شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بعيداً عن برامج الفضائح... إرث مجلة

بعيداً عن برامج الفضائح... إرث مجلة "الموعد" وصحافة النميمة الفنية الذكية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الأربعاء 26 أبريل 202311:25 ص

في عدد قديم من مجلة "الموعد"، صدر عام 1964 وتصدّرت غلافه صورة السندريلا، جاء عنوان الموضوع الرئيسي للعدد: "نيران الصيف تحرق جسد سعاد حسني حتى لا تنتحر كمارلين مونرو": "فاجأت السندريلا الصحفيين الذين استعدّوا لتصويرها بمجموعة من الصور المثيرة وهي ترتدي المايوه استعداداً لموضوعات الصيف، باعتذارها ورفضها ارتداء المايوه وإصرارها على ألا يتم تصويرها إلا بملابسها الكاملة.

في عدد قديم من مجلة "الموعد"، صدر عام 1964 وتصدّرت غلافه صورة السندريلا، جاء عنوان الموضوع الرئيسي للعدد: "نيران الصيف تحرق جسد سعاد حسني حتى لا تنتحر كمارلين مونرو".

وقالت السندريلا للصحفيين والمصورين ضاحكة: أمامكم وجهي التقطوا ما شئتم من صور، إن في عيني سحر يفوق سحر صدري وساقي.

وفسّرت سعاد حسني هذا الموقف لعدد من أصدقائها، مؤكدة أنها عندما مثلت دورها في فيلم (الساحرة الصغيرة)، كان واقع القصة يفرض عليها أن تظهر بصورة الشابة المرحة المتفتحة التي ترتدي ما يروقها من ملابس، وليس لأنها تحب أن تبرز مفاتنها وتظهرها دائماً.

وأضافت السندريلا أنها فوجئت بأن كل المخرجين بعدها أصبحوا يطلبون منها أن تعطى للكاميرا ما سبق وأعطته في فيلم (الساحرة الصغيرة)، حتى لو كان الموقف لا يتطلّب ذلك، ولكنهم أرادوا استغلال مفاتنها لإثارة المراهقين ودفعهم للتسابق إلى شباك التذاكر، وهو ما أحزنها؛ لأنهم لا يهتمون بقدرتها على الإبداع والتمثيل بقدر ما يهمهم استغلال جسدها.

ووقتها كانت سعاد حسني تقرأ كثيراً عن قصة مصرع سمكة هوليوود مارلين مونرو، وتتابع كل ما ينشر عن نهاية حياتها، وخرجت بتحليل عميق عن السبب الذي دفع مارلين مونرو للانتحار، مفضلة الموت على أن تعيش في مجتمع لا يقيم لها وزناً كإنسانة، وكل ما يهمّه منها، أنها مثيرة، ذات مفاتن تغري الرجال.

وأشارت السندريلا إلى أنها خلصت لنتيجة مفادها أن مارلين مونرو لم تتناول الحبوب المنومة إلا بعد أن يئست من التحرّر من أدوار الإغراء التي كانت هوليود تفرضها عليها، رغم أنها حاولت مراراً أن تقنع صنّاع السينما بأنها فنانة لديها طاقات فنية كبيرة يمكن استغلالها، ولكنهم أصرّوا على حصرها في أدوار الإثارة والإغراء، وهو ما جعلها تشعر بالعقد النفسية لإجبارها على السير في هذا الاتجاه، حتى ضاقت الدنيا في وجهها، فقرّرت أن تنام إلى الأبد.

وأكدت سعاد حسني أنها لا تريد أن تنتهي حياتها كما انتهت حياة مارلين مونرو، مؤكدة أنها أسدلت الستار على أدوار الإغراء، وفضّلت أن يحترق جسدها في الصيف تحت ملابس الوقار من أن تكشف عن الصدر والساق للعيون الجائعة".

"كانت سعاد حسني تقرأ كثيراً عن قصة مصرع مارلين مونرو، وتتابع كل ما ينشر عن نهاية حياتها، وخرجت بتحليل عن السبب الذي دفعها للانتحار، مفضلة الموت على أن تعيش في مجتمع لا يقيم لها وزناً كإنسانة، وكل ما يهمّه منها، أنها مثيرة، ذات مفاتن تغري الرجال"

يمكن لنا عبر قصص كتلك وغيرها، منشورة في أرشيف مجلة الموعد، أن نتأمّل من خلال جولة في الموقع كيف تروى قصص الصحافة الفنية في موضوع يمكن تحويله إلى وسيلة للحط من فنانة، إلى كتابة ذكية سردت لنا قصة مكتوبة باحترافية.

وفي الأيام الأخيرة، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة مبهجة لسعاد حسني، هي ترتدي بلوزة وجيب وساعة، وهي تقف بجانب إحدى السيارات، كانت الصورة قد التقطت من قبل مجلة الموعد عام 1981، وأعادت المجلة نشرها عبر منصّاتها المختلفة، بعد أن قامت بتحويل الصورة إلى الصيغة الرقمية عبر الفيلم الملون الأصلي بطريقة احترافية من قبل خبراء، لتنتج صورة نادرة وعالية الجودة.

نجح انتشار الصورة المرمّمة في أن يلفت الانتباه إلى مجلة الموعد نفسها، وإرثها مع الصحافة الفنية الخفيفة التي تنتمي إلى عالم صحافة النميمة، لكن من خلال كتابة سردية يمكن لها أن تنسج قصصاً جميلة وأنيقة من الحياة الشخصية للفنانين، دون أن تنزلق إلى ما يسمى صحافة الفضائح.

وهو ما يذكّرنا في المقابل بتغوّل برامج انتهاك الحياة الشخصية للفنانين، على غرار "العرافة" و"شيخ الحارة" لبسمة وهبة، و"حبر سري" لأسماء إبراهيم، و"أنا والقناع" لمنى عبد الوهاب، وهي برامج تعتمد على انتهاك الحياة الشخصية للفنانين، وتناولهم من زاوية واحدة فقط، هي زاوية الفضيحة، وكذلك لجوء صحف رسمية رصينة إلى تناول الحياة الشخصية للفنانين من الزاوية نفسها، أو عرض تصريحات مثيرة للجدل لهم عن عمد وبدافع خبيث، هو إلقاؤهم لقمة سائغة في أفواه جماهير لم تنجح الأزمنة في أن تجعلها تحترم الممثلين والمطربين، وتراهم مجرد "مسلواتية" يمارسون شيئا محرّماً شرعاً كالفن، وتساهم في إزجاء نار أي حملة تستهدف ممثلاً أو ممثلة، كما حدث مع منى زكي عبر مشاركتها في فيلم "أصحاب ولا أعز".

*****

يعود تاريخ إصدار مجلة الموعد إلى عام 1953، على يد الصحفي اللبناني محمد بديع سربيه، والتي بدأت مجلة نصف شهرية، ثم تحوّلت إلى أسبوعية بناء على طلب كوكب الشرق الفنانة أم كلثوم، وهو ما يشير إلى علاقة سربيه المميزة بالفنانين، التي تنشأ في الأساس عبر الاحترام لا التملّق.

يعتبر محمد بديع سربيه رائداً مجلياً في الصحافة الفنية، وكانت زاويته في مجلة الموعد التي حملت اسم "شارع النجوم" محل اهتمام من القراء في مصر ولبنان، ويستضيف فيها أيضاً نجوم الفن على مدى أسابيع تنشر على حلقات مسلسلة، تتضمن معلومات وصوراً نادرة وحصرية.

وكان، بحسب موقع مجلة الموعد، أول من ابتدع مسابقات واستفتاءات لقراء المجلة لاختيار نجومهم المفضلين من خلال أعمالهم التي قدّموها كل سنة، وكان أول من أقام حفلات لتوزيع كؤوس مجلة "الموعد" على النجوم الفائزين.

المثال الأبرز لاستغلال الفضائح الشخصية هو برامج بسمة وهبة التي تعتمد على إحراج الضيف، الصوت العالي واختيار الضيف ليس بناء على إسهاماته الفنية، لكن بناء على أن قصة ما فضائحية في حياته الشخصية، أصبحت ترينداً متداولاً

ويذكر أن محمد بديع سربيه قد أقنع النجمة الراحلة نادية لطفي أن تصبح من أسرة تحرير الموعد لتردّ بخط يدها أسبوعياً على مشاكل القراء، وكان اسم الزاوية "أنت تسأل ونادية لطفي تجيب"، كما أنه مسؤول عن ألقاب العديد من النجوم، كلقب "موسيقار الأجيال" الذي ارتبط بمحمد عبد الوهاب، و"سيدة الشاشة العربية" المرتبط بفاتن حمامة، والذي أطلقه عليها هو يسلمها كأس مجلة الموعد بعد فوزها باستفتاءات قراء المجلة كأفضل نجمة على مدى سنوات، وكذلك لقب السندريلا الذي أطلقه على سعاد حسني، وأيضاً أصدر في الثمانينيات مجلة نورا، بعد رحيله تولت بناته إصدار مجلة "الموعد"، إلى أن توقفت نسختها الورقية عام 2016.

*****

في مصر، كان لدينا هذا النوع من الصحافة والبرامج الفنية التي تذكرنا بإرث مجلة الموعد، وقد بدأت مع ليلى رستم وطارق حبيب، واستمرت مع منى الحسيني وأميرة عبد العظيم، وكان هدفها، بحسب الناقدة عزة هيكل، معرفة أخبار النجوم الكبار بعيداً عن الكاميرا، وأن تُنشئ نوعاً من التواصل بين النجم وجمهوره، وكان أهم سمات هذه البرامج هي انتقاء النجوم، كعمر الشريف وفاتن حمامة، وكانت تخلو من الفضائح أو أي قضايا شخصية.

وبحسب الناقد محمود قاسم، تحولت تلك البرامج في التليفزيون إلى برامج فضائح ومحط تنافس بين المذيعين والقنوات بالاعتماد على نجوم صف ثاني، أو نجوم فاتهم قطار الشهرة، أو حجبت عنهم الأضواء، إذا لم يقوموا باستغلال حياتهم الشخصية للعودة إلى الأضواء مرة أخرى، فيقومون بعرض آرائهم الرجعية عن حرمانية الفن مثلاً، أو منعهم لبناتهم من دخول هذا المجال.

المثال الأبرز لهذا الاستغلال هو برامج بسمة وهبة التي تعتمد على إحراج الضيف، الصوت العالي واختيار الضيف ليس بناء على إسهاماته الفنية لكن بناء على أن قصة ما فضائحية في حياته الشخصية، أصبحت ترينداً متداولاً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard