أواصل اليوم نشر الحوار الذي أجريته مع المطرب الكبير مدحت صالح في أواخر عام 1999، والذي أنشره هنا لأول مرّة وأظنّه مهمّاً، ليس فقط لفهم وتأمل تجربة مدحت صالح الغنائية التي استمرت حتى الآن، بل ولفهم وتأمل الحالة الغنائية التي عاشتها مصر في سنوات الثمانينيات وما تلاها حتى الآن:
ـ الملاحظ طبعاً طول السنين اللي فاتت، إصرار الصحافة والنقّاد لما يطلعوا في البرامج على وصفك إنت وعلي الحجار ومحمد الحلو وهاني شاكر ومحمد ثروت، بإنكم رموز الطرب الأصيل، مش شايف إن ده في الحقيقة كان ولا زال يضرّ بيكم، لإنه بيصدّر للجمهور فكرة إنكم جيل تاني ومعزولين عن الحالة العامة بتاعة سوق الغناء؟
ــ هو طبعاً الوصف ده ممكن يستفز جمهور الشباب وانت ما تقصدش تخليه يحس إنك بتتعالى عليه، فيبقى خايف منك وقلقان يسمعك ومتخيل إنك هتقول له أغاني مش هيفهمها أو بعيدة عنه، مع إننا مش كده خالص، هو طبعاً الجيل اللي جه بعدنا، وهو جه بعدنا بفترة بسيطة يعني، من ست إلى عشر سنين، بسّطوا الأغاني، والجيل اللي طلع معاهم عايز البساطة، لكن مش عايز التفاهة، والفرق كبير طبعاً، الجيل الجديد عايزك توصل له رسالة جميلة بس ببساطة، مش هينفع زي زمان أروح أقولك استلم الرسالة وتقدم عرض حال دمغة وامضي بالاستلام ويبقى في إحساس بيروقراطي في التوصيل، ده اللي احنا محتاجين نفكر فيه: إزاي نوصل اللي بنقدمه بشكل يناسب الجيل الجديد من غير ما نتخلى عن الشروط الفنية.
ـ طيب لما نرجع لأغاني عظيمة أنت غنيتها زمان وما حققتش النجاح اللي تستحقه، تفتكر كانت المشكلة في طريقة التوصيل، إنها ما اتقدمتش ببساطة، يعني خليني مثلا أفتكر أغنية "غنواتك الخضرا"، غنوة عظيمة بس ما حققتش نجاح، هل المشكلة إنك ما قدمتهاش ببساطة ولا الفكرة إنها جت في زمن غير زمنها؟
ــ ما أقدرش أقولك تفسير واضح إيه اللي يخلي أغنية تنجح جداً والتانية لأ، وباحاول ما أتوقفش عند ده أكتر من اللازم، الفكرة بالنسبة لي إني لما آجي أعمل شريط أو ألبوم لازم أعمل فيه تنويع، يعني في "وعدي" مش كل الأغاني راقصة زي أغنية "وعدي"، في أغاني فيها شجن وأغاني إنسانية، لازم يكون في تنويع، وبالتالي هتلاقي واحد يقول لك أنا أكتر غنوتين بحبهم في الألبوم كذا وكذا، واحد يقول لك أنا ما بحبش غير غنوة واحدة بس، متشكرين يا عم، واحد يقولك أنا بحب أربع أغاني، لو قدرت توصل لإن في خمس أغاني الأغلب بيتفق عليها يبقى إنت حققت نسبة عالية جداً.
مدحت صالح: "الجيل اللي جه بعدنا، وهو جه بعدنا بفترة بسيطة يعني، من ست إلى عشر سنين، بسّطوا الأغاني، والجيل اللي طلع معاهم عايز البساطة"
خلي بالك في مطربين كتير جداً بيعتمدوا على أغنية واحدة ناجحة بس في الألبوم، وده الحمد لله ما حصلش عندي، يعني في الأفراح والحفلات اللي باعملها بيتطلب مني مش بس غنوة "وعدي" ولكن كمان "قولوا لها عيونها بلون الشجر"، مع إن دي سكة ودي سكة، لما ده بيحصل لي في كل ألبوم مع تلات أو أربغ أغاني بحسّ إني عملت حاجة كويسة.
ـ بالاحظ دلوقتي في الأفراح اللي بتحييها بيتطلب منك تغني "تلات سلامات"، غنوة العظيم محمد قنديل اللي عملت لها إعادة إحياء؟
ــ طبعاً، وده بيرجع لنوعية الناس أصحاب الفرح، ساعات يكونوا من جمهور حفلاتي في الأوبرا، ويبقوا شباب صغيرين كمان مش كبار، ولما بغنّي الغنوة الكل بيتفاعل معاها في الفرح زي في حفلة الأوبرا، وده اللي يخليني أقول إن اللي بيتهم ذوق الجمهور بيغلط غلط رهيب، وبما إنك جبت سيرة حفلات الأوبرا، أنا بقى لي أربع سنين بشارك في مهرجان الموسيقى العربية، السنة دي عملت حفلتين مش حفلة واحدة من كتر الإقبال، وأغلب اللي بقابلهم في الحفلات شباب من سن 19 لسن تلاتين غير الناس الكبار، وده شيء يؤكد إن جمهورنا سميع، بس كمان انت بتختار المكان والوقت اللي بتقدم فيه الأغاني، يعني ما أقدرش أطلع على خشبة مسرح الأوبرا وأغني "وعدي"، مع إن الجمهور اللي هيخرج من الحفلة ممكن يفتحها في كاسيت عربيته، هيكون مؤهل وقتها يسمع حاجة مختلفة، وحتى وأنت بتغني أغاني طرب، الحكاية محتاجة تكون بسيط مش فذلكة ولا فرد عضلات، ومش الفكرة إنك تقول للجمهور شايف أنا شاطر وقلت لك الغنوة إزاي بتكنيك طرب، مش ده المهم، ولكن أسلوب التوصيل يكون فيه بساطة، لإن مشاكل الناس مكفياها.
يواصل بلال فضل نشر الحوار الذي أجراه مع مدحت صالح في أواخر عام 1999، والذي ينشره هنا لأول مرّة لأهميّته، ليس فقط لفهم وتأمل تجربة مدحت صالح الغنائية المستمرة حتى الآن، بل ولفهم وتأمل الحالة الغنائية التي عاشتها مصر في سنوات الثمانينيات وما تلاها حتى يومنا هذا
ـ بشكل واضح ومحدّد، لما أبص على مدحت صالح كإمكانيات صوت وتكوين فني وقبول وحضور، وألاقي إن أسهمه في الساحة الفنية متراجعة ومطربين أقل منه في الصوت والإمكانيات الفنية واصلين للناس أكتر، مش ده لغز محتاج تفسير في رأيك؟
ــ لإن ببساطة الإعلام والصحافة والضجة المصنوعة حوالين المطربين والمطربات بتأثر على الاستقبال، يعني لما تلاقي فنان جاي من بلد عربي وعمل حفلة واحدة، تاني يوم الصحافة بتقارنه بعبد الحليم حافظ، مطربة جاية من بره بتعمل حفلة بتاخد استقبال أكتر ألف مرة من اللي بيحصل لمطربات أحسن منها، الصحافة والإعلام بيعملوا هالات جامدة جداً والناس بتتأثر، ده الطبيعي اللي بيحصل في أي مكان في الدنيا.
ـ يعني ده تفسيرك لنجاح وانتشار عمرو دياب؟
لأ، ده نصيب ورزق، وبعدين أنا مش باتكلم عن أسماء معينة، أنا باتكلم عن حالة عامة، لما تسيب الفن والغناء وتقعد تتكلم عن فلان اللي عنده بودي جاردات وفلان اللي عمل معركة مع مين ومين اتصالح مع مين، وتتكلم عن فلان وفلانة كإنهم أهرامات، ما دي كلها حاجات جاية منكم كصحافة، مش من حد تاني، أنا بقول كل اللي مطلوب إن كل واحد ياخد حجمه الطبيعي من غير مبالغات ومن غير ما نجور على حد أو نظلم حد.
ـ رأيك إيه في اللي شايفين إنه في الفترة الأخيرة جار بعض الضيوف على أصحاب الدار بسبب الإعلام؟
ــ لأ خالص أنا مش مع ده، لإن طول عمرنا ده حاصل عندنا ده مش جديد علينا، وبعض الناس عملت ده قضية رهيبة كإن منع المطربين العرب هيحل المشكلة الاقتصادية في البلد ومشاكل الزواج والسكن والصحة وكل الحاجات، إحنا هننسى فايزة أحمد وفهد بلان وفيروز ووديع الصافي وصباح ووردة ومحمد عبده وطلال مداح، هاقولك أسامي مين ولا مين، طول عمرهم عايشين في مصر وطول عمر مصر حاضناهم، وبعدين لما بكلمك عن المطربين اللي الإعلام بيهتم بيهم أكتر من اللازم باتكلم عن مطربين مصريين مش بس العرب.
ـ لكن بقى معروف خلاص إن في مطربين بيدفعوا فلوس ورشاوي عشان أغانيهم تتعرض بكثافة في وسائل الإعلام؟
ــ وارد، بس أنا باعتبر دي قشور ومش لوحدها السبب، إحنا ممكن نتكلم عن خمسين حاجة، اللبس وقصة الشعر والجزم والبنطلونات الجينز والماكياج، دي كلها قشور، أنا عايز أركز على المادة الفنية نفسها، أعتقد إن اللي بيقدم مادة فنية جيدة بينجح، وبالتالي وارد يكون عندك مطربين معاهم فلوس وبيدفعوا بالدولار عشان أغانيهم تتذاع وتضرب، لكن في الوقت نفسه تعال شوف مثلا الأغاني اللي نجحت للطيفة وسميرة سعيد وكاظم الساهر وماجدة الرومي وراغب علامة ووليد توفيق وعبد المجيد عبد الله ونبيل شعيل وغيرهم من كل الأجيال، هتلاقي أغاني فيها مادة فنية جيدة خلت الجمهور يحتضنهم، لما بتلاقي أغاني نص نص تلاقي النجاح نص نص، ممكن مطرب تضرب له أغنية وبعد كده قدم أغنية وحشة، لكن الجمهور لسه حاسس إنه كويس فيتغاضى عن غلطته ويغفر له ويستنى منه حاجة أحسن، أنا دايماً شايف الرهان على الجمهور صح.
مدحت صالح: "حتى وأنت بتغني أغاني طرب، الحكاية محتاجة تكون بسيط مش فذلكة ولا فرد عضلات، ومش الفكرة إنك تقول للجمهور شايف أنا شاطر وقلت لك الغنوة إزاي بتكنيك طرب"
ـ حاسس في كلامك الحقيقة بقدر كبير جداً من التسامح والرضا، ما فيش مرارة أو رغبة في اتهام الجمهور وذوقه زي ما باشوف من ناس من أبناء جيلك وجيل سابق حصل لهم تعثّر غنائي، ويستسهلوا فكرة توجيه اتهامات بإن النجاح ده وراه بس عوامل مادية، هل ده بسبب تأثير نجاح "وعدي"، عمل لك حالة تصالح ورضا؟
ــ علشان أوصل للحالة دي أخذت وقت، أكيد جت لي مشاعر توهة وغضب، بس ما سبتش نفسي ليها، لإنك لو سبت نفسك ليها هتوصل لطريق واحد وهو اليأس، مش هتوصلك لحاجة، وهتلاقي نفسك بتضيع وقتك، زي بالضبط كده ما بنشوف في الأفلام الثورجية اللي قاعدين في البدروم يطبعوا منشورات ويقولوا نحن نرفض ونشجب، ويطلع بره في النور يروح ينام وخايف حد يشوفه، وأول ما ييجي الليل يفتح ورشة المعارضة ويرجع يطبع منشورات، لأ أنا لو رجلي راحت في السكة دي مش هاعرف أشتغل، أنا عايز أركز وأفكر، وبعدين في حاجة أساسية لازم الواحد يكون مؤمن بيها إن الحياة كلها لهو ولعب، نرجع للقرآن وهو أصل الموضوع، أنا عشان كده باخد الحياة ببساطة، ومؤمن إن الحياة لهو ولعب بس بشكل محترم، لا أتفذلك ولا أجرّح حد ولا أتعاظم على حد، لإن في النهاية كل واحد مكتوب له هيعمل إيه بالضبط ورزقه فين ونصيبه فين، ومن الخطأ الكبير إنك تضيع وقتك في مين أغنى منك واشمعنى حصل لفلان ومين بيكتب أحسن ومين بيغني أحسن، ده كله كلام عبيط.
ـ ده تأثير البعد الديني في تكوينك؟
ــ البداية والنشأة كانت دينية، وأبويا الله يرحمه كان الموجه والمعلم الأول بالنسبة لي، لكن أنا مش عايز أخش في أمور الدين لإن دي علاقة خاصة جداً بين العبد وربه، مش بقولك ده هروباً من الموضوع لكن أنا مؤمن بده فعلاً.
ـ أكيد طبعا، في الوقت نفسه مؤكد إنك فنياً تأثرت بفترة التكوين الديني وحفظ القرآن وغناء الموشحات، عشان كده في تعبير بيتقال عنك إن مدحت صالح ده تربية فقها في الغنا وده اللي مخلي صوتك مختلف وعميق؟
ــ معروف طبعاً إن القرآن وحفظه والترتيل والتجويد وغناء الموشحات بيدي لك مش عايز أقول الحرفة، لكن يعني بتبقى متمكن من مخارج ألفاظك ومتمكن في تنظيم النَفَس، وده كان من حسن حظي.
ـ سمعت عمنا أحمد فؤاد نجم مرة بيقول إن والدتك كان صوتها جميل وإنك ورثت منها حلاوة الصوت؟
ــ هي كان صوتها حلو جداً، لكن ما كانتش مطربة أو بتغني بانتظام، كانت بتحب الغنا عادي جداً، زي كل الناس البسيطة، بس هيه ممكن تكون حافظة كلمات الأغاني، يعني ساعات مثلاً كنت أغني للأستاذ قنديل وأغير كلمات مش حافظها فهي اللي تصحّحها لي.
ـ مدحت صالح طول فترة الثمانينيات وسنوات التسعينيات الأولى كان مرتبط في فترة بالبراءة والوداعة والصورة الرومانسية المرتبطة بالمطرب صاحب الصوت الجميل والاختيارات المتميزة، في النص التاني من التسعينيات دخلت في معارك وأزمات كتيرة وطلعت إشاعات وتشنيعات وبدأت الصورة القديمة تتغير؟
ــ لو بتتكلم عن إشاعات أو تشنيعات فدي تأثيرها محدود وبتلغي نفسها.
ـ طب والمعارك والأزمات؟
ــ الفكرة هو إن الناس لما تعرف اللي ورا المعارك والأزمات هتفهم حقيقتها، لإن تركيبة أي بني آدم فيها فعل ورد فعل، وكلنا لما بنغضب بيبقى رد فعلنا على حسب قوة الفعل، هي الناس متخيلة ساعات إن أنا مطرب عاطفي، نحنوح ومش هياخد حقه لما يتظلم، فلأ، بيكتشفوا إني أنا لو اتظلمت مش هاسكت على الظلم وهادافع عن نفسي، وأعتقد إنه مهما حصلت من مواقف، المهم هو الاستمرارية والناس بتكتشف الحقيقة في الآخر، والاستمرارية هي اللي بتوري إذا كنت غلطان أو إذا كنت صاحب حق.
مدحت صالح: "قابلت الرئيس مبارك في حفلة أكتوبر أقول له أنا بطالب سيادتك برفع الظلم عني، والريس قال لي ما تقلقش يا مدحت"
ـ لكن في الوقت نفسه لاحظت إنك مش بتهتم بالدفاع عن نفسك وتوضيح مواقفك بالشكل الكافي، يعني موضوع زي اتهامك بالتطبيع مع إسرائيل بعد سفرك للغناء لاخواننا الفلسطينيين أو عرب 48 زي ما يطلق عليهم، لما أثيرت القضية قعدت فترة طويلة مكبّر دماغك وما بتردش، وبعدين بعد فترة بدأت توضح الموضوع واتضح لكثيرين إنهم فاهمين غلط، وإن مدحت صالح ما غناش للإسرائيليين ولا هو مطبع، ليه ما رديتش بقوّة من الأول؟
ــ لإني كنت متصوّر إن طبيعي اللي هيكتب عن الموضوع هيسأل قبل ما يكتب وهو لوحده هيكتشف الحقيقة، يعني هل حد متصوّر إني هاروح أعمل حفلات زي دي من غير ما أكون استشرت وفكرت كويس وأخذت موافقات أمنية، عشان كده لما لقيت نفسي بيتم اتهامي في وطنيتي بدل ما تتم الإشادة بإننا أخيراً بنهتم باخواننا الفلسطينيين اللي منسيين ومظلومين بسبب بقاءهم في أراضيهم وبيحاولوا يدافعوا عن هويتهم وثقافتهم قصاد إسرائيل، ومع الأسف الحملة دي اشتركت فيها صحف ومجلات قومية كبيرة، وده اللي خلاني لما قابلت الرئيس مبارك في حفلة أكتوبر أقول له أنا بطالب سيادتك برفع الظلم عني، والريس قال لي ما تقلقش يا مدحت، احنا عارفين موقفك كويس، ومع الأسف اللي اتكتب عني ما كانش نقد فني أو سياسي. كان تجريح واتهام في الوطنية، مع إني سافرت بعد موافقة بلدي وأجهزتها، وأنا راجل معتز بعروبتي وبمواقفي الوطنية اللي عبرت عنها بالغنا كتير، ولو أي حد عمل شغله كصحفي وسأل هيعرف أنا عملت الحفلات لأخواننا الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين مش للإسرائيليين، ومع الأسف اللي هيّج الموضوع ده في الصحافة واحد لبناني ربنا يتولاه، مع إني في نفس الوقت ده كان في مطرب لبناني بيغني في تل أبيب وأنا بغني في مدينة أم الفحم اللي معروف حتى إن فيها إسلاميين وحفلاتي كانت في عيد الأضحى، واتعرض علي شيك على بياض من متعهد عشان أغني في تل أبيب ورفضت، وده كلام مش سر، أي حد يقدر يتأكد منه، يعني لو الحسبة بالنسبة لي مادية كنت هاقول خلاص طب ما أنا كده كده هناك ما أغني وخلاص، وأتحجّج بإني مع السلام وفنان مالوش دعوة بالسياسة، ومع الأسف بعد ما أعمل ده ألاقي اللي يكتب عني العميل الصهيوني، ولما الدولة اختارتني أكون نجم حفلة إذاعة صوت العرب ودي رسالة مقصودة، يقوموا شاتمين مسؤولين الإذاعة والتلفزيون، ومع ذلك ما ركزتش وعملت حفلة ناجحة جداً وكل اللي حضروا استمتعوا، ولعلمك بقى أكتر واحد من اللي كانوا متبنيين الحملة ضدي في جرنان معارضة، لما أخد في التلفزيون إعداد برنامج بقى دلوقتي هادي وكويس وما بيشتمش المسؤولين ولا حاجة.
ـ هل تعتقد إن اللي خلّى القضية تاخد أكتر من حجمها في الصحافة هو إنك بعيد عن الارتباط بالصحفيين والكتاب والمثقفين على عكس مطربين من أبناء جيلك ومن أجيال سابقة، يمكن لو حد فيهم كان بادر لتوضيح الفكرة كان خفّ الهجوم عليك والناس ناقشتك بهدوء حتى لو مختلفين معاك؟
ــ هي الحكاية مع الأسف تحولت إلى حرب مع إنها مش حرب، وطبعاً كل واحد مشغول بنفسه وأنا مش هاطلب من حد يدافع عني، الأهم عندي إني أبقى مقتنع باللي باعمله، أما حكاية المثقفين فأنا كل اللي اشتغلت معاهم مثقفين، يعني عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وأحمد فؤاد نجم وسمير العصفوري ومحمد فاضل ويحيى العلمي وجلال الشرقاوي كل دول مثقفين، لكن عمري ما هاروح أطلب من حد يدافع عني لإن كل واحد مشغول وعنده اهتماماته، وزي ما قلت لك أنا من سنوات بدأت أبعد عن أي حاجة تضيع وقتي، وبقيت مشغول بإني أدور على اللي أشتغل فيه وأبدع فيه وأسيبه ورايا بعد ما أموت، بحيث يكون عندي رصيد فني كويس لإن هو ده الأهم، الباقي كله أقل أهمية.
مدحت صالح: "منع المطربين العرب هيحل المشكلة الاقتصادية في البلد ومشاكل الزواج والسكن والصحة وكل الحاجات، إحنا هننسى فايزة أحمد وفهد بلان وفيروز ووديع الصافي وصباح ووردة ومحمد عبده وطلال مداح"
ـ لكن اللي هاجموك عشان اشتغلت مع فيفي عبده هاجموك من منطلق إن ده بيقلل من فنك ورصيدك الفني القوي، مع ملاحظة لازم أسجلها إن عبد الحليم حافظ غنى مع فيفي عبده ونجوى فؤاد وما اتهاجمش بنفس الشكل؟
ــ أنت اللي قلت مش أنا (يضحك)
ـ الفكرة إن انت كان ممكن تطلع وترد وتقول كده لكن اخترت إنك تطنش على الهجوم ده؟
ــ علشان لو شايف إن في موضوع جاد محتاج مناقشة هاناقشه، لكن مش شايف إن الموضوع يستاهل، يعني زي ما انت قلت كل حاجة بتهاجم بيها أنا وجيلي الجيل اللي قبلنا عملها، يعني مثلاً فريد الأطرش عمل كام دويتو مع سامية جمال ومحمد فوزي عمل كام دويتو مع نعيمة عاكف وعبد الحليم حافظ وغيره، أنا المهم بالنسبة لي إني انبسطت بتجربة الشغل مع فيفي عبده أربع سنين ونص في مسرحية "حزمني يا"، وسنتين ونص في مسرحية "قشطة وعسل"، وبعد كده اشتركت معها في مشروع فني، عملنا ستديو، وولادها أصحاب ولادي، وجوزها رجل فاضل أعرفه وباحترمه، وفيفي عبده اشتغلت معايا ومع غيري، ومع ذلك أنا اتهاجمت بشكل مبالغ فيه، وبقيت أشوف حاجات غريبة تكسف والله.
يعني لما عملت فيلم "كرسي في الكلوب" مع لوسي، تخيل واحد صحفي ابن حلال يروح يعمل حوار مع لوسي ويقولها بيقال إنك خطفتي مدحت من فيفي؟ بقيت أنا مخطفه؟ مش فاهم هل أنا كوز درة مثلاً؟ هل ده كلام ينفع يتقال في حوار صحفي؟ تقوم لوسي تستفز بمنتهى الطيبة وتقول لأ لو على الخطف يبقى فيفي عبده اللي خطفته مني لإنه أول ما اشتغل مسرح اشتغل معايا في "شيكا بوم"، وكده الصحفي بيعتبر نفسه ضرب عصفورين بحجر، عمل عناوين سخنة من وجهة نظره وفي الآخر قال ده بيقال، يعني مش هو اللي قال وكده عدّاه العيب، طيب هل حد ناقش مضمون الفيلم ولا أهمية دوري فيه؟ لأ، خلاص من ساعة ما الكلام ده اتنشر شوف كام جرنان كتب عن صراع لوسي وفيفي وكلام من النوعية دي.
ـ هي الصحافة مع الأسف عندها مشكلة كبيرة وده لازم الصحفيين يواجهوا نفسهم بيه، يعني لما طلعت الإشاعة السخيفة إنك اتجوزت فيفي عبده، الكل تعامل مع الموضوع إنه نكتة، لكن فوجئوا إنه يتنشر في جرنان، حتى لو بصيغة فيها تحايل، ده يدي للإشاعة مصداقية، ولما جم ينشروا تكذيبك نشروه في حتة صغيرة فما حدش يشوفه بنفس الطريقة؟
ــ ما هو أنا رفعت عليهم قضية، وبعدها الجرنان مرّ بضائقة مالية وصاحبه مات وولاده قفلوا الجرنان، وما بقاش الجرنان موجود.
ـ لكن المحصلة إن النشر ساهم في انتشار الشائعة السخيفة بين الناس؟
مأساة مالهاش حل، مع الأسف النوع ده من الأذى ما بتبقاش عارف تتعامل معاه إزاي، يعني زمان سنة 88 لما أخذت الإسطوانة البلاتينية بعد نجاح "كوكب تاني" في صحفية كبيرة جداً كانت ماسكة صفحة في جرنان كبير جداً وراحت مغطية خبر الأسطوانة وقالت مدحت صالح بيقارن نفسه بالموسيقار محمد عبد الوهاب، بينما عبد الوهاب خد جائزة حقيقية ومدحت أخد أسطوانة فالصو بتتباع على أرصفة أثينا بمية وخمسين دولار، قمت رايح على الأستاذ إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة الأهرام، ورحت واخد معايا الأسطوانة والشهادة اللي تثبت حصولي عليها والعدد اللي اتنشر فيه الكلام ده، قالوا لي عنده اجتماع، قلت لهم لازم أقابله شخصياً، وقلت للسكرتيرة خدي الأسطوانة والشهادة والجرنان وادخلي له في وسط الاجتماع وشوفي هيقول إيه، خرجت السكرتيرة وقالت لي إنه أمر بالتحقيق في الموضوع، رحت نازل للصحفية الكبيرة على مكتبها وقلت لها مين قال لحضرتك إني باقارن نفسي بالأستاذ عبد الوهاب، وبعدين هو خد الجائزة عن شغله في الموسيقى وعبقريته فيها طول خمسين سنة، أنا أخذتها عن مبيعات وأرقام، فمن الجهل إني أقارن نفسي أصلا بالأستاذ هو أنا اتجننت؟ إزاي تنسبي ل يكلام زي ده؟ اتضح إنها خدت كلام قاله المنتج ونسبته ليا، فأنا اتورطت في الموضوع بدل ما تنسب الكلام لصاحبه وبقيت بدل ما أنا فرحان بنجاحي، تحولت إلى هدف للهجوم وبدافع عن نفسي، وده مجرد مثل، طيب أنا في حالة زي دي يفترض أعمل إيه وإزاي تلومني لو قرّرت إني أطنش بدل ما أساهم في تضخيم شيء تافه، مش الأحسن أتبع على رأي محمد الحلو سياسة "خلي اللي يقول يقول".
ـ عندي سؤال أخير يخص حياتك الشخصية وأثرها على فنك، بس قبلها عايز أسألك عن واحد من أهم الشعراء اللي انت اتعاملت معاهم في البداية وساهم في صنع تجربتك اللي هو الشاعر الكبير رضا أمين، ليه توقفت عن التعامل معاه؟ هل صحيح حصل بينكم خلاف؟
ــ أبداً، الأستاذ رضا لسه في ألبوم "يا ليل" اللي قبل ألبوم "وعدي" عمل لي نص الألبوم، ومش معنى إني تعاونت مع دم جديد في التأليف والتلحين إني أنسى دور الأساتذة الكبار اللي زي رضا، ولسه من أسبوع كانوا بيعملوا برنامج عن مشواري وكان من أبرز الناس اللي بتتكلم عني الأستاذ رضا أمين وكتير من الشعراء والملحنين اللي تعاونوا معايا من البداية لحد دلوقتي. وأنا دايما الفيصل عندي هو الكلمة اللي تشدني وتخليني أفكر فيها، وكذلك النغمة، وده الأهم عندي من كونها لاسم كبير، يعني مثلاً كان في ملحن اسمه مهدي خميس عمل ألحان شعبية لحسن الأسمر، هل أقول لأ مش هاسمعه؟ بالعكس أسمعه فألاقي عنده غنوة من أجمل أغانيّ اللي هي "أنا ماشي وفايت قلبي هنا"، وممكن بعد كده الشاعر أو الملحن اللي اتعاونت معاه يعرض عليّ أغنية فما ألاقيش نفسي فيها، لكن دايما يبقى في فرصة إننا نلتقي في عمل يشدني وأحس إنه مناسب ليا وبيعبر عني.
مدحت صالح: "عدم التوفيق العاطفي بيسيب جواك علامات، مش علامات ظاهرة، علامات مستترة جواك، أكيد ما فيش حد في الدنيا يتمنى يفشل في حياته العاطفية والأسرية، أي إنسان عادي يتمنى الاستقرار والدفء والجو الأسري"
ـ سؤالي الأخير يخص الحياة الشخصية وتأثيرها عليك كفنان، أنا بحس من متابعتي لشغلك في التمثيل والغنا، إنه برغم الشخصية المبهجة واللي فيها شقاوة ولذاذة، لكن بتحس في الغنا إن في حزن دفين ـ على حد تعبيرك في واحد من أغانيك ـ هل ورا ده تراكمات عدم التوفيق في الحياة العاطفية؟ إزاي ده أثر عليك؟
ــ أكيد عدم التوفيق العاطفي بيسيب جواك علامات، مش علامات ظاهرة، علامات مستترة جواك، أكيد ما فيش حد في الدنيا يتمنى يفشل في حياته العاطفية والأسرية، أي إنسان عادي يتمنى الاستقرار والدفء والجو الأسري، بس الظروف بتبقى كتير أقوى مننا، وعشان كده بعتبر نفسي غير محظوظ في المساحة دي وراضي بنصيبي، بطلت أحارب في الساحة دي.
ـ تعتقد إيه الطبع غير المريح في شخصيتك اللي بيساهم في عدم التوفيق ده؟
ــ احتمال كوني ملول وصعب واحدة تستحملني بسهولة، يعني بزهق ولما بزهق بطفش، بدور على كوكب تاني (يضحك) وبصدق والله كل التجارب اللي ما كنتش محظوظ فيها، العيب كان مني أنا مش من شركاء التجربة، طبعاً الحكاية كانت صعبة لما ولادي كانوا أطفال، لكن دلوقتي أولادي كبروا، يعني بنتي بقت في أولى إعدادي، فقلبي ما بقاش متشتحتف زي ما كان في السنين اللي فاتوا، فلما بنتي كبرت ممكن تيجي تقعد معايا هي وأخوها ويباتوا عندي وممكن الصبح تحضر الفطار ونفطر سوا، ده ممكن خلاني أبقى أكثر استقراراً، خصوصاً إني شايف إن ولادي بيذاكروا كويس وناجحين وشطار الحمد لله، فده يخليك تركز في شغلك ويبقى كل اللي شاغلني هما وأمي واخواتي وخلاص على كده.
ـ شغلانة صعبة زي الشغل في الفن بتخليك محتاج لتوازن، إيه اللي يساعدك على إنك تحقق التوازن؟
التوازن بيحصل لي على طول لما بشتغل، لكن لو حسيت باختلال شوية في التوازن، أروح نازل شبرا، أزور أمي واخواتي وصحابي والحواري اللي كنت بالعب فيها كورة شراب، ألاقي نفسي توازنت على طول.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون