شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"فرحتُ لأننا لم نمارس الجنس"... صديقتي أول مرة في بيتي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات الشخصية

الاثنين 12 يونيو 202310:55 ص

لا يُمكنني القول إن طرح الأفكار التي لا تتسق مع الغالبية أمر سهل، ففي بلادنا يجلب ذلك لصاحبه التشهير والتكفير، وقد يدفع المرء حياته ثمناً لهذا، لكن الأصعب من ذلك كله، مواجهة المرء لأفكاره، أو بمعنى آخر، أن يطبقها على نفسه، وقد ظننت ذلك أمراً بديهياً، طالما أنا مقتنع بشيء فتطبيقه طبيعي، لكن بعد أن وُضعت في هذا الاختبار أكثر من مرة، ورغم اعتزازي باتساقي مع ذاتي وفعل ما أدعو إليه، بقدر إدراكي أن ذلك صعب جداً، وأننا أبناء ثقافة زرعت بداخلنا أشياء كثيرة مهما تمردنا عليها تظل باقية بشكل ما، حتى نتخلص منها تماماً بتطبيق ما نؤمن بهِ.

هذا ما حدث معي مؤخراً، حين أخبرتني صديقتي أنها ستزورني في بيتي الجديد، وأنا من هؤلاء المتمسّكين بالتفريق بين الصديقة والحبيبة، ولا أخلط بينهما حتى في المسميات، لذلك فهي صديقتي فقط، ورغم أني كتبت هنا سابقاً عن مفهوم "الخلوة" وعدم اقتناعي أن انفراد رجل بامرأة يعني بالضرورة ممارسة الجنس لأن الشيطان سيغلبهما، بل ودعوت للتخلي عن تلك النظريات والتمسك بآدميتنا، أقول رغم ذلك لم يكن الأمر بسيطاً أبداً.

أخبرتني صديقتي أنها ستزورني في بيتي الجديد، فطاردتني كل الأفكار التي ظننت أني تخلّصت منها، وطافت بي كل أحاديث الشيوخ التي تخبرني أن ممارسة الجنس أمر واقع لا محالة

ولا تضحك عزيزي/عزيزتي القارئ/ة، لو علمت أنني في منتصف الثلاثينيات وأول مرة أعيش تجربة كتلك، ولا تضحك أيضاً لأني ارتبكت ربما أكثر منها، إذ لم يبدُ عليها القلق، إما لثقتها في نفسها أو فيّ، لا أعلم، لكني استعددت كثيراً، وطاردتني كل الأفكار التي ظننت أني تخلّصت منها، وطافت بي كل أحاديث الشيوخ التي تخبرني أن ممارسة الجنس أمر واقع لا محالة، لذلك وجدتني أهرول إلى ملابس خروج لا ملابس بيت حتى لا يُساء الظن بي، أو لأن ذلك سيمنعني! وحين جاءت وجلسنا في البلكونة نشرب الشاي ونتحدّث، تغاضيت عن النظر إليها، بل ومنعتها من تحضير الشاي وقمت أنا بالمطلوب.

في الحقيقة، تلك التصرفات التي لاحظتها هي، وجعلتني في مشهد بائس أمامها، سببه أنني كنت خائفاً، خائفاً من نفسي، ألّا أكون أكثر من مجرّد مردّد لأفكار حين انطبقت علي لم أستطع تنفيذها، وكنت خائفاً أكثر أن اكتشف أنني حيوان تسوقه غرائزه مهما ادعيت أنني لست كذلك، وكتبت أنني لست كذلك، ودعوت الناس أن يصبحوا مثلي، لكن في النهاية لا شيء يثبت أني لست حيواناً سوى التجربة.

لذلك فرحت كثيراً حين غادرتني صديقتي بعد جلسة عادية جداً، وهي باسمة ومطمئنة، بالتأكيد طاف بها بعض ما طاف بي لأننا أبناء ثقافة واحدة، لكن السؤال الذي طرحته على نفسي: كيف وصلت إلى هذا الفرح لمجرد إثبات أنني إنسان تصرفت في موقف ما بطبيعية، تلك الطبيعية المفترضة من جعلها غاية صعبة إلى هذا الحد الذي تخشى فيه من نفسك.

كل ما خوّفونا منه عموماً، كل ما زرعوه بداخلنا علينا التخلص منه، وسيكتشف كل واحد نفسه في كل تجربة، لكن إذا كان الثمن استرداد إنسانيتنا وإثبات أننا بشر، فالأمر يستحق

ولأول مرة أيضاً أدرك أن كل ما درّسوه لنا، زرعوه بداخلنا في المدارس والكنائس وفوق منابر المساجد، بل وداخل الأسرة نفسها، كان يصب في اتجاه واحد فقط، أننا حيوانات ولسنا بشراً، ولأننا كذلك، فيجب أن لا نُترك لأنفسنا أو نثق فيها، لأن غرائزنا بالتأكيد ستسوقنا، ومن وقاحتهم استخدموا الحجج الدينية والأفلام والمسلسلات والأمثال الشعبية، وكل ما يمكن حشده لترسيخ تلك النظرية داخلنا، لذلك سيغلبنا الشيطان حين يكون ثالثنا، بل وباتت أحاديث مثل "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"، تقال لنا. هل تتخيلون وجه المقارنة لمجرد "مس يد امرأة"، لازلت أذكر الشيخ محمد حسين يعقوب وهو يردّد هذا الحديث ويدعونا إن ركبنا أتوبيس ولم يكن هناك سوى كرسي واحد بجوار امرأة أن نترك الأتوبيس وننتظر غيره حتى لا نمسها!

للأسف نجحت نظريتهم، نعم، كثير منا اقتنعوا أنهم حيوانات تسوقهم غرائزهم، بل وأضحوا لا يعتبرون ذلك إثماً أو خطيئة، بل هي طبيعتهم التي خلقهم الله بها، لذلك تجد مبرّرهم دوماً ينصب على المرأة لا على أنفسهم، إن تحرّشوا بها فذلك بسبب ملابسها الكاشفة، إن اغتصبوها لأنها استفزت ذكوريتهم، إن ارتدت مايوه فتلك سهلة المنال، وإن دعتك إلى بيتها من أجل فنجان شاي فهذا يعني دعوة صريحة للجنس "أومال هي دعتني ليه"، المهم أنه لا لوم علينا لأن غرائزنا تسوقنا ويجب على العالم احترام تلك الطبيعة فينا، تماماً كصديقي المتأفّف من الغرب لأنه جعل فعل ما لا تريد المرأة سبباً كافياً لاتهام من يضايقها بالاغتصاب، لدينا الاغتصاب يعني هتك عرض.

أما من لم يقتنعوا، فهؤلاء لم ينجوا بالكامل، يظل جزء منهم خائفاً ومتشككاً حتى يخوضوا التجربة، ولذلك أدعوهم لخوضها، وهنا لا أقصد تجربتي أو دعوة أصدقاء إلى البيت من الجنس الآخر فقط، بل أدعوهم لتجربة كل ما خوّفونا منه عموماً، كل ما زرعوه بداخلنا علينا التخلص منه، وهذا التخلص لن يكون سوى بالتجربة التي لن تكون سهلة على الإطلاق، وسيكتشف كل واحد نفسه في كل تجربة، لكن إذا كان الثمن استرداد إنسانيتنا وإثبات أننا بشر، فالأمر يستحق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image