ثمة مؤشرات يطلقها النظام، تدلنا على أن المشهد الإيراني بعد الهدوء الحذر والنسبي الذي ساد البلاد عقب الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في نهاية العام الماضي، لا يختلف كثيراً عن ما سبقه من صراع شديد بين السلطة والشعب من أجل ملكية الجسد.
في كانون الأول/ديسمبر الماضي، شرح المدعي العام الشيخ محمد جعفر منتظري أن إلغاء عمل دوريات الحجاب "لا علاقه له بالقضاء"، فإنها قد ألغيت من قبل المصادر التي قامت بتأسيسها، ويعني بذلك "المجلس الأعلى للثورة الثقافية". أثارت تلك التصريحات التي اعتُبرت إعلاناً صريحاً عن إلغاء شرطة الحجاب ضجةً إعلامية في البلاد، فبين من رأها نتيجة ثمار الاحتجاجات ومحاولةً لاحتواء الأزمة من قبل السلطات، رأتها المعارضة خطواتٍ غير كافية، كما توجَّه البعض إلى التشكيك في الموضوع أصلاً.
ولكن وقعت سلسلة أحداث بعد تصريحات المدعي العام، يمكن فهمها أن حجاب المرأة بات هوية النظام الإسلامي الذي لا يستقيم دونه، ففي مدينة قم معقل رجال الدين الشيعة، نشرت وسائل إعلام محلية أن السلطات أعفت مدير مكتب مصرف من منصبه بعد تقديمه خدمات لامرأة دون غطاء الرأس.
في غضون ذلك أكد المجلس الأعلى للثورة الثقافية الإسلامية، في بيان ضرورة الإلتزام بالحجاب وأوصى المؤسسات الحكومية بما فيها الشرطة بمتابعة وظائفها تجاه ذلك لحفظ الشؤون الإسلامية في المجتمع
وفي مكان ليس ببعيد تم إغلاق مجمع تجاري في طريق العاصمة طهران كان يضم 700 موظف بسبب دخول فتيات غير محجبات إليه، حتى قامت هيئة الأمر بالمعروف بتنفيذ ورشات تدريبية لمدراء وموظفي المجمعات التجارية حول ضرورة الحجاب وإلزام رفع لافتات تشير إلى تقديم الخدمات حصراً لمن يضبطن حجابهن وفق القانون.
وفي مدينة يزْد وسط البلاد، نشرت وسائل إعلام حكومية خبراً عن خباز قام بطرد فتاة لم ترتد غطاء الرأس من أمام المخبز، فتسارعت بعض المحجبات الحكوميات على تقديم الشكر له وقلن إنه قد قام بتطبيق الشريعة.
قائد شرطة متشدد
وعين المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الجنرال أحمد رضا رادان، قائداً لقوى الأمن الداخلي في البلاد، ويشتهر رادان بآرائه المتطرفة تجاه الحجاب وتطبيق سلوك متشدد وغير إنساني تجاه الشباب في بداية العقد الأول من القرن الجاري، وذلك عندما كان نائب قائد شرطة البلاد، كما يعتبر أحد المتهمين الرئيسيين في قمع الحركة الخضراء (الاحتجاجات العارمة ضد ما وصف بالتزوير في الانتخابات الرئاسية عام 2009 والتي ضمنت ولاية ثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد).
وفرضت الولايات المتحدة على رادان عقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في عام 2010، كما أدرجه الاتحاد الأوروبي ضمن قائمة العقوبات عام 2011، وأفضت سمعته السيئة لدى المواطنين إلى عزله من منصبه، ليعود مجدداً في بداية عام 2023 لقيادة قوى الأمن الداخلي في قرار تم اتخاذه من جانب المرشد الأعلى علي خامنئي.
واتهم خامنئي في خطاب جماهيري في 9 كانون الثاني/يناير الجاري، "مثيري الشغب" (وهو اللقب الذي تطلقه السلطات على المحتجين) بـ"الخيانة" وطالب باستمرار مواجهتهم الصارمة.
تزامن هذا الخطاب مع إعدام اثنين من المحتجين بتهمة قتل أحد قوات الأمن، كما نشرت مواطنات على شبكات التواصل الاجتماعي، رسائل نصية كانت قد وصلتهن من الشرطة حول مخالفتهن قانون الحجاب الإلزامي أثناء قيادة السيارات، تحتوي على التذكير والتحذير من التكرار.
في غضون ذلك أكد المجلس الأعلى للثورة الثقافية الإسلامية، في بيان ضرورة الإلتزام بالحجاب وأوصى المؤسسات الحكومية بما فيها الشرطة بمتابعة وظائفها تجاه ذلك لحفظ الشؤون الإسلامية في المجتمع.
كما كشف نائب المدعي العام عبد الصمد خُرَّم آبادي عن صدور أوامر النيابة العامة للشرطة حول التعامل بحسم مع ما أسمته "خلع الحجاب" في عموم البلاد، وذلك يوم الثلاثاء 10 كانون الثاني/يناير.
وكتب: "قوات الشرطة ملزمة بتنفيذ ملاحظة مادة 638 من قانون العقوبات الإسلامية الذي يدل على احتجاز مرتكبي الجرائم الواضحة، وتسليمهم للقضاء بغية العقاب".
وأشار عبد الصمد إلى مكاتبة رئاسة السلطة القضائية مع رؤساء دوائر القضاة في المحافظات الإيرانية حول التخطيط بشكل عاجل لإصدار "عقاب مانع" بحق كل امرأة لا ترتدي غطاء الرأس.
"طالما الجمهورية الإسلامية قائمة، فدوريات شرطة الحجاب باقية، مع إمكان تغيير عنوانها وغلافها ولونها فقط. الحجاب الإلزامي هو رمز استيلاء النظام ولم تتنازل السلطات عنه ذرة واحدة"
وقال: "عقوبة جريمة خلع الحجاب وفق ملاحظة مادة 638 هي السجن من 10 أيام إلى شهرين، ولكن بإمكان المحاكم أن تصدر أحكاماً بعقوبات ثانوية وتكميلية إضافة إلى الغرامة المالية، تتمثل بالنفي إلى مدينة أخرى والمنع من مغادرة البلد، وحظر التوظيف في وظيفة معينة، والانفصال عن الخدمات الحكومية والعامة، وإرغام المتهمين/ات بتنفيذ خدمات عامة بالمجان، وكذلك مصادرة المعدات الدخيلة في ارتكاب الجريمة (مثل إغلاق المتاجر أو توقيف السيارات أو توقيف وسيلة إعلامية)، وإلخ".
وعن من يحث على "خلع الحجاب" صرح نائب المدعي العام: "من يشجع على إزالة الحجاب وهو بمثابة الحث على الفسق والفجور، تكون عقوبته أشد ممن قام بفعل ذلك، وعقوبته وفقاً للفقرة (باء) من مادة 639 من قانون العقوبات الإسلامية تتمثل بالسجن من فترة سنة حتى عشر سنوات".
"الحجاب الإلزامي رمز استيلاء النظام"
ليس غريباً أن يتم توجيه عقوبة التشجيع على الفسق والفجور لفتاة لم تخضع لقانون فرض الحجاب وأرادت أن تهب شعرها للريح في شوارع إيران؛ وقد ندّد الباحثون والأكاديميون ورواد منصات التواصل بالقرار الصارم الذي أعلنت عنه النيابة العامة.
"شاهدت دوريات الحجاب في ساحة ولي عصر (طهران) الرسالةَ، وهي: يستحيل علينا اتخاذ أي إجراءات تصحيحية، حتى لو كان ذلك على حساب قتل الشباب، من أنصارنا كانوا أو معارضينا"، هكذا غردت الناشطة الاجتماعية مَهدِيس بَربَانتشي.
وأعاد الباحث التاريخي حسين دِهبَاشي، تغريدة قديمة له كان قد كتب: "طالما الجمهورية الإسلامية قائمة، فدوريات شرطة الحجاب باقية، مع إمكان تغيير عنوانها وغلافها ولونها فقط. الحجاب الإلزامي هو رمز استيلاء النظام ولم تتنازل السلطات عنه ذرة واحدة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين