بالإضافة إلى موت ما يقرب من 7 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، أدت جائحة كورونا إلى تحول مؤقت في مشهد الهجرة العالمي في عام 2020 وبعده، بما في ذلك داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في ذلك الوقت، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة (IOM)، كان هناك 281 مليون مهاجر في جميع أنحاء العالم، أي ما يمثّل 3.6% من سكان العالم.
عندما بدأت البلدان في جميع أنحاء العالم بالبحث عن اللقاحات وإصدارها، بدأت أيضاً بتنفيذ العديد من التدخلات غير الصيدلانية والدوائية لتسوية أو "تسطيح منحنى" الإصابات بفيروس كورونا، مما أدى إلى قيود على حرية تنقل الملايين من الأشخاص. فقد وضعت معظم الدول قيوداً على السفر الدولي والحركة الداخلية، بما في ذلك حظر تنقل المسافرين عبر الحدود، ومتطلبات الحجر الصحي، وإغلاق المدارس وأماكن العمل، وأوامر البقاء في المنزل، وحظر السفر من بعض المناطق أو جميعها. وفقاً لمؤشر تتبّع استجابة الحكومات الخاص بجامعة أكسفورد، على الرغم من أن البلدان كانت أكثر عرضةً لتنفيذ قيود السفر الدولية في وقت مبكر من الوباء بدلاً من القواعد المتعلقة بالحركة الداخلية، إلا أن معظم الدول رفعت في نهاية المطاف قيود السفر بحلول تموز/ يوليو 2021. وفي حين حظرت 134 دولةً بعض أشكال السفر أو جميعها في نيسان/ أبريل 2020، بحلول تموز/ يوليو 2021، كانت لدى 25 دولةً فقط سياسات مماثلة مطبّقة. وتشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن هذا التغيير السريع في السياسة حدث مع بدء تطبيق التدابير الصحية في أواخر عام 2020، لتحلّ بشكل فعال محل التدخلات غير الصيدلانية والدوائية (مثل أوامر البقاء في المنزل). وتماماً كما غيرت الجائحة بسرعة في طريقة تنقل الناس في العالم، يبدو أن البلدان بدأت برفع القيود على الحركة الداخلية والدولية.
من بين الدول العشر الأولى من حيث نسبة المهاجرين من عدد سكانها، توجد ثمانية بلدان داخل الشرق الأوسط، والدول الخمس الأولى جميعها في الخليج. زيادةً على ذلك، ارتفعت أعداد اللاجئين المهاجرين إلى الدول العربية والمهاجرين منها بشكل كبير خلال العقدين الماضيين
في ذروة الوباء في عام 2020، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان هناك أكثر من 27 مليون لاجئ أو شخص مرتبط باللاجئين في/ أو من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن بين الدول العشر الأولى من حيث نسبة المهاجرين من عدد سكانها، توجد ثمانية بلدان داخل الشرق الأوسط، والدول الخمس الأولى جميعها في الخليج. زيادةً على ذلك، ارتفعت أعداد اللاجئين المهاجرين إلى الدول العربية والمهاجرين منها بشكل كبير خلال العقدين الماضيين. وفي الفترة الزمنية نفسها، أصبح اللاجئون في الدول العربية أيضاً من المتلقّين الرئيسيين للمساعدات من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي وكالة الأمم المتحدة للّاجئين، حيث استحوذ اللاجئون في المنطقة على ما يقرب من ربع ميزانية المفوضية لعام 2023 بأكملها.
بحلول نيسان/ أبريل 2020، كانت كل دولة عربية تقريباً قد فرضت قيوداً على الحركة الداخلية والخارجية. ومع ذلك، بحلول آذار/ مارس 2022، رفعت جميع الدول العربية القيود المفروضة على الحركة الداخلية ومعظم القواعد المفروضة على السفر الدولي. ومثّلت هذه القيود على الحركة بالضرورة عقبةً رئيسيةً أمام اللاجئين وطالبي اللجوء، لأن العديد من البلدان لم تسمح بأي نوع من عمليات عبور الحدود القانونية عادةً. والأمر الأكثر إثارةً للقلق هو أن المهاجرين واجهوا أزمات صحيةً جديدةً، والحاجة إلى إعادة التفكير في المسارات التقليدية للهجرة، وتطور سياسات احتجاز المهاجرين، وتفاقم التفاوتات الاقتصادية القائمة مسبقاً. وبينما كانت البلدان العربية تواجه الجائحة، هل أثرت استجاباتها على أنماط الهجرة الإقليمية؟
زيادة إجمالية في الهجرة على الرغم من انخفاض الهجرة الصافية
على الرغم من تطبيق القيود المفروضة على الحركة خلال ذروة جائحة كوفيد19، لم تشهد الدول العربية انخفاضاً كبيراً في قيم الهجرة الإجمالية، ولم يبدُ أن الهجرة الإقليمية قد انخفضت بشكل كبير منذ بداية الجائحة.
عند تحليل تدفقات الهجرة وأنماطها بشكل تفصيلي، من المفيد تحليل البيانات التي جمعتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تتعقب ثلاثة عشر نوعاً من تجمعات اللاجئين. ويشمل ذلك اللاجئين والأشخاص الذين يعيشون أوضاعاً شبيهةً بأوضاع اللاجئين، أو أولئك المعترف بهم بموجب اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وبروتوكول العام 1967 المكمل لها، وطالبي اللجوء، أو أولئك الذين يتقدمون بطلب لجوء إلى مكان ما، والأشخاص النازحين داخلياً، أو أولئك الذين تم تهجيرهم قسراً ولم يعبروا الحدود المعترف بها دولياً، وغيرهم من المهاجرين الذين تُعنى بهم المفوضية، مثل الأشخاص عديمي الجنسية. ويمكن الإشارة إلى هؤلاء الأفراد بشكل جماعي على أنهم لاجئون وسكان مجاورون للّاجئين.
في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ارتفع العدد الإجمالي للّاجئين والسكان المجاورين للّاجئين بين عامي 2019 و2022. في عام 2019، كان هناك ما يقرب من 27 مليون لاجئ في المنطقة، في حين كان هناك أكثر من 28 مليون في عام 2022. ومع انتشار القيود المفروضة على الحركة في جميع أنحاء المنطقة خلال الجائحة، يبدو أن معدل النمو السكاني للّاجئين انخفض بمرور الوقت، مع انخفاض أعداد اللاجئين والسكان المجاورين للّاجئين عاماً بعد عام من 2019 إلى 2022. بين عامي 2019 و2020، ارتفع عدد اللاجئين والسكان المجاورين للّاجئين بنحو 6.4%. وبين عامي 2021 و2020، ازداد بمعدل أقل قليلاً يبلغ نحو 4%. وبين عامي 2021 و2022، انخفض عدد اللاجئين والسكان المجاورين للّاجئين بنحو 0.4%.
قد تكون هذه التغييرات نتائج مباشرةً للوباء والقيود المرتبطة به على الحركة الداخلية والدولية. ومع ذلك، من دون بيانات أكثر حداثةً، من الصعب تقديم ادعاءات بشأن أي آثار محتملة طويلة المدى للوباء على إجمالي أعداد المهاجرين في المنطقة.
في مصر والعراق وموريتانيا والمغرب وفلسطين والسودان وسوريا واليمن والعديد من الدول العربية الأخرى، ارتفعت أعداد اللاجئين بعد عام 2020، على الرغم من جائحة كوفيد19 والقيود المفروضة على الحركة
عند تحليل الأرقام والنظر إلى عدد اللاجئين في كل بلد عربي، فإن الاتجاه العام لأعداد اللاجئين يميل أيضاً إلى الأعلى. في مصر والعراق وموريتانيا والمغرب وفلسطين والسودان وسوريا واليمن والعديد من الدول العربية الأخرى، ارتفعت أعداد اللاجئين بعد عام 2020، على الرغم من جائحة كوفيد19 والقيود المفروضة على الحركة.
كما ارتفع عدد المشرّدين والنازحين داخلياً بشكل كبير على الرغم من أي تأثير مخفف للجائحة على الهجرة. وفي معظم مناطق الصراع الرئيسية في الشرق الأوسط، ارتفع عدد المشردين داخلياً بشكل كبير. على سبيل المثال، وعلى الرغم من انخفاض عدد النازحين داخلياً أو استمراره في الغالب في حالة ركود في ليبيا والعراق بعد عام 2020، ازداد عدد النازحين داخلياً بالملايين في الصومال والسودان وسوريا واليمن في أثناء الجائحة وبعدها. بالإضافة إلى ذلك، بعد اندلاع قتال عنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان في نيسان/ أبريل 2023، فر أكثر من 100,000 شخص من السودان، وأصبح أكثر من 300،000 نازحين داخليين. وتتوقع الأمم المتحدة أن يغادر أكثر من 800,000 سوداني البلاد طوال عام 2023، مما يؤدي إلى زيادة معدل النازحين داخلياً أكثر وأكثر في البلاد.
كان أحد التغييرات البارزة التي أحدثتها الجائحة هو تأثيرها على صافي الهجرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يمكن أن يوفر صافي الهجرة -وهو إجمالي الهجرة إلى منطقة ناقص إجمالي الهجرة منها- نظرةً ثاقبةً إلى تدفقات الهجرة الإقليمية. تشير "قيمة الهجرة الصافية الإيجابية" إلى أن عدد الأشخاص الذين ينتقلون إلى منطقة ما أكثر مقارنةً بالمغادرين منها، بينما تشير "القيمة السلبية" إلى أن المزيد من الأشخاص يغادرون المنطقة. قبل جائحة كوفيد19، في عامي 2018 و2019، كانت قيم الهجرة الصافية إيجابيةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يشير إلى أنه على الرغم من الأعداد الكبيرة الإجمالية للهجرة خارج الشرق الأوسط، كان المزيد من الناس يهاجرون إليها. ومع ذلك، بعد أن اجتاح الوباء العالم، انخفض صافي الهجرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يشير إلى أن المزيد من الناس في المنطقة كانوا يغادرون على الرغم من القيود المفروضة على الحركة بهدف وقف انتشار كوفيد19.
التأثيرات طويلة الأمد
على ضوء الأحداث، وعلى الرغم من أن جائحة كوفيد19 كانت واحدةً من أكثر الأحداث التي أحدثت تعطيلاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً في تاريخ البشرية الحديث، إلا أنها لم تحدّ تماماً من تدفق المهاجرين الذين يغادرون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا يبدو أنها أثّرت بشكل كبير على تدفقات الهجرة على المدى القصير. بل على العكس من ذلك، استمر عدد اللاجئين والسكان ذوي الصلة باللّاجئين في العديد من الدول العربية في الازدياد على مدى العامين ونصف العام الماضيين على الرغم من أن كل دولة عربية تقريباً طبّقت قيوداً على الحركة والتنقل. من المهم أيضاً ملاحظة أن العدد الإجمالي للّاجئين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدأ بالانخفاض قليلاً في عام 2022، وانخفض معدل نمو عدد اللاجئين عاماً بعد عام بين عامي 2019 و2022، وبدأ صافي الهجرة بالانخفاض بعد الوباء. ومع ذلك، من دون بيانات إضافية من الصعب إثبات ما إذا كان هذا الاتجاه سيستمر وما إذا كانت هناك علاقة بين الوباء وتدفقات الهجرة المتغيرة وما إذا كانت ذات طبيعة سببية.
قد يستغرق الأمر سنوات لفهم التأثير طويل المدى لجائحة كوفيد19 على المهاجرين العرب، وأنماط الهجرة، على الرغم من أنه لا يوجد شك في أنها ساهمت في التأثير على حياة الملايين في المنطقة، لا سيما في ما يتعلق بالصحة العقلية والبدنية، وأنماط الهجرة الجغرافية، وتفاقم عدم المساواة والتفاوتات الموجودة بالفعل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...