"باختصار، فكرة الحمل والولادة عندي هي نقطة انتهاء الحياة. الحمل هو بداية النهاية. بس أشوف واحدة حامل بخاف تكون أنا. بس أشوف حدا مع بيبي ردة فعلي أبداً ما بتكون ‘ماشالله عسل‘، بتكون ‘الحمد لله الذي عافانا‘".
هذا ما يراود الشابة اللبنانية نور لدى التفكير في الحمل والولادة، وفق ما تقوله لرصيف22. تتكرر هذه المخاوف لدى العديد من النساء في مختلف أنحاء العالم ربما بسبب الأفكار المغلوطة الشائعة عن "المعاناة" أثناء الحمل والولادة، وأحياناً بسبب القلق من عدم القدرة على التعامل مع التغيرات الجسدية والألم المرافقين لهذه المرحلة، وأيضاً قد يكون بسبب عدم الثقة في القطاع الطبي، وهو أمر تفاقم في لبنان أخيراً بسبب الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة.
توصف هذه الحالة في علم النفس بـ"التوكوفوبيا" أو رُهاب الحمل والولادة وهو المصطلح الذي أصبح يلقى رواجاً في الدوائر العلمية وعبر مواقع التواصل العربية في الأشهر الأخيرة.
ما هي التوكوفوبيا؟
بحسب "المكتبة الوطنية للطب" في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن التوكوفوبيا هي "خوف مرضي من الحمل ويمكن أن يؤدي إلى خوف شديد من الولادة". وهناك نوعان منها أساسي وثانوي. الأساسي هو حالة الخوف المرضي من الولادة لدى المرأة التي لم تحمل أو تنجب سابقاً. والثانوي هو حالة الخوف المرضي من الولادة الذي يتطور بعد حادث ولادة مؤلم إثر حمل سابق.
بسبب التوكوفوبيا، قد تقرر بعض النساء إجهاض أطفالهن أو الولادة القيصرية أو تأخير الحمل أو عدم الإنجاب تماماً واللجوء إلى خيار التبني عوضاً عن ذلك.
"الحمل هو بداية النهاية. بس أشوف واحدة حامل بخاف تكون أنا"... هل سمعتم/ن من قبل عن التوكوفوبيا؟ ما أسبابها وكيف يمكن علاجها؟
تتفاوت التقديرات حول انتشار التوكوفوبيا إذ يُرجح خبراء أن من 20 إلى 22% من النساء يعانين منها، فيما تذهب تقديرات أخرى إلى أن ما بين 20 إلى 78% يبلغن عن مخاوف مرتبطة بالحمل والولادة.
رجحت دراسة استقصائية أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية وأُعلنت نتائجها منتصف نيسان/ أبريل 2023، أن التوكوفوبيا "شائعة جداً" بين النساء في البلاد،لا سيّما في أوساط ذوات البشرة السوداء والنساء في المجتمعات المهمّشة. من بين 1800 سيدة حامل شملتهن الدراسة، أبلغ 62% منهن عن مستويات مرتفعة من الخوف والقلق من الولادة.
ما أسبابها؟
في حين أن الخوف والقلق المرتبطين بالولادة شائعان جداً بين النساء، فإن أسباب الإصابة بالتوكوفوبيا أو الخوف المرضي من الحمل والولادة ليست واضحة بشكل حاسم.
لكن الفرضيات المطروحة لتبرير هذه الحالة تشمل: اختلال التوازن الهرموني العصبي، والخبرات السلبية المكتسبة من التواصل الاجتماعي مع النساء اللواتي خضعن لولادة رضحية (مأسوية)، والمخاوف المتعلقة بالرعاية الطبية والناتجة جزئياً عن انعدام الثقة في الخدمة الطبية، والعوامل النفسية والاجتماعية على غرار صغر السن وانخفاض مستوى التعليم والافتقار إلى الدعم الاجتماعي والعاطفي واضطرابات القلق والاكتئاب.
وقد ينمو الخوف من الولادة في مرحلة المراهقة أو البلوغ المبكر. وربما يغذيه الخوف من المخاض أو القلق بشأن ولادة جنين ميت. ومن الأمور الأقل شيوعاً أن التوكوفوبيا قد يأتي مصحوباً باكتئاب ما قبل الولادة. وجدت الدراسة الحديثة من الولايات المتحدة الأمريكية علاقة واضحة ومباشرة بين الإجهاد النفسي والاجتماعي والخوف من الولادة المبكرة من ناحية والتوكوفوبيا من ناحية أخرى.
في حين أن الخوف والقلق المرتبطين بالولادة شائعان جداً بين النساء، فإن أسباب الإصابة بالتوكوفوبيا أو الخوف المرضي من الحمل والولادة ليست واضحة بشكل حاسم. إليكم/ن بعض الفرضيات المطروحة
الإساءة والعنف أثناء الولاد
إلى ذلك، تعتبر استشارية النساء والولادة السعودية د. مها النمر أن التوكوفوبيا هي أحد "تأثيرات الإساءة والعنف للسيدة أثناء الولادة"، منوهةً عبر حسابها في تويتر بأن منظمة الصحة العالمية (WHO) تشير إلى أن نحو 20 إلى 30% من النساء يتعرضن للعنف أثناء الولادة.
سابقاً، صرّحت دوبرافكا سيمونوفيتش، المقررة الخاصة السابقة المعنية بمسألة العنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه: "تعاني النساء من انتهاكات تراوح بين الإساءة اللفظية والسلوك الجنسي والإهانة العميقة، إلى العنف البدني مثل الإجراءات الطبية غير الضرورية والإلزامية والروتينية التي تنفذ دون موافقة كاملة ومستنيرة". وأردفت: "غالباً ما يتم إسكات النساء بسبب مخاوف من المحرمات والخزي والاعتقاد بأن الولادة هي حدث يتطلب معاناة من جانبهن".
