"توفي شاب في الثلاثينات من عمره، ذات مرة، بطريقة مأساوية، إثر هجوم من كلاب ضالة، قفزت عليه في أثناء قيادته دراجته النارية.ويعاني الكثير من المواطنين، من هجمات الكلاب الضالة في مجموعة من أحياء المدينة وشوارعها"؛ بهذه العبارات، انطلق الناشط الحقوقي آدم العادي، ويقطن في مدينة مراكش، في حديثه عن تزايد عدد الكلاب الضالة وسط شوارع المدينة، الأمر الذي بات يستدعي تدخلاً عاجلاً من طرف المسؤولين، وفق قوله وقول العديد من المواطنين.
يضيف العادي، في حديثه إلى رصيف22، أن الكلاب الضالة "تثير الرعب في الأحياء السكنية، وحتى داخل الأسواق المحيطة بساحة جامع الفنا الشهيرة، التي تُعدّ من المعالم السياحية المهمة في عاصمة 'النخيل'. وتصاعدَ الأمر بعد توالي الأحداث المأساوية، وأبرزها وفاة رجل ستيني، في شهر أيار/ مايو 2022، بعد تعرضه لهجوم من قبل كلبَين ضالَّين بالقرب من منطقة باب الخميس". واسترسل العادي: "قبل أيام، كنت أشاهد من خلال نافذة المقهى كلاباً ضالةً وهي تجوب الشارع العام، وفجأةً ظهرت امرأة على دراجة نارية تحمل طفلتين صغيرتين على متنها. وفي لمح البصر، فقدت السيطرة على دراجتها واصطدمت ببعض الكلاب التي بدأت بملاحقتها، فزادت الأم من سرعة الدراجة حتى كادت أن تصطدم بسيارة متوقفة، بسبب سرعتها المتزايدة فراراً من الكلاب الضالة وخوفاً من نباحها، ولولا ألطاف الله لما نجت من السقوط أو الارتطام بإحدى السيارات".
أصوات متصاعدة... وكلاب شرسة
على مدار السنوات الماضية، شكّلت الكلاب الضالة مصدر خوف لجملة من المواطنين المغاربة، في عدد من المدن، وازداد الخوف أكثر بعد توالي الحوادث المأساوية. على سبيل المثال، وبالرغم من تخصيص المجلس الجماعي لمدينة مراكش، برئاسة فاطمة الزهراء المنصوري، ميزانيةً تبلغ نحو 9 ملايين درهم (زهاء 900 ألف دولار)، لمحاربة الكلاب الضالة، إلا أن الظاهرة لا تزال قائمةً، في ظل غياب سياسة واضحة لمحاربتها بفعالية.
'افهم الحيوان لتحبّه، لأنك بعد حُبه سوف تُدافع عنه'
يرى الطبيب البيطري ياسين جلوني، المتخصص في موضوع الكلاب الضالة، أنه من أجل معالجة الظاهرة يجب "الإسراع في تنفيذ الاتفاق الإطار المُوقّع سنة 2019، الذي ينص على ضرورة التنسيق بين مختلف الجهات المتدخلة بما فيها الجماعات المحلية والمكتب الوطني لسلامة الصحية والمنتوجات الغذائية ووزارة الصحة والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، كما يجب الإسراع في عملية توفير الموارد البشرية وتكوينها، ثم إنشاء محاجز بلدية من أجل جمع الكلاب لتلقيحها وتعقيمها وترقيمها، ثم إعادتها إلى أماكنها الأصلية".
وأضاف: "كان من اللازم أن يتم وضع خطة إستراتيجية وطنية، من أجل تنزيل مقتضيات هذه الاتفاقية، التي تتطلب مدةً زمنيةً معيّنةً، وجملةً من الأهداف المرحلية، مع تحديد عدد الكلاب التي ينبغي تعقيمها، وتلك التي ينبغي قتلها، أي المريضة، والمسنّة".
على مدار السنوات الماضية، شكّلت الكلاب الضالة مصدر خوف لجملة من المواطنين المغاربة، في عدد من المدن، وازداد الخوف أكثر بعد توالي الحوادث المأساوية
يسترسل جلوني، وهو صاحب أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الطب البيطري، بعنوان: "إشكالية ظاهرة الكلاب الضالة في المغرب، دراسة تشخيصية وتقييم المقاربات المعتمدة لتدبيرها"، في حديثه إلى رصيف22، قائلاً إن المغرب يعيش في الفترة الراهنة "مرحلةً انتقاليةً متعثرةً، إذ تم منع قتل الكلاب الضالة عام 2019، غير أنه وحتى اليوم لم يتم تنزيل مقتضيات الاتفاقية التي تحتوي على الحلول البديلة، بسبب غياب التوعية والتحسيس بأهميتها، كما أن مجموعةً من المسؤولين ورؤساء الجماعات والمستشارين الجماعيين لا يعلمون بوجود هذه الاتفاقية".
يؤكد المتحدث نفسه، أن "قتل الكلاب حلّ تقليدي، لا يمكن الرجوع إليه، لأنه لم يعد مجدياً، ثم لكونه مكلفاً مادياً وبشرياً، بالإضافة إلى كونه عمليةً محفوفةً بالمخاطر، قد يصاب فيها شخص ما إصابةً عن طريق الخطأ، فضلاً عما تخلّفه هذه العملية من ترويع للساكنة بفعل أصوات طلقات السلاح الناري. أما عملية القتل عن طريق التسميم، فإنها تشكل خطراً على التربة، وكذا على باقي الحيوانات الأليفة، كما أن ذلك السمّ قد يتسرب إلى المياه الجوفية، وقد لا تكون هذه الطريقة ناجعةً تقنياً، لأن الكلاب تهرب من المنطقة التي توجد فيها السموم في اتجاه أخرى، مباشرةً بعد إطلاق أول رصاصة، وقد تعود إليها بعد أشهر من إتمام الحملة".
حفاظاً على حقوق الحيوان والإنسان
"من أجل الحد من ظاهرة الكلاب الضالة، يجب العمل على التدبير المُعقلن والمُحكم لقطاع النظافة، إذ إن الكلاب الضالة تقتات غالباً من مطارح النفايات ومخلّفات المجازر والأسواق، إذاً، إذا أردنا التقليل من تكاثر هذه الحيوانات، لا بد من تقليل مصادر انتعاشها من خلال التعقيم والإخصاء"، يؤكد الطبيب المختص، في حديثه إلى رصيف22، موضحاً في السياق ذاته، أن "التعقيم هو إزالة الأعضاء التناسلية للإناث والذكور في مرحلة الشباب؛ أما الإخصاء فيتم تطبيقه فقط على الذكور من الكلاب. لذا التعقيم هو الحل الإنساني الآمن والناجع للحد من هذه الظاهرة، إذ إن الإشكال الحقيقي يكمن في تكاثر هذه الحيوانات، إذ بإمكان الكلبة الواحدة أن تلد أكثر من ستة كلاب خلال سنة واحدة، والتعقيم هو الحل الذي سارت عليه دول أوروبية عدة ونجحت فيه. كما أنه خلال السنوات الأخيرة، ازداد منسوب الوعي لدى فئات عريضة من المجتمع بضرورة اللجوء إلى الحلول الحضارية والإنسانية لمواجهة ظاهرة الكلاب الضالة، حيث بادرت العديد من جمعيات الرفق بالحيوان إلى القيام بشراكات مع بعض المنظمات الخارجية وبتعاون مع السلطات المحلية وبقية المتدخلين لإنجاح مبادرات تعنى بتعقيم الكلاب، في مدن كالصويرة وأكادير وطنجة".
من أجل الحد من ظاهرة الكلاب الضالة، يجب العمل على التدبير المُعقلن والمُحكم لقطاع النظافة، إذ إن الكلاب الضالة تقتات غالباً من مطارح النفايات ومخلّفات المجازر والأسواق
من جهتها، تقول رئيسة الجمعية المغربية للدفاع عن الحيوان، والجمعية المغربية للعلاج بمرافقة الحيوان زينب العراقي، إن "الشوارع المغربية خلال فترة تفشي فيروس كورونا، امتلأت أكثر بالكلاب الضالة، لأن عملية تعقيم الحيوانات كانت تتم بطريقة متقطعة"، مشيرةً إلى أن الحل يكمن في تفعيل الاتفاقية التي وقّعتها وزارة الداخلية سابقاً، كونها "تعتمد بالإضافة إلى التعقيم والتلقيح، على إحداث ملاجئ، وورديات يشرف عليها أطباء بيطريون مرفقون بالجمعيات المختصة فقط بالكلاب الضالة، بالإضافة إلى تكوين الحراس وأعضاء الجمعيات والمعلمين في المدارس، من أجل تعليم التلاميذ كيفية تفادي الكلب الضال في الشوارع، فضلاً عن العمل على إطلاق عدد من الحملات التوعوية".
الكلاب الضالة، كانت ولا تزال تُشكّل خطراً على الساكنة، والحل ليس في قتلها؛ لأنه بعد وقوع ذلك، تأتي كلاب شرسة أخرى لتستعمر المنطقة، وهو أمر غير مجدٍ
"هناك عدد من الجمعيات الدولية المختصة التي تودّ التدخل من أجل تقديم الدعم المادي، من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات، لكن هذا الأمر لم يتم بعد، لأسباب نجهلها"، تضيف العراقي في حديثها إلى رصيف22، مؤكدةً أن "الكلاب الضالة، كانت ولا تزال تُشكّل خطراً على الساكنة، والحل ليس في قتلها؛ لأنه بعد وقوع ذلك، تأتي كلاب شرسة أخرى لتستعمر المنطقة، وهو أمر غير مجدٍ، وتالياً فإن الحل الأفضل هو تعقيم كلاب كل منطقة على حدة وتلقيحها، من أجل أن تصبح أليفةً ومتعايشةً مع أهل المنطقة، ومدافعةً عنهم ضد الكلاب الضالة الغريبة؛ لهذا يجب العمل بشكل جماعي، يداً بيد، من أجل تفعيل الاتفاقية التي صدرت عن وزارة الداخلية".
أحبّوا الحيوانات!
أما بخصوص مساعي المُجتمع المدني للحد من الظاهرة، فتختم العراقي حديثها بالقول: "إن الجمعية التي أنتمي إليها، هي جمعية علميّة، فيها عدد من أطباء الإنسان والأطباء البيطريبن، بالإضافة إلى مختصين في البيئة وعلم النبات، ونعمل بمجهوداتنا الشخصية على عدد من الحملات التوعويّة، ونشتغل على مشروع مصغر وفق النموذج الدولي المعروف باسم TNR. قد لا يكون هذا كافياً وشاملاً، لكننا نجتهد في هذا الأمر، وقمنا بعدد مهم من الحملات التوعويّة داخل المدارس، وبعدد من الخرجات الترفيهية مع الأطفال لإطعام الحيوانات، إذ إن المبدأ الذي نشتغل عليه هو: 'افهم الحيوان لتحبّه، لأنك بعد حُبه سوف تُدافع عنه'، كذلك لدينا عدد من العائلات التي تحضن الحيوانات داخل منازلها، لأن الملاجئ ليست هي الحل دائماً، إذ إن العاملين فيها يغادرونها عند الساعة الرابعة بعد الزوال، وبعدها تعمّ الفوضى بين الحيوانات".
وتشير التقديرات إلى وجود نحو مليوني كلب ضال في المغرب، وذلك في ظل غياب أي إحصاءات رسمية حول الموضوع. كما أن صور قتل الكلاب الضالة في الشوارع المغربية، والمشاهد المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، تؤثر بشكل سلبي على الصورة السياحية للبلد الذي تُعدّ السياحة إحدى أهم ركائز الاقتصاد فيه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...