أن يقتل الأخ شقيقته من دون ذنب إلا الحيد عن "العادات والتقاليد"، وبتحريض من الأب، لهو جريمة بشعة. لكن الأبشع أن يحكم القضاء ببراءة الشقيق القاتل وتطوى الصفحة وكأن شيئاً لم يكن.
هذا تحديداً ما جرى في قضية الشابة اليمنية سميحة الأسدي (30 عاماً) التي قتلها شقيقها يونس (19 عاماً وقت ارتكاب الجريمة)، في نيسان/أبريل عام 2018، داخل قاعة محكمة غرب الأمانة في العاصمة صنعاء أثناء بت دعواها "عضل (امتناع) ولي" التي طلبت فيها نقل ولاية تزويجها إلى القاضي بدلاً من والدها الذي امتنع عن تزويجها.
استغل الأخ انشغال القاضي في الإطلاع على بعض الأوراق، وانتهز وقوف سميحة للإدلاء بأقوالها في المحكمة، وعاجلها بغرس السكين في رقبتها فتسقط مضرجة في دمائها.
وفي اليمن لا يسمح للمرأة الزواج من دون ولي مهما بلغت من العمر وإن سبق لها الزواج. لكن القانون يمنحها حق طلب نقل ولاية تزويجها للقاضي إن عضل الولي الشرعي أي امتنع عن تزويجها.
غير أن وضع المرأة اليمنية "هش"، بحسب ناشطين ومنظمات حقوقية عدة، فلا يسمح لها بتجاوز العادات والتقاليد.
بعد صدور حكم ابتدائي بإعدام الأخ القاتل "قصاصاً وتعزيراً"، أبى الوالد المحرض على الجريمة بادعاء "تلطيخ المغدورة سمعة العائلة"، فاستأنف الحكم بذريعة أن القضية "جريمة دفاع عن الشرف".
وفي 12 كانون الثاني/يناير، أصدرت محكمة استئنافية في صنعاء حكمها بتعديل الحكم الابتدائي وإلغاء "التعزير" فبات حكمها النهائي "الإعدام قصاصاً من دون تعزير، ولا حكم في المخاسير (خسائر الحكم)".
وشرحت المختصة في علم الاجتماعي والباحثة اليمنية هيفاء طاهر لرصيف22 دلالة الحكم، قائلة إن "إلغاء التعزير يعني إسقاط العقوبة التأديبية واقتصار العقوبة على حق القصاص (القاتل يقتل) وهو ما يحق للولي التنازل عنه ليبرأ الجاني".
وأضافت: "بهذا يضيع حق دفاع الشابة المغدورة لتتحول القضية إلى جريمة شرف. ورغم عدم الإفصاح عن ذلك في حيثيات الحكم، تعامل القاضي مع القضية وكأنها ‘غسل عار‘".
ولفتت إلى "الفجوة القائمة بين القانون (اليمني) الذي يتيح للمرأة اللجوء إلى القضاء لتزويج نفسها، والعرف الذي يعتبر ذلك تلطيخاً لشرف العائلة وإهانة لرجالها وتمرداً على ‘أوامر السلطة الذكورية المقدسة‘".
وشددت على "ضرورة معالجة هذا الخلل بوضع قوانين صارمة تجرم ما يسمى جرائم الشرف وقوانين تحمي حياة المرأة، وهذا أبسط حقوقها".
"كيف يكون القاتل قاضياً؟"... نشطاء يستنكرون تبرئة شقيق سميحة الأسدي وقاتلها بتحريض من والدهما بحجة "حماية سمعة العائلة"، ويعتبرون الحكم "مكافأة قتل النساء"
بعد الحكم، نهض الأب، المحرض على الجريمة، واحتضن ابنه القاتل لتعلن براءته بتنازل الأب "الولي الشرعي للمغدورة" عن حق القصاص فتُذبح سميحة الأسدي مرة ثانية بسكين "القضاء" وتطوى قضيتها وكأن شيئاً لم يكن
مختصة في علم الاجتماع اليمني تقول لرصيف22: "الفجوة بين القانون (اليمني) الذي يتيح للمرأة اللجوء إلى القضاء لتزويج نفسها، والعرف الذي يعتبر ذلك تلطيخاً لشرف العائلة وإهانة لرجالها وتمرداً على ‘أوامر السلطة الذكورية المقدسة‘"
"مكافأة قتل النساء"
بعد الحكم، انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة تستنكر "إضفاء الشرعية القضائية على جرائم قتل النساء" في اليمن.
ورأى حساب "الحركة النسوية اليمنية" أن الحكم الاستئنافي بمثابة "مكافأة للقاتل، وتشجيع للمزيد من الرجال على قتل نسائهن، وانتهاك لحقوق جميع اليمنيات"، واصفاً اليمن بـ"الوطن غير الآمن للنساء".
ودشن الحساب حملة رافضة للحكم عبر وسمي #كلنا_سميحة_الأسدي و#العدالة_لسميحة_الأسدي، منبهاً إلى أن المغدورة ذبحت مرتين، "إحداهما بسكين شقيقها والأخرى بسكين القضاء اليمني غير المنصف".
تعليقًا على الحكم، قالت الكاتبة والناشطة الاجتماعية اليمنية هند الإرياني: "غضب اليمنيون منّي لدفاعي عن المثليين ولم يغضبوا من القاضي الذي تسبب حكمه الظالم في براءة أخي سميحة الأسدي القاتل. لم يغضبوا من قانون يسمح بأن يقتل الأب أطفاله ضرباً أو أخته أو زوجته ويخرج بريئاً… فقط لأنه رجل".
أما الإعلامية والناشطة الحقوقية اليمنية بشرى العامري فاعتبرت أن سميحة قتلت ثلاث مرات، "أولى من أخيها، وثانية من القاضي الذي لم يقضٍ بإعدامه، وثالثة من المجتمع الذي تغاضى عن جريمة بشعة كهذه".
كارثة...
وفي حين وصف البعض الحكم بالـ"مهزلة"، كتبت الناشطة والأديبة هيفاء عبد الواحد أن "منح الأب والأم المحرضين على القتل حق ولاية الدم كارثة".
وتساءل كثيرون "القاتل والمحرض وليا دم وقاضيان في جريمتهما. هل يُعقل ذلك؟".
ورأت ناشطات كثيرات أن مثل هذا الحكم يدحض مزاعم أن "المرأة اليمنية معززة والقانون يكفل حقوقها، والنسويات يستوردن قضايا المرأة من الغرب".
ونبهن إلى أن بلداً لا يحمي مواطنيه "لا يستحق أن يوصف بوطن" وأن الحكم "استمرار لظلم اليمنيات وانتهاك حقوقهن".
واتهمن القضاء بتعمد "التأجيل والمماطلة في إصدار الحكم حتى تخفت القضية ويضعف الاهتمام بها".
وكانت قضية الأسدي قد حظيت بدعم حقوقي ورسمي واسع لدى وقوعها، إلا أن الاهتمام بتسليط الضوء عليها قل تدريجياً بمرور الوقت، وفي ظل التركيز على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية المتدهورة في البلد الذي يرزح تحت نير الحرب منذ أربع سنوات.
وأعرب ناشطون وناشطات عن استيائهم من ردة فعل والديّ سميحة عقب الحكم، إذ "بكيا من الفرحة" لتبرئة القاتل، لاعنين في هذا الإطار "عبادة العادات والتقاليد".
وكان موقع "المشهد اليمني" المحلي قد ذكر أنه بعد الحكم، نهض الأب، المحرض على الجريمة، واحتضن الابن القاتل إيذاناً بتبرئته بعد تنازله عن "حق القصاص".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 22 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت