عبر المعبريْن الحدودييْن البرييْن "قسطل وأرقين"، يتوافد الفارون من طلقات الراجمات وقذائف المدافع التي لا تنقطع في ولايات الودان الشقيق، إلى مصر، بحثاً عن ملاذ من التهديدات والمخاطر الأمنية في العاصمة الخرطوم، نتيجة استمرار الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل/ نيسان الجاري.
وبحسب أحدث بيانات وزارة النقل المصرية، عبر منفذ قسطل البري من مختلف الجنسيات بين 21 و25 أبريل/ نيسان 2023 نحو 1297 عائداً، كما وصل عدد العائدين عبر معبر أرقين خلال نفي الفترة نحو 8897.
وتأتي الخدمات الصحية في مقدمة احتياجات الوافدين، خاصة السودانيين منهم، إذ أدى انزلاق السودان فجأة إلى الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، إلى الإضرار بالمستشفيات والخدمات الصحية هناك.
ورغم أن المشهد لا يزال مرتبكاً عند معبري الفرار، بحسب منصة اللاجئين في مصر، تحاول بعض المؤسسات المستقلة تقديم الدعم الصحي للوافدين.
منظومة العلاج الخيري عبر الجمعيات الأهلية المصرية والسودانية تقدم الخدمات الصحية المجانية وزهيدة السعر للسودانيين في حالة الأمراض المكلفة كالأورام والفشل الكلوي
خدمات صحية للوافدين السودانيين
عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، أعلنت جمعية الهلال الأحمر المصري وجودها على منافذ عبور ودخول العائدين من السودان، حيث تقيم نقاط خدمات إنسانية وإغاثية تقدم فيها العديد من الخدمات مثل: الدعم النفسي، إعادة الروابط الأسرية، توزيع مواد إغاثية وغذائية، حقائب النظافة الشخصية.
كذلك تقدم خدمات الرعاية الطبية والكشف على العائدين من السودان عن طريق العيادات المتنقلة بالتعاون مع السفارة السويسرية. في وقت لم تشهد أية مبادرات أخرى من السفارات الاجنبية والعربية الموجودة فيها أو من خلال المنظمات الدولية الكبرى المعنية بالإغاثة ودعم اللاجئين.
كما دعت هبة راشد، مديرة مؤسسة مرسال التي تعمل في مجال تقديم أنواع الرعاية الطبية، السودانيين داخل مصر الذين يحتاجون إلى خدمات طبية عاجلة أو ألبان للأطفال، بالاتصال على رقم طوارئ مرسال 01224507210.
كوادر طبية سودانية تستعد للتوجه من القاهرة إلى الجنوب لإسعاف الوافدين المحتاجين للرعاية الطبية قرب المعابر
ووجهت صفحة "مراكز صناع الحياة للغسيل الكلوي" دعوة لكل مرضى الغسيل الكلوي السودانيين، للغسيل داخل المركز مجاناً حتى انقضاء الأزمة، وذلك بعدما أشارت إلى معلومات أوردتها نقابة الأطباء السودانية، بشأن تعطل 69% من المستشفيات ومراكز غسيل الكلى في السودان جراء الأحداث الدامية.
إلى هذا، دشنت مجموعة من السودانيين المقيمين في مصر، مبادرة "عشان سوداننا" التي تستهدف تقديم المساعدات الخدمية لأهالي السودان. كما تابع رصيف22 أمس الأربعاء اجتماع المنظمات والمبادرات السودانية في مصر لتقديم العون العاجل للنازحين من الودان، ويمكنك الاطلاع على تفاصيل الاجتماع على هذا الرابط.
تستقبل المستشفيات الجامعية والعامة المصرية المرضى السودانيين، وتسري عليهم القواعد التي تسري على المصريين. وفي حالة الأمراض المستعصية تحوِّل المستشفيات أوراق السودانيين إلى منظمات وهيئات دولية تتولى دفع تكلفة العلاج عنهم، أسوة بمنظومة العلاج على نفقة الدولة في مصر
وتواصل رصيف22 مع أبو طالب موسى، السوداني المقيم في مصر منذ عام 2019، والمتطوع في مبادرة "عشان سودانا"، إذ قال إن أعمال المبادرة حتى الآن تركز على تقديم المساعدات التوعوية المتعلقة بتخليص الأوراق والحصول على سكن، لكنْ هناك كادر طبي يستعد للقدوم من القاهرة إلى الجنوب لإسعاف الوافدين المحتاجين للرعاية الطبية قرب المعابر.
وأضاف أن المبادرة تنسق مع عدد من المستشفيات القريبة، لتقديم الخدمة الطبية للسودانيين، مشيراً إلى أنه منذ قدومه إلى مصر يعامل معاملة المصريين فيما يتعلق بالخدمة الصحية بالمستشفيات، خاصة ممن لديهم أوراق تثبت تاريخهم المرضي.
وزارة الصحة: لا نسأل عن هوية المرضى
على الجانب الرسمي، تواصل رصيف22، مع المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان، حسام عبد الغفار، الذي أكد أن الخدمات الطبية تقدم لجميع المحتاجين إليها بغض النظر عن الجنسية أو السؤال عن أوراق الإقامة: "نتعامل مع المرضى كمرضى فقط وليسوا كوافدين أو مصريين".
وأضاف عبد الغفار أن المستشفيات الحكومية تقدم خدماتها مجاناً لجميع المرضى، وتعامل السودانيين كما تعامل المصريين، أما المستشفيات غير المجانية فتطبق لائحتها على المرضى.
وبسؤاله عن الأمراض التي تحتاج إلى علاج مكلف أو العديد من الجلسات كالأورام السرطانية أو الفشل الكلوي، أجاب: "النظام الطبي في مصر يطبق على المصريين والوافدين".
السودانيون وأصحاب جنسيات عربية أخرى يُعاملون في المجال الطبي معاملة المصريين. لكن المصريين أنفسهم لدى تعرضهم لمرض يحتاج إلى بروتوكول علاجي مكلف، لا بد أن يشملهم العلاج على نفقة الدولة أو التأمين الصحي
الأمراض المكلفة لها وضع آخر
تعقيباً على هذه النقطة أوضح الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء في مصر، أنه من الناحية الطبية يتعامل الطبيب مع المريض بغض النظر عن هويته، أما من الناحية الإدارية المتعلقة بالأوراق والرسوم خاصة لبعض الأمراض التي تحتاج إلى علاج مكلف أو بروتوكول علاجي، فإن هناك إجراءات تتبع وفقاً للقانون: "بإمكاننا القول إن أي مريض سوداني من الممكن أن يتوجه للكشف وتلقي العلاج في المستشفيات العامة في الحالات العادية".
ورأى الدكتور خالد سمير، أستاذ مرض قلب الأطفال بكلية الطب جامعة عين شمس، أن العديد من الجنسيات تعامل في المجال الطبي معاملة المصريين بموجب قرار صادر عن رئاسة مجل الوزراء مثل: "السودانيين، العراقيين، الفلسطينيين"، لكن في الواقع إن المصريين أنفسهم ليس بإمكانهم تلقي العلاج في أي مستشفى إلا في حالات الطوارئ، ولدى تعرضهم لمرض يحتاج إلى بروتوكول علاجي مكلف، كالفشل الكلوي أو السرطان، إذ ذاك لا بد أن يشملهم العلاج على نفقة الدولة أو التأمين الصحي: "مثلاً، حالات قلب الأطفال اللي بتيجي علشان نعالجها لو غير مقتدرة على دفع التكلفة تغطيهم مظلة التأمين الصحي".
وقال سمير لرصيف22 "لكن الأمر يختلف بالنسبة للوافدين، إذ لا تشملهم مظلة التأمين الصحي المصرية أو العلاج على نفقة الدولة، وبالتالي ليس أمامهم إلا اللجوء إلى الجمعيات الخيرية أو العلاج الاقتصادي في المستشفيات العامة (أي يتحمل تكلفة علاجه)". وتابع: "لو الوافد مريض سرطان بيتوجه لمستشفى خيري لعلاج السرطان، ولو مفيش مكان، بيتوجه لقسم العلاج الاقتصادي بإحدى المستشفيات العامة". وأقسام العلاج الاقتصادي يتحمل فيها المريض تكلفة علاجه لكن تلك التكلفة أقل كثيراً من تكلفة العلاج بالمستشفيات الخاصة.
وأشار سمير إلى أنه في الغالب لا يتحمل الوافدون تكلفة علاجهم على نفقتهم الشخصية، بل تتولاها عنهم صناديق دعم اللاجئين: "بيجيلنا سودانيين كتير محتاجين علاج، بيتقدموا للمستشفى العام ويجروا الفحوصات اللازمة ونحول أوراقهم لإحدى صناديق دعم اللاجئين كمنظمة الأمم المتحدة للاجئين، لدفع شيك بتكلفة علاجهم". ويتساوى هذا مع الإجراء الذي تقوم به المستشفيات العامة مع مرضى الأمراض المكلفة من المصريين إذ تحول أوراقهم إلى أمانة اللجان الطبية المتخصصة لاستصدار قرار علاج على نفقة الدولة. وجرت الأعراف الطبية والإنسانية في مصر على البدء فوراً في علاج المرضى من دون انتظار الموافقات.
وبحسب الموقع الرسمي لهيئة التأمين الصحي الشامل، يجوز تقديم الخدمات للأجانب والمقيمين أو الوافدين لجمهورية مصر العربية وفقاً للضوابط والاشتراطات التي تضعها هيئة التأمين الصحي الشامل، وذلك بمراعاة شرط المعاملة بالمثل. لكن قانون التأمين الصحي الشامل لا يزال قيد التطبيق في مصر.
خلال الأيام القليلة الماضية، طالب نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتفعيل اتفاقية "الحريات الأربع"، التي وقعتها مصر مع السودان في أبريل/ نيسان 2004، والتي نصت على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك بين مصر والسودان، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد
اتفاقيات تبحث عن تفعيلها
وحاول رصيف22 التوصل إلى أية اتفاقيات بين مصر والسودان تتصل بتحديد آلية تلقي الوافدين السودانيين داخل مصر الخدمات الصحية، لم نجد اتفاقيات مفعلة، سوى ما طالب به وزير الصحة الأسبق، الدكتور فؤاد النواوي، في عام 2012، بإنشاء لجنة مكلفة بتفعيل التعاون مع دولة السودان من إجل مساواة المرضى السودانيين بالمرضى المصريين عن طريق تقديم نظام صحي موحد في الأسعار والخدمات المقدمة للمرضى، من خلال أكواد علاجية محددة الأسعار. إضافة إلى بروتوكول تعاون بين وزارتي الصحة المصرية والسودانية، تم توقيعه في عام 2018 في عهد وزيرة الصحة السابقة، هالة زايد، وهو يتعلق بمعاملة المرضى السودانيين أسوة بنظرائهم المصريين.
وخلال الأيام القليلة الماضية، طالب نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتفعيل اتفاقية "الحريات الأربع"، التي وقعتها مصر مع السودان في أبريل/ نيسان 2004، والتي نصت على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك بين مصر والسودان، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
وبحسب مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، واجه تنفيذ الاتفاقية بعض العثرات بين الدولتين، فالقاهرة ترى أن حرية التملك والتنقل للفئات العمالية بين 18 و48 عاماً، تمثل تحدياً أمنياً لها. في المقابل لجأ الخرطوم للمعاملة بالمثل.
وفي تصريحات متكررة للرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الوافدين إلى مصر، قال إن الدولة تستضيف ستة ملايين لاجئ، لكنها تعاملهم كضيوف، يعيشون كمواطنين داخل مصر، حتى تتحسن ظروفهم.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، هناك زيادة ملحوظة في أعداد المهاجرين إلى مصر منذ عام 2019، بسبب عدم الاستقرار الذي طال أمده في البلدان المجاورة، كما أن الخطاب الإيجابي للحكومة تجاه المهاجرين واللاجئين، ينظر له كعامل جذب للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، فضلاً عن سخاء مصر في إدراج المهاجرين واللاجئين في النظم الوطنية للتعليم والصحة على قدم المساواة مع المصريين في كثير من الحالات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم