"بصيت لها بصّة واحدة شغلتني، كانت بتشتري خضار من عربية كارو عندنا في البلد" هكذا تحدث الحاج محمد (68 عاماً) لرصيف22 عن زوجته وكيف بدأت قصة حبهما التي انتهت بالزواج وإنجاب خمسة أولاد.
"الحب زمان كان حاجة تانية، كان أي راجل يشوف واحدة تعجبه يخبط على الباب، وهي حقيقة عجبتني، ولما بصيت لها وقتها معبرتنيش، فقلت بيني وبين نفسي لازم أتجوزها وكان عندي 20 سنة". أكمل الحاج محمد.
ربما يبقى الحب هو الحب بغض النظر عن الزمان، ولكن البدايات تتغير وتختلف باختلاف الأجيال، فنرى أن كل شيء حتى الحب يتأثر بالتطور وتغير التفكير ومحاولة إثبات الذات والتحرر، وغيرها من المفاهيم التي ربما لا يفهمها القلب ولكنها تؤثر على العقل وتغير اتجاهاته.
أيام المراسيل
اتسمت قصص الحب قديماً بحسب كبار السن بالهدوء والبدايات التقليدية التي لم تعد تجذب الأجيال الحالية. وهذا ما رصدته بعض أفلام السينما القديمة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي."بعتلي مرسال مع مرات أخويا، قالي إنه عايز يتقدملي وإنه شافني في السوق وعجبته وعشان عيلتنا كبيرة كان بيقدم رِجل ويأخر رجل، بس حصل نصيب وأنا صراحة لما شفته وافقت على طول.. لقيته راجل ملو هدومه ويشيل مسئولية اتكلمنا كلمتين وكانت أمي قاعدة معانا وجبنا الشبكة". تقول عفاف (65 عاماً) لرصيف22.
يقول الحاج محمد عن بداية قصة حبه لزوجته: "بصيت لها بصّة واحدة شغلتني، كانت بتشتري خضار من عربية كارو عندنا في البلد".
وتضيف: "كان أكبر مني بـ10 سنين وكان عندي وقتها 15 سنة، وكنت كده متأخرة على الجواز، ربنا يديله الصحة والعافية، ربنا رزقنا بـ 4 عيال ربيناهم قد ما قدرنا وجوزناهم.. قاعدين لوحدنا دلوقت ربنا يديم حسه في الدنيا لو رجعت صغيرة تاني هتجوزه تاني".
فيلم "هذا هو الحب" الذي عرض في عام 1958، وقام ببطولته الفنان يحيى شاهين والفنانة لبنى عبدالعزيز حكى عن قصة رجل وقع في حب جارته المحافظة التي كان يراها من الشباك وتزوجها، ورغم كل ما اقترفه الزوج تجاه زوجته حرصت الزوجة على نجاح العلاقة بكل قوتها، هذه التضحية يبدو أنها صارت محل جدل بين من هم أصغر سناً.
"مش نظرة وابتسامة"
عن هذه الفروق بين الأجيال يتحدث أستاذ علم الاجتماع د. سعيد صادق لرصيف22، يقول: "كانت الظروف الاقتصادية بسيطة، والناس ترضى بالقليل، وكان الاختلاط الاجتماعي قليل بسبب قلة وسائل الاتصال، ومن ثم كان من الطبيعي أن الراجل يحب وحدة شافها في السوق أو شافها من بعيد وهي بتنشر الغسيل، أو إنها هي تحب واحد شافته من بعيد في الشارع، وبسبب حالة الغموض بين الاثنين كانت قصص الحب أنجح، والعائلات كانت محافظة جدا،ً وبالتالي الانفصال مكانش احتمال وارد مهما ظهرت مشاكل".أبدت أجيال الثمانينيات والتسعينيات ميلاً لكسر الأنماط الرومانسية السائدة، فكانت قصص الحب كثيراً ما تبدأ بشجار أو ابتداع مشكلة
لاحقاً، أبدت أجيال الثمانينيات والتسعينيات حالة من التمرد، وتأثرت بدايات الحب بهذا الميل لكسر الأنماط السائدة، فكانت قصة الحب كثيراً ما تبدأ بشجار أو ابتداع مشكلة ما، والبعد والنفور والرفض التام لحدوث أية علاقة منذ البداية كمحاولة للحفاظ على الحرية.
البدايات "الحراقة"
يروي أحمد قصته لرصيف22: "في 2011 لما شفتها في الشغل أول مرة مكنتش طايقها ولا أتخيل إن فيه حاجة ممكن تربطنا ببعض، بنت تنكة كده وشايفة نفسها مش فاهم على إيه، أول مرة اتكلمنا اتخانقنا مع بعض وقلنا لبعض كلام جارح الحقيقة. فضلنا فترة محدش بيكلم التاني، وكل ما نتقابل في أماكن من غير ترتيب نزعق لبعض من غير داعي كده".لكن قصة أحمد لم تنته بالكراهية المتبادلة، بل بدأت بها، يكمل روايته من اللحظة التي يتغير بها مسار الأحداث: "بعد فترة عرفت إنها هتتخطب.. اتجننت ومش فاهم لحد دلوقت ليه جريت كلمتها، قلتلها إني بحبها، وطلعت مكنتش هتتخطب ولا حاجة، بس الحمد لله إننا مع بعض دلوقتي، اتجوزنا من 9 سنين وعندنا ولدين".
فيلم "عمر وسلمى" الذي قدمه الفنان تامر حسني والفنانة مي عز الدين عام 2007 أظهر هذه الحالة فكانت البداية شجاراً يجمع بين بطلي العمل واستمر ثم انتهي بعلاقة بينهما.
الرفض المستميت أحياناً يكون هو البداية لقصة حب تستمر لسنوات. هكذا قالت داليا (29 عاماً) التي كانت تصرخ في كل من يتحدث معها عن ارتباطها بابن خالتها، الذي كانت تراه "زي أخوها".
تقول: "مكنتش عاوزة أرتبط خالص وأنا في جامعة، أهلي بدأوا يكلموني عن ابن خالتي المهندس ورايحين جايين يشكروا فيه، وقلتلهم مش هتجوزه، ولكن مع كتر الزن لقيتني في مرة بكلمه وبشتمه وبقوله إنت فاكر إني ممكن أتجوزك أنت أهبل يا ابني رد علي رد لا يمكن أنساه ولحد دلوقتي وشي بيحمر لما بفتكره قالي "ومين قالك إني عايز أتجوزك ولا بفكر فيكي".. من وقتها الموضوع اتقلب معايا ولكن طبعا معترفتش بدا فضلوا أهلي يتكلموا وأنا ارفض.. كنت كل ما أشوفه في أي مناسبة عائلية أبقى مش طايقاه وأتحرج لما أفتكر رده.. مع الوقت رأيي فيه تغير وحسيت ان أهلي عندهم حق في كلامهم عنه فحاولت أني أقرب منه، أنا أخدت الخطوة الأولى ولمحتله واحنا دلوقتي مع بعض وخطوبتنا قريب بس مش بنبطل خناق ودايما بنتحدى بعض".
فيلم "تيمور وشفيقة" من بطولة أحمد السقا ومنى زكي والذي تم عرضه عام 2007، يبرز هذا الجانب من البدايات إذ يحاول فيه كل طرف أن يثبت شخصيته ويتمرد على الشريك في محاولة لإثبات الذات ورفض الاستسلام.
فيلم "كدبة كل يوم" الذي أنتج عام 2016، ناقش العلاقات بين الجنسين بعد السوشال ميديا، فيتحدث عن قوة البدايات وتأثير الانفتاح في التواصل عليها
عن تلك الحقبة الزمنية يتحدث د. صادق: "جيل الثمانينيات وقبله وبعده بمرحلة شهد فترة تحول بالنسبة للمرأة، فبدأت تظهر أفلام تنادي أن تأخذ المرأة وضعها وحقوقها في البيت وفي مجال العمل وفي كل مكان، بالتالي ظهرت حالات الرفض العام والتمرد، ومع اختلاط الجنسين معاً ومعرفة المرأة لحقوقها بدأنا نسمع بقصص حب أكثر جرأة واختلافاً. طبعاً كل من الجنسين كان يحاول المقاومة في محاولة للحفاظ على بعض المكتسبات التي حصل عليها، لكن الحب في النهاية بيغلبهم الاثنين".
الممنوع مرغوب
أما الجيل الأصغر فيبدو أكثر استرخاءً وانفتاحاً على التجريب، ولعل سمته الأهم هي المخاطرة، نيللي وهو اسم مستعار (20 عاماً) رأت حبيبها لأول مرة على الإنترنت، فجذبتها صورته من أول نظرة وقررت أن يصبح الـ"بويفريند" بحسب كلماتها، تقول: "أول ما شفته عجبني، كنت عايزة أتأكد الأول إنها صورته فعلاً، واتأكدت، بس اكتشفت إنه كان مرتبط ببنت أصغر مني بسنتين، عندها 18 سنة وهو عنده 23 سنة. أنا بعتله على الماسنجر وجبت رقمه وكلمته على الواتس.. قررت إننا لازم نكون مع بعض.. وحصل فعلا يعني.. هو انفصل عن صاحبته واحنا مع بعض من شهرين".أما أحمد (22 عاماً) فيعيش قصة حب مع فتاة مغربية في الخفاء ويرى أن أهله سيرفضون هذه العلاقة، يقول موضحاً لرصيف22: "تعرفت عليها على الانترنت كان عندي رغبة كبيرة من زمان يكون لي علاقة بفتاة لها جنسية مختلفة غير المصريات، مبحبش التعقيد وتضخيم الأمور. عايز أكون خفيف وأنهي العلاقة لما أحس إني مش مبسوط من غير مشاكل.. حبيبتي وافقتني الرأي والله أعلم ممكن نتفق أي وقت ونتجوز ونؤسس أسرة. ولكن ما اعتقدش أن عائلتي رح توافق على هذا الارتباط، فأنا في نظرهم معرفش مصلحتي".
إذا كان ثمة فيلم يناقش هذا الشكل الجديد من العلاقات فهو فيلم "كدبة كل يوم" الذي أنتج عام 2016، ويتحدث عن قوة البدايات التي تختلف بمرور الوقت، وعن تطور بداية العلاقات مع الانفتاح والسوشيال ميديا.
بإمكان أي فرد أن يتعرف على تفاصيل وخصوصية الآخر من خلال مواقع التواصل، المقارنات المطروحة، جعلت أبناء هذا الجيل يطمحون لمثالية القصة
عن الفارق الكبير بين الأجيال الماضية والأجيال الحالية بسبب الثورة التكنولوجية يرى د. صادق أن العالم صار متاحاً وهذا غيّر كل شيء، فصار بإمكان أي فرد أن يتعرف على تفاصيل حياة وخصوصية أي فرد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وصارت المقارنات مطروحة بقوة، وبالتالي فأبناء هذا الجيل يطمحون دائماً لمثالية القصة، ويتوهمون أنهم يستطيعون الوصول إليها من خلال التعرف على الكثير من التفاصيل عن الآخر، وبالتالي يصبح كل شيء مكشوفاً، لكن مع الوقت قد يفتقد أحد الشريكين أو كلاهما الشعور بالإثارة والمتعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...