عقب تشخيص إصابته بسرطان المستقيم وخضوعه لعملية جراحية لاستئصال الورم، بدأت رحلة سيف الدين مدني، الطالب بكلية الحقوق، مع العلاج الإشعاعي والكيماوي في مستشفى الحسين التابعة لجامعة الأزهر. ومع العلاج بدأت رحلة أخرى من الصعوبات التي يتشارك فيها مع معظم مرضى الأورام في مصر، ولا سيما من يتلقون علاجهم تحت مظلة التأمين الصحي أو العلاج على نفقة الدولة في المستشفيات الحكومية ومعهد الأورام، مع زيادة أعداد المرضى ونقص الكوادر الطبية وصعوبة الحصول على معلومات تساعد في رحلة العلاج والتعايش مع المرض.
“دكاترة الأورام في المستشفيات الحكومية مش فاضيين ينصحونا، وأحياناً بنواجه صعوبة في التواصل والطبيب أحياناً ما بيقولش الحقيقة للمريض عشان نفسيته ومش دايمًا بيردوا على أسئلتنا؛ فالمريض يفقد الأمل وده بيأثر تأثير سلبي على نفسيته”. هكذا يقول سيف لرصيف22، مضيفاً أن البعض نصحوه بتناول بذور المشمش وآخرين نصحوه بشرب بول وحليب الإبل ولكل شخص نصيحة مختلفة، وكثير من المعلومات المتوفرة على الإنترنت غير صحيحة، مؤكداً أن المستشفيات ومعاهد الأورام مزدحمة للغاية وقد يسأم المريض من الانتظار ويفقد الأمل في الشفاء، مشدداً على ضرورة الاهتمام بالحالة النفسية للمصاب بالاورام السرطانية.
ويعد الدعم النفسي لمرضى السرطان بمثابة علاج حقيقي بالنسبة للمرضى، لا سيما أن هناك ردود فعل نفسية قد تظهر بعد التشخيص وأثناء العلاج، كالضيق العاطفي والاكتئاب الذي يكون له تأثير سلبي على عملية الشفاء. لذا نشأ مصطلح علم الأورام النفسي.
تم تشخيص نحو 135 ألف مريض أورام بمصر خلال عام 2020 ومن المتوقع أن يبلغ عدد المصابين إلى 300 ألف مريض بحلول 2050، ويستقبل معهد الأورام 315 ألف مريض في العيادات الخارجية سنوياً
ومع افتقار المصابين بالأورام السرطانية وأسرهم إلى سبل للحصول على المعلومات وإدارة التعايش مع المرض خلال مرحلتي العلاج والتعافي، وكذلك إدارة الصحة النفسية للمرضى ومقدمي الرعاية لهم من أفراد الأسرة، نشأت - بعد طول انتظار- مبادرة يقودها عدد من المتعافين من مرضى السرطان لمساعدة سواهم على إدارة رحلتي العلاج والتعافي وحملت بالعربية مسمى "الرابطة المصرية لداعمي مرضى السرطان"، وبالإنجليزية The Egyptian Commity for Patient Advocates لكنها باتت معروفة بمسمى حمله شعارها "أنا المريض الخبير".
ووفقاً لتصريحات إعلامية للدكتور محمد سمرة عميد معهد الأورام في مصر - المؤسسة الأكبر في علاج مرضى السرطان- فإنه يتم تشخيص قرابة 170 ألف مصاب بالسرطان في مصر سنوياً، وتم تشخيص نحو 135 ألف مريض أورام بمصر خلال عام 2020 ومن المتوقع أن يبلغ عدد المصابين إلى 300 ألف مريض بحلول 2050، ويستقبل معهد الأورام 315 ألف مريض في العيادات الخارجية سنوياً وفقا لإحصائية أجريت عام 2022.
المريض الفقير لا يستطيع التواصل مع طبيبه
الدكتورة رشا الفوال، أستاذة جامعية تمر الآن بمرحلة التعافي من سرطان القولون. لم تعانِ الأستاذة الجامعية، في العثور على المعلومات التي ساعدتها على إدارة رحلتي العلاج والتعافي من مرض السرطان، "لم تكن مشكلة بسبب محرك البحث غوغل والمواقع الطبية". إلا أن سواها من المرضى خاصة القليلي الحظ من التعليم لا يتاح أمامهم الوصول إلى تلك المعلومات وفرزها والتعامل مع الموثوق بها بحثياً، ومن هنا تنبهت إلى دور يمكن أن تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في نقل الخبرات بين مرضى السرطان والمتعافين منه. وباتت تتلقى رسائل يومية من مصابين بالسرطان أو ذويهم للاستفسار منها بحكم تجربتها مع المرض والعلاج والأطباء، لكنها في الوقت نفسه تلفت لكون المريض المقتدر الذي يدفع قيمة كشف في عيادة لا تقل عن 500 جنيه مصري، يستطيع التواصل مع طبيبه المعالج بسهولة والحصول على الشرح والمعلومات، على النقيض من المريض الذي يُعالج ضمن منظومة التأمين الصحي أو العلاج على نفقة الدولة.
يتلقى محمود علاجه في معهد الأورام، ويرى أن المشكلة ترجع بالأساس إلى الضغط وزيادة أعداد المرضى، وبالتالي يحدث تقصير غير مقصود، ورغم ذلك يتعامل الأطباء بشكل جيد مع المرضى على عكس بعض الموظفين هناك والذين يكونون غير مؤهلين للتعامل مع المرضى ومرافقيهم
وتُبيّن الفوّال أنها كانت تقصد طبيبها في عيادته فيقضي نحو ساعة في فحصها وشرح الحالة المرضية وإعطائها المعلومات الكافية، وحين تزور طبيبها نفسه في مستشفى حكومي تابع للتأمين الصحي لتحصل على جرعات الكيماوي المُدعمة، والتي تُكلفها 7 آلاف جنيه للجلسة الواحدة إن خضعت لها بعيادة خاصة، فإنه لا يتكلم معها. مؤكدة أن المريض الفقير لا يستطيع التواصل مع طبيبه أكثر من 5 دقائق في ظل ازدحام عيادات الأورام الحكومية.
وخلال رحلة علاجها من السرطان والتي بدأت في العام 2017 وامتدت على مدار أربع سنوات، لم تسمع الفوّال عن جمعيات وروابط دعم مرضى الأورام، وهي تتمنى لو كانت قد تواصلت معها أثناء مرضها.
تكدس المستشفيات ونقص المعلومات
يتلقى محمود محمد علاجه في معهد الأورام، ويرى أن المشكلة ترجع بالأساس إلى الضغط وزيادة أعداد المرضى لدرجة استقبال الطبيب الواحد نحو 100 حالة من مرضى السرطان في الفترة من الساعة 9 صباحاً إلى 3 عصراً، وبالتالي يحدث تقصير غير مقصود، ورغم ذلك يتعامل الأطباء بشكل جيد مع المرضى على عكس بعض الموظفين هناك والذين يكونون غير مؤهلين للتعامل مع المرضى ومرافقيهم، موضحاً أنه يتم السماح للمريض بالتواصل مع طبيبه المعالج في يوم واحد محدد من الأسبوع.
ويوجد في مصر نحو 57 مستشفى ومركزاً حكومياً متخصصاً في تشخيص وعلاج الأورام، وتقدم العلاج بالمجان، وأبرزها: المعهد القومي لعلاج الأورام ومستشفى سرطان الأطفال 57357، إضافة لعشرات المراكز الطبية والمستشفيات الخاصة.
تعليم الداعمين لحل مشكلات المرضى
ونظراً لأزمة نقص المعلومات وصعوبة التواصل التي يعاني منها غالبية مرضى السرطان بمصر، أسست إسراء السيد الرابطة المصرية لداعمي مرضى الأورام (ECPA:Egyptian Committee of Patient advocates ) وهي بمثابة تحالف بين ثلاث جمعيات أهلية: جمعية نحن نريد حياة لرعاية مرضى الأورام، ومؤسسة ( Cancer Care Egypt) وجمعية الإسكندرية للدعم النفسي لمرضى السرطان، بهدف نشر ثقافة داعمي أو ممثلي المرضى من مرضى سابقين أو رعاة ومتطوعين، ومنحهم تعليماً يؤهلهم لحل مشكلات مرضى السرطان، ومساعدة المتعافين منه على تقليل احتمالات عودة المرض. ولدى الجمعيات الثلاثة المشاركة في الرابطة، ممثلين الذين يشاركون في البرنامج التعليمي الذي سينطلق في شهر أغسطس/ آب المقبل، بالتعاون مع أطباء أورام، ويستمر لنحو عام ونصف.
وتوضح إسراء لرصيف22 أنه يوجد ثلاث تخصصات أو أدوار يقوم بها داعمو أو ممثلو المرضى، وهي: تقديم الدعم الفردي للمريض حديث التشخيص وإعطاؤه معلومات عن خطوط العلاج المتاحة له وطرق التعايش مع المرض وكيفية إبلاغ الأسرة بالأمر والتعامل مع المجتمع والمحيطين به؛ فهو يعتني بالمريض ويقوم بدور معلوماتي قوي بالنسبة إليه، بينما هناك تخصص آخر يقوم به بعض ممثلي المرضى، وهو يتعلق بالأدوية الجديدة لعلاج السرطان وأسعارها وما يجب تسهيل دخوله منها للبلاد ودعم الدولة له، أما التخصص الثالث فهو دفع عجلة البحث العلمي، والذي يتضمن إجراء التجارب السريرية، من أجل تطوير أدوية علاج السرطان في مصر، موضحة أن كل ممثل للمرضى يختار التخصص المناسب له ليدرس من خلال الرابطة ما يؤهله لممارسة الدور المنوط به.
الدكتور محمد إيهاب: جرت العادة على اعتماد العلاج على الطبيب فقط، إلاّ أن التطور العلمي جعل من مريض الأورام طرفاً فاعلاً في عملية العلاج، فجزء كبير من علاج المرض يعتمد على الحالة النفسية والتواصل مع الطبيب، وهو ما يغيب عن المستشفيات التي يتكدس بها المرضى
المريض الخبير حلقة وصل
بينما تعتبر جيهان الأصيل** نفسها في عداد مرضى السرطان الخُبراء الذين يُقدمون الإرشاد لغيرهم من المرضى، بشأن طبيعة المرض والمراحل التي يفترض أن يمر بها المريض، في محاولة لمواجهة نقص المعلوماتية ومحاولة إيصال المعلومة الصحيحة للمريض ورفع درجة وعيه، ويشارك المريض الخبير في معاونة المصاب على اختيار قرارات العلاج المناسبة وقرار المشاركة في عمليات البحث العلمي.
وانضمت جيهان إلى الرابطة المصرية لداعمي مرضى الأورام لتكون وغيرها من المتطوعين/ المتطوعات حلقة وصل بين صناع القرار والمرضى، والمشاركة في وضع السياسات المتعلقة بمرضى الأورام في مصر، كسنّ قانون لإدراج الدعم النفسي ضمن بروتوكول علاج مرضى السرطان، مؤكدة أهمية دور مانحي الرعاية وتأهيلهم للتعامل مع مرضى السرطان.
المريض طرف فاعل في العلاج
بدوره يُوضح الدكتور محمد إيهاب، الرئيس التنفيذي لإحدى مؤسسات تطوير البحوث السريرية، والذي يشارك مع الرابطة المصرية لداعمي مرضى الأورام، في تطوير برنامج لتعليم ممثلي المرضى، بالتعاون مع الجامعة الأمريكية، أن العادة جرت على اعتماد العلاج على الطبيب فقط، إلاّ أن التطور العلمي جعل من مريض الأورام طرفاً فاعلاً في عملية العلاج، بينما تعمل جمعيات دعم مرضى السرطان على توعيتهم ومساعدتهم على التعايش، وتوصيل صوتهم للحكومات وشركات الأدوية ومراكز البحث والتطوير، مضيفاً أن جزء كبير من علاج المرض يعتمد على الحالة النفسية والتواصل مع الطبيب، وهو ما يغيب عن المستشفيات التي يتكدس بها المرضى.
طبيبة أورام: من الخطأ إخفاء المعلومات المتعلقة بمرض السرطان عن المرضى وذويهم، لأن عملية العلاج لا تكتمل بدون المعرفة. كما أن الحالة النفسية للمريض بالغة الأهمية
بينما توضح الدكتورة ندى المؤذن، مديرة الجمعية المتكاملة لعلاج الأزمات النفسية والاجتماعية وتأهيل المدمنين، ومدير الجمعية العلمية للعلاج الموجه وأبحاث السرطان، أن مرض السرطان له 4 مراحل، ويختلف نوع الدعم النفسي الذي يحتاجه المريض وفقاً للمرحلة، كما يختلف باختلاف نوع الورم، وما إذا كان قد سبب للمريض إعاقة ما وتختلف القدرة على التعايش باختلاف المستوى المادي والثقافي والتعليمي والتاريخ النفسي، لافتة لكون بعض المتعافين يصابون باضطراب القلق ونوبات الفزع أو الاكتئاب، وهو ما يتطلب متابعة مع الإخصائي النفسي لتجاوز التجربة القاسية والأفكار السلبية، مشيرة لكون مؤسسات المجتمع المدني الداعمة لمرض السرطان تسعى لتلبية احتياجات المرضى وإيصال صوتهم ونشر الوعي عبر المؤتمرات والقوافل الطبية، كما يفيد المريض الخبير الذي تعافى من مرض السرطان - إذا كان مؤهلاً- في مساعدة غيره من المرضى ومنحهم الأمل.
الطبيب المصدر الأول للمعلومة
من جهتها تعتبر الدكتورة إيناس ابراهيم عبد الحليم، أستاذة علاج الأورام والطب النووي بجامعة المنصورة والعضوة في مجلس النواب، أنه من الخطأ إخفاء المعلومات المتعلقة بمرض السرطان عن المرضى وذويهم، لأن "عملية العلاج لا تكتمل بدون المعرفة" كما أن الحالة النفسية للمريض بالغة الأهمية، "لا سيما أن الخلايا السرطانية تسبب الاكتئاب، وأحياناً تظهر أعراض الاكتئاب المصاحبة لاعراض الورم قبل التشخيص"، مؤكدة أن جلسة العلاج الأولى تكون بمثابة تعارف بين الطبيب المريض ويشرح خلالها الأول معلومات عن المرض والعلاج التكميلي ونسب نجاح الجراحة، ويجب السماح للمريض بالاتصال بطبيبه كلما طرأ شيء ما، وهو ما لا يتوفر لمرضى السرطان الذين يتلقون العلاج عبر برنامجي التامين الصحي والعلاج على نفقة الدولة، وهم النسبة الغالبة من مرضى الاورام في مصر، مُبينة أن العلاقة الجيدة بين الطبيب والمريض تؤثر إيجابياً على العلاج.
وتؤكد طبيبة الأورام أنه يتم منح وقت لمريض الأورام لا يقل عن ربع ساعة، في مستشفيات التأمين الصحي، مشيرة لزيادة أعداد أطباء الأورام عما كان الأمر عليه للحد من التكدس ووجود فريق طبي متكامل، وأن هناك بروتوكول علاجي واحد في مختلف مستشفيات وعيادات الأورام في مصر وهو بروتوكول عالمي ويتم صرف العلاج للمرضى في التأمين الصحي بالمجان.
بينما يُبيّن الدكتور بولس إسحق، استشاري علاج الأورام ومدير مركز الأورام في معهد ناصر (واحد من أكبر المراكز الطبية العامة التابعة لوزارة الصحة المصرية)، أن موثوقية المعلومات الطبية تعتمد على مصدرها، ويكون الطبيب المسؤول عن الحالة هو المصدر الأول للمعلومة بالنسبة للمريض ما دام عنصر الثقة والشهادات المعتمدة، بجانب المصادر المؤسسية الحكومية وموقع المعهد القومي للأورام، ومواقع الجمعيات العالمية والمحلية المتخصصة، وبعض الكتيبات والدوريات العلمية، والتي تقدم لمريض السرطان معلومات مبسطة حول تشخيصه ورحلة علاجه، لافتاً لكون سوء الفهم قد يؤدي لنتائج غير طيبة، وضرورة التأكد من مصدر المعلومة وأن تخاطب المعلومة العقل وليس العاطفة، وعدم الاعتماد على خبرات الأخريين لأن كل حالة تختلف عن غيرها.
وبحسب إسحق، يوجد فرق مدربة في كل مركز متخصص للأورام في مصر، وتتولى الممرضات ذوات الخبرة تعليم المريض كيفية تلقي العلاج والتصرف الصحيح عند الشعور بالتوعك والأعراض الجانبية، إضافة لجمعيات صوت المرضى، والتي لديها أشخاص مدربون وتنظم ورش عمل وتصدر منشورات توعوية، كما تنظم بعض المستشفيات تجمعات للمرضى بالمناسبات وأيام لنشر الوعي بالمرض وتشخيصه.
-----------
(*) اسم مستعار بناء على طلب المصدر
(**) ذكر في نسخة مبكرة أن اسم رئيس مجلس أمناء مؤسسة كانسر كير هو جيهان العسال والاسم الصحيح هو جيهان الأصيل - تم التصحيح في 5:58 من يوم النشر، بتوقيت بيروت
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...