شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الرجل البقدونس

الرجل البقدونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الخميس 18 مايو 202301:56 م

لا أذكر الآن من بالضبط الذي أطلق عليه لقب "الرجل البقدونس"، لكنني أذكر أننا اعتمدنا اللقب لأنه كان مستفِزّاً لنا، بوصفه حاضراً على الدوام في كل مكان أو قعدة أو مناسبة، دون أن يكون له حضور يُذكر أو رأي يُناقش أو موقف يُعتبر، فكان بذلك أشبه بالبقدونس الذي يفترش كل أطباق المشويات والمقليات على اختلافها: كباب، كفتة، كبدة، جمبري، أسماك، مخ.

ومع أن البقدونس كان يلعب دوراً مهماً في امتصاص الزيوت والدهون التي تنزّها عليه محتويات الأطباق، إلا أننا كنا نرى، متعسفين، أن صديقنا يشبه البقدونس فقط في تواجده المستمر والدائم في أي مشهد، دون حتى أن يلعب أي دور مهم.

لماذا كنا نكرهه إلى ذلك الحد وهو الذي لم يتسبب لنا بأذى مباشر؟

ربما كان وصف مشاعرنا له بأنها "كراهية" مبالغاً فيه بعض الشيء، الأدقّ أن تواجده الدائم بيننا وحولنا دون أن يكون له أي حضور أو بصمة كان أمراً مزعجاً لنا، في سنوات الشباب التي يحرص الإنسان فيها على أن يُعرّف بعداواته مثلما يُعرّف بصداقاته، بل ويحب أحياناً أن يُعرّف بعداواته أكثر من تعريفه بصداقاته، وهو لم يكن يعادي أحداً، بل كان صديق الجميع في وقت كان إعلان العداوات رياضة موسمية مفضلة، نزجي بها أوقات فراغنا وننفس فيها عن طاقتنا السلبية، نحن الذين لا نملك سوى المقاهي الرخيصة مساحة للتنفس ومكاناً للهروب من "الغرف المقبضة"، على رأي عبد الحكيم قاسم.

كان لأخينا طريقة مريبة في جمع صداقات الأشخاص الأشد تنافراً وعداء، وحين كان يُطلب منه أن ينحاز لطرف دون آخر، لم يكن يردّ على ذلك الطلب بالخير أو بالشر، بل كان يختفي فجأة من حياة طرفي العداوة، وبعد فترة حين تختفي العداوة أو تقل حدّتها، يظهر ويتضح أنه ظلّ على علاقة ودودة بالطرفين، وأنه استمر في كسب ودّهما، على عكس الذين تورّطوا باتخاذ موقف مع هذا أو ذاك، وكان ذلك من الأسباب التي تحوّل الانزعاج منه إلى كراهية ونقمة، يشعر بها من خسروا أعز أصدقائهم بسبب الانحياز اللعين.

لا أذكر الآن من بالضبط الذي أطلق عليه لقب "الرجل البقدونس"، لكنني أذكر أننا اعتمدنا اللقب لأنه كان مستفِزّاً لنا، بوصفه حاضراً على الدوام في كل مكان أو قعدة أو مناسبة، دون أن يكون له حضور يُذكر أو رأي يُناقش أو موقف يُعتبر

حين نختلف على كتاب أو فيلم أو قصيدة أو مسرحية، فنقضي ساعات على المقهى نتساجل حوله، كأننا ننتصر لأنفسنا بالانتصار للعمل أو بالانتصار على صانعه، كان الرجل البقدونس يكتفي بالاستماع والصمت و"البحلقة" في وجه من يعبّر بحماس عن رأيه المحب أو الكاره، المتحمّس أو المخذول، ولا تبدو على وجهه أدنى علامة تفيد الموافقة أو الرفض أو الحيرة أو الدهشة، وحين يكتب بعدها بفترة مقالاً عن الفيلم أو الكتاب أو القصيدة أو المسرحية محل الخلاف، يكتفي بعرض تقريري تفصيلي لمضمون العمل، ثم يقوم بتلخيص كل الآراء المختلفة حوله دون أن ينحاز لأي منها.

فإن استنكرت عليه أنه لم يعلن موقفه من العمل بوضوح، قال بهدوء إنه يفضل أن يضع القارئ في الصورة ويترك له الحكم على العمل بنفسه، ولكيلا يبدو أنه بذلك يقلّل من شأن الذين يتبنون آراء نقدية حادة أو صريحة في الأعمال الفنية والأدبية، يضيف بهدوء أنه لا يرى نفسه أهلاً للحكم النقدي، فما هو إلا عارض للأعمال الأدبية والفنية ومعلن عن صدورها، مشيراً في بعض الأحيان التي يحتدم فيها النقاش إلى سخريتنا منه، وهو يقول، بابتسامة تثير الاستفزاز من فرط وداعتها، إن علينا أن نعتبر كتابته "مجرّد طبقة من البقدونس التي تصاحب الأعمال التي يكتب عنها".

لذلك لم يكن يغضب من مقالاته أحد ممن كان يكتب عنهم، لأنه كان شديد الحذر والدقة في صياغتها، يعقب الرأي المنتقد برأي آخر يمتدح العمل ويشيد به لنفس النقطة، ولذلك كان صنّاع الأعمال التي يكتب عنها يشعرون بالسعادة لأنه يقوم بتغطية ردود الأفعال حول أعمالهم بدقة وهدوء، دون أن ينشر ما يجرحهم أو يسيء إليهم، ودون أن يثير حفيظتهم بتبني موقف واضح من أعمالهم أو أعمال منافسيهم، ولذلك أيضاً كان مسؤولو مكاتب الصحف والمجلات العربية في القاهرة، يفضلونه أكثر من غيره، ويختارون نشر مقالاته التي كان أحد أصدقائنا محقاً حين وصفها بأنها تشبه في طعمها "الجبنة الثلاجة صديقة المرضى"، لأنه كان يقدم فيها الخدمة الصحفية المطلوبة في الإعلان عن العمل الفني والأدبي، دون أن يضع مسؤولي الصحف والمجلات في مأزق مع أصحاب تلك الأعمال، خصوصاً لو كانوا من ذوي النفوذ في الحياة الفنية والثقافية.

حين بدأنا نكبر أكثر وتتعقد علاقاتنا ببعضنا، أصبحت شخصية "صديق الجميع" أكثر استفزازاً للمرهقين منّا، فلم يعودوا يكتفون بوصفه بـ "الرجل البقدونس"، واختاروا ألقاباً أكثر عدائية للتعبير عن اختياره أن يكون "معاهم معاهم عليهم عليهم"، فأصبح في نظرهم "اللطزانة" أو "الدلدول" أو "شُرّابة الخُرج" أو "البضين"، وهي ألقاب لم تكن تُقال له علانية لأنها ستجرحه، بعكس لقب "الرجل البقدونس"، وقد تدفعه لصدام غير مستحب، ثم تغير ذلك حين تجرّأ صديق سكران، كان قد خسر قبلها بأيام صديقاً عزيزاً لأنه كتب عن روايته وقال فيها ما نسي أن يقوله مالك في الخمر، لأنه شعر أن تضليل القرّاء بمدح تلك الرواية أو التعامل معها بوصفها رواية أصلاً هو أمر لا يتحمله ضميره، ولذلك اختار التضحية بالصداقة ليكون على قدر مسؤوليته النقدية التي ستحاسبه عليها الأجيال القادمة، فلعن "سنسفيل" صديقنا وكل من أقنعوه بكتابة الرواية أو شجعوه عليها، وأعقب نشر المقالة تشابك بالأيدي والأرجل بينهما، كان ختاماً مؤسفاً لصداقة ظن البعض أنها ستدوم أطول من صداقة جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر.

في المقابل لجأ الرجل البقدونس إلى منهجه اللولبي الأثير، حين كتب عن الرواية التي كانت بشعة عن حق، فأشار إلى ما أثير حولها من انتقادات وأتبعه بردود المؤلف عليها، ثم ختم مقاله بحديث وعظي دافئ عن أهمية أن ندع مئة زهرة أدبية تتفتح ولو أدمتنا أشواكها، لأن الساحة الأدبية تتسع لجميع الأساليب والمشارب، وهو ما جعل صديقنا السكران الملتاع من آثار مسؤوليته النقدية، يقف في المقهى ملعِّباً اصبعيه الوسطيين للرجل البقدونس وهو يردّد هتاف يوسف وهبي الشهير: "آه يا جوليا يا مراة الكل يا مزبلة"، وكان من الواضح أنه كان يرغب أن يكون ذلك الهتاف مجرّد "جرّ رِجل" لخناقة حامية، لكن صديقنا الرجل البقدونس أجهض خطته، حين نظر له مبتسماً، وقال بنبراته الهادئة، إنه مات من الضحك حين قرأ هذا الهتاف أول مرة في كتاب لمحمود السعدني، وأنه كان يتمنّى أن يرى يوسف وهبي وهو يجلجل به على خشبة مسرح رمسيس في وجه فاطمة رشدي أو أمينة رزق.

"اسبهلّ" صديقنا الغاضب للحظات، ثم أصدر شخرات حادة متقطعة، وانهال بعدها على الرجل البقدونس بكل الشتائم التي كانت تثور حوله، واتهمه بأنه سرطان في جسد الساحة الثقافية لا بد من استئصاله لكي تتعافى ويصبح فيها الرجاء، واصفاً دور "صديق الجميع" الذي يقوم به بأنه "تعريص" أخطر من التعريص الصريح الذي ينفر منه القراء، بينما يقبلون على كلامه البقدونسيّ اللزج، الذي يجعل للخراء سعراً ويخلط أبو قرش بأبو قرشين، فيساهم في تدني المعايير الأدبية وتزييف أذواق القراء، وهو كلام توقعنا أن يقابله الرجل البقدونس بالغضب أو التجهّم أو حتى الانسحاب قصراً للشرّ، لكنه لم يفعل أياً من ذلك، بل قام منطوراً من كرسيه واحتضن صديقنا السكران بقوة، ثم قال إنه يتفهم غضبه وسيفكر فيه ويسعى لتطوير ما يكتبه في المستقبل، فما كان من صديقنا السكران إلا أن حاول ضربه بأقرب كرسي، وحين فشل في حمل الكرسي ووقع على الأرض، أجهش بالبكاء وأخذ يدبدب على أرضية المقهى المفروشة بنشارة الخشب والمغمورة بالبصاق، لاعناً كل شيء وطالباً الحساب وإخراجه من المقهى فوراً قبل أن يرتكب جناية.

حين بدأنا نكبر، أصبحت شخصية "صديق الجميع" أكثر استفزازاً للمرهقين منّا، فلم يعودوا يكتفون بوصفه بـ "الرجل البقدونس"، واختاروا ألقاباً أكثر عدائية للتعبير عن اختياره أن يكون "معاهم معاهم عليهم عليهم"، فأصبح في نظرهم "اللطزانة" أو "الدلدول" أو "شُرّابة الخُرج" أو "البضين"

تركت المواجهة العاصفة أثرها على صديقنا البقدونسيّ، ولكن بشكل يشبه روحه، فمع أن كتابته لم تتغير أبداً في منهجها وطريقتها كما وعد، ومع أنه كتب بعد أسبوع مقالة مفعمة بالود الكاذب عن مقالات صديقنا الناقد الغاضب ودوره في تنقية الحياة الأدبية من الشوائب، إلا أن شيئاً ما انكسر بداخله منذ تلك المواجهة، فلم يعد يظهر كثيراً في مقهانا والمقاهي المجاورة له، وعرفنا أنه التحق بالعمل الثابت في مكتب صحيفة خليجية عريقة أصبح مشرفاً على صفحتها الثقافية، فقرّر أن يتوسع بنفس طريقته في الكتابة لتشمل كثيراً من أعمال الكتاب العرب من كافة البلدان والأجيال، وسرعان ما بدأت تنهال عليه الدعوات لحضور المهرجانات والمؤتمرات الأدبية والثقافية في كافة الأقطار العربية.

وبدلاً من تضييع وقته في مقاهي وسط البلد، أصبح بمثابة دليل سياحي وأدبي يصاحب جميع الأدباء العرب القادمين إلى القاهرة لحضور معرض الكتاب أو أي مناسبة ثقافية، ولم يكن يفرق بين أحد منهم حسب جيله أو مكانته أو سنه، بل كان يعاملهم جميعاً بنفس الاهتمام والمودة، ويقدمهم بمنتهى الحماس لأبرز الفاعلين في الساحة الثقافية والفنية، وهو ما كان يثير نفور وضيق العديد من زبائن ورواد مقاهي وسط البلد الذين بدأوا يطلقون عليه لقب "خِرتي الثقافة المصرية"، في إشارة إلى "الخِرتية" الذين يصطادون فرادى السياح في الهرم ووسط القاهرة ويطلعون منهم بما تيسر من مصالح و"سبابيب".

كان موقفي من صديقنا قد تبدّل تماماً، قبل أن أترك عالم وسط البلد المليء بالمضحكات المبكيات، حين طلبت منه ذات يوم أن يردّ كتباً استعارها مني قبل فترة، فقال إنها موجودة في مكتبته ببيت أبيه في حي عين شمس، الذي كان قد تركه حين تزوج لينتقل إلى أحد أحياء مدينة ستة أكتوبر التي طلعت في المقدّر جديد، وطلب مني أن أصحبه إذا كان لدي وقت لآخذ الكتب، وأسلم على أبيه الذي كان معجباً بما أكتبه، ولأنه كان قد اشترى سيارة بعد أن ظهرت عليه آثار النعمة.

بدا المشوار سهلاً ومغرياً بالتعرّف عليه أكثر، وحسناً فعلت حين ذهبت معه، لأنني اكتشفت فيه جوانب لم أكن أعرفها، أبرزها أنه كان باراً بوالده الذي أقعده المرض والذي كان يعيش بمفرده في بيت الأسرة بعد وفاة الأم، ولم يكن يتأخر عن الذهاب إليه كل يوم، برغم طول المشوار، ليقضي معه ساعتين أو ثلاث ساعات، يلعبان الطاولة والدمنة ويتحدثان عما قرأه في الصحف والمجلات وشاهده في البرامج، ويقوم بالإشراف على تنظيف الشغالة للبيت وطبخها لأكل الأب وتنظيف ملابسه من آثار المرض الثقيلة.

مقالاته الخالية من الدسم والمشهيات الدرامية تحولت مع مرور السنين إلى نواة لأرشيف ضخم، يمكن أن تعرف منه كثيراً مما قيل وكُتِب عن أغلب الأعمال الفنية والثقافية خلال العقود الثلاثة الماضية

اكتشفت أيضاً طيلة مشوار المرواح والمجيء الطويلين، أن صديقنا لم يكن عفّ اللسان دمث الخلق على الدوام كما كنت أتصور، فقد استمعت منه إلى نخبة منتقاة من أحطّ وأسفل الشتائم التي انهال بها على كثير من السائقين والعابرين للطرق، ومع أن بعضهم كان يستحق الشتيمة التي كان يطلقها بصوت منضبط لا يسمعها إلا أنا وهو، إلا أن أغلب شتائمه بدت مبالغاً فيها وغير مستحقة، وهو ما جعله يفسّرها لي بقوله إنه لا يستطيع أن يكمل قيادة السيارة دون أن يفرغ طاقة الغضب والتوتر التي تشتعل فيه بوصفه حديث العهد بشوارع القاهرة والسواقة فيها.

وقبل أن أنزل من سيارته أمام بيتي، قال مبتسماً وهو يصافحني: "بس إيه رأيك، ما طلعتش بقدونس أوي زي ما انت فاكر؟"، لأنفجر من الضحك ولا أجد ما أقوله سوى الشدّ على يديه بإعجاب شديد، لأنه كان يعرف ما يفعله منذ البداية، ربما لأنه أدرك أن أسلم وسيلة للنجاة في غابة وسط البلد هو ارتداء القناع البقدونسي المنجي من مهالك الانحياز.

باعدت بيننا الأيام أكثر، ولم أعد ألتقيه أبداً، لكنني احتفظت بصداقته الفيسبوكية، وأصبحت أرى كيف جنى، ولا زال يجني، ثمار صداقاته العربية التي كان ينفق عليها الكثير من وقته وماله، ليس فقط لأن أغلب من كان يحرص على مودتهم والاحتفاء بهم أصبحوا يشغلون مواقع بارزة ومهمة في بلادهم وحرصوا على رد الجميل له بأضعاف مضاعفة، بل لأن مقالاته الخالية من الدسم والمشهيات الدرامية تحولت مع مرور السنين إلى نواة لأرشيف ضخم، يمكن أن تعرف منه كثيراً مما قيل وكُتِب عن أغلب الأعمال الفنية والثقافية خلال العقود الثلاثة الماضية، واكتسب طابعها البقدونسي المحايد معنى لم يكن يخطر على البال، فقد أصبحت أهم من مقالات نقدية عنيفة أقامت الدنيا وأقعدتها حين نشرها، لكنها لا تصلح الآن للقراءة لمن لم يعاصرها، إما لأنها تبدو حادة أكثر من اللازم بشكل جعلها تخطئ الهدف وتتجنى في الحكم على أعمال لم تكن بما تصورته من سوء، أو لأنها تبدو محتاجة إلى أن يحيط القارئ بسياق كتابتها لكي يتفاعل معها، بعكس مقالات صديقنا المنضبطة الهادئة التي حولتها الأيام إلى وثائق حافلة بالمعلومات، تُقرأ من خلالها صورة عصرها وتفاعلاته.

قبل أن أنزل من سيارته أمام بيتي، قال مبتسماً وهو يصافحني: "بس إيه رأيك، ما طلعتش بقدونس أوي زي ما انت فاكر؟"، لأنفجر من الضحك ولا أجد ما أقوله سوى الشدّ على يديه بإعجاب شديد

بالأمس، كنت أبحث عن شيء لا علاقة به بالثقافة والأدب، بل له علاقة بأفضل الخضروات التي يمكن تناولها مع اللحوم لمن خاصموا النشويات، فوقع نظري في جنبات الإنترنت على مادة تتحدث عن الدور المهم الذي يلعبه البقدونس الذي يفترش أطباق الكباب والكفتة وسائر المشويات والمقليات، ليس فقط لأنه يساعد على امتصاص الدهون الموجودة في المأكولات التي تعتليه، ولكن لأنه يساعد أيضاً على امتصاص المواد الهيدروكربونية التي يتم تكوينها أثناء عملية الشواء، كما يلعب دوراً هاماً في امتصاص الأملاح الموجودة في اللحوم مما يساعد مرضى النقرس على تناولها.

وحين صادفني بعدها على "التايم لاين" تدوينة لصديقنا يعيد نشر مقالة قديمة له عن عمل أنصفه الزمن وانحاز له، تذكّرت عدداً من أصدقائنا الكارهين لنموذجه المستفز، وتأملت ما فعلته بهم الأيام، حين كسرت بعضهم دون هوادة، وحوّلت البعض الآخر إلى مسوخ، وأنصفت القليلين الذين "صاروا ما أرادوه يوماً ما"، في حين بقي صديقنا الناقد الغاضب كما هو دون أن يتغير قيد أنملة، ولا زلت أقرأ له من حين لآخر تدويناته التي تفوح منها رائحة الكحول ويختلط فيها الحق المبرّر بالغضب الممرور، والتي يصب فيها لعناته وشتائمه على الذين أفسدوا الحياة الثقافية، والتي يخصّ بالذكر فيها كثيرين، على رأسهم صاحب القناع البقدونسيّ، الذي اضطر إلى حظره من على صفحته قبل سنوات، لأنه بعد أن قرأ تدوينة للناقد الغاضب تلعنه وتهاجم دوره المزري في تفريغ الأشياء من معانيها، اختار التعليق عليها فقط بوضع قلب كبير اختار له اللون الأخضر، لون البقدونس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard