من 20 فداناً عام 2003 إلى قرابة 20 ألفاً اليوم، تراهن مصر على دخول سباق زراعة نبتة الجوجوبا، لما لها من فوائد صحية وبيئية كبيرة، واستخدامات طبية وغذائية وصناعية في طور الاكتشاف.
والجوجوبا هي نبتة تنمو على شكل شجرة كبيرة نوعاً ما، وتنتشر بشكل أساسي في صحراء السونورا بين الولايات المتحدة والمكسيك، وتاريخياً كان الهنود الحمر يعتمدون عليها بشكل كبير في معالجة الجروح والتقرحات والأمراض الجلدية، بالإضافة إلى استخلاصهم للزيت الذي تحمله بذورها، واستخدامه لتقوية الشعر وترطيب البشرة وحمايته من آثار أشعة الشمس الحارقة، وأخذته عنهم شعوب الأنكا في بيرو واعتمدت عليه لفترات طويلة نظراً لما يتمتع به من خواص طبيعية وكيميائية متنوعة.
تراهن مصر على دخول سباق زراعة نبتة الجوجوبا، لما لها من فوائد صحية وبيئية كبيرة.
وقد عرف الإنسان إنتاج الزيت النباتي منذ أكثر من خمسة آلاف عام، من نباتات مثل زهرة الشمس وجوز الهند والزيتون وغيرها، إلا أن نبتة الجوجوبا ظلت حبيسة بعض البيئات دون انتشار يذكر، حتى أثارت انتباه بعض الدول في ظل حاجتها إلى مزاياها المتعددة، فتمت الاستعانة بها بعدما جمعت من موطنها الأصلي خلال الحرب العالمية الثانية لاستخدام زيتها في محركات الشاحنات والمعدات، وفي عملية تزييت وصيانة المدافع. ومع مطلع السبعينيات زاد الاهتمام العالمي بزراعة الجوجوبا بعد الرقابة الدولية على صيد الحيتان، إذ استخدم زيت الجوجوبا كبديل طبيعي لزيت كبد الحوت بما يمثله من فوائد طبية عديدة، كما ظهرت أهميته صناعياً كبديل للزيوت المعدنية في مجالات تزييت المحركات والآلات.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، وبالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة، أدخل الدكتور محمود هاشم البرقوقي مؤسس قسم البساتين بجامعة الأزهر، بذور الجوجوبا لأول مرة إلى مصر، وأشرف على زراعتها في المزرعة التابعة لكلية الزراعة، ثم سجلت أول رسالة ماجستير بالقسم في منتصف الثمانينيات، تلتها دكتوراه عن طرق إكثار الجوجوبا، قبل أن ينتشر المشروع ليتبنى زراعتها عدد من رجال الأعمال في صحراء مصر.
المشروعات المصرية لزراعة الذهب الأخضر
حديثاً، في ظل التغيرات المناخية الكبيرة التي تضرب مختلف أنحاء العالم، وتغزو بآثارها مختلف البيئات، وفي إطار تعزيز تحركاتها نحو تفعيل الاقتصاد الأخضر، سعت مصر لزيادة الرقعة المزروعة بالجوجوبا، وأسفرت جهودها في السنوات القليلة الماضية عن انتشار هذه الزراعة في عدد من المحافظات والأقاليم، كالوادي الجديد والبحر الأحمر ووادي النطرون والإسماعيلية وأسيوط ومطروح وبني سويف.
وأصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري مطلع العام الحالي تقريراً خاصاً للتعريف بالجوجوبا وخصائصها، وأماكن ومشروعات زراعتها في مصر، فضلاً عن المزايا والمكاسب الاقتصادية المتحقِّقة من زراعتها واستخداماتها، وأشار التقرير إلى إطلاق مصطلح "الذهب الأخضر" على هذه النبتة لما تمثله من قيمة اقتصادية كبيرة.
ومن أهم مشروعات زراعة الجوجوبا في مصر مركز الوادي الجديد، الذي يضم أكبر مشتل للجوجوبا في الشرق الأوسط على مساحة 15 ألف فدان، بالإضافة إلى مشروع محافظة البحر الأحمر، الذي يستهدف زراعة 3000 فدان، ومشروع وادي النطرون، الذي تنفذه الشركة المصرية الخليجية لاستصلاح الأراضي الصحراوية، وقد دخل موسمه الثالث، وتجاوز إنتاجه ما يفوق التقديرات التي وضعها فريق الهيئة الاستشارية للشركة مسبقاً، ومشروع غابة سرابيوم في الإسماعيلية، والتي تمتد على مساحة 5000 فدان، تستحوذ الجوجوبا على 6% من إجمالي مساحتها.
خصائص الجوجوبا
تمتد دورة حياة الجوجوبا لما يقارب مائتي عام، وهي نبات زيتي تحتوي بذوره على زيت فريد يمثل أكثر من 40% من وزن النبات، ويمكنه التعايش مع نوعيات مختلفة من المياه، ما شجع الدولة والمستثمرين على زراعته في مساحات شاسعة دون حمل أعباء جودة المياه، إذ يمكن ريه بالمياه العذبة والمنخفضة الملوحة كما في مشروع جهاز الخدمة الوطنية في منطقة وادي الشيح بأسيوط، ومنطقة وادي باريس بمحافظة الوادي الجديد، أو المياه المرتفعة الملوحة كما في منطقة المغرة جنوب مدينة العلمين في محافظة مطروح، أو مياه الصرف الصحي المعالجة كما في مشروع زراعة الجوجوبا بمحافظة بني سويف.
لا تتوقف استخدامات الجوجوبا على زيتها المستخلص، إذ يمكن الاستفادة من المادة المتبقية من البذور بعد عصرها كعلف للحيوانات والأسماك، وقشور الثمار في تسميد الأشجار، وسجلت عدة أبحاث مؤخراً حول استخراج مواد لعلاج الأمراض السرطانية من أوراقها
ومن مزايا الجوجوبا أنها نبتة تستهلك كمية قليلة من المياه، وتستطيع الشجرة الناضجة تحمل العطش لمدة قد تصل إلى عام، كما أنها لا تحتاج إلا لكميات قليلة من الأسمدة خلال فترة زراعتها الأولى، ولا إلى الرش الوقائي أو العلاجي، نتيجة لمحدودية إصابتها بالآفات والحشرات، كما يمكن جمع بذورها فور نضجها أو تأجيل حصدها لفترات طويلة دون أن تتأثر، ويمكن تخزين المحصول لفترات طويلة وفي أي ظروف دون أن يصيبه ضرر.
فوائد واستخدامات متعددة
تقول الدكتورة إيمان البطران، الباحثة في معهد بحوث الاقتصاد لرصيف22، إن زراعة نبات الجوجوبا في مصر قادرة على إضافة قيمة كبيرة للاقتصاد القومي، فمزايا الجوجوبا كثيرة ومتعددة من الناحيتين البيئية والاقتصادية.
وتضيف: "تسهم زراعة الجوجوبا في مقاومة التصحر، كما تقلل من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يمثل واحداً من أهم الغازات الرئيسية المسببة للاحتباس الحراري، وتعد مصدراً هاماً للوقود الحيوي الصديق البيئة، والذي يمكن إعادة تدويره واستخدامه مجدداً".
وطالبت البطران الجهات المعنية بضرورة العمل على التوسع في زراعة الجوجوبا أكثر بما يتناسب مع أهميتها، بالإضافة إلى تذليل العقبات أمام المستثمرين الراغبين في الاستثمار بمشروعات زراعتها، لتشجيعهم على زيادة الرقعة المزروعة بها.
وفي ورقة بحثية يعدد الدكتور أحمد أبو شامة الباحث بمركز بحوث الصحراء استخدامات نبات الجوجوبا الفريدة والمتنوعة، ففي المجال الصناعي يستخدم كزيت محرك للطائرات الحربية الحديثة وطائرات الكونكورد بالإضافة إلى سفن الفضاء والصواريخ، كما يستخدم الزيت في إنتاج الشموع والأحبار والبلاستيك، إلى جانب مجالات الطب والصيدلة، حيث يستخدم كمضاد للالتهابات ومعالج للجروح، بالإضافة لكونه ملطفاً ويدخل في علاجات الفم واللثة والأسنان، كما يستخدم في مجال الرش العلاجي للنباتات، إذ ثبت نجاحه في مقاومة الحشرات والآفات الضارة، وفي مجال حفظ الأغذية أثبت فعاليته في تغليف ثمار الفاكهة لحمايتها، مما يطيل عمرها ويحافظ على نضارتها.
ولا تتوقف استخدامات الجوجوبا على زيتها المستخلص، إذ يمكن الاستفادة من المادة المتبقية من البذور بعد عصرها كعلف للحيوانات والأسماك، وقشور الثمار في تسميد الأشجار، وسجلت عدة أبحاث مؤخراً حول استخراج مواد لعلاج الأمراض السرطانية من أوراقها.
تمتد دورة حياة الجوجوبا لما يقارب مائتي عام، وهي نبات زيتي تحتوي بذوره على زيت فريد يمثل أكثر من 40% من وزن النبات، ويمكنه التعايش مع نوعيات مختلفة من المياه، ما شجع الدولة والمستثمرين على زراعته في مساحات شاسعة دون حمل أعباء جودة المياه
كما توضح دراسة نشرت عام 2021 تحت عنوان "الصحاري والتصحر" قدرة الجوجوبا على التكيف مع الظروف المناخية القاسية، إذ إنها تعد ضمن النباتات المقاومة للجفاف. كما أكدت الدراسة على أن مزارع الجوجوبا تلعب دوراً بارزاً في مكافحة آثار التصحر وتحسين جودة التربة، خاصةً وأن قشور بذورها الزيتية يمكن استخدامها كغطاء أرضي وقائي، لتقليل معدلات التبخر والتعرية، فضلاً عن كونها سماداً جيداً للتربة، وتدعم دورة حياة النبات والحيوان.
ومع إدراك كل هذه الأهمية، تسعى مصر لتجهيز آلاف الفدانات لزراعة الجوجوبا في الفترة المقبلة، وهي اليوم تحتل مرتبة متقدمة في إنتاج زيت الجوجوبا عالمياً، بعد أن انتشرت المصانع في مختلف أنحاء البلاد، فأنشأت الشركة المصرية للزيوت الطبيعية أول مصنع متخصص في إنتاج زيت الجوجوبا بمدينة العاشر من رمضان، كما أنشأت شركة "سرايا" اليابانية مصنعاً في العين السخنة، وتمتلك شركة "جوجرين" مصنعاً في مدينة السادات الصناعية، ويرى القائمون عليها أن مصر تستطيع أن تصبح مركزاً إقليمياً لإنتاج زيت الجوجوبا، ومن أكبر المراكز على مستوى العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه