شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
انعكاسات التكريم السعودي... مبدعو مصر يحلمون بالتقدير على الشاطئ الآخر

انعكاسات التكريم السعودي... مبدعو مصر يحلمون بالتقدير على الشاطئ الآخر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 20 مارس 202304:33 م

في حفل استغرق ثلاث ساعات، أقامت هيئة الترفيه والسياحة في المملكة العربية السعودية تحت رئاسة تركي آل الشيخ حفلاً موسيقياً لتكريم الفنانة المصرية أنغام، بعد أيام قليلة من حفل أقامته الهيئة نفسها لتكريم الموسيقار المصري الذي يحظي بمحبة وتقدير كبيرين هاني شنودة.

اللغط التي أثارته حفلة تكريم شنودة، ربما سببه تصريحات أنغام خلال الحفل التي تحدثت فيه طويلاً عن فضل مصر وإبداعها ومدارسها الفنية العريقة التي خرّجتها وسواها من المطربين والموسيقيين والمبدعين في السينما والمسرح والأدب، مستذكرة فضل مصر عليها في مواجهة حالة الغضب الشعبية المتصاعدة في مصر مما يراه الناس "تقزماً" للدور المصري في مختلف المجالات، بدءاً بالدور السياسي الإقليمي، امتداداً للدور الإبداعي والثقافي الذي طالما افتخر به المصريون، فيما هم يراقبون نجومهم وغيرهم من النجوم العرب يشيدون بدور الرياض كعاصمة للفنون العربية، وينسبون إليها الفضل في شهرتهم ونجاحهم متناسين دور القاهرة.

مع الضجة التي صاحبت حفلي تكريم الموسيقار هاني شنودة وأنغام، والوضع الاقتصادي الذي تمر به مصر، بات أمل الفنانين المصريين في التكريم في بلدهم متواضعاً

البداية مع هاني شنودة

يعد الموسيقار شنودة واحداً من فنانين قلائل يتمتمعون بحبة وتقدير كبيرين لشخصه وإبداعه بين مختلف الأجيال من المصريين في مصر والخارج، منذ أن اشتهر بتأليف موسيقى أعمال سينمائية ومسرحية وتأسيس فرقة المصريين التي لا يزال يحرص على أن يصاحبها في حفلاتها القليلة المتباعدة. وهو بقي على حافة دائرة الضوء في المشهد الموسيقي المصري إلى أن اختار الكوميديان المصري الأمريكي رامي يوسف أن تكون موسيقى شنودة، وخاصة تلك التي ألفها في السبعينيات والثمانينياتة تحديداً الـ score المصاحب لمسلسله الناجح على إحدى الشبكات التلفزيونية الأمريكية.

تسبب ذلك المسلسل في معرفة أجيال جديدة بإبداع شنودة، حتى طالب مصريون بتكريمه بحفل يليق بمكانته الموسيقية، لكن الاستجابة جاءت من السعودية، لتنقسم مشاعر محبيه بين الترحيب بتكريم يليق بالمبدع الموسيقي الذي صاحبت موسيقاه ذكريات أجيال عدة، وبين الغضب والضيق من أن يأتي التكريم من على الشاطئ الآخر وسط تراجع واضح للمشهد الفني والإبداعي في مصر، وسط حديث عن "سحب البساط من تحت أقدام القاهرة لصالح الرياض".

دائرة الانتظار

مع الضجة التي صاحبت حفلي التكريم، والوضع الاقتصادي الذي تمر به مصر، إضافة إلى فرض وضع شبه احتكاري للإنتاج والبث الفنيين عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وشركات الإنتاج والبث التلفزيوني والإذاعي التابعة لها، بات أمل الفنانين المصريين في التكريم في بلدهم متواضعاً، وهو ما عبر عنه الموسيقار هاني مهنا لرصيف22،  مؤكداً أنه يشعر بغصّة لعدم تكريمه في مصر إلى الآن، على الرغم من تاريخه الفني الذي يعود إلى أواخر ستينيات القرن الماضي، وتميز الأعمال الموسيقية التي قدمها. هذا عدا تكريمه في عدة بلدان حول العالم. ويلفت  إلى أن "تكريم المصريين في الخارج شيء هام وهو ما يثبت أن الفن المصري ذو قيمة كبيرة في دول العالم".

فيما رأت الفنانة إلهام شاهين أن الفنان من الطبيعي أن ينتظر تكريمه وتقدير ما يقدمه من أعمال تؤثر في الحياة العامة، فالتكريم هو اعتراف بأن ما قدمه الفنان حظي بالإعجاب.

اللوم على الوضع الاقتصادي

ومع اختلاف الجهات المانحة والمُكرِّمة في العالم، واختلاف طريقة الاحتفال التي يتم بها تكريم الفنانين، نجد أن هذا الأمر يتوقف على الهيئة أو المؤسسة الاقتصادية التي تموّل هذا التكريم. وبالتالي إذا كان هناك زخم كبير فيعني ذلك وجود مؤسسة مادية قوية داعمة، فهل ينتظر الفنانون المصريون من وطنهم تكريمات في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد حالياً؟

سيد فؤاد، رئيس مهرجان الأقصر السينمائي الدولي: التكريمات الفنية لا علاقة لها بالوضع الاقتصادي للبلاد، فيمكن تكريم فنان في احتفال ضخم في دار الأوبرا، أو عرض مصمم جيد لعمل من أعماله أو طرح كتب عنه، هذه أشياء غير مكلفة على الإطلاق

كان رأي الموسيقار هاني مهنا واضحاً في هذا الأمر، مؤكداً أنه يجب أن لا يطالب أبناء الوسط الفني الدولة في ظل ما تعانيه من أزمات اقتصادية أن تقدم تكريمات للفنانين بالشكل الذي تقوم السعودية بفعله حالياً، وإن كان هناك بعض التقصير في حقوق المبدعين في سنوات مضت.

ورأت الفنانة المصرية إلهام شاهين أنه "بالطبع على الدولة أن تقوم بتكريم الفنانين، فهم القوى الناعمة للوطن وبالتالي يجب الاحتفاء بهم وتقديرهم فنياَ"، وأضافت: "الأحوال الاقتصادية لم تمنع صناعة الأعمال الدرامية وما شابهها، وبالتالي لماذا يجب أن يضحي الفنانون بحقهم في التكريم والتقدير إذ لا توجد مشكلة بالأساس".

ويتفق معها عدد من صناع المهرجانات الرسمية في مصر، منهم سيد فؤاد، رئيس مهرجان الأقصر السينمائي الدولي، الذي قال لرصيف22 إن التكريمات الفنية لا علاقة لها بالوضع الاقتصادي للبلاد، فيمكن تكريم فنان في احتفال ضخم في دار الأوبرا، أو عرض مصمم جيد لعمل من أعماله أو طرح كتب عنه، هذه أشياء غير مكلفة على الإطلاق. مُضيفاً أن الانفاق المبالغ فيه من أجل لفت الانتباه وعمل "شو" فني كبير، أمر آخر لا يمكن أن يوضع في مقارنة عادلة مع تكريم فني حقيقي.

محمد شميس: الفن جزء رئيسي من هويتنا كمصريين، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن نتغافل عن أهميته ودعمه. يجب أن ندرس تجارب الدول التي تقوم بتنشيط اقتصادها عن طريق الصناعات الإبداعية

المُنجز الفني يحكم التقدير

وبالرغم من اختلاف أشكال التكريمات الفنية بين حفلات أو تقديم جوائز أو إقامة أسبوع فني، يرى الناقد الفني محمد شميس أن شكل التكريم يمكن تحديده وفقاً للمنجز الفني للفنان المًكرم وطبقاً للنوع الإبداعي الذي يقدمه، فـ"لو كان التكريم لمخرج على سبيل المثال، فلا داعي لحفلة مثل التي قدمت لهاني شنودة مثلاً! فربما نكرمه بتخصيص أسبوع لعرض أهم افلامه في أكبر سينما في مصر بحضور أبطال العمل الأساسيين، أو نقوم باحتفالية على الهواء مباشرة تذاع على الفضائيات بحضور أهم المتخصصين في المهنة ويقدمون شهادة حق عن تأثير أعماله على الواقع الاجتماعي والفني والسياسي، وهكذا".

أما رئيس مهرجان الأقصر السينمائي سيد فؤاد فيرى أن للتكريمات أشكالاً متعددة، "ففي المهرجانات يتم ذلك في حفل الافتتاح أو الختام، عن طريق تسليم هدية أو إقامة أسبوع أفلام. شخصياً أميل إلى إصدار كتاب عن المُكرم".

القوة الناعمة قيمة لا يجوز إغفالها

"إن أهمية التكريم بالنسبة للفنان ترجع إلى الجهة التي يصدر عنها التكريم، سواء كان هذا التكريم محلياً أو إقليماً أو دولياً، فالقوى الناعمة يمكن تغافلها لما تقوم به من إنجازات في ظل الظروف العصيبة"، كان هذا رأي الناقد الراحل والمدير الفني لمهرجان القاهرة الدولي السينمائي، يوسف شريف رزق الله، في التكريمات الفنية بشكل عام، وبالتالي يكون هناك اهتمام جاد من القوى الناعمة لمصر لكي تتم عملية التقدير الخاصة بأهل الفن داخل وطنهم قبل خارجه.

وهذا ما أكد عليه الناقد الفني، محمد شميس، قائلاً:" الفن هو أهم قوة ناعمة تستطيع أن ترتكز عليها الدولة في ظل الأزمات، وهو جزء من الهوية المصرية، ونستطيع الاستدلال على ذلك من خلال الرسومات الموجودة على جدران معابد المصريين القدماء، ومن خلال التصميمات المعمارية للكنائس، ومن طريقة أداء أذان الصلاة وتلاوة القرآن، حتى عن طريق تلخيص الخبرات المتراكمة في الأمثال الشعبية".

وأضاف :"أن الفن جزء رئيسي من هويتنا كمصريين، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن نتغافل عن أهميته ودعمه. يجب أن ندرس تجارب الدول التي تقوم بتنشيط اقتصادها عن طريق الصناعات الإبداعية، كما يحدث في أمريكا على سبيل المثال، وتأثير الناتج المالي من الصناعات الإبداعية على الاقتصاد الأمريكي، فضلاً عن الصورة الذهنية التي سيطرت بها الولايات المتحدة على الوجدان العالمي من خلال الأفلام والأغاني والروايات وما الى ذلك. فمصر تمتلك المواهب، فهي موجودة في جينات الشعب، ولكن للأسف الشديد لا تمتلك الإدارة الحكيمة التي تمكنها من الاستفادة من هذه المواهب، حتى أننا أصبحنا نرى الدول الشقيقة تستفيد من شهرة نجومنا في تحسين صورتها، وانعاش أوضاعها الاقتصادية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image