"بنرددها جيل ورا جيل بنعاديك يا إسرائيل"
من هتافات التظاهرات المصرية الرافضة لتصدير الغاز المصري لإسرائيل 2006
صباح يوم عادي، استيقظت على خبر اشتباك جندي مصري مع عناصر من الجيش الإسرائيلي، قتل منهم ثلاثة وأصاب ثلاثة آخرين قبل استشهاده.
كلمة استشهاد لم تستخدم في أي بيان رسمي في الجانب المصري، ولا حتى في وسائل الإعلام المصرية أو العربية، وإنما اعتمدتها ألسنة من تداولوا الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي.
ما لفت نظري في الخبر ليس محتواه، فحتى انتصاف يوم الثالث من حزيران/ يونيو، يوم العملية، لم تكن هناك أي رواية تفسر ما جرى، وحتى هذه اللحظة لم تنشر السلطات الرسمية في مصر صورة واحدة للجندي المصري، أو حتى اسمه، وظل المصدر هو وسائل الإعلام الإسرائيلية التي كشفت عن اسمه "محمد صلاح إبراهيم" وصورته، وتولى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في مصر كشف باقي التفاصيل، بدافع من فخرهم بالجندي الشهيد وما فعله، منذ نشر الرواية الرسمية للسلطات المصرية التي قالت إن الجندي اقتحم الحدود في اشتباك مع مهربي مخدرات.
الاحتفاء لم يكن مبرره تفاصيل ما جرى، وإنما فقط العداء مع إسرائيل، وأن القتلى من جنود الاحتلال، هكذا فقط دون أي تفاصيل أخرى، مجرد أن الطرف الآخر في الاشتباك كان جنوداً ينتمون لدولة ظنت أنها تستطيع أن تطبع علاقاتها مع جيران فُطِموا على أنها العدو، وأن اتفاقية السلام بيننا وبينهم هي مجرد ورق.
"المصريون لم يتربوا على السلام مع إسرائيل، لذلك سيخرج من وقت لآخر علينا نشاط مسلح من جهة هذا الحليف"
عاموس يادلين
رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق.
كنت طفلة صغيرة متعلقة بجدها الذي نال شرف القتال في حرب فلسطين 1948، كانت متعته الوحيدة هي أن يروي لي حكايات الحرب. مع الوقت تربي في داخلي أن إسرائيل هي العدو، وأن بيننا وبينها دم وثأر لن ينتهيا حتى وإن كانت سياسة الدولة الرسمية غير ذلك.
لم نتربَّ على السلام مع إسرائيل، وفي ظني الحسنة الوحيدة التي يمكن ذكرها لنظام مبارك هي أنه حافظ على مستويين من التعامل مع إسرائيل، الأول الرسمي الذي تمثله الدولة المرتبطة باتفاقيات سلام مع "الدولة العبرية"، والثاني المستوى الشعبي الذي لا يعترف بتلك الاتفاقيات
حين انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أيلول/ سبتمبر 2000، كنت في الصف الثالث الإعدادي، رأيت محمد الدرة يموت إلى جوار والده، كانت فرصة مشاهدة الفضائيات في ذلك الوقت مقتصرة على أصحاب الاشتراكات، وكان التليفزيون المصري يقطع بثه ليذيع نبأ عملية استشهادية في القدس، علقت في غرفتي صور وفاء إدريس وآيات الأخرس. وفي الوقت الذي كان نظام مبارك يصرح بضرورة ضبط النفس كان الشارع يغلي ضد ما يجري في فلسطين. وفي الصف الأول الثانوي خرجت في أول مظاهرة نظمتها وصديقاتي.
نعم لم نتربَّ على السلام مع إسرائيل، وأعتقد أن جيلي لن يربي أبناءه على أن إسرئيل "دولة صديقة". وفي ظني فالحسنة الوحيدة التي يمكن ذكرها لنظام مبارك هي أنه حافظ على مستويين من التعامل مع إسرائيل، الأول الرسمي الذي تمثله الدولة المرتبطة باتفاقيات سلام مع "الدولة العبرية"، والثاني المستوى الشعبي الذي لا يعترف بتلك الاتفاقيات، ويضع نصب عينيه تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على السيادة الوطنية المصرية، وعلى الأراضي العربية في فلسطين، وسط إيمان شعبي عام بأن اتفاقيات السلام الرسمية هي أوراق وقعت عن دون رغبة ودعم شعبي لرئيس سابق. ولا يزال يكفي فقط لتشويه أي حراك أو شخص بأنه "صاحب علاقات مع الكيان الصهيوني".
“what is Israel? It’s only Palestine”
مشجع عربي… رداً على مراسل إسرائيلي في مسابقات كأس العالم المقامة في قطر
جاء كأس العالم 2022 في قطر بعد توقيع عدة اتفاقيات سلام بين دول الخليج وإسرائيل، وظهور العديد من المواطنين الإسرائيليين في الإمارات، وافتتاحهم للمشروعات السياحية والتجارية، بل وظهرت صورة للممثل المصري محمد رمضان مع شخص إسرائيلي يستمتعان بوقتهما على أنغام أغنية إسرائيلية شهيرة، الصورة التي بررها رمضان الشهير بـ"نمبر وان" بأنه لم يسأل المعجب عن جنسيته، إلا أن الصورة ساهمت في التأثير السلبي على شعبيته الواسعة بشكل ظهر في عدد مشاهدات مسلسليه التاليين: "موسي" و"المشوار".
حين أنجبت ابنتي لم احتر كثيراً لاختيار أغنية النوم لها، فوقع اختياري على تهليلة "يا ستي" من التراث الفلسطيني، بصوت ريم بنا، كان اختياري واعياً لربط ابنتي بقضية فلسطين
توقعت إسرائيل أنها ستستطيع أن تحقق إنجازاً دعائياً واقتصادياً من خلال إظهار تطبيع علاقتها مع العرب، لكن تعامل المشجعين العرب خلال كأس العالم في قطر كان تأكيد إضافي بأن العدو ما زال عدواً، المتجسد بأولئك الذين حرصوا على مقاطعة الإعلام الإسرائيلي، والهتاف باسم فلسطين في مواجهة ممثليه، وفي أعلام فلسطين التي حضرت بقوة في المدرجات رغم عدم حضور مندوبيها، فأصبحت اتفاقيات كامب ديفيد واوسلو و"وادي عربة" و"أبراهام" مجرد ورق.
"نحن نربي أجيال"
محمد أبو تريكة، بعد رفضه مشاركة في مباراة ودية مع نجوم العالم، لمشاركة لاعب إسرائيلي
حين أنجبت ابنتي لم احتر كثيراً لاختيار أغنية النوم لها، فوقع اختياري على تهليلة "يا ستي" من التراث الفلسطيني، بصوت ريم بنا، كان اختياري واعياً لربط ابنتي بقضية فلسطين.
بعد سنوات حرص والدها على أن تشاهد معه مسلسل "رأفت الهجان" وفي كل مرة، يجلس معها ليروي لها أن ما بيننا وبين إسرائيل ليس سلاماً بل ثأر لا يهدأ ودم يتجدد سيلانه على الأرض العربية كل يوم.
وفي ذكرى السادس من أكتوبر، يجلسان سوياً ليشاهدا أفلام الحرب، ويروي لها كيف قتل الإسرائيليون جنودنا الأسرى، وكيف يرتكبون المذابح يومياً في حق الشعب الفلسطيني، وحين علم أنني سأقوم بإجراء لقاء مع إحدى فرق الدبكة الفلسطينية طلب مني للمرة الأولي أن اصطحبها معي للعمل.
"صوتك نشان طالع يقول موجود... يا أسمر يا أبو عيون سود… فكيت طلاسم سحرنا المرصود... وعدلت وش الزمن"
الابنودي عن سليمان خاطر
مات سليمان خاطر قبل 37 عاماً، لكنه حضر من قبره بقوة أمس على مواقع التواصل الاجتماعي، فالجندي الأسمر الذي قتل 7 إسرائيليين دخلوا لمنطقة محظورة، وقُتِل منتحراً في محبسه، وسط اتهامات بالاضطراب النفسي، كان رمزاً لكل رافضي التطبيع.
يتشابه جندي الأمس المرجح أن اسمه محمد صلاح إبراهيم مع خاطر، فالاثنان مجندان، الاثنان يمثلان المزاج الشعبي المصري الرافض لوهم سلام لا يوجد ما يدعمه على أرض الواقع، الاثنان احتفى بهما المصريون. قد لا يكون جندي الأمس أكثر من شاب بسيط مثل سليمان، وسعد ادريس حلاوة الذي احتل الجمعية الزراعية بالقنابل رفضاً لتوقيع ورقة اتفاقية السلام. قد لا نتأكد من اسمه أو صورته، لكن مواقع التواصل الاجتماعي كلها اتفقت على أنه قد منحنا شرفاً نرجو أن نستحقه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...