شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"انخفض الإنتاج إلى النصف بسبب قلة الأمطار"... الفراولة الجزائرية ثروة تقاوم الجفاف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 4 يونيو 202312:40 م

إن مررت هذه الأيام بجوار الحقول الشاسعة الواقعة بأعالي جبال بلدة تمالوس في محافظة سكيكدة الجزائرية، ستستمع برؤية حقول الفراولة الحمراء. إنه موسم الجني الذي تشتهر به المحافظة، التي تعتبر من أشهر المناطق المنتجة لأجود أنواع هذه الفاكهة، إذ تربعت على عرش أفضل فراولة عالمياً من بين 37 دولة في معرض دولي استضافته هولندا عام 2021.

ورغم برودة الطقس ونزول الأمطار بين الحين والآخر لا سيما هذه الأيام، وصعوبة الوصول إلى المرتفعات الجبلية سيراً على الأقدام، إلا أن ذلك لا يمنع أهالي قرية تمالوس رجالاً ونساءً من الخروج صباحاً إلى الحقول التي تبعد حوالى 4 كلم عن القرية، فكل المصاعب تهون عند رؤيتهم لذلك البساط الأحمر الذي يزين مروج البلدة ويرسم لوحة يعجز الرسام عن زخرفتها.

ما ينغّص فرحة مزارعي الفراولة في الجزائر هو تراجع الإنتاج بسبب التغييرات المناخية ونقص الدعم وضعف التسويق.

وتحتاج عملية جني المحصول إلى جهد كبير، إذ يفضل القطف خلال الفترة الصباحية مع مراعاة رطوبة ثمار الفراولة، وذلك لعدم تعفن الثمار الناضجة، على أن توضع مباشرة في الثلاجة في درجة حرارة 1 أو 2 مئوية، مع تفادي غسلها بعد قطفها، وتصل مدة صلاحية الفراولة إلى أسبوع فقط بعد حصادها وقبل تناولها.

بركة الأرض والوطن

ينظر الأهالي في القرية إلى فاكهة الفراولة باعتبارها بركة أرضهم وحياتهم وحتى وطنهم، ويؤمنون بأنها تحمل لهم الخير والأمل بمستقبل زاهر وواعد، لا سيما أن البلدة تستحوذ وطنياً على حصة الأسد من المساحات المزروعة والإنتاج الخاص بهذه الفاكهة.

ففي 2016، تُوج شباب من البلدة بالجائزة الأولى لأحسن منتج خلال مسابقة أقيمت بمناسبة عيد الفراولة، شهدت مشاركة أكثر من 50 منتجاً من كل مناطق محافظة سكيكدة، وحققت المنطقة في تلك الفترة إنتاجاً يتجاوز 22 ألف قنطار على مساحة تقدر بـ 298 هكتاراً، نالت منها بلدة تمالوس حصة الأسد بـ 130 هكتاراً.

و"المكركبة" هي تسمية الفراولة السكيكدية (نسبة إلى محافظة سكيكدة)، تزرع في المرتفعات وسفوح الجبال، يعرف عنها أنها فراولة طبيعية ذات مذاق ساحر ورائحة زكية.

ومع حلول فصل الربيع من كل عام تحتضن مدينة جيجل الساحلية شرقاً، مهرجاناً ضخماً لعيد الفراولة مع نهاية نيسان/ أبريل، بينما تكرم مدنية سكيكدة هذه الفاكهة بمهرجان ينظم مع نهاية أيار/ مايو.

ولهذه المهرجانات طقوس وتقاليد خاصة لا تختلف عن مهرجان تقطير الزهر والورود المقام حالياً في عاصمة الجسور المعلقة قسنطينة، من خلال الاستعراضات الفلكلورية التي تنثر الفرح وألوان الفن الشعبي في سماء المدينتين، إضافة إلى مسيرات استعراضية تجوب الشوارع الرئيسية، تسرد مختلف العصور التاريخية التي مرت بها المدينتان، إضافة إلى مسابقات في الطبخ وإعداد الحلويات، وفرق موسيقية تحاكي مختلف الأنماط مثل الموسيقى الأندلسية والشعبي والراي، والموسيقى القبائلية والقناوي والشاوية.

بالرغم من أن فراولة المكركبة هي من بين أجود أنواع الفراولة المنتجة محلياً، وذاع صيتها حدود البلاد، غير أن ملف التوسيم الخاص بها وإعطائها علامة تجارية رسمية يسير بوتيرة جد بطيئة، أثرت بشكل كبير على العائلات التي تعتبر هذه الفاكهة مصدر الرزق الوحيد

تراجع الإنتاج

لكن هناك ما ينغص فرحة الأهالي في المدينتين هو تراجع الإنتاج بسبب التغييرات المناخية ونقص الدعم للفلاحين وضعف التسويق. تقول سامية حداد أمينة مال جمعية منتجي الفراولة في محافظة سكيكدة إن "الجفاف أثر بشكل كبير على الإنتاج لا سيما من حيث النوع".

وتشرح ما حدث وأسباب تراجع الإنتاج في السنوات الأخيرة لا سيما العام الحالي: "قبل السنوات العشر الأخيرة كانت كمية الإنتاج تراوح بين 5 و6 قنطار في اليوم الواحد، لكن اليوم وبعد أن أصبح التغير المناخي أشد وطأة، لم تعد كمية الإنتاج تتجاوز قنطاراً واحداً في اليوم".

وحسبما أوضحت المتحدثة فإن "إنتاج هذا الموسم تراجع بحوالى 50 بالمائة مقارنة بالموسم الماضي، كما أن المساحات المزروعة بفاكهة الفراولة تقلصت مقارنة بالموسم الماضي، لأن توفير المياه يتطلب أموالاً باهظة".

وتتابع: "الجفاف كان أشد وطأة في كانون الثاني/ يناير، وهو ما تسبب في ذبول وجفاف الأوراق الخارجية عند الحواف في بعض المستثمرات الفلاحية، ومعلوم أن نبتة الفراولة تستهلك كميات كبيرة من الماء وبالتالي تكون احتياجاتها من الرطوبة كبيرة جداً، وهذا النبات لا يتحمل الجفاف خلال مرحلتي الإزهار والإثمار، وإذا تعرض له فهذا سيؤدي إلى تقليص فترة الإزهار وتعجيل الثمار قبل موعدها المحدد للنضج، مما يؤدي إلى انخفاض قيمتها".

وشهدت المواسم الماضية معدلات إنتاج متفاوتة في ولاية سكيكدة حسب كميات هطول الأمطار ومستويات الجفاف، تراوحت بين 13 و27 ألف قنطار.

ضرورة تطوير الصناعات التحويلية

ويشتكي أيضاً معظم الناشطين في هذه الشعبة من عدم توسيم هذا النوع من الفواكه وإعطائها علامة تجارية رسمية، رغم الوعود الكثيرة التي أطلقها المسؤولون المحليون، وتقول في هذا المضمار سامية حداد: "بالرغم من أن فراولة المكركبة هي من بين أجود أنواع الفراولة المنتجة محلياً، وذاع صيتها حدود البلاد، غير أن ملف التوسيم الخاص بها يسير بوتيرة جد بطيئة، أثرت بشكل كبير على العائلات التي تعتبر هذه الفاكهة مصدر الرزق الوحيد".

ويقتضي الأمر حالياً حسب المتحدثة رفع مجمل التحفظات التي لا تزال تقيد عملية التصدير الكفيلة بترقية وضعية المزارعين وتحسين مستواهم المعيشي ودعم الاقتصاد الجزائري من جهة أخرى.

وتحدثت حداد عن ضرورة إنشاء مصانع خاصة لتحويل هذه الفاكهة أو تجميدها وتعبئتها وكذلك تحويلها إلى عطور، فالصناعات التحويلية المرتبطة بهذه الفاكهة في الجزائر تبقى وإلى غاية الآن دون مستوى تطلعات المنتجين.

قبل السنوات العشر الأخيرة كانت كمية الإنتاج تراوح بين 5 و6 قنطار في اليوم الواحد، لكن اليوم وبعد أن أصبح التغير المناخي أشد وطأة، لم تعد كمية الإنتاج تتجاوز قنطاراً واحداً في اليوم. تراجع الإنتاج بحوالى 50 بالمائة مقارنة بالموسم الماضي، كما أن المساحات المزروعة تقلصت

والمطلوب اليوم وفق حداد فتح المسالك وإعادة مسحها بداية كل موسم فلاحي مع توسيم الشعبة، حتى يتسنى للمنتجين التحويل وهو أهم مطلب، لأن هذه الفاكهة سريعة التلف وأيامها محدودة جداً، مما يسبب خسائر كبيرة أثقلت كاهل الفلاحين انطلاقاً من بداية الغرس في تشرين الأول/ أكتوبر إلى آخر نيسان/ أبريل وهو موسم الجني.

ويرى منتجو هذه الفاكهة في تحويلها إلى العصائر والمربى والمواد الصيدلانية ومستحضرات التجميل حلولاً مجدية للحفاظ عليها من التلف، مع تقديم الدعم للمزارعين الساهرين على المحافظة على هذه المهنة من الزوال والانقراض ولو معنوياً.

حفر الآبار

"هبت رياح الخريف الماضي بما لا يشتهيه فلاحو هذه الفاكهة، ففي حين كانوا يترقبون هطول الأمطار بعد إتمام عملية الغرس التي انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر، إلا أن ما حدث كان العكس"، هكذا استهل عادل درارة مستثمر فلاحي ببلدة الطاهير التابعة لمحافظة جيجل حديثه لرصيف22.

ومما ضاعف من متاعب الفلاحين حسب درارة "امتداد فصل الحر إلى شباط/ فبراير، ونقص المياه الصالحة للسقي، فكل هذه العوامل أدت إلى تقلص حجم إنتاج الفراولة هذا الموسم".

ويطرح المستثمر الفلاحي حلولاً مبدئية بإمكانها المساهمة في تخفيف آثار التغيرات المناخية على هذه الفاكهة، ومنها حصول المزارعين على رخص رسمية لحفر الآبار الارتوازية من أجل سقي الأراضي الفلاحية بطرق مدروسة وصحيحة، لا سيما وأن المنطقة معروفة بنشاطها الفلاحي وإنتاجها لفاكهة الفراولة، والتي تعتبر مصدر الرزق الوحيد للسكان.

ووفق درارة فإن "مدينة جيجل قادرة لوحدها على تغطية احتياجات السوق المحلية، كما أن بعض المزارعين في المنطقة تلقوا عروضاً من عدة بلدان أوروبية منتجة لهذا النوع من الفاكهة لإقامة شراكة في مجال زراعة الشتلات".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard