عندما أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، عن اعتماد تقنية "الفار"، لمساعدة الحكام على اتخاذ القرارات التحكيمية الصائبة عام 2018، كان الغرض منها أن تساهم بشكل فعال في تقليل الأخطاء البشرية، والأهم من ذلك إرضاء المدرّبين واللاعبين بشكل عادل لتخفيف التوتر الذي كان سائداً، وادّعاءات الظلم والتحامل التحكيمي التي كانت تصدر أحياناً من بعض الفرق، وتحديداً بعد خسارتها.
لكن، وبعد سنوات من اعتماد التقنية، استمرت الاعتراضات على التحكيم حول العالم، وأصبحنا نسمع الكثير من وجهات النظر، وكُل معترض يظنّ بأن عينه لا تخطئ، ولديه الحجة التي تدعم موقفه.
يُعدّ الدوري الإنكليزي لكرة القدم، من أكثر الدوريات إثارةً حول العالم، ولا نتحدث هنا عن الإثارة الكروية فحسب، فهو يشهد الكثير من الجدل في ما يتعلق بالقرارات التحكيمية، وآخرها كان حول المباراة التي جمعت ليفربول وتوتنهام، والتي انتهت بفوز "الريدز" بنتيجة 3-2.
هذه المباراة، شهدت حالات تحكيمية عدة أقل ما يقال عنها إنها غريبة وغير عادلة، وأهمها تغاضي الحكم بول تيرني، عن ركلة جزاء صحيحة لصالح توتنهام في الدقيقة 85، والغريب أكثر أن حكام غرفة "الفار" لم يتدخلوا بالشكل المناسب لتدارك الخطأ الذي أثّر بشكل كبير على نتيجة المباراة حيث كان يمكن لفريق توتنهام أن يخرج متعادلاً على الأقل.
بعد سنوات من اعتماد تقنية الفار، استمرت الاعتراضات على التحكيم حول العالم، وأصبحنا نسمع الكثير من وجهات النظر
أيضاً، لم يوفَّق الحكم الإنكليزي إلى تقدير الكثير من الحالات التي ظلمت الفريقين معاً، الأمر الذي دفع مدرب ليفربول الألماني يورغن كلوب، إلى الاحتفال بطريقة غير لائقة ومستفزة أمام الحكم الرابع للمبارة بعد تسجيل فريقه هدف التقدّم، مما اضطر حكم الساحة إلى إشهار البطاقة الصفراء في وجه "كلوب"، والأخير لم يكتفِ فقط بالاحتفال بل وجّه انتقادات إلى الطاقم التحكيمي خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده عقب المباراة متهماً إياه بالتحدث إليه بشكل غير لائق.
في اليوم التالي، ذكرت لجنة الحكام في الدوري الإنكليزي الممتاز، أنه يتم ربط مسؤولي المباريات في الدوري الإنكليزي الممتاز عبر نظام اتصالات خلال جميع المباريات، وبعد مراجعة التسجيل الصوتي للحكم بول تيرني بشكل كامل، "يمكننا أن نؤكد أنه تصرّف بطريقة احترافية طوال الوقت، بما في ذلك عند إصدار تحذير إلى مدرب ليفربول، لذلك نرفض بشدة أي إشارة إلى أن أفعال تيرني كانت غير لائقة".
من جهته، قام موقع لندن وورلد، بتقدير أسبوعي لترتيب الدوري الإنكليزي من دون احتساب تدخلات "الفار"، ما أظهر اختلافات في المراكز التي احتلتها الأندية في الترتيب الرسمي، وأكد أن هذه التقنية قد أحدثت تغيّرات جذريةً في اللعبة، كذلك الحال بالنسبة إلى الدوري الإسباني، إذ إن عدم تدخل "الفار" في مباريات هذا الموسم، لو تمّ، كان سيؤثر بشكل مباشر على الفائز باللقب.
ماذا يقول الخبراء؟
يقول الحكم الإيطالي الشهير بيار لويجي كولينا، وهو اليوم رئيس لجنة الحكام في الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، إن "اعتماد تقنية الفيديو المساعد هي واحدة من أكبر التغيّرات الإيجابية في كرة القدم، وعندما تمت مناقشة هذا التوجه، كان الهدف الرئيسي هو منع حدوث حالات غير صحيحة خلال المباريات"، مشيراً إلى أنه "على ثقة تامة بنجاحها، بالإضافة إلى أن الفيفا منفتحة على التطوير الدائم لهذه التقنية مع التقدم التكنولوجي لتحسينها أكثر فأكثر".
وفي تصريح سابق لموقع نادي مانشيستر يونايتد، قال السير أليكس فرغيسون: "تقنية حكم الفار شيء جديد على اللعبة، ومن جهتي أعدّها أكبر المشكلات التي يواجهها عالم كرة القدم، وقد انطلقت الفكرة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم قبل اعتزالي التدريب بقليل، حين سألوا المدربين وقتها عن رأيهم فيها، فقبل سنوات أصبحت تقنية خط المرمى جزءاً من اللعبة، ولم يعد يتذمر أحد بشأنها، ومع الوقت ستصبح تقنية حكم الفيديو المساعد جزءاً من اللعبة برغم كثرة الاعتراضات على تطبيقها"، مشيراً إلى أنه "سيستمر الجدال دائماً على قرارات الحكام، فقبل 100 عام كنا نتذمر ونشتكي بشأن الحكام والقرارات وسيتواصل الأمر لسنوات مقبلة".
منظور إنساني وتقني
تقنية "الفار"، تكنولوجيا متطورة وبالغة التعقيد ولا يمكن لأي حكم مهما كان خبيراً أن يستلم مقعداً في الغرفة الخاصة بسهولة، فقبل القيام بهذه المهمة يخضع الحكام لدورات مكثفة للتعامل مع الأمور التقنية بالإضافة إلى تدريب خاص للعيون، فمن المعلوم أنه ليس كل ما تراه عيناك صحيحاً بالضرورة وبعد الخضوع للتأهيل اللازم يطلق على الحكم عبارة بالإنكليزية تقول: He Has a Trained Eye (لديه عين مدرّبة).
سيستمر الجدال دائماً على قرارات الحكام، فقبل 100 عام كنا نتذمر ونشتكي بشأن الحكام والقرارات وسيتواصل الأمر لسنوات مقبلة
وتقع مسؤولية كبيرة على حكام الساحة وحكام غرفة "الفار"، حيث أن العدد الأدنى للكاميرات المخصصة لهذه التقنية يبلغ 12 كاميرا، بينما هناك ملاعب مجهزة بأكثر من 60 كاميرا، ولو سلمنا جدلاً بأن هناك حكماً ظالماً ومتآمراً على فريق، فأين المفر؟
قد يقول البعض إن القرار الأخير يعود إلى حكم الساحة حتى لو تدخل حكام "الفار" بصرامة، ونلاحظ ذلك في كل المباريات حيث هناك حالات تستوجب رؤية حكم الساحة بعينه لحالة معيّنة مما يزيد من شكوك أصحاب نظريات المؤامرة، وهذا الأمر قد يحصل، وحصل في أكثر من حالة، إلا أن عواقبه كثيرة.
على سبيل المثال، أثار الحكم الإسباني ماتيو لاهوز، الجدل خلال مباراة الأرجنتين وهولندا، بسبب الأحداث التي حصلت خلال المباراة وبعدها، في كأس العالم الأخيرة في قطر 2022، فقرر وقتها الاتحاد الدولي استبعاده عن المباريات المتبقية في البطولة، أما على صعيد الدوري الإسباني فتم إبلاغه من قبل لجنة الحكام بأن عطاءه لن يستمر في الملاعب الأوروبية في الموسم القادم 2023-2024، ما يوحي بأن التحكيم يدار وفق نظام عادل متمكّن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحكم في نهاية المطاف إنسان والإنسان غير معصوم عن الخطأ.
معايير ضبط حكام "الفار"
أداء حكم المباراة يرتبط بالعديد من عوامل الضغط النفسي التي تتفاوت من حيث شدتها وأنواعها
يتحدث الأستاذ المساعد في قسم علم النفس الرياضي في كلية التربية الرياضية في جامعة المنصورة، محمد الشحات إبراهيم علي، في بحثه "المرونة النفسية وعلاقتها بإدارة الضغوط النفسية لدى حكام كرة القدم"، عن مستوى المرونة النفسية وعلاقتها بإدارة الضـغوط النفسية لدى حكام كرة القدم، فبرأيه، "القيادة الإيجابية المرتقبة لأي مباراة منوطة بالمستوى التعليمي العالي والوضع العائلي للحكم، فإذا كان الحكم حائزاً على شهادة جامعية عالية فسيكون شخصاً على مستوى قيادي بالفطرة في المباريات كما سيكون أكثر إدراكاً لأي قرار يتخذه خلال المباريات"، لافتاً إلى وجود اختلاف جذري بين قدرات الحكم المتزوج والحكم العزب.
ويقول: "أداء حكم المباراة يرتبط بالعديد من عوامل الضغط النفسي التي تتفاوت من حيث شدتها وأنواعها، وقد تؤدي في النهاية إلى الإنهاك الذهني والبدني للحكم مما قد يؤثر على مستوى قدراته البدنية والفيزيولوجية، وعلى حالته النفسية بشكل عام، وعلى مستوى أدائه في التحكيم، ويضعف من قدرته على التركيز واتخاذ القرارات في أثناء المنافسات".
ويلاحظ علي أنه "في المواقف الرياضية المتعددة، قد يواجه الحكام بعـض المشكلات من قبل الجمهور أو اللاعبين أو الجهاز الفني أو وسائل الإعلام أو لجنة الحكام الرئيسية، ما قد يؤثر عليهم بصورة سلبية حيث يضعف مـن ثقتهم بنفسهم وينمّي مفاهيم سلبية نحو الذات ونحو الآخرين، كما قد يشعر الحكم بأنه غير كـفء في عمله وقد ينتابه الصراع النفسي الذي يشغل تفكيره ما بين الاستمرار في مهنة التحكيم أو اعتزالها".
أما بالنسبة إلى ضبط حكام "الفار"، فالأمر مختلف نوعاً ما، حيث لا مجال أبداً للتحيز والمزاجية، إذ إن هناك أكثر من ستة حكام في الغرفة، ما يلغي فرضية التلاعب كما أن أي حادثة خلال المباراة ستعاد مراراً وتكراراً وعلى مرأى الملايين من المشاهدين، وسيتخللها تشاور شبيه بتشاور قضاة المحاكم، قبل إصدار الحكم النهائي، والجدير ذكره أن عملهم مرتبط مباشرةً بالتكنولوجيا فإذا كان الإنسان معرضاً للخطأ، يأتي دور التقنيات الحديثة وكأننا نتكلم هنا عن مكننة معيّنة غير قابلة لارتكاب الأخطاء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين