شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
من لبنان وإليه… هكذا تتاجر الفرقة الرابعة والمهرّبون بحياة لاجئين سوريين

من لبنان وإليه… هكذا تتاجر الفرقة الرابعة والمهرّبون بحياة لاجئين سوريين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Syria’s Fourth Division and smugglers traffic Syrians into and out of Lebanon

لم تكن مستبعدةً الحملة الأخيرة التي شنتها السلطات اللبنانية على اللاجئين السوريين، لكنها كانت في غالبيتها عنيفةً ومباشرةً وسريعةً وفوضويةً أو عشوائية.

موضوع العودة إلى سوريا ليس جديداً، فقد تم طرحه سابقاً ومحاولة تجربة أساليب مختلفة لتطبيق ما يُسمّى بـ"العودة الطوعية الآمنة"، ولكن الحملة الممنهجة مؤخراً نسفت كل اتفاقيات "العودة الطوعية"، التي عملت عليها مختلف الجهات الحكومية وذات السلطة والنفوذ اللبنانية لأعوام عدة، جاعلةً من الترحيل القسري الفوري الحل الأسرع لعدم قدرة لبنان على استيعاب تبعات اللجوء السوري على أرضه الذي دخل في عامه الثالث عشر، إلى جانب أنّ دخول النظام السوري في حيز إعادة العلاقات مع الدول العربية والاعتراف به رسمياً أصبح حقيقةً، ووجود اللاجئين أصبح إشكاليةً إنسانيةً حيث لم يعد قابلاً لدخوله في لعبة سياسية بين الطرفين الجارين، اللذين لطالما كانت علاقتهما إشكاليةً.

سبقت الحملة عملية ممنهجة واضحة لتأجيج الرأي العام ضد اللاجئين سواء من خلال تصريحات بعض رموز السلطة أو وسائل إعلام محلية، التي بدأت منذ مطلع العام تركز في تقاريرها على تدهور الوضع الأمني والاقتصادي بسبب وجود اللاجئين، وتنشر معلومات مغلوطةً عن ظروفهم المعيشية مثل تعدادهم ونسبة ولاداتهم أو وصول المساعدات إليهم بالدولار الأمريكي.

تعددت الحملات التي استهدفت اعتقال اللاجئين وترحيلهم واختلفت أشكالها، ففي 10 نيسان/ أبريل الماضي، تمت مداهمة تجمع سكني يقطنه لاجئون سوريون في مجمع الصخرة في منطقة جونية في كسروان، حيث تم اعتقال قرابة 29 لاجئاً بحسب توثيق منظمات منها مؤسسة وصولACHR التي تتابع عمليات الترحيل القسري، وتحاول الوصول إلى معلومات وبيانات حول ما يحصل، حيث اعتُقل اللاجئون وتم اقتيادهم إلى ثكنة صربا ومن ثم نقلهم إلى معبر المصنع الحدودي، ليتم ترحيلهم وتركهم في الأراضي السورية.

سبقت حملة الترحيل عملية ممنهجة ضد اللاجئين سواء من خلال تصريحات بعض رموز السلطة أو وسائل إعلام محلية

يُذكر أن مصير 11 لاجئاً من بين من رحلوا بقي مجهولاً حتى اللحظة، حيث تقول زهرة (اسم مستعار، 29 عاماً)، وهي زوجة أحد المرحلين: "زوجي دخل بشكل شرعي إلى البلاد قبل الـ2019 وتالياً لا ينطبق عليه القرار (قرار المجلس الأعلى للدفاع بإعادة من دخل بعد عام 2019). كان يملك إقامةً ولكن لم يستطع تجديدها بسبب صعوبات الحصول على إقامة جديدة، ونحن مسجلون في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ولكن تم أخذه عنوةً أمام الأطفال، حتى أن ابنتي الصغيرة حصلت لها حالة تبول لا إرادي من شدة الخوف".

حتى اليوم لا تعرف زهرة شيئاً عن زوجها، هي تسمع أخباراً متفرقةً كل يوم، ولكن لا يوجد أي شيء أكيد. هي فقط تريد معرفة إن كان في سوريا أم في لبنان.

تجارة عبر الحدود

تذكر أم إبراهيم، وهي أرملة أربعينية تقطن في منطقة القبة في طرابلس برفقة أبنائها الثلاثة، عملية اعتقال ابنها البكر وابتزازها من قبل مهرّبي البشر كي تصل إليه، حيث تم اعتقاله وهو ذاهب لشراء الخبز على حاجز القبة يوم 2 أيار/ مايو الماضي، وتم ترحيله بشكل مباشر عبر معبر شدرة في منطقة وادي خالد الحدودية، التي يُعرف عنها نشاطها في تهريب البشر وسيطرة المهربين والفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري عليها.

بعد الخطف، اتصل أحد مهربي البشر بأم إبراهيم، وادعى أنه يحاول مساعدتها قائلاً إن "ابنها وصل إلى الفرقة الرابعة برفقة خمسة لاجئين آخرين، وأن عليها تأمين مبلغ 200 دولار أمريكي عن كل واحد من الخمسة لكي يتم إرجاع ابنها إليها".

وبحسب تسجيلات صوت المهرّب، فهو يتعامل مع الفرقة الرابعة في ما يخص اللاجئين المرحّلين، وذكر عدد من الشهود والضحايا أيضاً عمليات الابتزاز على الحدود السورية.

بعد مساومات عدة، قامت الأم بدفع مبلغ 200 دولار أمريكي مقابل الوصول إلى ابنها، إلا أنّ قوات الجيش اللبناني ضبطت عملية التهريب وألقت عليه القبض مجدداً مسلّمةً إياه للفرقة الرابعة التي اقتادته إلى فرع الأمن العسكري في حمص، على ما تقول الوالدة.

يتحدث "م. ع." (35 عاماً)، وهو لاجئ سوري تم ترحيله قسراً بالرغم من دخوله بشكل شرعي إلى لبنان وامتلاكه بطاقة لجوء، حول عملية الابتزاز والسمسرة التي واجهته على الحدود هو وأحد أقاربه، إذ تم ترحيله بعد مداهمة قرية المزرعة في منطقة كفرذيبان في قضاء كسرون نهار 11 نيسان/ أبريل الفائت برفقة 35 لاجئاً آخرين من المنطقة نفسها، وتركوهم على الحدود السورية بعد أن سلّموا إلى عناصر من الفرقة الرابعة التي بدورها وضعتهم برفقة بعض مهربي البشر على الحدود، وبدأت عمليات السمسرة التي استمرت يوماً كاملاً.

يقول الضحية إن من استطاع دفع مبالغ مالية تتراوح بين 150 و200 دولار أمريكي، من خلال الاتصال بعائلاتهم لتأمين المبلغ، عاد بشكل غير شرعي إلى لبنان، ويذكر أن عملية التبادل والتسليم تمت داخل الأراضي اللبنانية وهي تتم في مختلف المناطق داخل لبنان، ويوجد على الحدود عدد كبير من اللاجئين في انتظار تقرير مصيرهم المعلّق بين أيدي تجار البشر والفرقة الرابعة.

يقول الضحية إن من استطاع دفع مبالغ مالية تتراوح بين 150 و200 دولار أمريكي، أمّن المهربون بغطاء من الفرقة الرابعة، عودتهم بشكل غير شرعي إلى لبنان

يقول "م. ع." لرصيف22: "لا أرغب في أن أقضي حياتي في لبنان، نحن نعلم كم وضع لبنان الاقتصادي سيئ اليوم، ولكن بعد 12 عاماً من اللجوء لا يمكنني العودة إلى سوريا، فأنا مطلوب للجيش فقد تخلفت عن الخدمة الإلزامية وأنتمي إلى منطقة خارجة عن سيطرة النظام، وأخشى على حياتي وحياة عائلتي. لا أحد منا ينعم بعيش رغيد في لبنان، ولكن إن كان الخيار بين الحياة في الظروف الأدنى والموت، أختار الأول".

