة أيضاً، بطريقتها الخاصة الصادمة والمباشرة وأحياناً المواربة، لديها هذه القدرة الرهيبة على لمس حيوات وأحلام وأفكار الأفراد.

وسنتحدث هنا عن أفراد مجتمع الكوير أو "أحرار الجنس" وتحديداً المهاجرين السوريين في ألمانيا، الذين يناضلون للاعتراف بهم كأقلية لديها جنسانيتها المختلفة عن المغايرة الجنسية، خاصة أنهم تعرضوا لإقصاء تاريخي، ويتعرضون اليوم لأنواع مختلفة من التعنيف الضمني والصريح، لأسباب دينية، اجتماعية وسياسية، وربما لأسباب أكثر تعقيداً وتشابكاً، في مجتمعات تنبذ من لا يشبهها، وتسعى لهضم وصهر كل التنويعات وتذويبها في قالب واحد فيما يشبه "عجرفة المتجانس"، وأستعير هنا عنوان كتاب يحتفي بالجسد لسليم بركات، لكن لسياقٍ آخر.

المصور الضوئي فادي الياس

أجري هنا حواراً مع المصور الضوئي فادي الياس، حول مشروعه "520" الذي يقدم فيه مقاربة جادة لحياة وتجربة أفراد مجتمع الكوير ضمن مجتمع المهاجرين/ات السوريين/ات في ألمانيا، وربما يكون فادي الياس من أوائل المصورين الضوئيين الذين يقومون بهذه المقاربة للكوير السوري، إلى جانب نشاطه في التصوير ومعالجة الصورة الضوئية بتقنياته الخاصة، حيث تتحول أحياناً لديه الصور الملتقطة للطبيعة وللأشخاص إلى ما يشبه اللوحات التجريدية .

يناضل أفراد مجتمع الكوير أو "أحرار الجنس" وتحديداً المهاجرين السوريين في ألمانيا للاعتراف بهم كأقلية لديها جنسانيتها المختلفة عن المغايرة الجنسية، ويتعرضون اليوم لأنواع مختلفة من التعنيف الضمني والصريح

ما هو " 520 " وهل يمكننا اعتبار مشروعك مدخلاً إلى عالم مجتمع الكوير بين المهاجرين السوريين في ألمانيا؟

"520" هو رقم مادة في قانون العقوبات السوري، تنص على ما يلي: "كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات". لم يرد في القانون السوري تعريف العلاقة الطبيعية، وإنما تُعرف وفق الأعراف الاجتماعية السائدة بالعلاقة المحصورة بين الرجل والمرأة. بسبب هذا القانون وغيره من العوامل، يحيط بمجتمع الكوير في سوريا جو من الخطر وانعدام الأمان.

هو مشروع يوثق تجارب أفراد من مجتمع الكوير السوري في ألمانيا. يتألف من صور فوتوغرافية وخبرات مختارة من مقابلات أجريتها خلال جلسات التصوير مع الأفراد الكوير.

أعتقد أن كلمة مدخل كلمة كبيرة. شخصياً أنظر لمشروعي على أنه محاولة لتوثيق وإيصال تجارب هذا المجتمع. نظراً للعنف الذي تتعرض له مجتمعات الكوير بشكل عام، وفي المجتمعات المحافظة كمجتمعنا بشكل خاص، فنحن نحتاج لعدد كبير جداً من المشاريع - الفوتوغرافية وغير الفوتوغرافية - لتشكيل مدخل إلى عالم مجتمع الكوير السوري، خارج وداخل سوريا.

هل هناك مصورون ضوئيون تأثرت بتجربتهم في مقاربة مجتمع الكوير؟ وكيف تناول التصوير الضوئي مجتمع الكوير سابقاً؟

يوجد الكثير من المصورات والمصورين ممن عملوا/ن على نقل حياة مجتمع الكوير. بالنسبة لي تجربة ) Nan Goldin (نان غولدن) هي الأهم والأصدق في هذا المجال.

لماذا اخترت تشويش وجوه الأشخاص وتمويهها في صورك؟ هل اخترت تقنياتك في التصوير من حيث التشفير والتشويش لتتناسب مع موضوعك الإشكالي، أي هل للتقنية علاقة بالموضوع ،وهل يمكنك أن تحدثنا عن التقنية المتبعة في صورك؟

بصرياً يتكون مشروعي من شقين، الأول عبارة عن صور اعتمدت عند تصويرها على تقنية معينة لإخفاء هوية الأشخاص. فعلى الرغم من الحرية التي يتمتع بها هؤلاء في بلد مثل ألمانيا، إلا أنه من الخطر كشف هويتهم/نّ، وذلك لأسباب عدة. على سبيل المثال لا الحصر، بعضهم/ن ما زالوا/زلن يعيشون/ن مع عائلاتهم/ن.

لذلك فالإفصاح عن ميولهم/نّ وهويتهم/نّ الجنسية والجندرية قد يضعهم/نّ في موضع خطر، حتى في دولة يحكمها القانون مثل ألمانيا. أما بالنسبة لبعض الذين واللواتي سافروا/ن بدون عائلاتهم/نّ، فكان من المهم إخفاء هوياتهم/نّ كيلا يضيفوا/ن عبئاً إضافياً على من بقي من أهلهم/نّ في سوريا.

اعتمدت في هذا الشق من المشروع على تقنية تُعرف بالتعريضات المتعددة. وهو تعريض قطعة النيغاتيف لعدد معين من المرات، ففي كل مرة يُعرّض الفيلم للضوء، تنطبع الصورة عليه، وتراكم هذه الصور يعطي صورة نهائية مشوشة للعنصر المصوّر .في مشروعي، استخدمت هذه التعريضات المتعددة لأحاكي تنوع وتراكم هويات الأشخاص، والهوية الجندرية/ العرقية، كل الصور مأخوذة على أفلام 35mm، تتألف من عدد تعريضات بين 20 إلى 30 تعريض. يختلف عدد التعريضات حسب ظرف الإضاءة والعناصر المُصورة.

الشق الثاني يتكون من صور وثائقية كلاسيكية، فأنا أحاول في هذا القسم إيصال كمية معلومات أكبر عن الأشخاص، فنرى صوراً شخصية في غرفهم/نّ وصور لهذه الغرف وتفاصيلها وأدواتهم/نّ الشخصية.

 المصوّر الضوئي فادي الياس من أوائل المصورين الضوئيين الذين يقدمون مقاربة جادة لحياة وتجربة أفراد مجتمع الكوير ضمن مجتمع المهاجرين/ات السوريين/ات في ألمانيا، تعرّفوا/ن عليه معنا

يعاني الأفراد الكوير من إقصاء تاريخي ويشتبك مجتمع الكوير حتى اليوم مع النمط الاجتماعي والديني والسياسي والثقافي السائد، رغم تفاوت ظهوره أفراد منه للعلن في عدة مجتمعات سابقة تاريخياً، مع تصاعد العنف واليمين، ما هو دور الفن في تقبل الأنماط الجندرية الأخرى غير السائدة داخل المجتمع الإنساني؟

أعتقد أن أحد أدوار الفن هي إزالة صفة السائد. فهذه الصفة بالأساس تعتمد على فكرة وجود فرق كبير جداً في القوة والنفوذ بين عدد من المجموعات، والمجموعة التي تمتلك أعظمها تطلق على نفسها هذه الصفة وتعتبر المجموعات الأخرى مختلفة، وبالتالي تصبح محط إقصاء واستبعاد. بناء على ما سبق، أرى أن وظيفة الفن هي إيصال التنوع الإنساني من خلال إثبات وجود المجموعات ذات الحظ الأقل من القوة في واقع متأثر بالإنكار والإقصاء كنمط حياة.

كيف ينظر الكوير إلى العالم، يمكننا أن نتحدث هنا عن الكوير في سوريا والكوير في ألمانيا؟

أحد أهدافي في هذا المشروع، إعطاء لغة لأفراد هذا المجتمع للتكلم عن أنفسهم/نّ.لذلك لست في موقع يتيح لي التكلم عن منظور الحياة من وجهة نظر كويرية. برأيي الفرق الأهم هو الفرق بالقوانين المتبعة في كل بلد، فبالتالي هو فرق سياسي، وأظن أنه من الصعب المقارنة بين المجتمعين، للاختلاف الكبير بين البلدين من حيث الحقوق والحريات بشكل عام، وذلك يحتاج لأبحاث علمية اجتماعية معمقة للوصول إلى نتيجة تشبه الواقع.

بالإضافة إلى مشروعك "520" حول مجتمع الكوير رأينا عملك في المظاهرات التي تساند فلسطينيي حي الشيخ جراح، وأعمالك الجمالية الخاصة في التقاط لقطات خاصة لمشاهد من الطبيعة وتطويعها للكاميرا، ما هي الأسئلة التي تدور في رأس المصور عند التقاط الموضوع؟

بالنسبة لي، هذا يعتمد على الموضوع المصوَّر. في العمل الصحفي والوثائقي أفكر دائماً كيف سأقدم الأشخاص المصوَّرين، وأرى في ذلك مسؤولية كبيرة. هذا الموضوع يتم مرة خلال التصوير ومرة خلال مرحلة انتقاء الصور وتجهيزها للنشر. أحاول إيصال الحقيقة، مع تحفظي الكبير على هذا المصطلح، فمجرد اقتطاع جزء من الواقع يضعني في مكان أُجبر فيه على إبراز رأيي وتقديم منظوري عندما أصوّر، وهذا يتعارض مع مفهوم الحقيقة البحتة.

في سائر أنواع التصوير الأخرى، أُعطي نفسي حرية كاملة في التحكم بالصورة. إن تكرار أفعالنا اليومية يعطي الحياة شيئاً من الرتابة ويلهينا عن رؤية غرابة واقعنا، وذلك ما أحاول كسره عند التصوير، سواء باستخدام تقنيات عدة أو من خلال اقتطاع أجزاء غير مألوفة من حياتنا اليومية. سأكون سعيداً لو أمكنني ملاحظة العالم كالأطفال، أظنه سيكون مليئاً بالغرابة التي أُحب.

هل تعتقد أن الصورة يمكنها أن تؤسس لوعي بصري وثقافي جديد؟ وكيف ترى ثقافة الصورة في العالم العربي؟ ما الفرق بينها وبين ثقافة الصورة في الغرب؟

أحد أدوار الصورة في رأيي هو تحفيزنا لطرح الأسئلة والبحث، لذلك يمكن أن تساعد الصورة في ظروف مناسبة في بناء وعي بصري ثقافي جديد. للأسف، ثقافة الصورة في البلدان العربية متدنية جداً، وذلك لأسباب كثيرة، منها عدم وجود معاهد مؤهلة بشكل كافٍ لتدريس التصوير، حالة الفن المتدنية بشكل عام وخوف هذه البلدان ودكتاتورياتها من تحسين هذه الأمور، فهي توفر لغة جديدة لشعوبها، لغة مهمة من لغات الحرية غير المحبذة.

مع ذلك يوجد تجارب مهمة جداً في عالمنا العربي، خاصةً في مجالي التصوير الصحفي والوثائقي.

بلداننا غنية جداً بالقصص التي تحتاج من يرويها. ثقافة الصورة في العالم العربي متأثرة بشكل كبير بثقافة الصورة في العالم الغربي، مثلها مثل أغلب أنواع الفنون الأخرى. ثقافة الغرب بصرياً ثقافة مهمة لا شك، ضخمة، متطورة، مؤرشفة ونسبياً سهل الوصول إليها. لكن برأيي هي تتبع بأغلب حالاتها لنظرة الشعوب ذات الامتيازات أو ثقافة البيض، لذلك لا يمكن إسقاطها مباشرةً على واقع دولنا، نحن بحاجة لتعديلها وابتكار أساليب جديدة تشبهنا أكثر وتحترمنا بشكل أكبر، ولا أتكلم عن العرب بشكل خاص، وإنما عن جميع الدول التي تشبه حال دولنا، تلك التي تعرضت لاستعمار فرض عليها واقعها الحالي الذي تعيشه، ونصب نفسه مثلاً أعلى في كل المجالات ومنها الفنية.

ما هي المشاركات التي قمت بها في التصوير الضوئي وما هو مشروعك المستقبلي؟

شاركت في عدة معارض جماعية، منها معرض Al3alam Underground Festival الذي أقيم في عام 2019 في مدينة دوسلدورف، ومعرض Unterwegs في جامعة الفنون التطبيقية بمدينة دورتموند. ومؤخراً Grain في القاهرة، ضمن 2021 Cairo photo week.

حالياً أعمل على تخطيط معرضي الفردي الأول، وسأعرض فيه مشروعي "520"، أنا مولع بالتوثيق، ومع مرور الوقت أدرك بشكل أكبر أهمية المشاريع الوثائقية، خاصةً في عالمنا العربي، وذلك بشكل أساسي لعدم وجود جهود حكومية لإنجاز تلك المشاريع وللشك بمصداقيتها.

أحب العمل على مشاريع تروي قصص السوريين والسوريات، بغض النظر عن مكان الإقامة الخاص بهم/نّ، لذلك أعتقد أن معظم مشاريعي المستقبلية سترتبط بشكل ما بالشأن السوري.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image