وما إن جاءت ثورة التغيير في 11 شباط/فبراير 2011، حتى كانت المرأة أيقونتها ومتصدرة لأحداثها، وارتفعت نسبة مشاركتها في العملية السياسية خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت الثورة، وحصلت على دور بارز في مختلف الفعاليات، تكللت بإقرار نسبة مشاركة لا تقل عن 30% في مؤسسات الدولة التشريعية والخدمية.
خلال عقد من الزمن، وبعد ثورة 2011، حققت المرأة اليمنية بعض المكاسب وخسرت الكثير من حقوقها أيضاً.
إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فبعد الواحد والعشرين من أيلول/سبتمبر 2014 ليس كما قبله، إذ غابت المرأة اليمنية عن المشهد السياسي بعد أن أقصتها الأحزاب، وتعرّضت لتضييقات عديدة من السلطات في صنعاء، كان آخرها المنع من العمل في المطاعم.
اليوم، وبعد عقد من الثورة، يجول رصيف22 في أروقة طموح اليمنيات وأحلامهن المعلقة، ويتحدث لفاعلات وفاعلين في المشهد اليمني، لمعرفة التحولات التي مرت بها المرأة خلال عشر سنوات كثيفة الأحداث.
مكاسب هامة
خلال السنوات الثلاث الأولى من الثورة اليمنية، خطت المرأة خطوات كبيرة باتجاه الحصول على حقوقها، وانخرطت بالتحركات الميدانية والحزبية والمدنية، فأصبح لها حضور أكبر في الحياة العامة في عموم البلاد، وفرضت مكانتها وأجبرت الرجل على الاستماع لرأيها، وبات صوتها، الذي لم يكن من المعهود سماعه من قبل، لزاماً وبديهياً.تقول حورية مشهور، وهي وزيرة حقوق الإنسان في حكومة الوفاق الوطني المشكلة عقب انتخاب عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً، بأن ثورة الشباب السلمية فجّرت طاقاتهم، وكانت النساء، وخاصة الشابات، في طليعة قيادات الثورة، وتضيف في حديثها لرصيف22: "كان حضور النساء مذهلاً، ومصدر إلهام جعل الجميع يلتفّ حول أهداف الثورة، التي تمحورت حول المطالبة بالدولة المدنية التي تحفظ للناس كرامتهم وإنسانيتهم وحقوقهم، وتكفل لهم المساواة، وقطفت المرأة ثمار نضالها في مؤتمر الحوار الوطني، فرضت أجندتها وطالبت بحقوقها وحقوق كافة فئات المجتمع".
حورية مشهور
هذا المؤتمر هو أهم مكسب حققته المرأة اليمنيةـ برأي الدكتورة نادية عبد الله، وكيلة وزارة الشباب والرياضة في الحكومة المعترف بها دولياً، كما تقول لرصيف22: "المرأة قبل 11 فبراير كانت مجرد صوت انتخابي بالنسبة للمكونات السياسية، ثم أصبحت جزءاً من العملية السياسية، ومن خلال مشاركتها في الحوار الوطني، استطاعت أن تعدل مواد تخصها في مختلف المجالات، وإقرار تمثيلها في مناصب الدولة بنسبة 30% يعد أهم منجز".
ناديا عبد الله
تحولات جوهرية
هذه المكاسب التي تحققت خلال حوالي ثلاث سنوات، شهدت انتكاسة مؤلمة عام 2014، مع دخول اليمن في حالة حرب ونزاع طويلة الأمد، إذ سيطرت جماعة الحوثي على العاصمة، وارتفع صوت السلاح ليصبح هو السلطة الحاكمة، وغاب المناخ الديمقراطي الذي كان اليمنيون يسعون إليه، ولم تعد النساء قادرات على التعبير بحرية أو السعي لتحقيق ما تم إقراره من قبل، وامتدّ كل ذلك لتتوقف المرحلة الانتقالية التي كانت تشهدها البلاد، وذلك بمنع الاستفتاء على الدستور ومغادرة رئيس البلاد المنتخب صنعاء، ليحل محله رئيس اللجنة الثورية فالمجلس السياسي الأعلى حالياً.بذلك، اضطر مئات الآلاف لمغادرة البلاد، هرباً من نزاع تسبب بأزمة تصنف بأنها الأسوأ إنسانياً على مستوى العالم، ومن هؤلاء نماذج كثيرة لنساء يمنيات كُن شعلة الثورة وقائداتها، جبن مع الرجال شوارع صنعاء في مظاهرات سلمية تطالب بدولة مدنية وحقوق متساوية، لكن فرحتهن لم تكتمل.
خلال السنوات الثلاث الأولى من الثورة اليمنية، خطت المرأة خطوات كبيرة باتجاه الحصول على حقوقها، وانخرطت بالتحركات الميدانية والحزبية والمدنية، فأصبح لها حضور أكبر في الحياة العامة في عموم البلاد، وفرضت مكانتها وأجبرت الرجل على الاستماع لرأيها
دفعت الحرب بحورية مشهور لمغادرة اليمن إلى الشتات، كما تصف: "بعد انهيار الدولة الهشة أساساً، عمّت الفوضى البلاد وغاب الأمان وضاعت حقوق الإنسان وتاهت العدالة". ومثلها الصحفية أروى عبده عثمان، التي شغلت منصب وزيرة الثقافة في حكومة الشراكة الوطنية عام 2014، واضطرت لترك منزلها في صنعاء رفقة ابنتها، بعد سيطرة الحوثيين، رافضةً الحديث لوسائل الإعلام، على أمل انتهاء الحرب وعودة الحياة لسابق عهدها. وكمثال ثالث، نذكر الصحفية الحقوقية أفراح ناصر التي وثقت انتهاكات الدولة بحق المتظاهرين السلميين، وغادرت منتصف 2011، لاجئة تبحث عن موطن آمن لتكتب عن الانتهاكات في بلدها.
وفي هذا السياق، ترى الدكتورة سامية الأغبري، رئيسة قسم الصحافة بكلية الإعلام بجامعة صنعاء، تحولاً في طموح اليمنيات: "بدأ هذا الطموح يتجه للهجرة والخروج من دائرة الصراعات القائمة، وكثير من النساء لم يعد همهن الأساسي فقط الدفاع عن مصالحهن أو مكاسبهن الشخصية بقدر ما هو الدفاع عن الوطن والدعوة للسلام، فبدأن ينشطن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويطالبن بإيقاف العنف ضد المرأة والزواج بالإكراه والزواج المبكر، ويدعين لتعليمها ويطالبن بحقها في الحياة ومشاركتها للرجل".
سامية الأغبري
كما تبين في حديثها لرصيف22 بأن طموح المرأة في الأمس كان له أفق أوسع للوصول إلى السلطة والمشاركة السياسية الفاعلة وأخذ حقوقها في كافة المجالات، لكن بعد الانقلاب والحرب والحصار، تحوّلت نحو بناء السلام والدعوة لإيقاف الحرب، إضافة لتأمين حياتها الأسرية وإعالة نفسها وأسرتها وكذا اتجاهها للتعليم.
الإقصاء
عدا عن تحوّل الطموح، حملت السنوات الماضية إقصاء للمرأة اليمنية في مجالات عدة، لا تقتصر على سلوك الحوثيين في صنعاء، فالحكومة الحالية، وفيها 24 حقيبة وزارية، هي اليوم خالية من أي وجه نسائي. وترى حورية مشهور أن ذلك يعود للقوى التي تحتكم للسلاح ولضعف أو غياب الدولة ومؤسساتها، والحضور الباهت للقوى السياسية التقليدية التي لم تستطع أن تنتج حلولاً.ضمن هذا السياق، تقول الصحفية نور سريب، وهي رئيسة تحرير مجلة "الوطن تودي"، لرصيف22: "يتم إقصاء النساء لأن صناعة القرار بيد فئة محددة، تعتقد أن المرأة غير قادرة على المشاركة بظل الصراعات المستمرة، على الرغم من تحمّل المرأة لنتائج هذه الحرب منذ اللحظة الأولى لاشتعالها".
نور سريب
تتفق معها الصحفية والأكاديمية سامية الأغبري، إذ تقول: "تتعرض المرأة اليمنية للإقصاء والتهميش خاصة في زمن الحرب والصراع، ولا زالت الرؤية التقليدية للمرأة والموروث الاجتماعي السلبي والثقافة الذكورية هي السائدة، ولا زالت نظرة كثيرين، حتى ممن يدعون لحرية المرأة ومشاركتها، تقليدية متخلفة".
فيما ترى الروائية والصحافية والناشطة السياسية بشرى المقطري، أن المرأة اليمنية ليست وحدها من تتعرض للإقصاء، بل جميع اليمنيين: "هناك الآن سلطات حرب، وكل سلطة تصادر صوت اليمنيين، وما يحدث الآن أن المجتمع اليمني كله مغيب بحقوقه ومطالبه".
وترجح المقطري في حديثها لرصيف22 أسباب هذا الاقصاء لغياب الأحزاب السياسية التي استخدمت المرأة للتسويق السياسي عن المشهد، كما لعبت بعض النخب النسوية دوراً سلبياً، اقتصر على المطالبة بالمحاصصة السياسية والمشاركة بالحكومات، مثل ما رأينا بعد استبعادهن من حكومة الشراكة بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية، بينما لا يطالبن بحقوق المرأة الأساسية في الداخل.
بشرى المقطري
ويرى كثيرون أن انقلاب الحوثيين أثّر على مكتسبات المرأة، وعمل على إقصائها وزاد حالات العنف ضدها، كما تؤكد الدكتورة نادية عبد الله: "وضع المرأة اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين عاد إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر، وما أنجزته المرأة من نضالات خلال 52 سنة يمحى اليوم، وعادت ممارسات كنا تخلصنا منها، مثل عدم تعليم الفتيات وعزل المرأة عن المجتمع، سواء تعليمياً أو سياسياً أو اقتصادياً، وصولاً لمحاربة عملهن في المطاعم، كما أن الحوثيين يتدخلون حتى في مسألة تنظيم الأسرة والإنجاب"، في إشارة منها لمنعهم المراكز الصحية من تقديم النصائح حول وسائل تنظيم الأسرة، نهاية كانون الثاني/يناير الماضي.
يتم إقصاء النساء لأن صناعة القرار بيد فئة محددة، تعتقد أن المرأة غير قادرة على المشاركة بظل الصراعات المستمرة، على الرغم من تحمّل المرأة لنتائج هذه الحرب منذ اللحظة الأولى لاشتعاله
وفي لقاء مع رصيف22، تضيف وداد البدوي، وهي رئيسة مركز الإعلام الثقافي الذي تأسس عام 2011 بهدف تغيير المشهد الثقافي والإعلامي اليمني: "اليوم، من يحكم هم أطراف صراع دينية وحزبية لا تؤمن بالنساء. عندما لم تكن الساحة مقيدة بطرف أو حزب أو جهة كانت النساء حاضرات، وعادةً ما تقلق الأطراف من وجود النساء، فتعمل على إقصائهن، كما حدث في الحكومة، ومن قبل الحوثيين الذين يعينون امرأة ثم يعينون قائماً بالأعمال ليكون بديلاً عنها، إضافة لتضييقهم على هامش الحريات الشخصية للمرأة، فيفرضون عليها لباساً معيناً ويمنعونها من العمل أو الجلوس في الأماكن العامة. هذا غير منطقي، ولم نكن نتخيل أننا قد نصل لهذه المرحلة".
غياب الدور السياسي للمرأة
يغيب الدور السياسي للمرأة اليمنية تماماً اليوم، وترى بشرى المقطري أن أحد أسباب ذلك هو أن العملية السياسية متوقفة برمتها، وتضيف: "فعلياً لا يوجد منحى سياسي، هناك حرب وهناك سلطات حرب، وبيئة الحرب تستهدف كل القوى الاجتماعية الضعيفة، ومنها المرأة".أما وداد البدوي فترى عكس ذلك، فهناك مشاركة سياسية لكنها ليست مؤطرة حزبياً، فالنساء في "التضامن النسوي"، وهو أحد التكتلات النسائية التي تدعو للسلام في اليمن، وفي "التوافق النسوي"، وهو تكتل نسائي آخر، يعملن بالسياسة، ولأنهن لسن حزبيات لا يُنظر لهن سياسياً.
وتضيف: "نستطيع القول بأن هناك تعطيلاً للعمل السياسي النسوي الحزبي. المرأة اليمنية تخاطب المبعوث والمجتمع الدولي والسفراء والمجتمع المحلي، ومن المستغرب كيف استطاعت الأحزاب تعطيل أي عمل نسوي داخل إطارها".
وداد البدوي
ويشير عدنان ياسين إلى أنه لا يكفي المرأة الركون إلى ما أقره مؤتمر الحوار الوطني من نسبة المشاركة في مواقع السلطة، فهو لم يتحول إلى نصّ دستوري، وإن كان من أهم المخرجات التي حصلت عليها المرأة اليمنية حتى الآن، وهي المسؤولة عن تحقيق ذلك في الواقع ما بعد الحرب.
هل ذهب نضال المرأة أدراج الرياح؟
يرى عدنان ياسين أن مكتسبات المرأة اليمنية لا تتناسب مع طموحاتها، وغيابها الحالي يؤثر سلباً على المجتمع، فكل نجاح حققته، منذ ما يزيد عن نصف قرن من ثورتي سبتمبر وأكتوبر، كان نتيجة إقرار المجتمع بأهميتها، وإيمانه بقدراتها على المشاركة الفاعلة وإدراكاً منه بضرورة مشاركتها في جميع جوانب الحياة.
عدنان ياسين المقطري
برأي حورية مشهور، نجحت النساء، رغم كل الصعوبات، في تكوين الشبكات والتحالفات النسوية الداعية للسلام، وهو أمر بالغ الأهمية، وتضيف نور سريب بأن نضال المرأة اليمنية لا يمكن أن يذهب سدى، لكنها تشير إلى أن الصعوبات أصبحت كبيرة مع غياب الدولة وعدم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني: "لذلك اليوم نجد النساء يبذلن جهوداً ذاتية كبيرة، أملاً في الحفاظ على ما وصلن إليه"، تقول.
هذه الصعوبات التي تفرضها قوى الأمر الواقع، سواء جماعة الحوثي أو الشرعية أو الانتقالي أو القوى المندرجة في الشرعية، على كافة اليمنيين، قلّصت من طموحاتهم، كما تقول بشرى المقطري: "صار طموحي الآن الحصول على أسطوانة غاز أو توفر الكهرباء. اليوم مطلب أي يمني وليس النساء فقط هو أن تتوقف الحرب".
الرجال يدمرون البلد والنساء هن من يبحثن عن السلام. نضال المرأة ليس من أجل المحاصصة والحقيبة الوزارية، وإنما من أجل المجتمع والوطن. المرأة اليوم هي التي تتحدث أمام المجتمع الدولي والعالم بأن اليمن يعاني، بينما الرجل لا يتحدث إلا عن نفسه وأطراف الصراع
كما أن جزءاً هاماً من خسارات المرأة اليمنية اليوم له علاقة بالعامل الاقتصادي. برأي سامية الأغبري، فإن المرأة اقتحمت مجالات عمل لم تكن متاحة لها في السابق نتيجة الضغوط المادية: "وهذا يعد استمراراً لنضالها، فهي اليوم تمكنت بشكل أفضل من السابق، نتيجة الحرب والحصار وانقطاع الرواتب، وأصبح لديها الوعي بحقوقها"، وفق تعبيرها. في حين ترى نادية عبد الله بأن المرأة باتت مضطرة لتحمل أعباء إضافية، لكنها تتفاءل على المدى الأبعد: "أرى أنه بمجرد عودة الدولة بشكل قوي وانتهاء الحرب ستعود جميع المكتسبات التي خسرناها".
لا تختلف وداد البدوي بالرأي عنهن، إذ تقول: "الرجال يدمرون البلد والنساء هن من يبحثن عن السلام. نضال المرأة ليس من أجل المحاصصة والحقيبة الوزارية، وإنما من أجل المجتمع والوطن. المرأة اليوم هي التي تتحدث أمام المجتمع الدولي والعالم بأن اليمن يعاني، بينما الرجل لا يتحدث إلا عن نفسه وأطراف الصراع. نضال المرأة لا يتوقف عند حقيبة وزارية بل يمتد ليرفع صوت ومعاناة الشارع والناس، وطموحها لم يتوقف حتى في ظل الممارسات القمعية ومحاولات التضييق على هامش الحرية من مختلف السلطات".
وتنظر المتحدثة بنظرة المتفائل لما يحدث: "أتوقع أن كل هذه القيود ستكون حافزاً للعمل أكثر مما كان الأمر عليه في العام 2011. سنحاول معرفة الثغرات التي يجب أن نشتغل عليها مستقبلاً وكيف يمكن أن نعالجها من خلال التشريعات والدستور والقانون".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...