شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
استعادة أمجاد

استعادة أمجاد "الحزب الوطني"... "البلطجة" تواجه الديمقراطية في نقابة المهندسين المصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"صباح الخيرات... لم نتركها أمس وبلغنا الأمن، وحضر حتى حكمدار العاصمة فى وجود مجموعة من المهندسين وأثبتنا حالة وجمعنا كل الأوراق وحرزناها"، نشرت المهندسة المصرية عزة إبراهيم تلك الكلمات مصحوبة بصور تبين صناديق حوت أوراق التصويت التي كانت نتيجة فرزها غير المعلنة رسمياً هي الرفض الكاسح لطرح سحب الثقة من النقيب المنتخب طارق النبراوي والتمسك به على رأس مجلس نقابتهم.

الصورة من حساب المهندسة عزة ابراهيم

لم يكن أمس الثلاثاء 30 مايو/آيار 2023، يوماً عادياً في نقابة المهندسين المصرية، التي اجتمع فيها أكثر من 24 ألف مهندس في جمعية عمومية لم تشهدها النقابة مثلها منذ سنوات، للتصويت على بند وحيد، هو سحب الثقة من النقيب طارق النبراوي.

 لم ينته اليوم بإعلان النتيجة بـ"نعم أو لا"، فكانت العملية الديمقراطية تصارع بلطجية، يرجح النقيب وحشود من أعضاء النقابة استئجارهم من قبل قيادات في حزب "مستقبل وطن" الذي يحتل موقع حزب الأغلبية المعبر عن السلطات المصرية، والوريث المؤكد للحزب الوطني المنحل في عقاب ثورة 25 يناير.

دخل البلطجية إلى أروقة النقابة بعد فرز الأصوات التي أظهرت تجديد الثقة في النقيب بأغلبية كاسحة، وتظهر المقاطع المصورة التي نشرها كثير من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة المهندسين اعتداء البلاطجة على أعضاء الجمعية العمومية وكذلك تعمدهم تدمير الصناديق وبعثرة أوراق الاقتراع، ما أدى إلى انسحاب اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات قبل إعلان النتيجة رسمياً، في سيناريو شبيه بما كانت تعمد إليه السلطات المصرية في انتخابات النقابات خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك عندما يفشل قيادات الحزب الوطني الديمقراطي في السيطرة على مجالس النقابات، وتمهيداً لوضع تلك النقابات تحت الحراسة. وهو ما شهدته نقابة المهندسين نفسها من قبل.

الصورة من حساب الصحافي المصري عمرو بدر


واجهت نقابة المهندسين المصرية سيناريو شبيه بما كانت تعمد إليه السلطات في انتخابات النقابات خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، عندما يفشل قيادات "الحزب الوطني" في السيطرة على مجالس النقابات، وتمهيداً لوضع تلك النقابات تحت الحراسة، وهو ما شهدته النقابة نفسها من قبل

تمهيد طويل الأجل

ما حدث بالأمس، لم يكن وليد اللحظة، إذ كانت هناك إرهاصات عدة مهدت له، بدأت مع انتخاب النقيب المستقل طارق النبراوي، المناضل من أجل استقلال النقابة المهنية، في مارس/آذار 2022، بدلاً من مرشحي الدولة: النقيب الأسبق هاني ضاحي، وزير النقل الأسبق، ومن قبله المهندس أحمد عثمان، عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن. حينها بدأت معركة داخلية بين النبراوي ومجلس النقابة وأمانتها وهيئة المكتب التي سيطرت عليها قائمة "الجمهورية الجديدة" التي تضم أعضاء حزب مستقبل وطن، القريب من السلطة والذي يعد تجسيداً للحزب الوطني الذي سيطر على العمل السياسي والنقابي قبل أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، فوجد النقيب نفسه محاطاً بمجلس غير متفاهم معه لاختلاف أهداف كل منهما.

توالت الأحداث منذ مارس/ آذار 2022، لتشهد النقابة مناوشات بين النقيب العام وأعضاء المجلس، تحوّلت إلى صراع وجود. 

ما حدث بالأمس، لم يكن وليد اللحظة، إذ كانت هناك إرهاصات عدة مهدت له، بدأت مع انتخاب النقيب المستقل طارق النبراوي، المناضل من أجل استقلال النقابة المهنية

تجسد هذا الصراع أثناء الجمعية العمومية العادية التي عقدت بتاريخ 6 مارس/ آذار 2023، عندما فوجئ النقيب بعدم إدراج عدة ملفات شائكة كان قد اتفق عليها مع المجلس الأعلى لنقابة المهندسين، بجدول الجمعية العمومية لأخذ التصويت عليها، فقام هو بطرحها للتصويت.

ومن أبرز هذه الملفات، التعليم الهندسي، إذ يعاني قطاع الهندسة من انتشار المعاهد الهندسية الخاصة التي تقبل طلاباً غير مستوفين لشروط دراسة الهندسة، ما يقلل جودة المنتج النهائي لكليات الهندسة وهو المهندس، ومع طرح هذه القضية للتصويت، وافقت الجمعية العمومية على تحديد عدد الملتحقين بالتعليم الهندسي بـ25 ألف طالب سنوياً في جميع كليات ومعاهد الهندسة العليا في مصر.

أما الملف الشائك الثاني، فهو ملف الشركات التي تساهم فيها نقابة المهندسين، منها "يوتن" للدهانات"، و"المهندس" للتأمين، وكان النبراوي يدعم مبدأ عدم تولي أعضاء المجلس المنتخبين عضوية مجالس إدارة تلك الشركات، والدفع بذوي الخبرة من أعضاء النقابة لتمثيلها، وذلك حتى يمكن محاسبتهم والاستغناء عنهم في حال التقصير، كذلك لعدم الإخلال بمبدأ فصل الملكية عن الإدارة ومنعا لتضارب المصالح.


ووفقاً لرئيس لجنة الشباب بنقابة المهندسين بقنا، محمد عسران، فإن أعضاء مجلس النقابة من المنتمين لحزب مستقبل وطن، طرحوا فكرة بيع نصيب النقابة في الشركات التي تشارك فيها وتحديداً شركة "يوتن"، وكان مبررهم توفير المواد الخام بعد الأزمة الدولارية، وروجوا لعرض دولاري لنسبة النقابة في الشركات، لكن بعد طرح النقيب هذه القضية بالجمعية العمومية، كان التصويت لصالح عدم بيع أصول النقابة.

إلى ذلك، صوتت الجمعية العمومية على قرارات أخرى تضمنت الموافقة على تغيير الأمانة العامة للنقابة والتي تضم (الأمين العام- الأمين العام المساعد) وتكليف المجلس باختيار أمانة جديدة، كما كلفت الجمعية النقيب بإعادة تشكيل اللجان النقابية لتفعيلها وضمان مشاركة جميع المهندسين، وعقد جمعية عمومية غير عادية في 2 يونيو/ حزيران لمتابعة تنفيذ القرارات. 

بينما أشارت مؤشرات النتيجة إلى أنها محسومة لصالح الإبقاء على المهندس طارق النبراوي، نقيباً للمهندسين؛ اقتحم بلطجية مقر النقابة ودمروا صناديق الاقتراع ونثروا الأوراق على الأرض

لكن هذه القرارات لم تَرِق بعض أعضاء مجلس النقابة والجمعية العمومية، الذين يتخذون الصف المناهض للنقيب، فأعلنوا اعتراضهم بدعوى أن نقيب المهندسين أضاف بنوداً لجدول أعمال الجمعية العمومية وفق رأيه، كما رفع بعضهم دعوى أمام القضاء الإداري، قضت في 30 أبريل/ نيسان بوقف قرارات الجمعية العمومية للمهندسين في 6 مارس/ آذار.

بعد ذلك ظهرت دعاوى أخرى، يقودها أعضاء مجلس النقابة المحسوبين على حزب مستقبل وطن، لسحب الثقة من نقيب المهندسين وتحدد لها موعداً، أمس الثلاثاء، وبينما أشارت مؤشرات النتيجة لصالح الإبقاء على المهندس طارق النبراوي، نقيباً للمهندسين، بالأغلبية، اقتحم بلطجية مقر النقابة ودمروا صناديق الاقتراع ونثروا الأوراق على الأرض.

الصورة: ِمن حساب الصحافي المصري عمرو بدر

تبادل اتهامات

كانت وسائل التواصل الاجتماعي، أمس الثلاثاء مسرحاً لعرض ما يحدث بنقابة المهندسين، إذ وثق أعضاء النقابة وعلى رأسهم النقيب طارق النبراوي، ما وقع بالجمعية العمومية غير العادية بالصور والفيديو على صفحاتهم الشخصية، ومع الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، أصدر نقيب المهندسين، بياناً يشرح فيه تفاصيل ما حدث، متهماً حزب مستقبل وطن بإقحام بلطجيته لمقر النقابة لتعطيل العملية الديمقراطية وموجهاً رسالة لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي.

وقال النبراوي إن اليوم بدأ بشكل ديمقراطي، بحضور 24 ألف مهندس للتصويت على مطلب سحب الثقة من النقيب، وكان المشهد رائعاً رغم الزحام وحرارة الجو وتعطل بعض الإجراءات، وبعد انتهاء التصويت أظهر فرز اللجان الانتخابية الـ40، رفض نحو 90% من المصوتين سحب الثقة من النقيب، لكن قبل إعلان النتيجة اقتحم بلطجية من حزب مستقبل وطن مقر النقابة، بتواطؤ واضح مع الأمين العام والأمين العام المساعد وأمين الصندوق المساعد وآخرين، رافضين للنتيجة التي أظهرت ضعف قدرتهم على التأثير ورفض المهندسين لهم، ودمر هؤلاء البلطجية نتائج الجمعية العمومية وأحدثوا إصابات بالأسلحة البيضاء.

الصورة منقولة عن حساب الصحافي المصري عمرو بدر

وأعلن نقيب المهندسين أنه حرر محضراً بقسم ثاني مدينة نصر، ضد كل المسؤولين الذين تسببوا في الإساءة للديمقراطية وحق النقابة المهندسين في أخذ قراراتها، مشيراً إلى أنه سيتخذ كل الإجراءات القانونية ضد المتسببين.

وتقدم النبراوي بعدة مطالب لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي كالتالي: ضرورة إعلان نتيجة الجمعية العمومية التي تم إثباتها درءاً للخلافات، فتح تحقيق سريع وحاسم ضد كل من تسبب في هذا وعلى رأسه المهندسون الثلاثة من أعضاء المجلس وحزب مستقبل وطن الذي أساء للتجربة الديمقراطية والحوار الوطني في مصر، تقديم الجناة الذين اقترفوا هذا الفعل الشنيع إلى الجهات القضائية ليقتص منهم القضاء المصري العادل جزاء ما فعلوا.

ووعد النقيب بالاستمرار في الدفاع عن نقابة المهندسين ومحاسبة كل من تسول له نفسه الإساءة إلى الوطن وإلى النقابة.

في المقابل، أصدر مجلس نقابة المهندسين، عبر صفحة النقابة -التي قرر نقيب المهندسين تجميدها واعتبارها غير معبرة عن النقابة بعد سيطرة أعضاء هيئة مكتب النقابة المقالين بقرارات جمعية 6 مارس/ آذار عليها- بياناً يدين فيه الأحداث المؤسفة التي شهدتها الجمعية العمومية غير العادية التي عقدت أمس 30 مايو/ آيار، ويلقي بالمسؤولية عن الاعتداءات واستقدام البلطجية على النقيب العام وأنصاره، متهماً إياه بـ"محاولاته المستمرة لفرض رأيه بالقوة واختطاف مؤسسة من أعرض وأسمى مؤسسات الوطن الغالي".

وأهابت كتلة المجلس المشكلة من قيادات بحزب مستقبل وطن بجميع المهندسين "في تلك الظروف العصيبة، التوحد والاصطفاف في ظل تربص قوى الشر في الداخل والخارج"، مؤكداً أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد النقيب العام وأنصاره لما بدر منهم من تصرفات لا تليق بنقابة المهندسين العريقة. اللافت أن كتلة المجلس التي تدعو المهندسين للتوحد ضد النقيب عمدت إلي عدم السماح للمهندسين بالتعليق على بيانها ودعوتها، ما دعا ما يزيد على 10 آلاف شخص معظمهم من اعضاء الجمعية العمومية الجمعية العمومية لنقابة المهندسين لوضع التعابير الساخرة والغاضبة على البيان ومشاركته مصحوباً بكتابة تعليقاتهم الساخرة والغاضبة أيضاً على صفحاتهم الشخصية.

وكان هناك اتهامات متبادلة أخرى منذ بداية يوم التصويت، إذ اتهم أعضاء النقابة الموالين للنقيب، المجلس بحشد المهندسين من الهيئات الحكومية وعلى رأسها هيئة الأبنية التعيلمية والكهرباء والإسكان للتصويت لسحب الثقة من النبراوي، بينما ظهرت اتهامات أخرى للنقابات الفرعية الموالية للنقيب تؤكد حشده مهندسين من خلال توفير حافلات للتوصيل لمقر التصويت.

تضامن واستقالات

بعد الأحداث التي شهدتها نقابة المهندسين، أعلنت مجموعة من أعضاء مجلس النقابة استقالتهم من مناصبهم، أبرزهم اللواء محمود عرفات، نائب وزير الإنتاج الحربي، والمهندس جمال المهدي، عضو مجلس الشورى ونقيب المهندسين بالقليوبية، من عضوية المجلس الأعلى للنقابة، إضافة للمهندس محمد مرسي عضو مجلس نقابة المهندسين ببني سويف.

في المقابل، أعلن بعض أعضاء النقابات الفرعية دعمهم لنقيب المهندسين، ومن بينهم نقيب مهندسي الشرقية، أما النائبة مها عبد الناصر، العضوة مجلس النواب، والعضوة في الجمعية العمومية للنقابة، نشرت فيديو يتضمن واقعة تعطي البلطجية على الأعضاء خلال الجمعية العمومية، متهمة "شلة المنتفعين" بتدمير العملية الديمقراطية، متوجهة بلاغ للنائب العام والأجهزة الرقابية.

فيما انتشر بيان بعنوان "بيان قوى الحوار الوطني بخصوص الحشد بالوزارات والهيئات"، وقعت عليه قائمة من الشخصيات العامة تضم أعضاء مجلس نواب وشيوخ وصحافيين ومقررين بالحوار الوطني، يؤكدون فيه رفضهم التام لأي محاولات لفرض السيطرة الحكومية على النقابات وتغيير إرادة الناخبين في أي مجتمع أهلي باستخدام أساليب وإجراءات استثنائية، وكذلك استغلال المسؤولين الحكوميين الذين وصلوا لمواقع نقابية بطرق معروفة للجميع، لمناصبهم الحكومية في حشد الأصوات وإرهاب المتعاملين أو المنتمين لتلك الجهات بشكل معين وهو ما حدث في حالة نقابة المهندسين، في هيئة الأبنية التعليمية ووزارة الإسكان والكهرباء.

وطالب البيان بوضع حد لهذه التدخلات، خاصة أنه يجري في الوقت الحالي حوار وطني يسعى لمعالجة هذه الملفات ويعد ذلك اختباراً حقيقياً له.

مصير قرارت جميعة 6 مارس

وينتظر المهندسون، بعد تجديد الثقة في نقيبهم، تنفيذ قرارت الجمعية العمومية التي عقدت في 6 مارس/ آذار، إلا أن أمين صندوق النقابة محمد ناصر قال لرصيف22 إن جمعية الأمس كان هدفها فقط سحب أو تجديد الثقة في المهندس طارق النبراوي نقيب المهندسين، إلا أن تنفيذ قرارات الجمعية العمومية مرهونة بحكم قضائي.

وأوضح ناصر أن الحكم الذي صدر بوقف تنفيذ قرارات الجمعية العمومية أصدرته محكمة القضاء الإداري في شقه المستعجل، وسوف يتم تحويل الأمر لهيئة المفوضين، وتقديم تقرير بشأن تلك القرارات، التي لن تنفذ إلا بعد صدور حكم محكمة بالتنفيذ.

وأشار إلى أن نقيب المهندسين في الفترة المقبلة سيتابع إجراءات استصدار حكم قضائي بتنفيذ القرارات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard