كان الشاب العشريني موسى جالساً مع زملائه في العمل، حين طرح أحدهم سؤالاً: هل تقبلون بتناول حبوب منع الحمل للرجال إذا أصبحت متاحة في الأسواق؟ هل يمكن أن تكون خياركم الأول في حالة عدم الرغبة في الإنجاب؟
كان السؤال غريباً، أجاب موسى بحدّة: "هل أنا من سيحمل لـ 9 أشهر أم هي؟ ما علاقتي لأتناول هكذا حبوب قد تؤثر على ذكورتي؟".
قلّما كانت هذه النقطة تطرح في الحوارات اليومية، غير أن دراسات جديدة، طبية وأخرى نفسية واجتماعية، حوّلتها إلى "ترند" عبر مواقع التواصل وفرضتها بالتالي في صلب الحوارات اليومية.
"الحبوب قيد الدراسة"
"بالنسبة لي، لا يمكنني أن أخاطر وأتناول حبوباً يمكن أن تضعف قدرتي الجنسية، ولا دراسات كافية عن تأثيراتها. ماذا لو أضعفت عمل الحيوانات المنوية وقلّت الخصوبة؟ ثم هناك بدائل عدة، منها الواقي الذكري الذي يمنع الحمل بنسبة كبيرة، ولا يؤثر في الوقت نفسه على اللذة الجنسية"، هذا ما قاله موسى.
لكن هل اقتربنا فعلاً من توافر هذه الحبوب في الصيدليات بلا ضوابط لاستخدامها؟
"بالنسبة لي، لا يمكنني أن أخاطر وأتناول حبوباً يمكن أن تضعف قدرتي الجنسية، ولا دراسات كافية عن تأثيراتها. ماذا لو أضعفت عمل الحيوانات المنوية وقلّت الخصوبة؟"
"وسائل منع الحمل المعتمدة حالياً عند الرجال والموافق عليها من منظمة الصحة العالمية هي ربط الأسهرين (القناة المنوية)، قطع الأسهرين، والواقي الذكري، أما الحبوب التي يمكن تناولها عن طريق الفم فلا تزال قيد الدراسة"، بحسب تأكيد الدكتورة كارين زعيتر، الاختصاصية في صحة النساء والتوليد، في حديث لرصيف22.
ولفتت إلى "دراسة نشرت في المكتبة الوطنية للطب، أجريت على100 رجل، تتراوح أعمارهم بين 18 و 50 عاماً، لمدة 28 يوماً، بحيث تمّ توزيعهم على فئات بشكل عشوائي وإعطاؤهم حبوباً تحتوي على مادة ديمتاندرولو، وهو مركب دوائي له فعالية اندروجينية وبروجسترونية تشل حركة الحيوانات المنوية.
النتائج كانت جيدة بدءاً من 200 ملغ، إلا أن الآثار الجانبية كانت ملحوظة، وأغلبها متعلّق بالوزن والنقص في الرغبة الجنسية وضعف الانتصاب، ولكن لم يكن لهذه النتائج أي دلالة احصائية وبالتالي يحتاج الأمر إلى المزيد من الدراسات.
آثار نفسية وجسدية
يفضّل فادي (اسم مستعار)، وهو رجل أربعيني متزوج ولديه طفل، عدم استعمال حبوب منع الحمل، سواء من النساء أو من الرجال، إذا صارت متاحة لهم، وخصوصاً عندما لاحظ تأثيرات هذه الحبوب على صحة زوجته نفسياً وأحياناً جسدياً.
بعد إنجاب طفلهما، قرر فادي وزوجته عدم الإنجاب مجدداً، فاستخدما في بداية الأمر حبوباً خاصة خلال فترة الرضاعة، ولكن بعد عشرين شهراً تقريباً اضطرت الزوجة لاستبدال العقار بعقار آخر، إلا أنه سبب لها آثاراً نفسية مزعجة، فاقترح عليها أن توقف هذه الأدوية.
هنا، قررا تجنّب الحمل مستخدمين الطرق الشائعة، كممارسة الجنس بعد العادة الشهرية مباشرة أو قبلها بيومين، أو القذف خارج المهبل، أو استعمال واقٍ ذكري، رغم أنه الأقل تفضيلاً لدى الزوجين بسبب الخوف من تمزقه.
حبوب غير هرمونية
لا تزال حبوب منع الحمل للرجال مادة أجريت بشأنها العديد من الأبحاث، وخصوصاً أن الأطباء سعوا لاكتشاف حبوب بلا آثار جانبية.
وفي دراسة حديثة نشرتها مجلة "ناتير كومينيكيشين"، تمكّن العلماء من ابتكار حبوب غير هرمونية، تشل حركة الحيوانات المنوية وتمنعها من الوصول إلى البويضة.
وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران إلى أنها تُبقي الحيوانات المنوية مصعوقة وطائشة لبضع ساعات على الأقل، لفترة تكفي لمنع وصولها إلى البويضة.
كيف تعمل الحبة؟ يتناولها الرجل قبل ممارسة الجنس بساعة على الأقل، وبما أنها لا تحتوي على هرمونات فهي بالتالي لن تقضي على هرمون الذكورة، التستوستيرون، أو تؤدّي إلى نقص في معدّله. فهي تعتمد بالأساس على استهداف بروتين إشارة خلوي في النطاف يدعى sac.
وفي التجربة، جمّد العقار حركة الحيوانات المنوية قبل الممارسة الجنسية وأثناءها وبعدها، استمرّ مفعولها 3 ساعات، وبعد 24 ساعة اختفى تأثيرها على الحيوانات المنوية الجديدة التي سبحت بشكل طبيعي.
مخاوف صحية
من جانب آخر، بعض الرجال لا يعارضون مبدأ استخدام حبوب منع الحمل، لكنهم يطرحون مخاوف مرتبطة بحالة صحية خاصة، ويفضّلون لذلك استشارة طبية مسبقة.
ومن هؤلاء بسّام، الذي اعتبر أنه من الطبيعي أن يثير الأمر بعض المخاوف للوهلة الأولى: "لا سيما أنني أعاني مشاكل صحية ذات علاقة بالمناعة. سمعت أن حبوب منع الحمل للرجال لا تشكل أي تهديد لمستقبل الخصوبة بل إن الأمر يقتصر على فترة وجيزة بعد ممارسة الجنس، وبالتالي ليست لديّ قناعة بأني أرفض تجربتها تماماً، إذ يمكنني قبولها كما أقبل حبوب منع الحمل للنساء، ولا سيما أنني ممّن يحتكمون في هذه القضايا إلى ما يقوله العلم والطبّ، وهو ما اعتمدته في قبولي للقاح كورونا".
كيف تعمل الحبة؟ يتناولها الرجل قبل ممارسة الجنس بساعة على الأقل، وبما أنها لا تحتوي على هرمونات فهي بالتالي لن تقضي على هرمون الذكورة، التستوستيرون، أو تؤدّي إلى نقص في معدّله
وأضاف: "ما يقلقني في الجانب الطبي الخاص بي، أراجع بشأنه طبيبي لتحديد ما إذا كان للأمر أي تداعيات صحية سلبية لا تتناسب مع حالتي الخاصة المرتبطة بالدم. ولا شك في أن هذا الأمر يعتمد على الدراسات المتخصّصة التي تحدّد مدى فعالية حبوب منع الحمل للرجال، وكذلك يجب الاطلاع على ما إذا سيتمّ إنتاج أنواع عدة يكون لكل منها فاعلية مختلفة عن نوع آخر، ثم اختيار الأفضل".
ويعزو بسّام التردد الذي قد يدفع رجالاً كثيرين إلى رفض استخدام منع حبوب الحمل إلى "الخوف من هامش الخطأ الذي يعتقدون أنه قد يسبب لهم عقماً دائماً، وبالتالي فإن على الشركات المصنّعة للحبوب والجهات الطبية الرسمية، تقديم الضمانات والدراسات الكافية لطمأنة هؤلاء لعدم وجود أي مخاطر على استمرار الخصوبة بعد انتهاء مفعول الحبّة. أنا شخصياً، مع عدم رفضي لاستخدام هذه الحبوب، أفضّل الاطلاع أكثر على البيانات الخاصة بها وعلى شهادات من جرّبها لأكون أكثر اطمئناناً، طبعاً في حال أجاز لي الطبيب استخدامها".
تتفهم كارين زعيتر مخاوف كهذه، ولفتت كذلك إلى أن "بعض الرجال يتخوّفون من تأثير هذه الأدوية الهرمونية على الانتصاب، النشوة الجنسية والقدرة على الإنجاب، وبما أن الدراسات غير كافية حتى الآن، سيبقى هؤلاء خائفين من العوارض المحتملة".
قبول المجتمع
إلى أي مدى يمكن أن يتقبل المجتمع تداول حبوب منع الحمل للرجال؟
"من المتعارف عليه في مجتمعاتنا، أن المرأة هي المسؤولة عن الحمل بشكل أساسي ومباشر، حتى أن الرجل لم يتعوّد غالباً على الانخراط في الأمور المتعلقة بهذه العملية، لذا قد لا يعير معظم الرجال اهتماماً لهذه الحبوب في البداية، وقد يكون الإقبال عليها ضعيفاً"، هذا ما قالته فاطمة خليل، مسؤولة قسم الخدمات والتعليم في جمعية مرسى - مركز الصحة الجنسية، إحدى الجمعيات الناشطة في مجال الصحة الجنسية، رداً على سؤال بهذا الشأن.
"قد نكون مهتمّين بتأمين هذه الحبوب عندما تصير متاحة، لكن لا نعلم كيف ستتصرّف السلطات اللبنانية مع الأمر قانوناً، فهل ستسهّل توزيع هذه الحبوب لأنها متعلقة بالرجل - كمركز لاتخاذ القرار - على خلاف حبوب منع الحمل للنساء، والتي يعتبر توزيعها صعباً وغير قانوني إلا عبر مراكز معينة؟"
أضافت لرصيف22: "تعمل جمعيتنا لتأمين خدمات الصحة الجنسية فقط حتى الآن، فالدولة لا تمنح الترخيص لتأمين مثل هذه الحبوب التي تتعلٌق بالصحة الإنجابية، إلا أننا أجرينا دورات توعوية عدة عن أنواع منع الحمل المختلفة، كيفية الاستعانة بها، والحالات التي تتطلّب التوجه لطبيب مختص، وهذه الدورات كانت تضمّ رجالاً ونساءً".
وعن أهمية هذه الحبوب، قالت خليل: "تصير المسؤولية مشتركة، كما أنها تعزّز التواصل بين الطرفين للخروج بقرار مشترك، سيبحثان سوية عن معلومات متعلقة بتحديد النسل، وبالتالي زيادة الوعي بشأن صحتهما الإنجابية، إضافة إلى أنها ستخفّف العبء المفروض على المرأة وتحرّرها جنسياً واجتماعياً، فيصبح لها سلطة على جسدها".
وختمت خليل حديثها قائلةً: "قد نكون مهتمّين بتأمين هذه الحبوب عندما تصير متاحة، لكن لا نعلم كيف ستتصرّف السلطات اللبنانية مع الأمر قانوناً، فهل ستسهّل توزيع هذه الحبوب لأنها متعلقة بالرجل - كمركز لاتخاذ القرار - على خلاف حبوب منع الحمل للنساء، والتي يعتبر توزيعها صعباً وغير قانوني إلا عبر مراكز معينة؟".
في الختام، لا شك أن حبوب منع الحمل للرجال قد تثير الكثير من الجدل عند إطلاقها في الأسواق، وفق ما بيّنت ردود الأفعال عبر مواقع التواصل، وبالرغم من أنها تشكل حلاً مثالياً للرجال الذين يريدون المشاركة في التخطيط الأسري ووسيلة لتحرير المرأة في ملف الإنجاب، إلا أن هذه الحبوب تحمل الكثير من الجوانب الاجتماعية والصحية والجنسية والتي يمكن أن تجعلها من التابوهات الكثيرة في مجتمعاتنا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع