تزداد مخاوف المنظمات الحقوقية والنسوية في تونس من تنامي ظاهرة العنف الرقمي المسلَّط على النساء في الفضاء الافتراضي، وتأثيره السلبي على حياتهن اليومية وصحتهن النفسية، وسط دعوات إلى ضرورة وضع قوانين تجرّم هذا النوع من العنف.
وأظهرت دراسة بعنوان "العنف الرقمي المسلّط على الناشطات في المجال العام"، قدّمتها جمعية "أصوات نساء"، استهداف النساء الفاعلات في الشأن العام بشكل لافت بسبب نشاطهن ومواقفهن المعلنة على المنابر الإعلامية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل مناخ شعبوي انفعالي منتج للعنف.
وتتعرض الناشطات النسويات والمدافعات عن الحقوق والحريات والصحافيات أكثر من غيرهن، للعنف الإلكتروني وحملات الوصم والشيطنة وانتهاك كرامتهن المعنوية لكونهن نساءً، وأيضاً كعقاب لهن على قول الحقيقة والدفاع عن حقوق النساء، بحسب الدراسة نفسها.
هددوني بقتل ابني!
على خلفية عملها الإعلامي في إذاعة شمس أف. أم. الخاصة، تعرضت الصحافية زينة الزيدي، لحملة إلكترونية شرسة قادتها ضدها مجموعة من الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تزداد مخاوف المنظمات الحقوقية والنسوية في تونس من تنامي ظاهرة العنف الرقمي المسلَّط على النساء في الفضاء الافتراضي
تقول زينة الزيدي، في حديثها إلى رصيف22: "بعد الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس التونسي، واصلت تقديم برنامجي السياسي وحاولت العمل بكل حياد واستضافة جميع الأطراف والتوجهات السياسية. لكن مع بثّ كل حلقة تُثار ضدي حملة سب وشتم وتهديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
تضيف: "كنت في كل مرة أتجاهل هذه الحملات، وواصلت إثارة مواضيع حارقة وملفات سياسية مهمة إلى أن تلقيت رسالةً من شخص مجهول يهددني فيها بقتل ابني. قال لي ذلك الشخص: 'ابنك احتسبيه شهيداً'".
تواصل حديثها: "أيقنت في تلك اللحظة أن العنف الرقمي المسلّط ضدي تجاوز مرحلة السب والشتم والتشويه، ووصل إلى حد تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية لأفراد عائلتي. أثّر ذلك على نفسيتي كثيراً ولجأت إلى القضاء كي ينصفني ويحاسب المعتدين".
سبّ وشتم وتهديدات بالاغتصاب
تدرك المنظمات النسائية والمدافعات الحقوقيات، أن العنف الرقمي أصبح ظاهرةً خطيرةً تهدد النساء الفاعلات في الشأن العام في ظل قصور قانوني في مكافحة هذه الظاهرة ومعاقبة المعتدين، إذ إن العنف السيبراني ما زال غير معترف به كجريمة قائمة بذاتها في القوانين التونسية.
وتقول المكلّفة بالشؤون القانونية في جمعية "أصوات نساء"، سارة المديني، "إن العنف الرقمي المسلط على النساء الفاعلات في الشأن العام في تونس تحوّل في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة خطيرة وجب التصدي لها وعدم تجاهلها".
وأضافت المديني في حديثها إلى رصيف22، "أن الناشطات في المجال السياسي والحقوقي والإعلامي يتعرضن للعنف الرقمي بشكل لافت، خصوصاً عند تعبيرهن عن آرائهن في مسائل سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
العنف الرقمي المسلط على النساء الفاعلات في الشأن العام في تونس تحوّل في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة خطيرة
تواصل حديثها قائلةً: "كلما عبّرت الناشطات في تونس عن آرائهن حول مسألة معيّنة تنهال عليهن تعليقات السب والشتم والتهديد بالقتل والاغتصاب من مجموعات تتخفى وراء صفحات وحسابات وهمية.
وتؤكد الناشطة النسوية أن العنف الرقمي المسلّط على النساء تحول إلى ظاهرة خطيرة تهدد النساء وصحتهن النفسية، في ظل غياب نص قانوني يجرّم العنف الإلكتروني ووسط بيئة مجتمعية يسودها الإفلات من العقاب.
وتوصي محدثة رصيف22، في هذا الإطار، بضرورة إضافة بنود جديدة إلى قانون الـ2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، تجرم العنف الرقمي المسلّط على النساء.
عنف مبنيّ على النوع الاجتماعي
من جهتها، تقول أستاذة علم الاجتماع، فتحية السعيدي، إن الناشطات في المجال العام في تونس يتعرضن للقصف الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية نشرهن تدوينات أو آراء أو مداخلات صحافية.
وأضافت السعيدي في حديث إلى رصيف22، أن المناخ الاجتماعي الشعبوي في تونس ساهم بشكل لافت في ارتفاع العنف الرقمي ضد النساء، لأن هذا المناخ يرتكز أساساً على الانفعالات والاستثمار في الغضب، وفق قولها.
تنهال على الناشطات التونسيات تعليقات السب والشتم والتهديد بالقتل والاغتصاب من مجموعات تتخفى وراء صفحات وحسابات وهمية
وأكدت السعيدي، وهي معدّة الدراسة، أنه تم رصد آلاف الهجومات التي استهدفت الناشطات في المجتمع المدني خصوصاً في الفترة التي سبقت الاستفتاء على الدستور الجديد (دستور 2022) وما بعده.
وأشارت إلى أنه يمكن عدّ النسويات والناشطات والصحافيات ضحايا عنف سياسي سيبراني مبني على النوع الاجتماعي، وهو عنف صادر عن أشخاص ومجموعات استهدفوا ناشطات تونسيات على خلفية مواقفهن السياسية أو إبداء رأي مخالف أو يعارض سياسة النظام القائم في تونس.
وترى السعيدي أن "العنف الرقمي في تونس مثل كرة الثلج يزداد حجمه يوماً بعد يوم، ويجب التصدي له بالتنصيص عليه كجريمة يعاقب عليها القانون، وأيضاً عن طريق تكثيف الحملات التحسيسية وفرض مواثيق على المنصات لحذف التعليقات المسيئة إلى النساء".
تحذيرات دولية
وكانت منظِّمة المادة 19، قد دعت إلى مناهضة العنف الرقمي المسلّط على النساء في تونس وتعزيز حقوقهن في المساواة وحرية التعبير، معربةً عن قلقها إزاء "انتشار العنف المسلّط على النساء والفتيات الذي اكتسح الفضاء الرقمي، بما في ذلك المنصات الإلكترونية لوسائل الإعلام".
ودعت المنظمة "مختلف المتدخلين والفاعلين في المجال الإعلامي والمؤسسات الإعلامية ومكونات المجتمع المدني، إلى جانب المؤسسات العمومية المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة وحمايتها من العنف، إلى تعبئة جهودها والتنسيق الإستراتيجي من أجل مناهضة العنف المسلّط على النساء والفتيات، في الفضاء الرقمي".
في المقابل، أشادت المنظمة بدور التونسيات في الحياة العامة، وما حققنه من مكاسب في إطار تكريس المساواة وسعيهن الدؤوب إلى الإشعاع في كل المجالات مهما كان موقعهن، وتمسّكهن بأصواتهن الحرة، سواء في الفضاء المادي أو الرقمي.
وكشفت دراسة أعدّها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة، عن العنف الرقمي في فيسبوك، أن "89 في المئة من النساء المستطلعات تعرّضن للعنف بجميع أنواعه في الفضاء الرقمي، كما أوضحت النتائج أن 71 في المئة من مرتكبي العنف هم من الرجال، وأن 60 في المئة من النساء اللواتي يستخدمن فيسبوك لا يشعرن بالأمان في الفضاء الرقمي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه