تتزايد بالمملكة العربية السعودية يوماً بعد يوم ظاهرة انتشار المتاحف الأهلية التي يقيمها أشخاص عاديون تربطهم حالة من الحب والتواصل مع جذورهم، فينفقون آلاف الريالات لجمع قطع نادرة تتمثل في عملات نقدية قديمة، وأوعية صنع وشرب القهوة، وسكاكين وأدوات حجرية، وحتى السيارات القديمة التي يرجع تاريخ صناعتها إلى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
وبعضهم تسمح له الدولة بالترخيص إذا كانت تنطبق على متحفه شروط هيئة السياحة، فيستفيد إدراج المتحف على مواقع هيئة السياحة على مواقع الإنترنت، ويتسنى له استقبال الزيارات الرسمية للمتحف. هؤلاء يدفعهم الحب والوله بتراث بلادهم، إلى جمع أكبر قدر من القطع التراثية التي ترتبط بتاريخ الأجداد، لتكون جسراً بين الماضي والمستقبل المتمثل في الأجيال القادمة.
نشاط ملحوظ منذ التسعينيات
تعمل الحكومة على توفير العديد من المتاحف الرسمية في مختلف المدن الكبرى، كالرياض، وجدة، والدمام، والأحساء، والباحة، والجوف، حيث شهدت المملكة نشاطاً ملحوظاً منذ حقبة التسعينيات الميلادية تمثّل في افتتاح العديد من المتاحف، منها ما يتميز بالطابع المعماري والديني مثل متحف الحرمين الشريفين بمكة المكرمة ويعنى بتطور المعمار في المسجدين المكي والنبوي.
ومنها ما يعنى بالجوانب الأثرية والتاريخية مثل المتحف الوطني السعودي بالرياض، ومتحف جدة الإقليمي، ومتحف قصر شبرا، ومتحف المصمك التاريخي، ومتحف الأحساء، ومتحف الباحة، ومتحف الجوف، وغيرها. فضلاً عن المتحف السعودي للفن المعاصر الذي تم افتتاحه قبل عامين ليكون مُعبراً عن الفن المعاصر في المملكة، و"يهدف إلى تحقيق أدوار مهمة في المشهد الثقافي السعودي، من أهمها تعزيز وتشجيع الفن الوطني٬ ليصبح المتحف مركزاً للهوية البصرية السعودية، ومنصة لترويج أفضل القطع الفنية المعاصرة، إلى جانب أنه حاضنة للأصوات التعبيرية الجديدة في المملكة بحسب تصريح لوزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله.
رغم كثرة المتاحف في السعودية وتنوعها إلا أن ثمة من تتملكهم الرغبة وتسيطر عليهم الغواية في اقتناء القطع التاريخية الفريدة، وهو ما أثمر العديد من المتاحف الخاصة التي انتشرت بسرعة في أرجاء السعودية
رغم كثرة المتاحف في السعودية وتنوعها إلا أن ثمة من تتملكهم الرغبة وتسيطر عليهم الغواية في اقتناء القطع التاريخية الفريدة، وهو ما أثمر العديد من المتاحف الخاصة التي انتشرت بسرعة في أرجاء السعودية وتجاوز عددها الـ 200 متحف، وتعرض بها مئات القطع الأثرية والتاريخية، مما يشكّل وجها آخر للمشهد الثقافي بالمملكة ويعطي انطباعا مثاليًا عن المهتمين بثقافتهم العميقة النابعة من الاهتمام بحياة الأجداد، لاسيما في المناطق التي يتفاعلون فيها مع موروثهم الشعبي والثقافي، حيث يرتبط أصحاب هذه المتاحف بتاريخ المكان وكل ما يعبر عن الحياة في السنين الغابرة، والمشقات التي واجهها الأجداد في الماضي، والأدوات التي ساعدتهم على تحمل شظف العيش قبل ظهور النفط، فيعملون في هذه المتاحف على جمع تراث المكان وإحياء ذكرى الأجداد.
قيم تاريخية وإنسانية عن حياة الأجداد
يتميز أصحاب المتاحف الخاصة بحس ثقافي وخبرة فنية في ما يقتنون، ولذلك يتولد الحرص من فهمهم للقيمة التاريخية لمقتنياتهم، فيقومون بتخصيص رفوف خشبية وخزانات بواجهات زجاجية في غرف خاصة داخل المنازل لعرض هذه المقتنيات، وبعضهم يخصص مباني أو قاعات خارج البيت من أجل الهدف ذاته، فهم يحتفظون بالكثير من المقتنيات ذات القيم التاريخية والإنسانية التي ترتبط بالمعيشة والعمل وطبيعة الحياة اليومية في البيئة المحلية التي يعيشون فيها.
وتتوفر بالسعودية عشرات المتاحف الأهلية التي يهتم أصحابها بالحصول على القطع النادرة مهما بلغ ثمنها، فهم يرون أن هذه الأشياء التراثية لا تقدر بثمن. ومن أكثر المدن التي يزداد فيها إقامة المتاحف الأهلية ويزداد بها الاهتمام بالقطع التاريخية: الرياض، ومكة، والطائف، وجدة، والمدينة المنورة، والقصيم، وغيرها.
وشهدت هذه المناطق افتتاح الكثير من المتاحف الأهلية مثل متحف دار التراث، ومتحف الناجم، ومتحف البيت الأحسائي، ومتحف الخليفة بالأحساء، ومتحف عشيرة سدير للتراث، ومتحف التراث للفنون والحرف، ومتحف العميري للتراث، والمغربي، والوايلي، والوكيل، وغيرها بمدينة الرياض، ومتحف التراث الإنساني، ومتحف الدينار الإسلامي، ومتحف أم القرى بمكة المكرمة، ومتاحف الجفيني، وأحمد عقيلي، والشلبي بمدينة جدة، وغيرها.
وعلى الرغم من أن معظم المتاحف الخاصة هي إما تهتم بالتراث عامة أو بالتراث الشعبي خاصة، فإن بعض المتاحف تكون متخصصة في مجالات محددة مثل "متحف القهوة" بمدينة الشقيق بالأحساء ويختص بتاريخ القهوة منذ اكتشافها وتطورها عبر السنين، ومتحف "السلام عليك أيها النبي" بمكة المكرمة ويختص بسيرة الرسول، و"متحف الدينار والدرهم"، بالمدينة المنورة، و"متحف العبري للتراث السيارات القديمة" بالقصيم.
ظاهرة ليست جديدة أو فريدة من نوعها
ظاهرة المتاحف الخاصة ليست جديدة أو فريدة من نوعها، إذ تنتشر في كثير من الدول ومنها مصر هذه النوعية من المتاحف التي يقيمها أشخاص في مدن ومحافظات عديدة مثل "متحف حسن الشرق" بمحافظة المنيا، ومتحف "أنيماليا" بأسوان، ومتحفي "تنيدا" و"بيت مصباح الواحاتي" بالوادي الجديد، و"مجموعة السمسمية" في مدينة بور سعيد، و"متحف العبابدة" في مدينة مرسى علم، و"متحف السيرة الهلالية" الذي أسسه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي بقرية أبنود في محافظة قنا لكنه سلمه في حياته لوزارة الثقافة.
من أكثر المدن التي يزداد فيها إقامة المتاحف الأهلية والاهتمام بالقطع التاريخية: الرياض، ومكة، والطائف، وجدة، والمدينة، والقصيم.
وأغلب هذه المتاحف هي متاحف متخصصة، أما في السعودية فهي تنتشر بين المهتمين بالشأن الثقافي ممن يسعون إلى اقتناء قطع فريدة تتسم بقيمة تاريخية أو أثرية وتحمل ملامحها خصوصية المكان فتعبّر عن حياة الأجداد وطبيعة الحياة التي عاشوها، حيث يكون الإنسان قد ارتبط بأدوات ومعدات تبدو بسيطة أو بلا قيمة تذكر في عصرنا هذا، بينما كانت، في زمن سابق، ذات فائدة كبيرة في المعاونة على مواجهة الأعباء وإنجاز الأعمال.
بدأت السعودية الاهتمام بإقامة العديد من المتاحف الرسمية في أغلب المدن منذ تسعينيات القرن الماضي، ولم تتوقف على عدد ضئيل جداً من المتاحف الحكومية، مثل متحف صغير للآثار بجامعة الملك سعود الذي افتتح في ستينيات القرن الماضي، وأصبحت هناك العديد من المتاحف مثل متحف الحرمين الشريفين الذي افتتح عام 1999 في منطقة مكة المكرمة، ويهتم بالجوانب التاريخية والمعمارية للحرمين الشريفين (الحرم المكي، والمسجد النبوي الشريف) ويبين تطور العمارة فيهما، كما يحتوي في قاعاته السبع على عدد من المقتنيات من مخطوطات وقطع أثرية وصور فوتوغرافية نادرة.
بعض المتاحف تكون متخصصة في مجالات محددة مثل "متحف القهوة" بمدينة الشقيق بالأحساء ويختص بتاريخ القهوة منذ اكتشافها وتطورها عبر السنين، و"متحف الدينار والدرهم" بالمدينة المنورة، و"متحف العبري للتراث السيارات القديمة" بالقصيم
أما المتحف الوطني السعودي في مدينة الرياض، فتم تشييده على 17000 متر مربع وهو متحف أثري افتتح عام 1999، وتتقسم قاعاته بحسب مراحل التطور التي مرت بها المملكة ثقافيًا، وسياسيًا، وإنسانيًا، ودينيًا، كما افتتح متحف جدة الإقليمي "قصر خزام" عام 1995 بعد ترميمه ونقل تبعيته إلى وكالة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف، وراعت الدولة المحافظة على الطابع التاريخي للقصر الذي يعدّ أول بناء أسمنتي بالمملكة، وقد كانت صورته على العملة الورقية السعودية، وتعود بداية بنائه إلى عام 1928، حيث كان يسكن به الملك عبد العزيز آل سعود، وتمت به أول اتفاقية للتنقيب عن البترول.
عملا بوصية الجَد
في تعليقه لرصيف22 أرجع جعفر الخواهر صاحب متحف "دار التراث" ببلدة المنصورة بالأحساء انتشار المتاحف الخاصة إلى حب وشغف الأحسائيين وولعهم بالتراث وارتباطهم الوثيق بكل ما يجدونه من أدوات الأجداد ومتعلقاتهم. وقد دفعه لجمع وحفظ التراث والمقتنيات عدة أمور منها الهواية، ووصية جدّه المرحوم الشيخ حسين بن راضي الخواهر، الذي طلب منه إنشاء وتأسيس متحف يضم تراث الأجداد وحفظه للأجيال القادمة، وذكر أن الآن أصبح المتحف أيقونة السياحة في الأحساء ويزوره أمراء، ووزراء، ومسؤولين، ومثقفين، وكتاب، وطلبة، وبسطاء من مختلف الأطياف، فالمتحف يضم أكثر من سبع آلاف قطعة نادرة تعود لكثير من الحضارات والشعوب، حيث عمل خلال السنوات الماضية على التنوع لإثراء المتحف، الذي أصبح به الكثير من القطع الثمينة والنادرة.
جعفر الخواهر، صاحب متحف "دار التراث" بالأحساء
عن بداية تجربته مع جمع القطع التاريخية أوضح الخواهر لرصيف22 أن هوايته في جمع القطع التاريخية بدأت وعمره 10سنوات، وإلى الآن مازال يحلم بجمع المزيد، خاصة بعد ما أصبحت لديه دنانير ذهبية من مرحلة صدر الإسلام ومخطوطات يعود تاريخها لمئات السنين، وسيوف ومتحجرات تعود إلى مراحل تاريخية بعيدة جدا. وأضاف الخواهر ان جميع متاحف العالم هي منشأت غير ربحية بل هي خدمية ولكن في ظل التغيرات والمستجدات وتوجه حكومتنا الرشيدة لتنويع مصادر الدخل والاهتمام الكبير بالسياحة؛ أصبح المتحف يحقق إيردات مادية من بيع تذاكر الدخول والإعلانات التجارية والحفلات الخاصة داخل المتحف، فضلًا عن لجوء بعض الأعمال الفنية للتصوير داخل المتحف، وتأجير شركات الإنتاج السنمائي لبعض القطع التراثية، كما أن المتحف به متجر لبيع الهدايا ومطعم يقدم المأكولات والمشروبات.
متحف القهوة بالأحساء
في تعليقه لنا أوضح عبد الله الهجرس صاحب "متحف القهوة التراثي" بمنطقة الأحساء أن متحفه هو الأول من نوعه بالسعودية، وقال إنه يهدف إلى إثراء تراث وثقافة القهوة، حيث تعبر القهوة عن كرم الضيافة بالمملكة. وقال إن المتحف يضم ما يزيد عن 700 قطعة نادرة متعلقة بتاريخ هذه الصناعة ويعود أقدمها إلى 300 عام، وذكر انه شارك بمتحف القهوة في معرض القهوة السعودية الذي أقيم في قصر المصمك بمدينة الرياض، كما شارك في مهرجان القهوة السعودية في الرياض وجدة والظهران، وتضمنت المشاركة أدوات وأوعية وفناجين وغيرها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...