يُذكر أن مركز وصول قد قام في تقريره الصادر بتاريخ 19 أيار/ مايو الجاري، بتوثيق حالات تسليم مرحّلين إلى المهرّبين حيث ذكر أن "75 لاجئاً من المرحّلين قالوا للمركز إن السلطات السورية أعادت تسليمهم إلى مهرّبي البشر المتواجدين على الحدود اللبنانية، والتفاوض معهم لإعادتهم إلى لبنان لقاء مبالغ مالية تتراوح بين 150 و300 دولار أمريكي للفرد الواحد، بينما وصلت المبالغ المالية إلى نحو 3،000 دولار أمريكي للأفراد الذين يواجهون مخاطر أمنيةً مباشرةً في سوريا. وأكّد 51 لاجئاً منهم أن الجيش اللبناني قام بتسليمهم إلى السلطات السورية بشكل مباشر".

المهرّبون وجشعهم

يروي "ع. س." (27 عاماً)، وهو لاجئ سوري يعمل مياوماً مع "معلم كهرباء" في لبنان ويقطن في جونيه، أنه تم توقيفه في أثناء مغادرة عمله يوم 23 نيسان/ أبريل الماضي، واقتياده إلى مفرزة صربا ومن ثم تم تسليمه إلى الفرقة الرابعة التي بدورها سلّمته إلى المهربين، ويقول: "لقد تم اقتيادي مع عدد من الأشخاص، قرابة 45 شخصاً، إلى قرية حدودية، حيث وُزّعنا على منازل عدة تبدو من أملاك المهرّبين، إذ إن أغلبهم من سكان القرى الحدودية، وعُرضت علينا وجبات طعام مقابل مبالغ مالية وإجراء مكالمات هاتفية مع ذوينا لطمأنتهم أيضاً مقابل مبالغ مالية".

يذكر الضحية أن المهرّبين أخذوا منه ما يقارب الـ7 دولارات للوجبة، ودولارين للمكالمة الهاتفية، وبعد فترة قصيرة بدأت عمليات التفاوض في أثناء إقامته في منزل أحد المهرّبين حيث دفع 200 دولار أمريكي مقابل عودته إلى لبنان.

يعتمد الابتزاز الذي يمارسه المهرّبون على التواصل مع الأهالي (الأمهات والزوجات بشكل خاص)، حيث غالباً ما يرحَّل الشباب، وفي أثناء عمليات التواصل تتم الاتفاقية، إذ تعرضت أم إبراهيم لضغط نفسي كبير جداً في أثناء عملية تواصلها مع المهرّب لاستعادة ابنها والتي بائت بالفشل. أم إبراهيم وغيرها من السيدات ينتظرن خبراً عن أبنائهم وأزواجهن المرحّلين، ولم يتوقعوا أن تُترك مصائرهم في أيدي مهرّبي بشر يقومون بالابتزاز علناً وبالإتجار بهم بشكل مفضوح وواضح، مبررين أفعالهم بأن المبالغ التي يتقاضونها هي رشاوى لكل من الطرفين السوري واللبناني، وأن حصة المهرب لا تتعدى الـ20% من كل المبلغ.

ويتواجد مهرّبو البشر والمهربين بشكل عام، بين الحدود السورية واللبنانية منذ ما قبل الثورة السورية، وينحدر أغلبهم من القرى الحدودية التي تتشارك العائلات فيها الجنسيتين السورية واللبنانية غالباً، وفي الحالات المذكورة في التقرير، يقوم المهربون بالتواصل مع أهل وأقرباء "المحتجزين" لديهم من أجل الحصول على مبالغ مالية لقاء إعادتهم إلى لبنان.

يقول حسين (31 عاماً)، وهو مهرّب يعمل في تهريب المخدرات وأحياناً تهريب البشر كما يدّعي: "أحياناً أقوم بخدمة الناس المحتاجة، فأقوم بتهريبهم ولكنني لا أفضّل هذا النوع من العمل". ويحكي الرجل عن التهريب الذي ازداد واختلف شكله بعد اللجوء السوري وأصبحت له قواعد جديدة، ويُكمل: "لقد دخل أشخاص متنفذون جدد على العمل، ولهذا لا أعمل في تهريب البشر كثيراً، فهي عملية لها أهلها ومحفوفة بالمخاطر. بعد الحرب في سوريا وانتشار الفصائل المدعومة أصبحت العملية تتبع بشكل رئيسي للأشخاص المتنفذين ولا أريد مشكلات مع أحد".

يتواجد مهرّبو البشر والمهربين بشكل عام، بين الحدود السورية واللبنانية منذ ما قبل الثورة السورية

الطريق إلى ما وراء الحدود

بعد المعارك الطاحنة في ريف القلمون والقصير وسيطرة حزب الله اللبناني على المنطقة في عام 2013، انتشرت قوات كتائب البعث ومدت نفوذها إلى القرى التي هُجّر أهلها، وهذه الكتائب عُيّن أفرادها من قرى في القلمون كانت مواليةً للنظام السوري، وبحسب أقوال بعض الناس والمهربين ومنهم حسين، لا أحد يريد العبث معهم، فهم يتمركزون في قرية ربلة الحدودية في سوريا، ويتقاضون مبالغ هائلةً على عمليات التهريب ولديهم طرق عدة.

ويختلف السعر في هذه التجارة بحسب الطريقة، فهناك تهريب يتم بواسطة سيارة "من باب المنزل إلى باب المنزل"، وهي الأكثر كلفةً حيث تتراوح بين 400 إلى 600 دولار أمريكي، وبحاجة إلى علاقات قوية ومباشرة مع مهرّب متنفذ وغالباً ينفذها أحد المقربين من المهربين الكبار، وهنالك طرق أخرى عبر معابر مختلفة منها التنقل حيث قد يضطر الشخص إلى قضاء ليلة أو ليالٍ عدّة في قرية على الحدود في بيت المهرّب غالباً، ليتابع طريقه إما بواسطة دراجات نارية ويليها مشي على الأقدام لكيلومترات عدة، ومن ثم ميكرو باص بعد الوصول إلى الأراضي اللبنانية أو بواسطة سيارة تنقلهم بشكل جماعي.

ويتم تبديل السيارات مرةً أو اثنتين على الأقل، وتتراوح أسعار هذا النوع من التهريب بين 200 و400 دولار أمريكي، ولا يوجد شيء مضمون، فمن الممكن أن يكون الشخص قد دفع 400 دولار على أمل وصوله بسيارة إلى لبنان، ولكنه يتفاجأ بأنه بحاجة إلى المبيت يوماً في منزل برفقة عدد كبير من الأشخاص والسير على الأقدام لساعات وركوب دراجة نارية، وهذا ما حصل مع "م. ر." (44 عاماً)، وهو لاجئ سوري كان متخلفاً عن الجيش في سوريا، وقرر المجيء إلى لبنان مع عائلته المكونة من زوجته وابنته كي يسافروا بعدها إلى بلد ثالث.

بعد دفع مبلغ للمهرّب ووعود منه بأنه سيصل بالسيارة إلى لبنان، فوجئ بأن عليه أن ينام هو وعائلته برفقة قرابة عشرين شخصاً في هنغار يبدو أنه كان زريبةً للحيوانات، وأن يسيروا على أقدامهم لمسافة طويلة، ومن ثم أن يركبوا الدراجات النارية، فرفض وعاد إلى سوريا، ومع هذا لم يُعِد له المهرّب المبلغ كاملاً، بل اقتصّ نصفه بحجة الأتعاب وأنه أضاع عليه فرصة تهريب حقيقية.

العودة الطوعية والترحيل

تتردد هذه العبارة في العديد من التصريحات الرسمية في لبنان منذ بداية عام 2019، مختزلةً موقف الدولة اللبنانية من وجود اللاجئين على أرضها، اللاجئين الذين هربوا من سطوة العنف ليعيشوا العنف بأشكال مختلفة في بلد اللجوء، وليصبح مصيرهم محكوماً بشبكة من القرارات والتسويات والمصالحات الدائرة داخل سوريا ولبنان وبين البلدين.

و"العودة الطوعية" هي عملية تعاون بين الطرفين السوري واللبناني، تُطبَّق بطرائق عدة وتتداخل فيها أطراف عدة، الطرف السوري قدّم تسوية وضع اللاجئين السوريين من مناطق معيّنة وقدّم تسهيلات للعودة إلى تلك المناطق، أغلبها شكلية فقط، فمنذ بداية عملية العودة سُجلت حالات اعتقال تعسفي واختفاء قسري للعائدين في سوريا ووثقت جهات عدة، منها منظمة العفو الدولية، حالات الانتهاكات الحاصلة في حق العائدين إلى سوريا في تقريرها الصادر عام 2021 بعنوان "أنت ذاهب إلى الموت". بينما تلعب في الجهة اللبنانية أطراف عدة بهذه العملية، وأحياناً قد تدخل أحزاب ومجموعات صغيرة ضمن آلية عمليات العودة في لبنان حيث يكون اللاجئون السوريون وقود خلافات بين جهات لبنانية متعددة.

ويعيش اللاجئون وضعاً متردياً، خاصةً بعد الأزمة والانهيار الاقتصادي في لبنان، حيث بدأت وتيرة العنف تجاههم تتزايد يوماً بعد يوم، ومنذ بداية قضية العودة الطوعية وما قبل الحملة التي نشهدها اليوم، مورست بحق اللاجئين سياسة ترهيب تعتمد على وضعهم الاقتصادي والاجتماعي والقانوني، حيث يُجبر بعضهم على تسجيل أسمائهم في قوائم التسوية تخوفاً من الترحيل، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والتشديد حول عمل السوريين، الذي يصل في بعض الأوقات إلى اعتقال البعض وإغلاق محال آخرين، واستصدار قوانين تحدد عدد العمال السوريين مقابل اللبنانيين.

"لقد دخل أشخاص متنفذون جدد على العمل، ولهذا لا أعمل في تهريب البشر كثيراً، فهي عملية لها أهلها ومحفوفة بالمخاطر. بعد الحرب في سوريا أصبحت العملية تتبع بشكل رئيسي للمتنفذين"

أما بالنسبة إلى الإقامة النظامية، فهي إشكالية موجودة ودائمة في لبنان، فبعض الإقامات من المستحيل استصدارها، وصدر قرار مجلس الدفاع الأعلى القاضي بترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان بطريقة غير قانونية بعد تاريخ 24 نيسان/ أبريل 2019، وقد طُبّق هذا القرار مرات عدة، وهو الذريعة التي تستخدمها الحكومة اللبنانية اليوم لتبرير عمليات الترحيل، برغم أنه وبحسب رصد وإحصائيات عدد من المؤسسات ومن خلال مقابلات مع شهود، أكدوا أن من المرحلين من لا ينطبق عليه هذا القرار، ولا تنتهي دائرة العنف الذي يتعرض له هؤلاء بل تتزايد إلى أن وصلت إلى طلاب المدارس، حيث منعت وزارة التربية الطلاب السوريين عام 2021، من تقديم الامتحانات للشهادتين الإعدادية والثانوية إلا في حال امتلاك الطالب إقامةً شرعية.

وتعددت التصريحات الرسمية التي تتناول موضوع الترحيل والحملة التي يقوم بها الجيش، ففي 2 أيار/ مايو الماضي، أصدرت وزارة الداخلية قراراً تطلب خلاله من المحافظين الإيعاز إلى البلديات والمخاتير بإطلاق حملة مسح وطنية لتعداد اللاجئين وتسجيلهم، بهدف ضبط عملهم وتحديد وجودهم القانوني، وبرغم التوصيات الحقوقية، أعلنت مديرية الأمن العام اللبناني أنها تستأنف خطة العودة الطوعية في 4 أيار/ مايو الماضي، عبر تسوية أوضاع اللاجئين الراغبين في العودة عند المراكز الحدودية.

وفي 23 أيار/ مايو، أعلن وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، خلال لقاء حواري في الجمعية الإيطالية للمنظمات الدولية في روما، أن "السوريين في لبنان لا تنطبق عليهم صفة اللاجئين السياسيين فمعظمهم موجودون في لبنان لأسباب اقتصادية"، وأن "في لبنان مليوني سوري، وهذا العدد يهدد تركيبة الكيان اللبناني الخاصة به، حيث كان هناك دائماً توازن بين المسيحيين والمسلمين الذين يشعرون بأنهم متساوون لا أفضلية لأحدهم على الآخر".

ومع هذه التصريحات وغيرها لا يزال مصير اللاجئين مهدداً بالخطر، ففي مقطع فيديو متداول في 23 أيار/ مايو الماضي، ناشد والد الضابط السوري المنشق الرائد ص. ن. س.، المقيم في عرسال البقاعية، المنظمات الأممية بهدف منع ترحيل ابنه إلى سوريا، بعد أن تم اعتقاله بداية الشهر في أثناء مراجعته مركز الأمن العام في بلدة اللبوة في البقاع بهدف إجراء تسوية لإقامته.

يتحدث مصطفى (اسم مستعار، 38 عاماً)، وهو لاجئ منشق عن الجيش منذ عام 2015، عن مخاوفه من الترحيل، ويقول: "لا تميز الحملة أي شخص، إن كانوا يريدون استهداف من يستطيع فعلاً العودة إلى سوريا، عليهم إجراء إحصاء ومسح شامل. يوجد العديد من أمثالي. نحن لا نستطيع حتى التفكير في العودة، فأنا محكوم عليّ بالاختفاء، حالياً أقضي وقتي متنقلاً وأخشى الاستقرار في المنزل تحسباً لأي مداهمة. لا أستطيع استصدار جواز سفر لأقوم بإجراء تسوية وضع بسبب كوني منشقّاً ولا أملك أوراقاً ثبوتيةً ولا توجد أي مؤسسة تدعمني حتى أستحصل على أوراقي. أحاول التواصل مع المفوضية بشكل يومي حتى أطالب بحق إعادة التوطين لي ولعائلتي ولكن لا جدوى حتى اليوم، كلنا نحيا في خطر".

من جهتها، لا تزال أم أبراهيم في انتظار حلّ لكي يعود إليها ابنها، حلّ يبدو أنه تأخر، فهي دخلت لبنان على أمل إعادة التوطين وكانت قد سجلت في المفوضية وتنتظر دراسة ملفها هي وأبنائها لاستكمال حياتهم في بلد ثانٍ بعد أن خسرت زوجها في الحرب، ونجت بنفسها وأبنائها، وتقول: "لا أعلم حالياً ما العمل. لقد خسرت ابني البكر. يوم اعتقاله اتصلت بالأمم وقالوا لي برغم أني وأبنائي مسجلون كلاجئين أنهم غير قادرين على فعل شيء وسيجعلون لجنةً مختصةً تتصل بي، وإلى اليوم لم تتصل هذه اللجنة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image