وفي آذار/ مارس 2023، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن النساء في كل مكان يواجهن انتهاكات لحقوقهن – بما في ذلك حقوق الخصوصية والموافقة المستنيرة، والحق في الحصول على رفيق موثوق به مفضل طوال فترة الولادة.
ومن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومعايير الرعاية الإنسانية الأساسية التي يتم مواجهتها أثناء الولادة، وفق WHO، نقل النساء في المخاض لإجراء عملية جراحية قيصرية للولادة دون موافقة مستنيرة، واحتجاز الأمهات بعد الولادة لأيام لابتزاز مدفوعات الرعاية، وتعرض النساء اللائي ينجبن للضرب والإذلال، وفصل الأمهات عن الأطفال الحديثي الولادة.
دروس اليوغا، والتعلم حول الولادة وكيف تحدث، والجولات داخل المستشفى تحديداً غرفة العمليات الخاصة بالتوليد لإزالة الغموض حول الحمل والولادة وتبديد الأفكار المغلوطة الشائعة التي تزيد المخاوف، وبناء شبكات دعم اجتماعي من الأهل والأصدقاء… حلول مقترحة لعلاج التوكوفوبيا
كيف نتجنّبها؟
يُشير عدد من خبراء علم النفس إلى أن حالات التوكوفوبيا يمكن التعامل معها بطيف واسع من أساليب وطرق العلاج، وفق شدتها وسبب المخاوف، تضم العلاج الدوائي، والعلاج المعرفي السلوكي، والعلاج الطبيعي، والوخز بالإبر، وشبكات الدعم الاجتماعي، وغيرها.
وتقترح المعالجة النفسية ميليسا وينبرغ، في مقال عبر "سيكولوجي توداي"، أنه أحياناً يمكن المزج بين عدة أساليب لعلاج التوكوفوبيا خصوصاً إذا كانت السيدة التي تعاني منها على وشك الولادة. من الأساليب التي تقترحها مضادات الاكتئاب والعقاقير الآمن تناولها أثناء الحمل، ودروس اليوغا، ودروس التوعية حول الولادة وكيف تحدث، والجولات داخل المستشفى تحديداً غرفة العمليات الخاصة بالتوليد لإزالة الغموض حول الحمل والولادة وتبديد الأفكار المغلوطة الشائعة التي تزيد المخاوف، وبناء شبكات دعم اجتماعي من الأهل والأصدقاء.
ومن الخطوات المقترحة لتخفيف و/ أو التخلص من التوكوفوبيا من ميليسا وينبرغ وخبراء علم النفس الآخرين:
الاعتراف بأن الخوف والقلق من الحمل والولادة أمر عادي ويتكرر مع غالبية النساء، لتقليل الشعور بالخجل والعار من التصريح به.
التفكير الإيجابي واستحضار الأشياء الجميلة والأمل في ما بعد الحمل والولادة.
تجاهل التجارب والأفكار السلبية وعدم تضخيم المخاوف.
حقنة الولادة بلا ألم.
القراءة والإطلاع ومعرفة مراحل الحمل وخطوات التوليد لأن الجهل يعزز الخوف.
ممارسة الرياضة لتسهيل تجربة الولادة وتعزيز المشاعر الإيجابية والهدوء النفسي.
مناقشة المخاوف مع طبيبها وأخصائي نفسي إن استدعى الأمر.
بسبب التوكوفوبيا، قد تقرر بعض النساء إجهاض أطفالهن أو الولادة القيصرية أو تأخير الحمل أو عدم الإنجاب تماماً واللجوء إلى خيار التبني عوضاً عن ذلك.
عدم حضور أي حالة ولادة لسيدة أخرى، أو مشاهدة أي فيديو أو فيلم وثائقي عن الولادة.
قراءة التجارب الشخصية السابقة المتاحة عبر الإنترنت للإصابة بالتوكوفوبيا والتعافي منها.
ما أسباب ارتفاع وفيات الأمهات حول العالم؟
وتجدر الإشارة إلى أن وفيات الأمهات حول العالم تشهد ارتفاعاً غير مقبول إذ توفيت 287 ألف امرأة بسبب "مضاعفات" الحمل والولادة وبعدهما في عام 2020، ما يعني أن امرأة تموت كل دقيقتين على صلة بالحمل أو الولادة، وفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية نُشر في شباط/ فبراير 2023.
اللافت أن ما يقرب من 95% من جميع وفيات الأمهات حدثت في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل تحديداً في الشريحة الدنيا، ما يعني أن الفقر وإخفاقات النظم الصحية سببان رئيسيان لها، وأن غالبية هذه الوفيات كان من الممكن منعها.
ومن "المضاعفات" المتسببة في نحو 75% من هذه الوفيات: النزيف الحاد الذي يحدث غالباً بعد الولادة، وحالات العدوى أثناء الولادة، وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، والمضاعفات الناجمة عن الوضع، والإجهاض غير المأمون.
وتؤكد WHO أن الوقاية من معظم وفيات الأمهات ممكنة لأن حلول الرعاية الصحية الرامية إلى منع المضاعفات أو تدبيرها علاجياً معروفة جيداً، مشددةً على ضرورة توفير "رعاية صحية عالية الجودة أثناء الحمل وأثناء الولادة وبعدها" لجميع النساء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 20 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت