بالكاد يستطيع الشاب السوري ريان الشبل إنقاذ نفسه من طلبات المقابلات منذ إعلان فوزه برئاسة بلدية صغيرة في ولاية "بادن فورتمبرغ" الألمانية في نيسان/أبريل الماضي متفوقاً على مرشحين آخرين، هو الذي وصل إلى ألمانيا قبل 8 أعوام شاباً لا يتقن لغة البلد ولا يعرف تعقيدات بيروقراطيتها.
رغم توقعه أن يحظى الخبر باهتمام إعلامي محلي وعلى صعيد الولاية، لكنه أجرى لقاءات مع وسائل إعلام في الولايات المتحدة وصولاً إلى اليابان.
بعد أن غادر سوريا في العام 2015، وصل عبر لبنان وتركيا واليونان إلى بلدة صغيرة في جنوب غرب ألمانيا تدعى "التهينغستيت". هناك تعلم الألمانية والتحق بتدريب عملي في البلدية قبل أن يبدأ تدريباً مهنياً مزدوجاً كموظف إداري، ويصبح لاحقاً مسؤولاً عن روضات الأطفال والرقمنة.
بعد أن غادر سوريا في 2015، وصل عبر لبنان وتركيا واليونان إلى بلدة ألمانية صغيرة "التهينغستيت". هناك تعلم الألمانية والتحق بتدريب عملي في البلدية، لاحقاً أصبح مسؤولاً عن روضات الأطفال والرقمنة
اغتم رصيف22 فرصة لقائه قبل أسابيع قليلة من استلامه الرسمي لمنصبه، وكان هذا الحوار معه.
كيف تتطلع إلى استلام منصبك هذا الشهر، بعد شهرين مرهقين من التواصل مع وسائل الإعلام المحلية والعالمية؟
إنه مزيج من السعادة والرغبة والقلق الذي يرافق استلام أي وظيفة جديدة، وكذلك التعامل مع الظهور العام. كانت الأسابيع الماضية مدخلاً جيداً أستطيع توقع ما هو قادم من خلاله. رغم عدم بدئي العمل، بت ذهنياً هناك وأفكر في ماهية المشاريع التي ينبغي منحها الأولوية. توقفت عن العمل في وظيفتي الأسبوع الماضي، إذ كنت لا أزال أعمل في بلدية مجاورة كموظف إداري.
أنت قادم من مدينة السويداء، ابن معلمة مدرسة ومهندس زراعي، هل لك أن تحدثنا عن ظروف مغادرتك سوريا ووصولك لألمانيا عبر طريق البلقان في العام 2015؟
لم تكن هناك كما تعرف حرب مشتعلة في السويداء قبل مغادرتي البلاد، من قصف وصواريخ، وبالتالي كان بوسع المرء العيش في بيته غير مضطر للنزوح. كنت أدرس في معهد العلوم المالية والمصرفية في جامعة تشرين في اللاذقية. بحلول العام 2015، رأيت أن وضع البلد ذاهب نحو الأسوأ، وتوقفت عن الدراسة، وبدا واضحاً لي أنه ليس بوسعي البقاء في سوريا، مع عدم قدرة النظام أو المعارضة على الحسم. وكان الالتحاق بالجيش خياراً مرفوضاً بالنسبة لي لأسباب معروفة في السويداء. كان رفض الالتحاق بالخدمة العسكرية ظاهرة جماعية هناك. لم أود أن أصبح طرفاً في القتال. لم أكن ناشطاً في المعارضة، لكن كان واضحاً من خلال ما نراه من هو المسؤول عما جرى في البلد وإلى أين هي متجهة.
"التراوما التي عانيت منها خلال الرحلة مرتبطة ب"البلم". كان معداً لركوب 15 شخصاً، فيما كان عددنا 49، بمن فيهم أطفال. بعد ساعات من الإبحار بات الموج مرتفعاً، وبدأ الماء يتسرب إليه. تبدأ بالتفكير بأن هناك احتمالان، أن تموت بعد دقائق أو تصل الليلة". ريان الشبل
عندما تكون أفق البلد مسدوداً، ستعود إلى أنانيتك، تنقذ نفسك، ترمي نفسك من سفينة غارقة. تفكير أناني لكنه طبيعي في نفس الوقت.
التراوما التي عانيت منها خلال رحلة الهروب مرتبطة برحلة "البلم". كان معداً لركوب 15 شخصاً كحد أقصى، فيما كان عددنا 49 شخصاً، بمن فيهم أطفال. انطلق بنا "البلم" ليلاً باتجاه ما، دون أن نعرف إن كنا سنصل أم لا. بعد ساعات من الإبحار بات الموج مرتفعاً أكثر، وبدأ الماء يتسرب إليه، فيما غابت الأضواء على الجانبين اليوناني والتركي عن أنظارنا تقريباً. فيما يصرخ النساء والأطفال، تبدأ بالتفكير بأن هناك احتمالان، أن تموت بعد دقائق ربما أو تصل الليلة. تشعر بالعجز وتسلم مصيرك للقدر. لك أن تتخيل مدى توتري. عند الوصول لجزيرة ليسبوس، قابلنا البرد والظلام. كان علينا المشي عدة كيلومترات حتى نصل إلى مكان مأهول.
كيف كانت ردة فعل الأهل والأصدقاء على فوزك؟ اتصالك الأول بعد الفوز كان مع والدتك حسب ما التقطت كاميرا تلفزيونية.
أصدقائي من الألمان والسوريين هنا كانوا مشاركين في الحملة الانتخابية معي. كنا نعمل سوية على إنجاح الأمر لا نفكر فيما إذا كنت سأنجح. تناقشنا بالطبع في البداية عن فرص فوز شخص قادم منذ 8 سنوات فقط إلى ألمانيا. واتفقنا على المحاولة على الأقل. وكنت قد أخبرت أهلي بموضوع الترشح قبل إعلاني ذلك. لم يكن لديهم إطلاع على أبعاد الموضوع. وعندما نجحت، كانوا سعداء للغاية. الناس في منطقتنا يعملون ويدرسون بجد وقد لا يجنون الكثير من المال في النهاية. لكنهم يعملون ما بوسعهم لكي يتلقى أطفالهم تعليماً جيداً. الاستثمار بالنسبة للأهل في سوريا هو الأطفال. وبالطبع أعتقد أن نجاحي هنا كان مدعاة لفخر أهلي.
كيف أثر غياب ثقافة ممارسة السياسة في سوريا الحزب الواحد عليك؟ أنت اليوم عضو في حزب الخضر، كيف وجدت أن السياسة تناسبك؟
كان لدي اهتمام بالسياسة قبل قدومي إلى ألمانيا، لكن كما نعلم لا مجال للعمل بها في سوريا. وعندما تأتي إلى دولة ديمقراطية ويكون لديك الاهتمام، وذلك الجوع لممارسة السياسة، ستحاول عمل شيء في هذا الاتجاه. انضمامك لحزب يفتح لك أفقاً جديدة. يعد حزب الخضر "مثيراً" بالنسبة لي لأسباب عدة. إلى جانب ذلك، تجعلك رحلة اللجوء تنضج بوتيرة أسرع، وتشعر بأنك قفزت 10 سنوات إلى الأمام. فعرفت أني أريد الانضمام إلى واحد من الأحزاب، التي تعمل هنا لخدمة أهداف سياسية لا أشخاص.
" تجعلك رحلة اللجوء تنضج بوتيرة أسرع، وتشعر بأنك قفزت 10 سنوات إلى الأمام. عرفت بعدها أني أريد الانضمام إلى واحد من الأحزاب، التي تعمل هنا لخدمة أهداف سياسية لا أشخاص". ريان الشبل
كيف تمكنت من كسب قبول الناس في قرية في منطقة محافظة في جنوب غربي ألمانيا؟ كيف كانت المنافسة وهل وصلتك رسائل كراهية؟
هناك عدة أسباب ساعدتني على الفوز، أولها كون انتخاب رئيس البلدية مرتبطاً بشخص المرشح لا حزبه، أي أن يستلطف الناخب المرشح ويعجب بخططه. تكلمت مع قرابة ألف شخص خلال مناسبات عامة نظمتها. كذلك قمت بالتجوال على 70٪ من المنازل. تعد المنطقة محافظة بالمعنى السياسي لا من الناحية الدينية والاجتماعية. لدى أهلها نفور من اجراء تغييرات جذرية سريعة لكنهم وسطيون. غالباً ما ينتخبون الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ. أقلية منهم تنتخب الخضر. لكنهم ليسوا متطرفين رافضين لانتخاب شخص قادم من خارج البلاد. لولا ذلك لكنت قد تلقيت آلاف رسائل الكراهية خلال الانتخابات. عند تجوالي على 400 منزل على الأقل لم أصادف سوى شخص واحد قال لي لتعد إلى سوريا. الوضع مختلف في شرق ألمانيا بالطبع. خضت الانتخابات كمستقل. الترشح عن حزب الخضر في انتخابات بلدية كان ليصعب فوزي.
ما هي أسباب نجاحك على الصعيد الشخصي، هل كان تعرفك على الأشخاص المناسبين، نعرف أن مديرك في العمل "كليمنس غوتز"، عمدة بلدة مجاورة، كان من مشجعيك لترشيح نفسك؟
نعم يحتاج المرء لظروف مثالية لتحقيق نجاح في فترة قياسية. في النهاية لست بسوبرمان. ما جرى كان حصيلة عمل وجهد وحظ وبيئة مشجعة. وأعني بالحظ ارتكاب منافسي الرئيسي خطأ وهو استسهاله الفوز، واعتقاده بأنه لا يمكن لشخص قادم من سوريا عمره 29 عاماً أن يصبح رئيس بلدية. كان يتحدث مع الناخبين/ات بطريقة توحي بأنه سيفعل كذا وكذا. دون أن يضع احتمال الخسارة..
كان كليمنس غوتز مديري السابق، وهو رئيس بلدية مجاورة، بمثابة العراب بالنسبة لي. قمت بتدريب مهني عنده في العام 2016. كانت لغتي الألمانية سيئة حينها. وتطورت العلاقة بيننا إلى حد لا يمكنك وصفها بعلاقة مدير وموظف، بل علاقة إنسانية أكثر. هناك أشخاص يكون التعرف عليهم في حياتك من دواعي حظك. من السهل للغاية أن أقول إنه أكثر شخص أثر علي بعد أمي وأبي. قد تكون في حفرة فيخرجك ويقول لك بوسعك الوصول إلى القمر عملياً. لذا كان هو صاحب الفضل الرئيسي في هذا النجاح. بالإضافة إلى الصداقات التي كونتها مع أشخاص يؤمنون بك، ويساعدونك دون تردد، حتى مع معرفتهم بصعوبة الوصول للهدف.
تقول أنه لا ينبغي الحكم عليك على أساس من أين أنت آت بل المهم إلى أين تريد أن تذهب؟ هل لعب موطنك دوراً في الانتخابات؟
كان من الممكن أن يلعب ذلك دوراً سلبياً. لكن لم يكن لذلك دور. كما أسلفت، ربما تجد 5 أو 10 أشخاص يقولون إنه من المستحيل أن ينتخبوا سورياً. لكنها ليست بيئة متطرفة. بعضهم قالها علناً "هل جننتم لتنتخبوا سورياً؟". شخص واحد طلب مني العودة لسوريا وهو أمر لا يذكر. خلال 4 فعاليات عامة نظمتها لم يتطرق أحد لهذا الموضوع. لكن من جانب آخر، من المعروف أن الإعلام سيبرز هذا الجانب بقصد خلق استقطاب.
هل يزعجك اختصار شخصيتك بقصة هروبك ولجوئك من قبل وسائل الإعلام؟ كذلك اعتبارك مثالاً على الاندماج؟
حسناً. لم يكن لدي يوماً أية مشكلة في كوني لاجئاً. من المثير للاهتمام أن تعيش نجاحاً يلد من رحم المعاناة. ألا تولد وفي فمك ملعقة من ذهب كما يقال ثم تضطر للمقامرة بحياتك، ورمي نفسك في البحر لتحصل على حياة أفضل. لا أرى في كوني لاجئاً وصمة. الإعلام يقوم بتغطية ويبحث عن عناوين جذابة للقراء. التركيز على كوني سورياً كان مزعجاً. أنت لا تستيقظ كل يوم وتقول لنفسك بأنني سوري وما الذي يحق لي وما لا يحق، بل تبحث عن تحقيق أهدافك. لذا لم يكن لدي مشكلة بوصف لاجئ، بل كان لدي مشكلة مع الصياغة والحديث عن "أول رئيس بلدية سوري".
"أصبحت كلمة الاندماج، بعد هذه السنوات في ألمانيا مستهلكة ولا تعريف واضحاً لها". ريان الشبل
أما كلمة الاندماج فأرى بعد هذه السنوات في ألمانيا بأنها باتت مستهلكة ولا تعريف واضحاً لها. عندما تتحدث مع الناس الذين لا يعملون في السياسة عن الأمر، يقولون إن لديهم بعض اللاجئين، عليهم تعلم اللغة وأن يعملوا عند اللحام أو المخبز أو في أعمال التنظيف، هكذا يكون الاندماج قد نجح. لست متفقاً مع المبدأ الذي يرى أن هناك مجموعة صغيرة ليس لديها حق تقرير مصيرهم وعلينا دمج أفرادها أو صهرهم في مجموعة أكبر، بصرف النظر عما يحبون عمله. ولست متفقاً أيضاً مع حصر عمل اللاجئين في الأعمال اليدوية البسيطة، مع كامل الاحترام لممارسي هذه المهن، بحجة ضعف إمكانياتهم اللغوية.
أرى الأمر كصفقة بين اللاجئين/ات ومجتمع الأكثرية، الذي إن لم يكن جاهزاً للقبول فلن يكون بوسع المرء فعل شيء. المجتمع كان جاهزاً وهو الذي انتخبني، ولا يتعلق الأمر بكوني بطلاً. المجتمع خطى خطوات وبات في موقع يستطيع أن ينتخب شخصاً قادماً من بلد آخر ويعطيه منصباً سياسياً. لذا اعتبر الانتخاب علامة انفتاح.
ما الذي تتمناه في هذا الصدد؟
أتمنى أن يصبح انتخاب شخصية ذات خلفية مهاجرة أمراً طبيعياً. ويصبح من المعروف أن بوسعك القدوم لألمانيا وأن تجد فرصتك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون