شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"العادات والتقاليد المجحفة هي التي تحكم"... واقع المرأة اليمنية في ميزان القوانين التمييزية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والنساء

السبت 20 مايو 202312:03 م
Read in English:

The reality of Yemeni women hanging in the balance of discriminatory laws

"أنا البنت الوحيدة بين خمسة أولاد، أُمَيّة تزوجت وعمري ستة عشر عاماً وتطلقت في عمر الثامنة عشرة. لديّ بنتان توأم. بعد الطلاق رجعت لبيت أهلي، وتعامل إخوتي وزوجاتهم معي كجارية أو خادمة لهم. استغل إخوتي عدم تعليمي وقالوا إن طلاقي يحملني مسؤولية أي شيء يحدث لابنتيّ، لذا أخذوا ابنتيّ مني وأعادوهما لأبيهما. حُرِمت من التعليم ومن ابنتيّ ومن الزواج ثانيةً ومن الميراث...".

هذه الكلمات هي جزء بسيط مما أخبرت فتحية عبد الله (50 عاماً) به رصيف22، وقصتها واحدة من مئات القصص التي نسمع عنها في اليمن. إلا أنه ما يزال هناك الكثير من النساء اليمنيات اللاتي لا يستطعن التحدث عن قصصهن لأسباب اجتماعية (عائلية أو قبلية) ولعدم إنصاف القانون لهن.

الصورة للفنان التشكيلي اليمني الراحل ياسين غالب.

تحتوي القوانين اليمنية على عشرات النصوص القانونية التمييزية ضد المرأة، يتناول هذا التقرير عدداً منها، وتحديداً في قانون الأحوال الشخصية والجنسية وقانون الجرائم والعقوبات.

تمييز قانوني صريح ضد المرأة

ترسّخ القوانين اليمنية بما فيها قانون الأحوال الشخصية وقانون الجرائم والعقوبات ممارسات تمييزيّة ضدّ المرأة إذ تتضمّن أحكاماً تُسهّل العنف الأسري والاعتداء وتكرّس ولاية الرجل على المرأة. ووفق التقرير العالمي للمنظمة هيومن رايتس ووتش لعام 2021، فإن اليمن يستمر في تعريض النساء "لتمييز شديد في القانون والممارسة". كما يأتي مُنذ أعوام في آخر قائمة الدول على مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي.

"حُرِمت من التعليم ومن ابنتيّ ومن الزواج ثانيةً ومن الميراث"... قصص يمنيات يعانين بسبب "القوانين التمييزية" التي "تخلق بيئة غير متوازنة ومجتمعاً غير آمن للنساء"

ويتضمّن قانون الأحوال الشخصية اليمني أحكاماً تمييزيّة في مسائل الزواج، والطلاق، والحضانة والقرارات المتعلقة بالأطفال. تشير المادة 15 من قانون الأحوال الشخصية إلى أنه لا يصح تزويج الفتاة دون سن 15 عاماً إلا أنه بموجب التعديل رقم 24 لعام 1999 تم حذف قيد السن. ووفقاً لإحصائيات اليونيسيف لعام 2017، فإنّ أكثر من ثلثي الفتيات في اليمن تزوجّن قبل سن 18 عاماً في الوقت الحالي، مقابل 50% قبل اندلاع الحرب.

في نفس السياق، فإن المادة 16 تنص على أن عقد الزواج يُكتب بين الرجل وولي أمر المرأة في مجلس خاص بالرجال يتم فيه الإيجاب والقبول بينهما بصرف النظر عن رأي المرأة وحقها في وضع شروط بعقد الزواج كما أكدت محامية وناشطة يمنية لرصيف22.

تضيف فتحية بمرارة: "رفض إخوتي زواجي من أي شخص يتقدم لي لأنهم يريدون أن أبقى في خدمة أمي وألّا يكون لي ولد يطالب بميراثي مستقبلاً".

وحسب المادة 42 من قانون حقوق الطفل، فإنه لا يحقّ للمرأة الوصاية على أطفالها إذ يكون الأبّ هو الوصي القانوني على الأطفال، وفي حالة وفاة الأب تنتقل الوصاية للجدّ من ناحية الأب.

وترى المحامية والناشطة الحقوقية اليمنية وداد أحمد أن هذا يعوق أي سلطة للمرأة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بأطفالها. ووفقاً للقانون، يمكن للأب إنهاء حضانة المرأة لأطفالها بحجة عدم توفر الأهليّة أو في حالة زواجها من آخر.

كما أن المادة 40 من قانون الأحوال الشخصية تُحد من حركة المرأة. فلا تُجيز لها الخروج إلا بإذن زوجها، وهنا قد يتعسف الزوج إذا ما أرادت الزوجة أن تزور أهلها.

ووفقاً للدستور اليمني، تنص المادة 3 منه على أن "الشريعـة الإسلاميـة مصـدر جميـع التشريعات"، ولذا فإن المرأة اليمنية ترث نصف الرجل كما جاء في أحكام قانون الأحوال الشخصية. وتقول وزيرة حقوق الإنسان السابقة حورية مشهور لرصيف22 إن ما يحصل على أرض الواقع أن "الكثير من الأسر اليمنية تقوم بالتَحَايُل على المرأة في الإرث" بحيث لا يتم إعطائها الأرض الصالحة للزراعة وتُمنح عوضاً عن ذلك الأرض الهامشية (أي الحدية قليلة القيمة والأهمية) أو عدم إعطائها حقها من الإرث بشكل كامل.

المواطنة تقتضي المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، ولن تأتي هذه المساواة في ظل قوانين تنتقص من حقوق المرأة لصالح الرجل. لكن ما يحدث للنساء في #اليمن بموجب القانون مغاير لذلك

تتذكر فتحية المعاناة التي عاشتها وما تزال: "بعد موت أبي تم حرماني من الميراث من قبل إخوتي إذ إنهم عند قسمة الميراث لم يخبروني بذلك وتم توكيل شخص من قبلهم ليحضر القسمة باسمي. بعد 27 عاماً أحضروا لي  أوراق ملكية للأراضي وهي أقل من ربع نصيبي من الميراث ولا تسمح لي بالتصرف فيها أو بيعها. ومنذ عامين ماتت أمي، فقاموا برفع قضية ضدي لأن أمي قامت بتمليكي نصيبها من بيت أبيها من أجل أن أعيش فيه بقية حياتي، وكانت سابقاً قد ملّكت إخوتي الأشياء الأخرى من ميراثها. أخبرت القاضي أني أريد نصيبي من ورث أبي إلا أنه لم يحكم لي بشيء حتى الآن".

في سياق متصل، يحتوي قانون الجرائم والعقوبات اليمني على الكثير من النصوص التمييزية التي توضح وداد أحمد أنها "تعزز العنف ضد المرأة وتؤدي إلى انتهاك حقوقها والانتقاص من كينونتها، وخلق بيئة غير متوازنة ومجتمع غير آمن للنساء".

على سبيل المثال، تنص المادة 42 منه على أن ديّة المرأة نصف ديّة الرجل، فيما تجيز المادة 232 منه للرجل قتل زوجته أو أحد فروعه من النساء في حال تفاجأ بها في وضع الزنا. ولم يُعطِ القانون المرأة نفس الحق. وتشير حورية مشهور إلى أنه أثناء نقاش حول نص المادة طرحنا سؤالاً: ماذا لو حصل العكس والمرأة هي من ضبطت زوجها حال تلبسه بالزنا وقامت بقتله؟ وردت بأنه قيل لنا إنها تُقتَل لأنها قامت بقتله، وهو ما ترى فيه تمييزاً واضحاً "لأن الأصل أن النفس البشرية واحدة والفعل واحد وهو القتل".

كذلك، تنص المادة 59 من قانون الجرائم والعقوبات على أنه "لا يقتص من الأصل بفرعه" نتذكر هنا مقتل الطفلة مآب (12 عاماً) على يد أبيها.

تعارض وتضارب

وتؤكد المادة 6 من الدستور اليمني على ضرورة العمل بالمواثيق الدولية التي صادق عليها اليمن كما تنص المادة 41 منه على المساواة بين جميع المواطنين. وجرى تعديل الدستور بإضافة المادة 31 التي تنص على أن النساء "شقائق الرجال، ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينـص عليـه القانـون". يُلاحظ بذلك أن صياغة المادة 31 خففت فعلياً من نص المساواة في المادة 41 بل يمكن القول إنها قوّضت ضمانة المساواة بالرجال. واعتبر تقرير لمنظمة العفو الدولية أن هذه المادة تؤيد فكرة سيطرة الرجال على النساء.

برغم كل ما سبق، ترى وداد أحمد أن "الدستور اليمني من أحسن الدساتير على المستوى العربي" في ما يتعلق بحقوق المرأة. وتضيف أن المشكلة هي في القوانين التي تُميِّز بين الرجال والنساء، بما يترتب عليه إشكالية يتعرض لها المحامون عند التصدّي للدفاع عن النساء اللاتي يتعرضن للتمييز القانوني بعدم الدفع بعدم دستورية هذه القوانين من جهة، وعدم تجاوب القضاة بأهمية العمل بالمواثيق الدولية من جهة أخرى.

وتقول المحامية اليمنية أروى الشميري لرصيف22 إن المشكلة تكمن - بالإضافة إلى وجود نصوص قوانين تمييزية ضدّ المرأة - في أنه لا توجد نصوص قانونية تحمي المرأة ونص قانوني يحظر التمييز ضد المرأة. 

وفقاً لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، فإنَّ المعايير الاجتماعية والثقافية تعتبر سبباً للعديد من انتهاكات حقوق المرأة، "وتلتزم الدول باتخاذ التدابير المناسبة للقضاء على هذه المعايير ومنع التمييز على أساس النوع الاجتماعي والتمييز المتعدد الجوانب والعنف القائم على النوع الاجتماعي وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة".

بدورها، تُشير الصحافية اليمنية هدى الحربي إلى أن القوانين الخاصة بالمرأة في اليمن تعتبر "شكلية" لأن العرف والعادات والتقاليد المجحفة هي التي تحكم. في هذا الصدد، نشير إلى أن العرف هو أحد مصادر القانون وفقاً للمادة 1 من القانون المدني.

"المشكلة تكمن - بالإضافة إلى وجود نصوص قوانين تمييزية ضدّ المرأة - في أنه لا توجد نصوص قانونية تحمي المرأة ولا يوجد نص قانوني يحظر التمييز ضد المرأة"

محاولات نسوية لتغيير القوانين

في قلب كل هذه التناقضات، هناك محاولات وجهود نسوية لتغيير القوانين التمييزية ضد المرأة. وتؤكد الوزيرة السابقة حورية مشهور أن اللجنة الوطنية للمرأة (وهي هيئة حكومية تتبع مجلس الوزراء) قامت بين عامي 2002 و2004 بأول مراجعة شاملة للمنظومة التشريعية الوطنية، ووجدت أن الكثير من النصوص يتضمن تمييزاً واضحاً ضد المرأة ومن بينها قانون الأحوال الشخصية وقانون الجرائم والعقوبات. 

وتضيف أنه تم تعديل بعض القوانين التمييزية بما فيها قانون الجنسية الذي لا يعطي المواطنة اليمنية المتزوجة من أجنبي حق تمرير جنسيتها لأولادها، وهذا النص تم تغييره إلا أنه ما يزال بعض الدوائر الحكومية لا تعترف به ولا تطبقه، وفقاً لشكاوى بعض النساء. 

من هؤلاء النساء يسرى أحمد، وهي يمنية تزوجت من  مواطن عراقي عام 2002 وانفصلت عنه عام 2008. بعد الانفصال سافر أبو طفليها جميل (مواليد صنعاء عام 2003) وآلاء (مواليد عدن عام 2005) وانقطع عن التواصل معهم. 

 في فترة طفولتهما، قامت يسرى بإضافة أسماء طفليها لجواز سفرها، وعند بلوغهما السن القانونية ذهبت لمصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني لاستخراج وثائق رسمية (بطاقات شخصية) لهما لتُفاجأ بالرد عليها بأنهما "أجانب ولا يحق لهما الحصول على وثائق يمنية"، لتذهب إلى مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية للتحدث مع المسؤول القانوني بالمصلحة ليرد عليها: لا يحق لكِ تمرير الجنسية لأبنائك.

وحين ذكّرته بأن القانون تم تعديله عام 2010 ليسمح للمرأة اليمنية بتمرير الجنسية لأبنائها، قال لها إن القانون يخص من ولد عام 2010 وما بعدها. تحدثنا يسرى عن ألوان المعاناة التي تعيشها بينما جميل الآن في عامه الثاني بالجامعة وآلاء في عامها الجامعي الأول، وفي كل مرة تطلب جامعتاهما الوثائق الرسمية لهما تحاول التهرب.

وتتساءل الأم اليمنية: "إلى متى سيظل جميل وآلاء بلا وثائق؟ كيف يمكن أن يحصلا  على الشهادة الجامعية؟"، مستدركةً "في الوقت الحالي، أخاف على جميل من الخروج من المعلاء (مديرية في محافظة عدن) لأنه لا يحمل وثيقة شخصية للتنقل بسهولة بين الحواجز الأمنية". من جهة أخرى، تقول أمل عبد الله، وهي مواطنة يمنية متزوجة من مواطن مصري ولديها ابنتان من مواليد صنعاء في 2007 و2011، إن ابنتيها حصلتا على الجنسية اليمنية عام 2012، بعد أن قامت بتقديم طلب لوزير الداخلية.

التمييز  يحصل أيضاً خارج المنظومة التشريعية أي بالقرارات واللوائح الإدارية، وهي في مرتبة أدنى من القوانين وتغييرها سهل وإن كان معقوداً بيد من أصدرها.

في الأثناء، تقول حورية مشهور إنه تم تغيير سن التقاعد بعدما كانت النساء يتقاعدن في سن أبكر من الرجال، وتم تعديل النص بالمساواة في التقاعد في سن الـ62 عاماً وترك حرية الاختيار للمرأة إذا ما رغبت في التقاعد المبكر.

وحسب المصدر نفسه، فإن التمييز أيضاً يحصل خارج المنظومة التشريعية أي بالقرارات واللوائح الإدارية، وهي في مرتبة أدنى من القوانين وتغييرها سهل وإن كان معقوداً بيد من أصدرها.

وتختم مشهور: "نحن الآن نمر بفترة استثنائية بكل المقاييس وأجهزة الدولة معطلة، خاصة مجلس النواب المعني بمناقشة وإقرار القوانين ورفعها لرئيس الجمهورية لإصدارها، وبالتالي يصعب الحديث عن هذا الموضوع. والجيد أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومشروع الدستور اليمني الجديد والمبني على مخرجات الحوار الوطني أكدت على كثير من الحقوق الشخصية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمرأة. ونأمل في فترة السلام والاستقرار إقرار تلك المخرجات المنصفة والتي تحول دون التمييز ضد النساء".

في غضون ذلك، توضح الحريبي أن هناك حركات نسائية تطالب بإنصاف المرأة وتعديل الدستور اليمني لكن أصواتها لا تصل إلى آذان الساسة الذين يلعبون الدور الأكبر في تغييب المرأة واضطهادها.

إلى ذلك، تُعد الحاجة إلى تعديل القوانين التمييزية التي تمارس ضد المرأة اليمنية ملحة، وذلك لضمان حصولها على حقوقها وضمان احترام هذه الحقوق في الواقع الفعلي لأن المواطنة تقتضي المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، ولن تأتي هذه المساواة في ظل قوانين تنتقص من حقوق المرأة لصالح الرجل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image