بعدما أعلنت إسرائيل قيام دولتها على الأراضي الفلسطينية في 14 آيار/مايو عام 1948، اتخذت بعض الجيوش العربية قرارها بالدخول إلى القدس لمحاربة العصابات الصهيوينة، وكان في مقدمتها مصر، وشاركت في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، التي تحتفي دائماً ببطولة أبنائها في استرداد بلدة "العسلوج" الواقعة على الطريق بين بئر السبع والعوجة، والتي احتلتها العصابات الصهيونية على إثر الهدنة بين الجانبين.
أهمية بلدة "العسلوج"
يحكي حسني أدهم جرار، المقرب من الشيخ يوسف القرضاوي - منظر جماعة الإخوان المسلمين- تفاصيل ما حدث آنذاك، في كتابه المعنون بـ"نكبة فلسطين عام 1947 - 1948: مؤامرات وتضحيات"، بقوله: "فرضت سياسة الحكومة المصرية على الجيش المصري في فلسطين بقبولها الهدنتين الأولى والثانية، الوضع الذي يكون فيه، لكن كان لا بد لتأمين انسحابه من الاحتفاظ بمواقع معينة إذا فقدها فشلت خطة الانسحاب".
في يومياته، كتب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر: "لم يبد من قيادتنا ما يدل على أنها وعت المعنى الحقيقي، الذي يجري أمامنا، وكان الذي يشغلها على ما يبدو في ذلك الوقت هو إعداد التقارير الإضافية عما جرى من يوم بدأت المعركة حتى فرضت الهدنة"
وكان من هذه المواقع الهامة، بلدة "العسلوج"، التي احتلها اليهود في أول أيام الهدنة، وكان لها أهمية كبرى بالنسبة لخطوط المواصلات إلى مصر، لذلك صبت رئاسة الجيش اهتمامها على استرجاعها، وفقا لـ"جرار".
وفي يومياته، التي كتبها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن حرب فلسطين عام 1948، ونقلها خالد عزب وصفاء خليفة، في كتابهما المعنون بـ"بقلم جمال عبد الناصر: يوميات حرب فلسطين 1948 - رؤية تحليلية"، أوضح: "في أول يوم للهدنة تحرك العدو فاحتل عبدس التي كانت قرية غربية تكاد تكون متداخلة مع خطوطنا، كما تحرك فاحتل العسلوج"، مؤكداً أن "العدو لم يأخذ الهدنة جداً، لقد كانت بالنسبة له فرصة للتعزيز، إنه يقفز تحت ستارها إلى مواقع حاكمة، يستطيع منها يوم تنتهي الهدنة أن يبدأ عملياته من أكثر المراكز ملاءمة لأغراضه".
ويضيف الرئيس الراحل في وصف لتلك الفترة: "ومع ذلك لم يبد من قيادتنا ما يدل على أنها وعت المعنى الحقيقي، الذي يجري أمامنا، وكان الذي يشغلها على ما يبدو في ذلك الوقت هو إعداد التقارير الإضافية عما جرى من يوم بدأت المعركة حتى فرضت الهدنة، وكان أبرز ما اهتمت له قيادتنا وأسهبت في وصف تفاصيله، هو كيف اقتحم الجنود مستعمرات العدو وهم يهتفون بحياة جلالة القائد الأعلى للجيش، وهو ما لم يحدث بالقطع، فإن الجنود المهاجمين كان يشغلهم من نيران العدو ما لا يمكن معه أن يخطر ببال واحد منهم أن يهتف لجلالة القائد الأعلى للجيش".
كيف احتل العدو بلدة "العسلوج"؟
حاولت العصابات المحتلة اغتنام الهدنة، وهاجمت قرية العسلوج، وكانت ترابط آنذاك قوة صغيرة من جنود الإخوان، يقودها اليوزباشي (النقيب) عبد المنعم عبد الرؤوف، لكنها لم تصمد طويلاً أمام هذا الهجوم المباغت، بحسب الدكتور جمال عبد الهادي محمد في مؤلفه "الطريق إلى بيت المقدس".
يحكي عبد الهادي القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، أن: "ثلاثة من إخوان القاهرة، هم: رشاد زكي، ومحمد ماهر، وعبد الله البتانوني، أوكلت إليهم من القيادة المصرية حراسة مخازن الذخيرة، وكانت مليئة بالأسلحة والذخائر؛ خاصة أن القرية كانت مستودع الذخيرة الذي يمون المنطقة، وأنهم أفاقوا فوجدوا العدو في داخل الموقع، وسمعوه يحاول احتلال المخازن فأخذوا يتدبرون موقفهم، وقرروا نسف المخازن حين يدخلها العدو، واختبأوا خلف كومة من الصناديق حتى امتلأ المخزن بالجنود اليهود، ثم أشعلوا النار في صناديق المفرقعات، وفي لحظة استحال البناء الضخم إلى كومة من الأنقاض، ومات الثلاثة".
الكاتب سمير الجمل: نشط اليهود في جمع الذخيرة والأموال، واحتلوا قرية العسلوج، التي كانت مستودع الذخيرة الذي يمون المنطقة، وكان احتلالها يعني قطع مواصلات الجيش المصري في الجهة الشرقية، ومع فشل محاولات استرداد هذه القرية، استنجدوا بالبطل أحمد عبد العزيز وقواته التي تمكنت من دخولها والاستيلاء عليها
تجهيز خطة لاسترداد "العسلوج"
احتلال العسلوج كان يعني قطع مواصلات الجيش المصري في الجبهة الشرقية، لذا نظمت القيادة العامة خطة لاستردادها، وهنا يقول محمود عبد الحليم، العضو المؤسس بالجماعة والمعروف بلقب "مؤرخ الإخوان المسلمين" في الجزء الأول من مؤلفه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ": "في اليوم التالي تحركت قوة كبيرة من الجيش النظامي، تعاونها المدفعية والسيارات المدرعة، لكن العدو استمات في الدفاع عن القرية، فاستنجدت القيادة العامة بالبكباشي (المقدم) أحمد عبد العزيز الذي وكّل الأمر لليوزباشي محمود عبده، قائد الإخوان في صور باهر، ليتولى إرسال قوة من رجاله تسترد هذه المواقع".
ويدعم هذا الطرح ما ذكره الكاتب سمير الجمل في مؤلفه "الكبرياء... أيام سعد الدين الشاذلي"؛ إذ يقول: "بعدما قبل العرب الهدنة في عام 1948، نشط اليهود في جمع الذخيرة والأموال، واحتلوا قرية العسلوج، التي كانت مستودع الذخيرة الذي يمون المنطقة، وكان احتلالها يعني قطع مواصلات الجيش المصري في الجهة الشرقية، ومع فشل محاولات استرداد هذه القرية، استنجدوا بالبطل أحمد عبد العزيز وقواته التي تمكنت من دخولها والاستيلاء عليها".
جهز الجيش فصيلة للهجوم على "العسلوج، وبالفعل تحركت ليلاً، حتى وصلت هناك، وكانت أرضاً مسطحة مكشوفة ليس بها سواتر، بينما كان العدو مستتراً في دشمه المحصنة، ويغطي أرض المعركة التي بينه وبين المهاجمين بالنيران الكثيفة، وبناء عليه كان على هذه القوة أن تضع خطة سريعة خاطفة لتخطي هذه العقبات دون خسائر، فقررت التقدم السريع في قفزات سريعة متعرجة، وانبطاح حتى تقترب من الدشم.
الدكتور شريف أمير، المتخصص في القانون الدولي والجغرافيا السياسية للشرق الأوسط: قالوا الإخوان سوف نرسل 10 آلاف فرد للقتال، وطلبوا الحصول على التسليح بالفعل من الداخلية، وذهبوا إلى غزة، ولكن لم تطلق رصاصة واحدة، فكل الوثائق المصرية والأجنبية لم ترصد عمليات قتالية لعناصر من الإخوان المسلمين
دور الإخوان في استرداد "العسلوج"
يصف حسني أدهم جرار المشهد آنذاك بقوله: "اجتمع يحيى عبد الحليم، ضابط ملازم من إخوان القاهرة (بعد التكليف)، بأفراد الفصيلة، ووزع على كل منهم دوره بدقة، وأفهم [كل منهم] البدائل لتجنب المفاجآت غير المنتظرة، والحيز الذي يجب أن يتصرف فيه حين ينقطع الاتصال بينه وبين قائده القريب"، مشيراً إلى أن هذه المجموعة المتقدمة تكونت من "يحيى عبد الحليم وعبد الكريم السيد وإسماعيل عبد النبي، وهذه هي مجموعة القلب، كما كانت هناك مجموعة من الميمنة، وأخرى في الميسرة، ومجموعة تعزيز من الخلف تتابع التقدم وتراقب بدقة المجموعات الأمامية".
ويتابع المؤلف المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين سرد روايته: "وبعد دقائق بدأت مدفعية الفصيلة تدك مواقع العدو ودشمه، ولما سكتت المدافع كان ذلك كلمة السر لبدء الهجوم، فتقدمت مجموعة القلب في سرعة مذهلة، وما إن اقتربت من العدو حتى هجم محمد إسماعيل عبد النبي على الموقع وطهره، ودخل الجميع الدشمة فوجدوا فيها ثلاث جثث لليهود، ومن هذه الدشمة تقدمت باقي المجموعات، وتم استرداد قرية العسلوج في سرعة خاطفة، بعدما فر اليهود منها تاركين وراءهم سيارات ومعدات وأسلحة كثيرة، وعدداً كبيراً من صناديق الذخيرة".
اللافت أن شهادة المواوي كانت حتى تلك اللحظة هي المصدر الوحيد من خارج جماعة الإخوان المسلمين تشهد بخوض الإخوان تلك المعركة، إلا أن ذلك الوضع تغير لاحقاً
شهادة "المواوي" تثير الجدل
ويحتفي الإخوان بشهادة اللواء أحمد محمد المواوي بك، القائد العام للجيش، التي أدلى بها بين يدي القضاء في إحدى قضايا الجماعة، التي عرفت باسم "قضية السيارة الجيب"، رداً على سؤال وجهه إليه الدفاع في القضية المذكورة، ونقلها محمود عبد الحليم، مؤرخ الجماعة، كالتالي:
هل كلفتم المتطوعين بعمل عسكري عند مهاجمتكم العسلوج؟
نعم… العسلوج بلد تقع على الطريق الشرقي، واستولى عليها اليهود في أول أيام الهدنة، ولهذا البلد أهمية كبرى بالنسبة لخطوط المواصلات، وكانت رئاسة الجيش تهتم كل الاهتمام باسترجاع هذا البلد، حتى إن رئيس هيئة أركان الحرب أرسل لي إشارة هامة يقول فيها: "لا بد من استرجاع العسلوج بأي ثمن"، فكانت الخطة التي رسمتها لاسترجاع هذا البلد هي الهجوم عليها من الجانبين، فكلفت المرحوم أحمد عبد العزيز بك بإرسال قوة من الشرقي من المتطوعين، وكانت صغيرة بقيادة ملازم، وأرسلت قوة كبيرة من الغرب تعاونها جميع الأسلحة، لكن القوة الصغيرة هي التي تمكنت من دخول القرية والاستيلاء عليها".
ويتضح مما ذكر آنفاً أن الإخوان يذكرون هذه الواقعة بكثير من الفخر والتباهي، لكن على النقيض من ذلك، يرى البعض أن شهادة المواوي غير صحيحة، وجاءت من أجل دوافع أخرى، منها ما نقله عماد الصابر في مؤلفه "الإخوان والنكبة.. سنوات الخيانة والثورة: عرض وتحقيق لمذكرات البكباشي جلال ندا"، عن الدكتور شريف أمير، المتخصص في القانون الدولي والجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، في ترجمة كتابه عن اللغة الفرنسية بعنوان "التاريخ السري للإخوان المسلمين" إذ يقول: "قالوا (أي الإخوان)، سوف نرسل 10 آلاف فرد للقتال، وطلبوا الحصول على التسليح بالفعل من الداخلية، وذهبوا إلى غزة، ولكن لم تطلق رصاصة واحدة، فكل الوثائق المصرية والأجنبية لم ترصد عمليات قتالية لعناصر من الإخوان المسلمين".
واعتبر أمير أن الإخوان "كانوا يهدفون لإرباك الجيش المصري حتى يصبحوا هم القوة الوحيدة في مصر، ويتحقق لهم الحلم الذي خططوا له منذ البداية، إلا أن النتائج لم تقع على مصر وحدها، بل سقطت على رأس الأمة العربية عامة، ورؤوس الفلسطينيين خاصة!".
اللافت أن شهادة المواوي كانت حتى تلك اللحظة هي المصدر الوحيد من خارج جماعة الإخوان المسلمين تشهد بخوض الإخوان تلك المعركة، إلا أن ذلك الوضع تغير لاحقاً.
وأبدى الدكتور شريف أمير اندهاشه من شهادة المواوي لصالح جماعة الإخوان، قائلاً: "الغريب أن نهج الإخوان وعملية الانضمام إليهم متدرجة ومعروفة، وهو ما يجعلنا نشك في إمكانية انضمام شخص ما إلى الجماعة بعد وصوله إلى رتبة اللواء، وبعد الخامسة والأربعين"، مشيراً إلى ما ذكره عباس السيسي، أحد قادة الجماعة، في مؤلفه "في قافلة الإخوان المسلمين"، معلنا نبأ انضمام اللواء المواوي: "بعد أن اعتزل الخدمة العسكرية، التقى اللواء المواوي بالأستاذ مختار عبد العليم، وأبدى رغبته في الانضمام للإخوان المسلمين، فأقام الإخوان بالإسكندرية حفلاً إسلامياً رائعاً، ألقى فيه اللواء المواوي خطاباً بين فيه أسباب تأثره بدعوة الإخوان بصفة عامة، وسبب انضمامه إلى الجماعة بصفة خاصة".
ويرى المتخصص في القانون الدولي والجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، وفقاً لما نقل عماد الصابر، أن "المواوي" بدأ بعد ذلك وكأنه "يؤرخ لأكاذيب الإخوان وادعاءاتهم حول بطولاتهم في فلسطين إذ توالت شهاداته عن ذلك الادعاء، ليس في الكتب فحسب، بل تعدى الأمر إلى كونه أشهر شهودهم داخل المحاكم، ولعل أشهر قضية شهد فيها لصالحهم قضية (السيارة الجيب)، التي فضحت التنظيم الخاص، الذي أنشأه حسن البنا، وكشفت بما احتوته من وثائق كيف يخططون لضرب اقتصاد البلد وقتها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع