"حلم أن إحنا نغني لأعظم ناس على وجه الأرض… السعودية اللي ساكنة قلب كل واحد في الوطن العربي وشعبها الطيب الخلوق اللي علم الدنيا يعني إيه أخلاق وكرم… بحبكم من كل قلبي وممكن بعد الاستقبال دا أبطل غناء دلوقتي".
جاء هذا التصريح على لسان المطرب المصري محمد فؤاد خلال حفله في المملكة، الخميس 25 أيار/ مايو 2023، وهو ما عدّه كثير من مواطنيه "رخصاً وتملقاً" بل "استفزازاً يحطّ من قدر بلاده".
هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فنان/ة مصري/ة للهجوم من مواطنيه/ا بسبب تصريحات تمتدح الاهتمام السعودي الحديث بالفن والثقافة وصناعة الترفيه. حتّى أن الأمر نفسه أدى إلى انتقاد شديد للفنانة السورية المقيمة في مصر منذ سنوات أصالة نصري واتهام بـ"نكران الجميل" لدور مصر في مسيرتها الفنيّة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل "مجاملة" أو "امتداح" الفنانين المصريين للطفرة الفنية غير المسبوقة في المملكة، بعبارات مُبالِغة أحياناً، يستدعي كل هذا الغضب؟
"سفير لمصر"؟
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقد عشرات المصريين تصريح فؤاد وسابقيه من الفنانين الذين قدموا عروضاً حديثاً في المملكة، قائلين إنهم لا يسيئون إلى أنفسهم وتاريخهم الفني فقط وإنما يحطون من قدر بلدهم وصيته الذائع في نشر وتعزيز الفن والثقافة في المنطقة العربية أجمع باعتبارهم "سفراء للفن المصري".
"من المخزي أن ينسب أحد أبناء مهد الحضارة إلى بلده أنها تعلمت الأخلاق من أية دولة كانت"... اتهامات للفنان المصري #محمد_فؤاد بـ"التملق والانبطاح والرخص" بسبب "مبالغته" في الحديث عن فضل #السعودية "على الدنيا". هل يستحق كل هذا الهجوم؟
وفي برنامجه "آخر النهار" الذي يبث عبر فضائية "النهار"، هاجم الإعلامي المصري فؤاد قائلاً: "هل لدينا مطربون مرتزقة؟ الناس تروح أي دولة بقيمتها، يستضيفونك لقيمتك كفنان مصري، فلا تهدر هذه القيمة. الناس تروح بحجمها ونجوميتها. المصريون كانوا يحملونك على كفوف الراحة وصنعت مجدك هنا".
وعبر فيسبوك، كتب المنتج وصانع الأفلام المصري محمد العدل: "كل واحد يتكلم باسمه وينافق باسمه، بلاش صيغة الجمع وأنك ممثل المصريين. ما تقرفوناش وتصغرونا، صغّروا نفسكم أنتوا أحرار".
ورداً على دفاع الإعلامي المصري عمرو أديب عن فؤاد والفنانين الذين تعرضوا لانتقادات بسبب تصريحاتهم في السعودية، عبر شاشة قناة "إم بي سي مصر" السعودية، قال رجل الأعمال والملياردير البارز نجيب ساويرس: "كلامك مش في محله. الولاء الأول لبلدك بغض النظر عن مصالحك… خانه التوفيق؛ مصر أم الدنيا ولو مرضت أو تعبت تظل أم الدنيا واللي ملوش خير في بلده ملوش خير في أي حاجة!!!! مع احترامي للمملكة وكل التطور اللي بيحصل فيها".
وكان بعض الفنانين المخضرمين أخف حدة في انتقاد تصريح فؤاد إذ وصفه الفنان المصري نبيل الحلفاوي بأنه "زلة لسان صعبة. يلام عليها ويعتذر عنها. لكن ما يندبحش" لأن "كلنا غير معصومين من الخطأ".
وزاد: "نعم، أشقاؤنا السعوديون أهل كرم وأخلاق. وكما لا ينسون لنا مساهمتنا في نواح شتى قديماً لا ننسى أيضاً مواقف السعودية معنا في أصعب الأوقات. ولكن من المخزي أن ينسب أحد أبناء مهد الحضارة إلى بلده أنها تعلمت الأخلاق من أية دولة كانت".
ومع إقراره بأن "الشكر الجزيل واجب وحق لكرم الضيافة والاستضافة والتقدير الواضح للفن المصري ورواده ونجومه وكل عناصره" في المملكة، ناشد الفنان صلاح عبد الله "الأصدقاء والزملاء اللي بيعرضوا فنهم في المملكة الشقيقة الغالية" أن يراعوا "طبيعة شعبهم وحساسيته" من خلال "خلّوا بالكم من كلامكم".
والتمس البعض العذر نسبياً لفؤاد لاعتبارات غيابه عن الساحة أو إغراء العوامل المادية. من هؤلاء رسام الكاريكاتير أنديل الذي كتب: "أقسم بالله تلات تربع تعريص مصر كان هيختفي لو كان في تأمين صحي محترم ومعاشات تقاعد، الناس معاها ملايين وبتتصرف كأنها ضهرها في الحيطة والسكينة على رقبتها، طحن".
في سياق متصل، نبّه حساب فيسبوك منسوب للمسؤول السابق البارز في جهاز أمن الدولة المصري، اللواء عبد الحميد خيرت، إلى أن "وجود الفنانين المصريين في السعودية للمشاركة في المهرجانات والحفلات التي تنظمها هيئة الترفية مصدر فخر للفن السعودي، فبدون الفن والفنانين المصريين لن تكون لهذه الحفلات لون أو طعم أو قيمة فنية أو تسويقية".
وأضاف: "كونك تشارك كفنان مصري، ليست 'جميلة' (يقصد منة) من هيئة الترفيه، لكن شرف عظيم للفن السعودي، وتذكرة مرور نحو نجاح هيئة الترفيه على مستوى الغناء والموسيقى والفن العربي".
"اتصرف بعفوية وطيبة المصريين، أي حد ندخل بيته بنحس بالامتنان لكرم الضيافة وكل الناس عندنا ‘أحسن ناس‘ واللي يدينا بؤ مياه بنفضل نقول ‘ده خيره عليا‘"... دعوات لالتماس العذر لـ #محمد_فؤاد بعد قوله إن #السعودية علّمت الدنيا الأخلاق والكرم
وتمنى على كل فنان مصري: "بلاش تغالي في تقديم الشكر والجميل لهيئة الترفيه، بطريقة تقلل من شأن الفن والفنانين المصريين. فكل فنان يشارك في مهرجانات الرياض هو سفير لبلده، فحافظ على شكلك ومظهرك وحديثك، احتراماً لنفسك وبلدك".
"بصوا للمشهد بمنظور طيب"
على الجانب الآخر، دافع البعض عن فؤاد، داعياً لالتماس العذر له في أول حفل بحضور جماهيري ضخم منذ سنوات طويلة غاب فيها عن المسرح، معرباً عن اعتقاده بأن تصرفه كان "عفوياً" ولا يقصد منه غير "توجيه الشكر" للجمهور السعودي والمسؤولين الذين منحوه فرصة ثمينة لاستعادة مجده الفني.
في هذا الصدد، عقّبت الشاعرة والمترجمة مروة مأمون في تويتر: "الناس زعلانة وأنا شايفة أنه اتصرف بعفوية وطيبة المصريين، أي حد ندخل بيته بنحس بالامتنان لكرم الضيافة وكل الناس عندنا ‘أحسن ناس‘ واللي يدينا بؤ مياه بنفضل نقول ‘ده خيره عليا‘. الفنان لازم يحسب الكلام في هذا الزمن الأغبر اللي الأخوات فيه بتعاير بعض... بس أنا بحب الناس العفوية".
أما الشاعر الغنائي تامر حسين، فكتب عبر فيسبوك: "الناس اللى ماسكه السكاكين لمحمد فؤاد اللى أنا شخصياً مفيش بينى وبينه أى مصلحة شخصية لا من بعيد ولا من قريب
ولا بشتغل معاه… بصوا للمشهد بمنظور طيب؛ الراجل معملش حفلات جماهيرية كبيرة من فترة، راح لقي جمهور مرحب بيه ده لو فى السنغال من فرحته حيتكلم لغتهم (ويجاملهم) بعفوية".
وشدد على اعتقاده بأن فؤاد لم يكن "مرتِب كلام مدح أو مُبالغة"، مردفاً "ده الواحد لو قابل أربع شباب فى الشارع بيسلموا عليه ومبسوطين بيه وبيحبوه بيبقى مُحرج وف نص هدومه ومش عارف يقولهم إيه من الخجل". كما أعرب عن دهشته من كل هذا الهجوم بسبب "كلمتين. الراجل مغيرش تاريخ ولا سب" لأن "مصر كبيرة وعظيمة ومكانتها محفوظة وأولادها فى كُل مكان بيتشالوا فوق الراس بعزة نفس وكرامة".
في المقابل، قال سعوديون إن "الأصدقاء في مصر صايرين حساسين جداً مؤخراً، على الأقل اعتبروا تصريحه مجاملة لمن أعاده للساحة". ومن بينهم رئيس قسم الفن في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، عبد الله بخاريش الذي غرّد: "المصري الصادق والعربي المتمسك بعروبته وأصالته هكذا يحكي بعفوية وصدق…".
وتابع: "#محمد_فؤاد عانى كثيراً وظهر في الزمن الصعب ولكنه كسر كل القيود وأثبت حضوره وقدّم خطاً مختلفاً منذ الثمانينيات الميلادية. مساء أمس كانت عودة مختلفة للنجم الكبير، غنّى في جدة بين جيلين، جيل عاصر تاريخه المشرف وحضر من أجله وجيل جديد أحب أغانيه ورددها معاه وكانت مفاجأة جميلة لمحمد فؤاد".
أرفق بخاريش بتغريدته مقطعاً مصوراً يشكر خلاله المطرب المصري قيادة السعودية و"سمو ولي العهد الملهم، الأمير الشاب اللي هيغير وجه الحياة لينا كلنا إن شاء الله هو والمخلصين".
"بلاش تغالي في تقديم الشكر والجميل لهيئة الترفيه، بطريقة تقلل من شأن الفن والفنانين المصريين. فكل فنان يشارك في مهرجانات الرياض هو سفير لبلده، فحافظ على شكلك ومظهرك وحديثك، احتراماً لنفسك وبلدك" #محمد_فؤاد
تصريحات سابقة أثارت نفس الجدل
لعل الضجة حول حديث فؤاد لم تكن لتأخذ كل هذا الحيز من اهتمام المصريين لولا أنه سبقته تصريحات مماثلة اعتبرها مصريون "استفزازية" و"تقلل من قيمة مصر الفنية" في سياق المقارنة بالطفرة الحاصلة في المملكة راهناً.
وكان الفنان حسن الرداد قد تعرض لانتقادات شديدة بسبب تصريحه برغبته في الاستقرار في المملكة لتوفر كافة عوامل الطفرة الفنية التي يتمناها أي فنان، على هامش مشاركته في حفل Joy Awards في كانون الثاني/ يناير 2022.
اضطر الفنان لاحقاً لإصدار بيان والتعليق في مداخلات ولقاءات تلفزيونية وصحافية لتوضيح أن حديثه فُهم خطأً، مؤكداً أنه لم يقصد حرفياً الانتقال للعيش في السعودية وإنما كان مشحوناً عاطفياً بحفاوة الاستقبال وتكريم الفنان الراحل سمير غانم والفنانة الراحلة دلال عبد العزيز، والد ووالدة زوجته إيمي، ولام "أصحاب النوايا الخبيثة" على سوء الفهم الذي تحدث عنه.
وتعرضت الفنانة أصالة لهجوم شديد أيضاً، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، حين صرّحت عقب حفل لها في السعودية أن المملكة هي التي صنعت اسمها ونجاحها الفني، وهو ما اعتبره مصريون "نكراناً للجميل" لدور بلدهم ولهجتهم العاميّة في نجاح أصالة وبلوغها ما بلغته من شهرة وشعبية. لاحقاً، أصدرت أصالة بياناً تعترف فيه بأهمية مصر والجمهور المصري في مسيرتها الفنية.
على الجانب الآخر، أثار الفنان السعودي استياء بعض المصريين بتصريح قال فيه إنه "إذا كانت مصر أم الدنيا فالسعودية هي أبوها". في توضيح لاحق، خلال مقابلة تلفزيونية، قال عبده إنه لم يقصد أي إساءة لمصر وأنه يحب مصر ويدين لها بالعرفان لأن انطلاقته العربية بدأت منها.
ويبدو أن الحساسية تجاه تصريحات الفنانين من و/ أو عن البلدين تعود إلى الدور الرائد لمصر في نشر الفن في المنطقة الفنية وهو الدور الذي تحرص المملكة راهناً على الاضطلاع به في ظل ابتعاد مصر نسبياً وتدريجياً عنه في ظل الأزمات المتكررة التي تواجهها وتنشغل بها قياداتها على غرار الأزمة الاقتصادية وتحدي الأمن المائي والغذائي وسيطرة شركات تابعة للحكومة على قطاع الإنتاج الإعلامي والفني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم