بالتزامن مع انشغال مواطني تركيا بالانتخابات الرئاسية في الأيام الأخيرة، انشغل الإيرانيون أيضاً بهذه الانتخابات، وتابعوا باهتمام نتائجها على وسائل الإعلام، وقاموا بتحليلها وتفسير نتائجها والتنبؤ بحظوظ رجب طيب أردوغان ومنافسه الشرس كليجدار أوغلو.
وما زال الحديث ساخناً عن الانتخابات التركية في إيران بين التيارات السياسية والمعارضة والصحف وروّاد منصات التواصل الاجتماعي، خاصةً أن الانتخابات جاءت بنسبة مشاركة عالية، ما زاد من الحماسة لدى الإيرانيين الذي يطالبون بالديمقراطية والانتخابات الحرة في بلدهم.
قال الباحث الإيراني محمد رَهبَري على مواقع التواصل الاجتماعي: "خلال فترة إعلان النتائج فقط، حصدت منشورات الانتخابات التركية في منصة تلغرام على 58 مليون مشاهدة". ويأتي ذلك في ظل حجب هذه المنصة الأكثر شعبيةً بين الأوساط الإيرانية في هذا البلد. أما المنصة الثانية المحجوبة أيضاً، أي تويتر، فقد أُعجب روادها من الإيرانيين 120 ألف مرة بأخبار الانتخابات الرئاسية التركية في تلك الفترة الزمنية فحسب.
ما زال الحديث ساخناً عن الانتخابات التركية في إيران بين التيارات السياسية والمعارضة والصحف وروّاد منصات التواصل الاجتماعي، خاصةً أن الانتخابات جاءت بنسبة مشاركة عالية، وهذا ما زاد من الحماسة لدى الإيرانيين
وبينما يتواصل التفاعل مع الانتخابات الرئاسية التركية، عزا هذا الباحث سببَ التوجه الإيراني الكبير هذا إلى طريقة إعلان النتائج، حيث التغطية المباشرة والمصداقية ضمن فواصل زمنية قصيرة، ما زاد من أهميتها لدى المتابعين الإيرانيين.
"لابد أن نشير إلى أنه في بعض الأحيان جاءت المتابعة الإيرانية للتسلية، خاصةً أن المنافسة كانت حادةً والنتائج كانت متقاربةً، ولكن ثمة عوامل أخرى لا يمكن تجاهلها تدلّنا على أهمية الانتخابات التركية للإيرانيين"، حسب محمد رهبري.
كما قال البعض إن سبب اهتمام الإيرانيين بالانتخابات التركية هو التشابه بين الانتخابات التركية والانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت عام 2009، وشهدت منافسةً شرسةً بين مير حسين موسوي ومحمود أحمدي نجاد.
نحو نصف مليون إيراني في تركيا
وفقاً لإدارة الهجرة التركية، يعيش نحو 115 ألف إيراني في تركيا، أما الأرقام غير الرسمية فتتحدث عما يقارب نصف مليون إيراني هناك. وهي هجرة من أبرز أسبابها الانفتاح النسبي الموجود في تركيا لممارسة الحقوق الاجتماعية أو السياسية، وكذلك موقع تركيا الجغرافي القريب من أوروبا، ولأنها أيضاً البلد الجار لإيران ويمكنهم السفر إليه دون تأشيرة، لذا تُعدّ تركيا واحدةً من بين عشر دول تتصدر قائمة البلدان التي يقصدها المهاجرون الإيرانيون.
واستثمر الكثير من هؤلاء عبر شراء العقارات في مدن مختلفة في تركيا، حتى أنهم تصدروا قائمة الأجانب الذين يبتاعون العقارات خلال السنوات الماضية حسب المعلومات التركية، وبهذا فإن نتائج انتخابات تركيا مهمة لدى كثيرين داخل إيران، لما لها من تأثير مباشر على سياسات اللجوء والإقامة أو الاستثمار فيها، وتتوقف على من يفوز: أردوغان أو كليجدار أوغلو.
بالإضافة إلى هذا، يدخل تركيا مليونا سائح من إيران سنوياً، إذ تكاد تستحوذ الرحلات الجوية نحو تركيا على نسبة 50% من جميع رحلات مطار طهران الدولي كل يوم، زيادةً على شريط حدودي يبلغ 500 كلم بين البلدين، وتبادل تجاري يصل إلى 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى وقوف تركيا بجانب إيران ضد العقوبات الأمريكية، فضلاً عن تاريخ طويل من العلاقات السياسية الثنائية بين الدولتين، ووجود القومية الأذرية في كلا البلدين.
توجهات مختلفة نحو الانتخابات التركية
أما التيارات السياسية وخاصةً الإصلاحية منها، بالإضافة إلى المعارضة الإيرانية، والمحتجين في العام الماضي على فرض الحجاب والحقوق الاجتماعية، فأملوا بفوز مرشح "تحالف الأمة" زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، الذي يؤكد على الديمقراطية والتقارب مع الغرب، وجاءت متابعتهم للأحداث بسبب الانتخابات الحرة التي شهدتها تركيا.
ووصف السياسي الإصلاحي محمد رضا عارف، الانتخاباتِ التركيةَ بأنها "نموذج من الديمقراطية المتقدمة". أما الباحث عباس عبدي فقال عنها: "اليوم تركيا وأهلها هم الفائزون الحقيقيون في الانتخابات. الحل المنقذ لإيران هو إجراء مثل هذه الانتخابات، لا المهزلة التي سُميت انتخابات 2021"، تلميحاً منه إلى آخر سباق رئاسي في إيران والذي فاز فيه الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي.
وجاءت تلك الانتخابات بعد عدم تزكية مرشحي التيارات السياسية المختلفة من قبل مجلس صيانة الدستور، وفاز إبراهيم رئيسي في ظل مشاركة متواضعة، بلغت نحو 48% من المؤهَّلين، وهي أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد، وقد كانت الأصوات الملغية منها تصل إلى 13%، وهي أيضاً أعلى نسبة أصوات ملغية في تاريخ الانتخابات.
من المفضّل أردوغان أم أوغلو؟
وفقاً للمؤشرات، وبرغم أن إيران لم تعلن عن دعمها رسمياً لأردوغان، لكن يبدو أنها تفضل انتصاره في الانتخابات، برغم الاختلافات السياسية والدينية بينهما.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، بعد تنظيم الجولة الأولى من الانتخابات التركية، إن "نسبة مشاركة الشعب التركي الواسعة في الانتخابات الرئاسية تؤشر على انتصار الديمقراطية في هذا البلد".
"اليوم تركيا وأهلها هم الفائزون الحقيقيون في الانتخابات. الحل المنقذ لإيران هو إجراء مثل هذه الانتخابات، لا المهزلة التي سُميت انتخابات 2021".
وهنّأ كنعاني الشعب التركي ومنظمي الانتخابات والقادة والأحزاب السياسية في تركيا على هذه المشاركة الواسعة في الانتخابات التركية، متمنياً لهم مستقبلاً أفضل بعد هذه الانتخابات.
وكانت العلاقات بين أنقرة وطهران منذ بداية الربيع العربي وحتى الآن مزيجاً من التعاون والمواجهة. يبتعد أردوغان عن المعسكر الغربي، فيقترب من المعسكر الشرقي أكثر فأكثر، ويساعد طهران على تجاوز العقوبات، ويلتزم الرئيس التركي بالمبادئ الإسلامية ويحاول تطبيقها في المجتمع، وكل هذه العوامل جعلته خياراً مناسباً للجمهورية الإسلامية، برغم اختلافهما في الملف السوري والعلاقات التركية الإسرائيلية، والصراع القائم في جنوب القوقاز بين أذربيجان المدعومة تركياً وأرمينيا المدعومة إيرانياً.
من ناحية أخرى، فإن معظم الناشطين الأتراك والأذريين المعارضين في إيران، يأملون بفوز أردوغان، خاصةً بعد دعم حزب العدالة والتنمية الصريح واللا محدود لجمهورية أذربیجان في حرب 2020 مع أرمينيا، لكن القوى القومية الفارسية التي طالما انتقدت حقوق الأقليات والقوميات الأخرى داخل إيران، تبحث عن انتصار كليجدار أوغلو، منافس أردوغان.
السخرية من الانتخابات في مواقع التواصل الاجتماعي
ما زالت تعليقات الإيرانيين تتواصل حول مدى أهمية الانتخابات لدى الشارع الإيراني، وكذلك المتابعة الحثيثة للمواطنين لما يجري في تركيا، وتضمنت هذه التعليقات منشورات ساخرةً من الانتخابات في إيران.
كتب الناشط الاقتصادي الإيراني سِيَامَك قاسمي في تغريدة له: "ليست الانتخابات الأمريكية فقط، بل حتى الانتخابات التركية لها أثر أكبر من الانتخابات الإيرانية على مستقبل البلاد واقتصاده".
وغرّد الناشط محمد حيدري: "لم أكن أعتقد أن نتائج الانتخابات التركية ستكون ذات يوم مهمةً بالنسبة لي". فردّ عليه آخرُ: "أي انتخابات تجري في العالم تؤثر على اقتصاد إيران، ما عدا الانتخابات الإيرانية نفسها".
كما قال المحامي والسجين السياسي السابق عماد الدين باقي، إن عدم وجود الرقابة من الجهات العليا في البلاد على مرشحي الانتخابات (كما هو في إيران)، وحضور منافسين جديين، ووجود نسبة مشاركة عالية، جعلت الأتراك يحطمون الرقم القياسي في المشاركة، ما جعله يشعر بالخجل لما هي عليه الأوضاعُ السياسية في بلاده.
"بينما ترحبون بالديمقراطية في تركيا، تذكروا أن الجمهورية الإسلامية كان بإمكانها منع فوز حسن روحاني -فاز بنسبة 50.7% في انتخابات 2013-، من خلال التلاعب بأقل من 1% من الأصوات. هذا هو النظام الذي يصمد ولم يسمح بالتدخل في الانتخابات كي يكون كل شيء وفقاً لقواعد الديمقراطية"
وكتب رئيس تحرير موقع "انتخاب" الإصلاحي، مصطفى فَقيهي: "الديمقراطية التركية في الشرق الأوسط أمرٌ يحسد عليه؛ فأردوغان، الرجل الأول في تركيا خلال 21 عاماً، يذهب إلى الجولة الثانية من الانتخابات فقط من أجل نصف في المئة. هذا هو النظام الذي يصمد ولم يسمح بالتدخل في الانتخابات، كي يجري كل شيء وفقاً لقواعد الديمقراطية".
وجاء الرد عليه من الإعلامي المحافظ جعفر يوسفي: "بينما ترحبون بالديمقراطية في تركيا، تذكروا أن الجمهورية الإسلامية كان بإمكانها منع فوز حسن روحاني -فاز بنسبة 50.7% في انتخابات 2013-، من خلال التلاعب بأقل من 1% من الأصوات. هذا هو النظام الذي يصمد ولم يسمح بالتدخل في الانتخابات كي يكون كل شيء وفقاً لقواعد الديمقراطية".
حصدت كلتا التغريدتين على 440 ألف مشاهدة، مع آلاف من ردود الأفعال من قبل التيارين المحافظ والإصلاحي وغيرهما.
وشرح مجيد توكلي، أحد رواد منصات التواصل الاجتماعي في إيران والمنتمي للتيار المحافظ، المشاركةَ في الانتخابات التركية، قائلاً: "دعوني أخبركم عن بعض الاختلافات بين الانتخابات الإيرانية والتركية: 1- إذا لم تصوّتوا في تركيا، فسيتم تغريمكم 300 ليرة، وهذا غير موجود في إيران. 2- في تركيا عليكم أن تختاروا مرشحكم من خلال الختم على صورته لا أن تكتبوا اسمه كما هو في إيران (تلميحاً منه إلى نسبة الأصوات الباطلة في الانتخابات الإيرانية). 3- لا يمكنكم التصويت في أي مدينة باستثناء مدينتكم في تركيا، بينما في إيران يحق لكم التصويت أينما ذهبتم. إذاً، أخبروني الآن أي حكومة هي حكومة ديكتاتورية؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...