"العكيد أبوشهاب" في السويد تسبقه شهرته "الفريدة" التي استمدها من المسلسل الشهير باب الحارة. لا بل صار بوسع العكيد (النجم سامر المصري) أن يجد مطعماً أو مطاعم باسم المسلسل نفسه في بلاد الفايكنغ ليزوره أو يطأه مثل فاتح، ويُحاط بالمصفقين والمرحبين بالعشرات. هو في المخيلة الشعبية العربية "المنتصرة" أو حتى المهزومة فايكنغ معكوس. إنه راغنار لوثبروك قادم من الملاحم الأيسلندية برتبة عكيد، ويمكنه بلمسة مخففة من "شبريته" أن يشفي جروح اللاجئين الذين لم يعد بوسعهم الاندماج والتكيف مع محيط يزداد قساوة وتدهوراً في كل متر من أمتار الفوز التي يحققها اليمين المتطرف صعوداً في القارة العجوز عموماً وفي السويد على وجه الخصوص.
ظهر العكيد في شوارع ثالث أكبر مدينة في المملكة الأسوجية: مالمو، وهي مدينة كوزموبوليتانية، أو هكذا يُشاع عنها في أدبيات بعض الكتاب العرب-تحديداً- الذين يزورونها لأسبوع أو عشرة أيام، لكنها ليست كذلك، لمن يقيم فيها أو حواليها، وإن احتوت على خليط هائل من اللهجات والجنسيات، فالثابت أن العقلية الاسكندنافية لاتبحث عن صوابية مفقودة في المصطلح، أو هي لاتريد اختراقه من قبل "الغرباء"، لأن طبيعة المناخ القاسي في هذه البلاد تفرض نوعاً من الانعزال الطوعي لايشبه في تداعياته أو تاثيراته المديدة أياً من المدن العالمية التي وجدت ملاذاً دائماً في هذا النوع من الهويات.
زيارته، وزيارة أبو حاتم (الممثل الراحل وفيق الزعيم) للمدينة قبل أكثر من عقد تعد بمثابة بارومتر شخصي لأحوال بعض المهاجرين، الذين يجدون متنفساً في عبور هذه الكاركترات التلفزيونية من المدن التي يقيمون فيها لأسباب مختلفة
مدينة مالمو التي زارها مؤخراً العكيد تعني حرفياً (كومة الحصى)، ولكنها ليست كذلك الآن، بل هي مدينة صناعية. البعض يرى أن الثقافة فيها تراجعت لحساب الصناعة والتجارة والاقتصاد، ولكنها مدينة متبدلة كما كانت عبر تاريخها الذي يمتد إلى تسعة قرون تقريباً، حتى وان قيل إنها كانت مأهولة قبل 13 ألف عام، وهي تخضع اليوم لتجاذبات الأحزاب السويدية، وحساباتها، وقد تتغير فيها أهواء كثيرة مع مرور الوقت وتعاني بعض نشاطات "المالمويين" من أصول مهاجرة من تضييق كالذي حصل من قبل مع بعض البلديات، وهذا أمر غير مستبعد، وقد سبق ورفضت إحدى بلديات جنوب السويد عرض أفلام عربية عندها من قبل.
بالتأكيد العكيد أبوشهاب غير معني بمثل هذه التفصيلات، ولكن زيارته، وزيارة أبو حاتم (الممثل الراحل وفيق الزعيم) للمدينة قبل أكثر من عقد تعد بمثابة بارومتر شخصي لأحوال بعض المهاجرين، الذين يجدون متنفساً في عبور هذه الكاركترات التلفزيونية من المدن التي يقيمون فيها لأسباب مختلفة، فيتسابقون لالتقاط الصور التذكارية معهما، كنموذجين، أو مع سواهم، فهي تخفف عليهم مصاعب الاندماج واللغة وشعبوية اليمين السويدي الذي يجاهر بالعداء لهم في كل شاردة وواردة.
وقد يحدث ويلتقون في وقت قريب مع (النمس)، فهم جميعاً أبطال شعبيون، وأصحاب سير متخيلة مفتعلة عن الشام وحواريها، ويجتذبون جمهوراً كبيراً لمجرد عبورهم وظهورهم في المحلات العامة.
لم يكن باب الحارة بهذا المعنى باباً مفضياً إلى الحارة الشامية التقليدية التي نعرفها ونحفظ أدق تفاصيلنا، مع كل التزييف الذي لحق بها. إنه باب مفضٍ إلى النفوس أيضاً، وما فعله مجد الصورة التذكارية مع العكيد.
وهم كذلك يقيمون على الضفة الأخرى من سير الفايكنغ الأشداء، الذين تحاكيهم السينما والتلفزيون على حد سواء، وان ظهروا في منتديات العكيد وصحبه بـ"شبريات" بائسة وتنميطات اخراجية أشد بؤساً من الكاركترات نفسها، وفيما وجدت جهات كندية مثلاً "بيزنساً" معقوداً ومربحاً، في سير الفايكنغ، فأعادت انتاج بعضها في مسلسلات تلفزيونية كما حدث مؤخراً، فإن ارتكابات العكيد وسواه ستظل حبيسة هذا النوع غير المسلي وغير المجدي لجهات أجنبية ترى أنهم مجرد أخيلة ساذجة تحاكي نفسها، ولايمكنها أن تخترع لنفسها حواراً مع الآخر من أي نوع.
ظهور هذا النوع من الممثلين في حياتنا "الدرامية"، والواقعية عن طريق وسمهم بـ"طمغة" نجوم شعبيين يبادل معنا –كمهتمين- إشكالية تعريف الممثل نفسه، إذ يختلط الحابل بالنابل.
وتغدو قراءة تعليقات اللاجئين الذين قرأوا خبر وجود العكيد في السويد عبر مواقع السوشيال ميديا، أو التقوا به وجهاً لوجه مصادفة، لمجرد أنهم كانوا في الأماكن التي زارها مؤشراً على نوع "المناكفة" الأدبية المتبادلة التي يحلم بها نجم من هذا النوع، ليس في جعبته تعريف واضح للسينما التي سئل عنها، كما في إجابته للصحافة السويدية الناطقة بالعربية هنا، فالسينما عنده حالة تكثيف للوقت في ساعة ونصف، فيما المسلسل التلفزيوني ثلاثين حلقة تستنزف وقته، والسينما تحافظ على الذاكرة كما في الإجابة التقليدية لمن يُسأل عن الفارق بين الشاشة الفضية والشاشة الكبيرة، ولا حتى للشام التي منحته الشهرة في سلسلة باب الحارة. السلسلة التي ظهر فيها أهل الشام "غاغة" وهواءها العليل الذي اشتهرت به في يبوسة قبل أن تخسر غوطتيها وأقنيتها الرومانية ونهرها الشهير في أقل من نصف قرن.
لن تكون صورة تذكارية مع نجم من نجوم باب الحارة سبباً للتنبيه بأن ولوج الباب الشامي، لا يعدو أكثر من رحلة ملتبسة في البحث عن هوية ضائعة، وربما لم تتعدَ الفرح الخاص بلقاء (العكيد) المنتصر، في شوارع مدن، لا تعرف شيئاً من مآثر رجالات أهل الحارة
لم يكن باب الحارة بهذا المعنى باباً مفضياً إلى الحارة الشامية التقليدية التي نعرفها ونحفظ أدق تفاصيلنا، مع كل التزييف الذي لحق بها. إنه باب مفضٍ إلى النفوس أيضاً، وما فعله مجد الصورة التذكارية مع العكيد، أكَّد أن هذه النفوس مقيمة في ذات المكان، الذي وفدت منه، ولم تغادره لحظة واحدة. وبالتأكيد ليس في الأمر تهويلاً من أي نوع، لأن "الاضطرابات" التي وقعت يوماً في ضواحي بعض المدن الأوروبية، وحتى في السويد نفسها، اثر جريمة احراق نسخ المصحف على يد متطرف دنمركي مهووس بملاحقة سائقي الدراجات الهوائية كشفت بجلاء، أن ثمة مهاجرين يعيشون في اضطرابات أكبر، سببها فقدان الهوية، والتأرجح بين شرفتي مجتمعين دفع بكثيرين منهم إلى التقوقع على الذات، والاكتفاء بمشاهدة الفضائيات العربية، وهي تعيد نسج "أوهام" التاريخ العربي وفق أهواء كل صانع على حدة، حتى أنه بدا مهولاً في تلك الأيام أن يعرف المرء أن ثمة مهاجرين منهم يرفضون تعلم لغة البلد الذي يقيمون فيه، حتى من بعد مضي عقد ونصف، أو أكثر على وجودهم.
بالتأكيد، لن تكون صورة تذكارية مع نجم من نجوم باب الحارة سبباً للتنبيه بأن ولوج الباب الشامي، لا يعدو أكثر من رحلة ملتبسة في البحث عن هوية ضائعة، وربما لم تتعدَ الفرح الخاص بلقاء (العكيد) المنتصر، في شوارع مدن، لا تعرف شيئاً من مآثر رجالات أهل الحارة، حين كانوا ينتفضون فرادى ومجتمعين في وجه المحتل الفرنسي بالتدليس اياه الذي اكتشفه القائمون على هذه السلسلة. هنا يبدو مجد اللقطة الواحدة موجهاً إلى الداخل، وليس موجهاً ضد رجال الفايكنغ، أو شعوب البحر القساة، والمحاربين الأشداء، كما تروي كتب التاريخ عنهم.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 5 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ 4 اسابيعحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.