الكلاب والقطط في مصر هي من أكثر الحيوانات الأليفة التي تتم تربيتها في المنازل، وتربط بينها وبين المربّين علاقة قوية من المحبة والألفة، ومثلما نتأثر نحن البشر بالعوامل المصاحبة للتغير المناخي، فإن هذه الأرواح البريئة تتأثر أيضاً. فكيف يمكن حمايتها في ظل مناخ متقلب المزاج وغير متوقع؟
أنقذت كلباً من البرد فغيّر حياتها
قبل ثلاث سنوات، كانت مروة آدم (43 عاماً)، في طريقها إلى منزلها في منطقة ألف مسكن في القاهرة، وعند أحد الكباري وجدت كلباً صغيراً، حالته الصحية حرجة للغاية مع درجة حرارة باردة، واكتشفت أنه ينزف من كل جزء في جسمه. أسرعت به إلى الطبيب الذي أخبرها بأنه لا فائدة من المحاولات لأنه سيموت لا محالة، لكنها لم تيأس من علاجه، وظلت لأسبوع متواصل تعلّق له محاليل طبيةً لعلاجه مع حقنه بالأدوية.
ارتفاع الحرارة كل عام يزداد بشكل كارثي ويؤثر على الكلاب سلباً.
بعد أن بدأ يتعافى من جروحه، كان جسده يرتعش من شدة البرد. مزّقت قطعة قماش وغطته بها، لكنها لم تكن كافيةً، فاستغلت مهاراتها في أعمال الكروشيه وصنعت ملابس خاصةً به لحمايته من البرد، وهنا خطرت ببالها فكرة مشروع ملابس لتدفئة الكلاب.
وتقول مروة، وهي خريجة معهد كومبيوتر، لرصيف22: "شعرت بأن القدر وضع ذلك الكلب في طريقي كي أنقذه من البرد ويكون فأل خير علي". الفكرة البسيطة التي قدمتها مروة تساهم في تدفئة الكلاب والقطط داخل المنازل، ويمكن أن تكون مفيدةً للمربين خاصةً مع ازدياد حدة البرد في بعض أسابيع الشتاء.
"كرتونة" للقطط الرضيعة
في إحدى العمارات القديمة في منطقة إمبابة، كان يعيش إسلام أحمد (26 سنةً)، وهو عامل في مصنع للملابس النسائية. في أحد الأيام وجد 5 قطط رضيعة في مدخل العمارة، يكاد البرد والجوع أن يقتلاها.
في البداية أحضر كرتونةً من الورق المقوّى، ووضع في داخلها قطعة قماش كبيرة، وخبأها فيها من الرياح الباردة، مع زجاجة مياه دافئة لتمدها بالدفء، وعرف بعدها طريقة إطعام هذه الأرواح الصغيرة. كبرت القطط وخرجت إلى الشارع وازداد قلقه عليها خاصةً بعد ظهور جائحة كورونا، وازدياد أعداد القطط والكلاب الشاردة في الشوارع، ما دفع إسلام إلى استئجار شقة، وتجهيزها لتكون مناسبةً لتدفئة القطط.
وضع في كل زاوية كرتونةً وفي داخلها قطعة من بطانية دافئة، وغطى الأرض بالبطانيات مع إحضار الأدوية المساعدة لعلاج القطط المريضة والمصابة. ويقول لرصيف22: "في شقتي اليوم كلبة و18 قطاً وقطةً بينها الكفيف ومريض الأعصاب، وهذه الحيوانات المريضة لا تتحمل البرودة الشديدة مثل البشر".
من وسائل حماية الكلاب من الحر، المحافظة على نظافة الصناديق الخاصة بها حتى لا تتعرض لضيق التنفس، ومنعها من اللعب في فترة الشمس شديدة الحرارة، وتكثيف أشكال الظل التي تحجب أشعة الشمس عنها
ازداد حجم التكلفة الاقتصادية على إسلام، من حيث استئجار الشقة والأدوية والطعام، التي وصلت إلى 7،000 جنيه شهرياً (270 دولاراً)، لكن ذلك لم يمنعه من متابعة عمله الإنساني، وإنقاذ القطط الشاردة التي اعتادت على المناخ المنزلي، ويضيف: "القطط المنزلية تتأقلم على المناخ المنزلي، فإذا خرجت إلى الشارع شتاء تموت من صعوبة الطقس. حتى لو حاول الحيوان المسكين حماية نفسه من البرد سيموت جوعاً".
الحر الشديد يقتل الكلاب
داخل ملجأ "هوب" الذي يديره ويشرف عليه أحمد الشوربجي، وهو مخصص للحيوانات التي تحتاج إلى المساعدة، تحصل الكلاب على وجبات طعام تزودها بالسعرات الحرارية التي تساهم في تدفئتها، مع التركيز على الأطعمة التي تحتوي على الكربوهيدرات مثل البطاطس.
ومع المخاوف من الأمطار والرياح الباردة، تُغلق جميع الأماكن المفتوحة حفاظاً على الكلاب من الأمطار المفاجئة، وتُغطّى الأرض بالبطانيات في غرفها الخاصة بالنوم، لكن ماذا يحدث عند ارتفاع درجة الحرارة؟
يقول الشوربجي خلال حديثه إلى رصيف22، إن ارتفاع الحرارة كل عام يزداد بشكل كارثي ويؤثر على الكلاب سلباً، إذ يتسبب في صدمة حرارية تُحدث للكلب ضيقاً في التنفس، ويكون معرضاً للموت بنسبة كبيرة، ويضيف: "لأن درجة حرارة الكلب العادية أعلى من الإنسان، ومع الفرو الذي يغطيه ويجعله أكثر شعوراً بالحر، نحرص على توافر المياه بكميات كبيرة وتجديدها باستمرار".
ومن وسائل حماية الكلاب من الحر في الملجأ أيضاً، المحافظة على نظافة الصناديق الخاصة بها حتى لا تتعرض لضيق التنفس، ومنعها من اللعب في فترة الشمس شديدة الحرارة، وتكثيف أشكال الظل التي تحجب أشعة الشمس عنها، ويضيف أحمد: "نسمح لها باللعب في فترة الصباح أو نهاية النهار حتى تكون درجة الحرارة ملائمةً لها ولا تعرّضها للخطر، كذلك لا نطعمها وقت الظهيرة خوفاً عليها".
وقعت قبل ذلك حادثة موت لكلب لم يتحمل درجة الحرارة القاسية، بينما حاول مسؤولو الملجأ حماية بقية الكلاب التي انهارت حالتها الصحية بسبب الحرارة، عن طريق وضعها في مكان جيد التهوية، وإعطائها سوائل وأدويةً تساهم في تخفيض الحرارة، وتنظيفها بمياه شديدة البرودة لخفض درجة حرارتها.
القطط والكلاب المستوردة تعاني من الحر
تُعدّ الكلاب والقطط المستوردة الأكثر معاناةً بسبب الطقس الحار في مصر، وتقول الطبيبة البيطرية منة الله الخولي، لرصيف22، إن مصر أصبحت تستورد الكلاب والقطط ذات الفرو الغزير والتي اعتادت على الطقس الشتوي شديد البرودة، وتضيف: "هذه الحيوانات تعاني من الطقس المصري، ولا يتفهم المربي أنه يستورد حيواناً مسكيناً يتعذب في فصل الصيف ذي الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية".
وذكرت الخولي مثالاً عن الكلاب من نوع "هاسكي"، التي لا تناسبها تغطية الأرض وتربيتها في المساكن المغلقة، بل تحتاج إلى العيش في غرف مكيفة، والاستحمام مرات عدة في اليوم وبمياه شديدة البرودة.
في البداية أحضر كرتونةً من الورق المقوّى، ووضع في داخلها قطعة قماش كبيرة، وخبأها فيها من الرياح الباردة، مع زجاجة مياه دافئة لتمدها بالدفء، ثم وضع في كل زاوية كرتونةً وفي داخلها قطعة من بطانية دافئة، وغطى الأرض بالبطانيات
أما بالنسبة إلى القطط فإن مصر تستورد أنواعاً عدة ومنها الرومي والشيرازي والسيامي، وجميعها لا تتحمل المناخ المصري، ومع ارتفاع درجة الحرارة وزيادة نسبة الرطوبة تتعرض للإصابة بالأمراض، وتضيف الخولي: "تستقبل العيادة في الصيف حالات كثيرةً من القطط المصابة بالفطريات والحشرات، ويلجأ المربون إلى تقليل حجم كثافة شعر القطط كوسيلة لحمايتها من الحر، بينما تتعرض الكثير من مواليد هذه الفصائل للوفيات بسبب الحرارة".
الحل الذي تطرحه الخولي، هو توفير بيئة ملائمة للحيوانات تناسب المناخ المتغير وطبيعة جسم الحيوانات نفسها وبيئة المنشأ، مع ضرورة متابعة حالة الحيوان مع الطبيب بصفة دورية.
مبادرات وحملات توعوية
انطلقت في مصر مؤخراً مبادرات تقدّم المساعدات المادية والمعرفية لحماية الكلاب والقطط من أحوال الطقس المتقلبة والمتطرفة. من هذه المبادرات "شارع أليف"، وتهتم بتأثير التغير المناخي على الكلاب والقطط، سواء الشاردة منها أو المنزلية أو الموجودة في المزارع.
أسست هذه المبادرة المهندسة زينة عصام، وهي واحدة من سفيرات التنمية المستدامة في وزارة التخطيط المصرية، وترعاها الممثلة ناهد السباعي. تقول زينة لرصيف22، إن المبادرة تركز على تطعيم الحيوانات الشاردة حتى لا تتعرض للانقراض بفعل التغير المناخي، بسبب قلة التبويض والخصوبة بشكل تدريجي، وتضيف: "أي حيوان يتعرض للمرض بفعل التغير المناخي يتم أخذه من الشارع وعلاجه وإعادة تأهيله وإيداعه في ملجأ لرعاية الحيوانات".
ليست جميع الكلاب والقطط قادرةً على تحمل تقلبات الطقس، لا سيما المريضة منها أو المتقدمة في السن أو من لديها إعاقة جسدية مثل الكلاب الكفيفة. لذلك تستعين المبادرة بأطباء بيطريين بعد أن يكونوا قد حصلوا على تدريب إغاثة الكلاب والقطط من الحر والبرودة الشديدين، ويتم إمدادهم بالإحصائيات الشاملة عن ظروف كل منطقة زارتها المبادرة، والأدوات والأدوية التي يحتاجونها.
كذلك تدشن المبادرة حملات توعويةً للأفراد لتعليمهم كيفية التعامل مع الكلاب والقطط في ظل التقلبات الجوية القاسية والمشكلات الصحية التي قد يتعرضون لها، وتوجيههم بأشكال الحماية والرعاية اللازمة.
بدورها تضيف نجلاء البنهاوي، صاحبة مؤسسة "لين" لإنقاذ الحيوانات، أنهم يطلقون حملات توعويةً لتحذير مربي الكلاب من خطر حبسها في أقفاص فوق أسقف المنازل أو في الشرفات، فمثل هذه التصرفات تتسبب في حدوث احتباس حراري لها، وقد تتسبب في موتها.
وتشير المتحدثة خلال لقاء مع رصيف22، إلى أن الكلاب ليست لديها غدد عرقية، وتعمل على خفض درجة حرارة جسمها من خلال كفوف أيديها والتي بدورها تلتقط الحرارة من الأرض، لذلك ينصح بضرورة عدم إبقاء الكلاب في الشمس المباشرة، وتتابع: "دائماً ما نطلب من الأهالي ضرورة فتح أبواب العمارات حتى تختبئ الكلاب والقطط فيها من الحر وكذلك البرد والمطر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...